الأحد. نوفمبر 24th, 2024

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر غضبا واسعا بعد حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن سعيه لتحقيق “نبوءة أشعياء”.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأربعاء 25 أكتوبر، إنه سيحقق “نبوءة إشعياء” في الحرب التي يشنها على قطاع غزة، واصفاً الفلسطينيين بأنهم “أبناء الظلام”، حسب تعبيره، والإسرائيليين بـ”أبناء النور”، وفق قوله.

و”نبوءة اشعياء التي تحدث عنها نتيناهو:

هَا هُوَ الرَّبُّ قَادِمٌ إِلَى مِصْرَ يَرْكَبُ سَحَابَةً سَرِيعَةً، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ فِي حَضْرَتِهِ، وَتَذُوبُ قُلُوبُ الْمِصْرِيِّينَ فِي دَاخِلِهِمْ. وَأُثِيرُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ فَيَتَحَارَبُونَ، وَيَقُومُ الْوَاحِدُ عَلَى أَخِيهِ، وَالْمَدِينَةُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَالْمَمْلَكَةُ عَلَى الْمَمْلَكَةِ، فَتَذُوبُ أَرْوَاحُ الْمِصْرِيِّينَ فِي دَاخِلِهِمْ، وَأُبْطِلُ مَشُورَتَهُمْ، وَتَنْضُبُ مِيَاهُ النِّيلِ وَتَجِفُّ الأَحْوَاضُ وَتَيْبَسُ. و تُنْتِنُ الْقَنَوَاتُ، وَتَتَنَاقَصُ تَفَرُّعَاتُ النِّيلِ وَتَجِفُّ”.

نتنياهو في خطابة بالأمس يؤكد حلم إسرائيل الكبرى باعلانة أنه سيحقق نبوءة اشعيا بقولة “نحن شعب النور، وهم شعب الظلمة، سوف نحقق نبوءة إشعياء، والتي تتكلم عن دمار العراق ودمشق واليمن ومصر وقيام اسرائيل الكبرى بين النهرين النيل والفرات.

على الرغم من أن تلك الأحلام ليست جديدة ولكن هذه المرة الخطر يحدق بالجميع والتهديد بحرب دينية ولا يعني ذلك حدوث تلك النبوءة بالضرورة”.

خطاب نتنياهو… خطاب ديني عاطفي نفسي

وتجدر الإشارة إلى أن خطاب نتنياهو يُقصد به الكلمات القصار والتصريحات والبيانات الصادرة عنه.

وقد اتّخذ الخطاب طابعين أساسيين في سياق تعبئة المستوطنين للحرب على غزة، وحرف الأنظار عن المسؤولية السياسية والعسكرية والأمنية عمّا أصيب به الكيان من فشل تاريخي، وهما:طابع الهوية الدينية في التحشيد والتعبئة،

وطابع المواجهة “ضد الإرهاب”.

كما ارتكز على بعدين: الأول عاطفي نفسي والثاني عقلاني موضوعي”، في وقت توزّع فيه ما بين اتجاهين: داخلي خاطب فيه المستوطنين وخارجي لاستثارة التعاطف والدعم الأجنبي.

كما حاول نتيناهو من خلال الطابع الديني أن يستفيد من قوة الجماعات الدينية الصهيونية على اختلافها، وما توفره من دعم وما تمتلكه من تأثير بدورها على مختلف الشرائح.

الأمر الذي يؤمن له الدعم الداخلي بشكل مركّز، دون أن ينعدم الدعم الخارجي من الفئات الدينية المنتشرة في الخارج. ولجأ نتنياهو إلى إطلاق مسمى “داعش” بغية تجييش الغضب والسخط في الداخل والخارج واستدرار التعاطف الخارجي واستدراج الأمريكي والغربي للدخول معه في المعركة وتوفير كل الدعم الممكن.

كما لعب على البعد العاطفي النفسي في إثارة المشاعر باستخدام النفحة الدينية والوجدانية التصويرية؛ تمثّل في استخدام مقاطع من أسفار تلمودية، أو أشعار تخدم هدف الانتقام، وسرد رواية تصويرية ـ وخاصّة أثناء لقاءاته برؤساء ومسؤولي الدول الأجنبية التي تزور الكيان المؤقت ـ لما جرى ميدانيًا لتأجيج وتعميق حالة الغضب والمظلومية عند الضيوف الأجنبية والمستوطنين.

فاغلب خطابه يحمل التحريض الديني، إذ استخدم تعابير مختلفة يرجح أنّها تلمودية ذات دلالة دينية عند اليهود مثل: “يا الله، أقم علينا عدونا واضرب أمامنا”، وتعابير أخرى فيها أسماء الأبطال اليهود وشخصياتهم الدينية، مثل: “تذكروا أنكم تواصلون خط أبطال شعب إسرائيل، يهوشوع بن نون، ويهوذا المكابي، وجميع حروب إسرائيل”، كما وركّز في خطاباته على أنّ مباغتة حماس لليهود أتت في يوم السبت، وهو عند اليهود يوم عطلة ويوم “راحة الرب من الخلق”، ومن هذه التعابير أيضًا كلمة “التطهير”.

مفردات الخطاب التعبوية

استخدم نتنياهو في خطاباته عدة مفردات لها دلالاتها الخاصة، لكن الملفت منها ما لجأ إليه من كلمات عنصرية ودينية وتاريخية في استثارة اللاوعي اليهودي لاتخاذ إجراءات سريعة في الانتقام.

وتعدّ مفردة “داعش” الكلمة الاكثر استخدامًا وبروزًا في خطاب نتنياهو، وفي ما يلي لمحة حول أبرز المفردات:

داعش:

ربط نتنياهو في خطاباته ما بين حركة حماس وما بين تنظيم داعش، وحوادث 11 سبتمبر 2001. واستخدمت الكلمة 17 مرة، وهي أكثر كلمة استخدمت وتم التركيز عليها.

والهدف من وراء ذلك توجيه سياسات الدول الغربية والولايات المتحدة تجاه حماس كتنظيم ارهابي، واتخاذ وضعية محاربتها كما لو أنّها تحارب داعش عبر التحالف الغربي المعلن عنه والمتواجد في سوريا والعراق وبعض دول أفريقيا، أو كما واجهت دول “الحلفاء” النازية في الحرب العالمية الثانية، أو كما تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع حوادث تفجير مبْنَيَيْ التجارة العالميين في أمريكا، وأدّى ذلك إلى شن الولايات المتحدة حربًا على أفغانستان ومن ثمّ العراق

البربرية والهمجية:

 استحضر نتنياهو ما أسماه العالم المتحضر مقابل “البربرية” و”الهمجية”. وعبّر بذلك عن الرؤية الصهيونية في الفوقية العنصرية التي ترى في “الشعب” الإسرائيلي “الشعب المختار” فيما تتوزع بقية الشعوب على المستويات الأدنى. هي رؤية أوائل المؤسسين الذين أعطوا لأنفسهم الحق في اغتصاب الأراضي وفق النظرية الداروينية حيث البقاء للأقوى. وهو باستخدام مفاهيم الحضارة والهمجية والبربرية يحاول اختراق اللاوعي لدى العالم الغربي والأوروبي ويستثير لديهم ذاكرة الحروب القديمة في استعمار الدول والجزر.

المحرقة والهولوكوست والنازية:

 استحضر نتنياهو مفردات “المحرقة” و”الهولوكوست” و”النازية”، لحشد أكبر عدد ممكن من المستوطنين باستثارة الذاكرة الجماعية في ضرورة مواجهة أعداء “السامية”، وبإعادة استثارة ذكريات “المحرقة” اليهودية، “الهولوكوست”، والشعور بالمظلومية والاضطهاد للشعب اليهودي على يد النازيين، وفق ادّعاءات اليهود.

إظهار القوة الشديدة والبأس

 اعتبار المعركة انتقامية، سيستخدم فيها العدو أعلى درجات القوة وستغطي نطاقات مفتوحة بشكل تدفع معه حماس “ثمنًا لم تعرفه من قبل”، إضافة إلى استخدام مفردات توحي بالشدّة من قبيل وصف السيوف الحديدية بأنها ستكون ” دون تحفظ بلا هوادة” والإخبار عن القيام بـ “عمليات عسكرية كبيرة”.

التهويل الإعلامي بالردع:

أكّد الخطاب على “تحصين الساحات الأخرى حتى لا يخطئ أحد في الانضمام إلى هذه الحرب”؛ الترويج لعمل “القوات الإسرائيلية دون توقف”؛ شنّ الهجوم “دون هوادة”.

وضع النصر هدفًا للعملية الإسرائيلية وجعلها مشروطة باتحاد المستوطنين والتغاضي عن المشكلات الداخلية والأزمات السابقة، بحيث أن المرحلة الراهنة تتطلّب تجاوز كل الاعتبارات وتوحيد الجهود لتحقيق “النصر”.

الفوقية والعنصرية:

الإيحاء بأن الوضع في فلسطين يتصف بالأمان وأن الجميع يعيش حياة هانئة لولا بدء الحركة بحرب “قاسية وشريرة”. وهي رسائل تظهر مدى سياسة التهميش والفوقية الصهيونية في التعامل مع الشعب الفلسطيني كنكرة ليس في الحسابات وما يجري عليه هو أمر طبيعي.

التقليد والتماهي:

 استعان نتنياهو بمفردات حساسة في الخطاب الغربي ضد محور المقاومة، وهي مفردة “الشر” حيث أطلق “غزة مدينة الشر” في حركة تماثل إدخال مفردة “محور الشر” في الخطاب السياسي الأمريكي والغربي في سياق ما عرف بـ”الحرب على الإرهاب”. كما وصف حماس بأنها جزء من “محور الشر الإيراني”. وفي ذلك عملية تحشيد للدعم الخارجي في مواجهة “طوفان الأقصى”.

التضليل والكذب:

 هو تضليل عبر تحديد العديد من الأهداف غير الواقعية، كما في هدف” القضاء على حماس وإبادتهم” أو “محوهم” أو حتى في ادّعاء التأكيد بالخروج من المعركة “أقوى من أي وقت مضى”. وكذلك في اعتماد التهويل عما أسموه “فظائع” حماس والقيام بـ “أفظع الجرائم”.

خلاصة

يشير خطاب نتنياهو إلى مستوى عال من التعبئة الدينية والسياسية على المستوى الداخلي والخارجي ولم تعد حماس وحدها هدفا بل كذلك مصر أصبحت هدفا من خلال قراءاته الدينية.

 لجأ إلى استخدام تعابير مؤذية للوعي الإسرائيلي كـ “الهولوكوست” و”المحرقة” و”النازية”، وقدّم نفسه بدور منقذ العالم المتحضّر من صورة جديدة لداعش. فعزّز الدعاية ضد حركة حماس بغية تشويه الإنجاز والنموذج المشرق في التحول الاستراتيجي في التاريخ الجهادي الفلسطيني.

وحاليًّا، تتصاعد الانتقادات الداخلية السياسية والعسكرية وتنكشف للعلن، حتى أن سقوط الحكومة طرح كخيار، ويدرك نتنياهو أن الحل السياسي المؤقت يفتقر لعامل الوقت، وأن هذه الأزمة ستنفجر في اللحظة التي تتوقف الحرب لأي سبب، بحيث تنكشف حكومة الائتلاف الصهيونية وتعود الانقسامات إلى ممارسة سلوكياتها في الميدان والشارع وبوتيرة أعلى نتيجة تداعيات “الطوفان”، وهو ما يعمل نتنياهو على تأجيله.

By Zouhour Mechergui

Journaliste