إعداد قسم البحوث الأمنية والعسكرية
لا ينفك الحديث عن الغزو البري لقطاع غزة منذ أول يوم من معركة طوفان الأقصى في ال 7 من أكتوبر، واتخاذ قرار الحرب من جانب كيان الاحتلال، وكما هو معروف أن الحروب لا تُحسم الا بالغزو البري، كما أن الحرب خدعة، ولا يمكن لأي جهة مشاركة في أي معركة أن تعلن عن خطتها العسكرية فيها، لذلك فإن إعلان الاحتلال الصهيوني الإرهابي يأتي ضمن سياق الخدعة والحرب النفسية التي تُحقق من خلالها أمرين:
- الأول: تشتيت أنظار
تشتيت أنظار العالم عما يحدث من قصف جوي مركّز لقتل وتدمير لبيوت المدنيين، وكأن ما يحصل لا يندرج ضمن المعركة، وبهذا يستطيع جيش الاحتلال القصف والقتل دون أي ضغط عليه لأن جميع الجهود المبذولة تنصب في منع الغزو البري.
- ثانياً: إجبار المقاومة على تغيير خططها
معتقدا بذلك أنه يستطيع إرغام المقاومة على تغيير خططها أثناء المعركة، وبهذا تتمكن من كشف عناصر القوة والضعف لدى المقاومة والحصول على بنك معلومات جديد تستطيع من خلاله تنفيذ الاغتيالات المطلوبة، لا سيما بعد الضربة التي تلقاها جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”.
- ثالثاً: تهيئة الأجواء عند الهزيمة
تهيئة الأجواء للرأي العام سواء المحلي أو الدولي بأنها ستواجه مقاومة قوية؛ لا يمكنها القضاء عليها من خلال الجو، وبذلك تحصل على الدعم المطلوب لعملياتها، إن اضطرت لذلك.
ومن الملاحظ أنه وبعد الإعلان عن الحرب من قبل الاحتلال بعد معركة طوفان الأقصى ومرور ثلاثة عشر يوماً، لم تفصح عن أيٍ من أهداف المعركة على الصعيد العسكري أو العملياتي، سوى ما أعلنه الإرهابي نتنياهو رئيس وزراء حكومة الاحتلال بأنه سيقوم بتغيير منطقة الشرق الأوسط، بالإشارة الى نيته للقيام بالمجازر ضد المدنيين للقضاء على حماس أولاً( دون توضيح الطريقة)، ثم دفع الناس للهجرة لسيناء المصرية لتنفيذ مشروعه الاستعماري، وهو بهذا يخرج من الحرج إن لم يتمكن من تحقيق الأهداف فيما لو تم الإعلان عنها مما يعرضه للمحاسبة فيما بعد.
ويبقى السؤال لماذا لم يتم الغزو البري حتى اليوم الثاني عشر من الحرب؟
يبدو واضحاً وبناءً على المعطيات المتوفرة على الأرض بأن قرار الغزو البري قد تم تسويقه والموافقة عليه دولياً، وما يؤكد ذلك جولة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لعدد من دول المنطقة وزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتل أبيب يوم الأربعاء، وعلى ما يبدو أن عدم البدء بالعملية حتى يومنا هذا يعود للأسباب التالية:كيان الاحتلال أعطى لنفسه والولايات المتحدة الأمريكية مهلة معينة لإمكانية تحقيق عدد من الأهداف غير المعلنة من خلال القصف الجوي المكثف والتركيز على الإبادة الجماعية لتركيع المقاومة ولي ذراعها والرضوخ للشروط الاسرائيلية دون الحاجة لهذا الخيار.
يريد أن يدخل الغزو البري بإنجاز مهم للاحتلال حتى يدخل المعركة منتصراً من وجهة نظره، كاغتيال أحد الشخصيات المهمة التي طالما هدد بذلك، شخصية معروفة للجمهور الصهيوني كما حدث مع اغتيال القائد أحمد الجعبري في معركة حجارة السجيل فبراير 2012.
لا يمكن لجيش الاحتلال الدخول إلى المعركة البرية والتي سيفقد خلالها عدد كبير من جنوده وعدد القتلى لديه يزيد عن 2000 قتيل حسب احصائيات الاحتلال، وكانت أكبر بكثير من عدد الشهداء الفلسطينيين حتى نهاية اول اسبوع من بداية المعركة، لذلك هو بحاجه لإعادة ثقة جنوده وأجهزة الاستخبارات من خلال إشباع شهيتهم بقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، فهو جيش بني على عقيدة القتل، وهذا ما يفسر إصرار الجيش على قصف البيوت على ساكنيها، وقيامه بمجزرة مستشفى المعمداني ومدرسة الأونروا في مخيم البريج خلال يومين لإيقاع أكبر قدر ممكن من القتلى الشهداء ليستطيع الدخول للغزو البري بمعنويات عالية.
فتح جبهة الشمال، واستعداد حزب الله للدخول للمعركة؛ والبقاء اليومي على حالة تسخين الحدود؛ وتهديدات وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان بإمكانية دخول ساحات أخرى للمعركة في حال التوغل في المعركة البرية عوامل أربكت حسابات كيان الاحتلال.
على ما يبدو أن وجود وزير الدفاع الأمريكي في تل أبيب يعطي مؤشراً بأن جنود من المارينز (والتي لديها خبرة في الحروب البرية وعملت في أكثر من منطقة مثل العراق وأفغانستان وغيرها من المناطق) قد تساند جيش الاحتلال في العملية والذي سيتحدد حجم وطبيعة المشاركة حسب طبيعة المعركة، وتثير وسائل غعلام غسرائيلية وغربية بأن الجيش الأمريكي قد يكون له مساهمه في تأمين جبهة حزب الله وترك ساحة غزة للجيش الصهيوني، فالولايات المتحدة تعتبر أن الضربة التي تلقاها جيش الاحتلال في غلاف غزة من كتائب القسام قد أصابها.
الخلاصة
يبدو أن زيارة الرئيس الأمريكي بايدن لتل أبيب من قبيل الاطلاع على سير العمليات العسكرية وتزويد حكومة الاحتلال بمعلومات استخباراتية تساند مجلس الحرب في اتخاذ القرار المناسب، وذلك بعد فقدان الولايات المتحدة الثقة بجهاز الاستخبارات الصهيوني، وعدم تحقيقه أي انجاز حتى اليوم ال 12 من المعركة، لذلك أتوقع أن عملية عسكرية قوية مفاجأة للمقاومة الفلسطينية سواءً من غزة أو الضفة الغربية على غرار عملية طوفان الأقصى ستقضي على حلم كيان الاحتلال ومن يساندها بمجرد التفكير باستمرار المعركة، وسيستنجد لإنهاء المعركة بأقل الخسائر، وأعتقد أن المقاومة في غزة قادرة على توجيه ضربة أخرى خلال الأيام القادمة.