تونس 17-10-2023
إعداد: فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
مفهوم العقيدة العسكرية:
وفق بعض المنظرين الإستراتيجيين هي “منظومة المفاهيم المتبناة رسمياً في دولة ما، والترتيبات المتخذة لمواجهة التهديدات لضمان الأمن ولمنع الحروب والنزاعات المسلحة”، كما إنها “نظام الرؤى المتطورة حول البناء العسكري وتحضير البلاد والقوات المسلحة والفرق الأخرى للدفاع عن الوطن” وهي أيضاً رؤى حول وسائل تحضير نضال مسلح أو غير مسلح وإدارته دفاعاً عن البلاد، إذاً العقيدة العسكرية في جوهرها هي إعلان حول سياسة الدولة في الدفاع .
العقيدة العسكرية الإيرانية:
لقد إستفاد الدفاع الإيراني من الدروس العسكرية التي ترتبت على عملية غزو العراق والإحتلال عام 2003، أو حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، أو الصراع بين الحركات الفلسطينية وإسرائيل، من أجل دعم عقائدهم وإستراتيجياتهم الخاصة، كما ترتكز العقيدة العسكرية الإيرانية على “فرضيات الحرب اللامتماثلة”، بما في ذلك توظيف الجغرافيا والعمق الاستراتيجي والرغبة العامة في قبول الخسائر، وترجمتها تحت عنوان الجهاد المقدس، وذلك لمواجهة خصوم متفوقين عليها من الناحية التكنولوجيا كالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
لقد سعت ايران الى أن تصنع من “حماس” فصيل دفاعي يجيد لعبة الشطرنج في منطقة الشرق الأوسط بالذات فكثيرًا ما اتُّهمت إيران بأنها تستثمر سياسيًّا في القضية الفلسطينية كرمزية قومية عربية، فإن كان إستثمارها مجديًا فذلك يمثل دعوة للدول العربية بأن تدخل هي الأخرى وتستثمر في هذه القضية، وبالتالي ستحقق ايران خطوة هامة، أما إن كان هذا الاستثمار مكلفًا بالنسبة للدول العربية التي تخشى الغضب الغربي وهو دليل على مركزية القضية الفلسطينية في الفكر الدفاعي الإيراني وفي كلتا الحالتين فهو حجة على الدول العربية التي كثيرًا ما سعت حركة حماس لإقامة علاقات قوية معها والبعض منها وضع شروطًا صعبة لذلك ومن هنا تزداد العقيدة الإيرانية تعقيدا متى واجهت هذا الاشمئزاز بلعبة اخرى …
ما لا تدركه امريكا، خفايا اللعبة الشطرنجية لإيران
يمثل البعد الديني المذهبي أحد الأدوات الرئيسة في الاستراتيجية الإيرانية، والذي تستخدمه في التمدد وتعظيم نفوذها في المنطقة وهو أمر مقلق جدا بالنسبة للأمن القومي الغربي، ولا يعتبر توظيف إيران للبعد الديني- المذهبي في عقيدتها العسكرية مجرد شعارات فقط وإنما يتعداه إلى تحركات على الأرض تصيب بها إيران أهدافها بعيدة المدى، وأهم هذه الحسابات الإقليمية، الخارجية هي أن :
إيران ستستفيد حاليا وكذلك روسيا من الارتفاع الحتمي في أسعار النفط، وسيواجه إقتصاد الغرب صدمة أسعار النفط، على غرار ما حدث عام 1973 إذ ستحاول كل دولة غربية إنقاذ اقتصادها.
كذلك تشتيت الإنتباه بمعنى أن إهتمام السياسة الأميركية سينصرف الى منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما تتمناه الصين وكوريا الشمالية فمن المعروف ان للصين نفوذا في جنوب شرق آسيا لا سيما في بحر الصين الجنوبي، وهي تحاول بإستمرار صرف إنتباه أميركا عن التواجد في هذه المنطقة، فمن حين لآخر تهدد الصين باحتلال تايوان ثم ان لكوريا الشمالية طموحات إقليمية نووية في منطقة المحيط الهادئ.
كما ان نظام في كوريا الشمالية يتمتع بعلاقات عسكرية قوية مع طهران، وبمقدوره إستخدام مناخ الاضطرابات الحالي لتهديد اليابان أو كوريا الجنوبية.
اما في لبنان قد يقرر “حزب الله” إستخدام ترسانته الصاروخية لإظهار تضامنه مع فلسطين.
لم تتوقع الولايات المتحدة الأمريكية بأن حماس هي الصورة المختزلة لفلسطين بل انها وقعت في فخ أكثر خطورة حينما أدركت وان حماس هي مختزل دفاعي لإيران فبينما تشن إسرائيل حربها ضد “حماس” في غزة، سيتمثّل التحدي الرئيسي الذي ستواجهه الولايات المتحدة في منع التصعيد الناجم عن مشاركة “حزب الله” والميليشيات العراقية الموالية لإيران في سوريا أو العراق، والحوثيين في اليمن، وربما حتى إيران.
وبالتالي ستتسع رقعة النظرية الجهادية الإيرانية تجاه الأطياف ذات الطابع العسكري وغير العسكري في استقطابها ضد التمدد الغربي الأمريكي الصهيوني وهي التي تسمي نفسها ضمن محور المقاومة والتحدي.
وقد يترتب على إضفاء الطابع الإقليمي على الحرب عواقب كارثية تطال أمن إسرائيل وشركاء الولايات المتحدة والاستقرار في المنطقة، والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وخارجه.
وبناء على ذلك بدأت إدارة الرئيس بايدن بواشنطن محاولة إستباق الأحداث والتأثير في حسابات هذه الجهات الفاعلة من خلال زيارة ينزل فيها بايدن الشرق الأوسط او التلميح بالأقوال والأفعال بأن مشاركة الفصال الدفاعية والتي يستقطبها هذا القلب الأيراني العسكري في الصراع بما يستدعي رداً قوياً من الولايات المتحدة في إرسالها لأسلحة وحاملة طائرات وعتاد حربي وبشري تعزيزا لأمن ليس إسرائيل فحسب بل لمصالح أمريكا في منطقة الشرق الأوسط .
القدرة العسكرية الإيرانية ما يفوق الخيال العلمي
في المقام الأول، نكتشف وأن هناك تقدم ملحوظ في الصناعة العسكرية الإيرانية، فصنع محرك صاروخ فرط صوتي يتطلب تقنية عالية للغاية تتوفر حتى الآن لكل من روسيا في الدرجة الثانية ثم الصين وبعدها الولايات المتحدة، وأعلنت كوريا الشمالية عن تصنيع صاروخ فرط صوتي بينما الدول الغربية ذات التاريخ في الصناعة العسكرية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لم تنجح حتى الآن في صناعة صاروخ فرط صوتي وإذا كانت إيران قد صنعت صاروخا بهذه السرعة، فهي قادرة على صناعة أنظمة اعتراض جوي متقدمة في هذا الصدد، لا يمكن فهم نظام الاعتراض الجوي الأكثر تطورا في العالم إس 500 الروسي بل وحتى 400 الذي اقتنته تركيا دون التقدم في الصواريخ فرط صوتية. وإلى جانب البرنامج النووي الإيراني كان الغرب يريد فرض حظر تطوير إيران للصواريخ ولكنه فشل في هذا المسعى.
في المقام الثاني، يمنح هذا الصاروخ للقوات العسكرية الإيرانية قدرة ردع كبيرة للغاية، وذلك من خلال إصابة أهداف بعيدة ونسبة عالية في التدمير، ولا توجد أنظمة مضادة للطيران قادرة على إعتراض هذه الصواريخ بسهولة نظرا للفارق بين سرعتها وسرعة الأنظمة المستعملة مثل القبة الحديدية الإسرائيلية أو نظام باتريوت الأمريكي كما سيجعل هذا الصاروخ إيران محصنة من هجمات قد تشنها إسرائيل بل وحتى الولايات المتحدة خوفا من الرد وعلاقة بهذه النقطة الأخيرة أي شن هجمات ضد إيران فإن الإعلام الغربي وعددا من الخبراء ثم المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين يتحدثون ومنذ عشرين سنة عن هجمات إسرائيلية وأمريكية ستستهدف البرنامج النووي الإيراني، غير أن هذه الهجمات لم تقع نهائيا ويعود السبب الى التخوف من خطر الصواريخ الإيرانية.
في المقام الثالث، مخطأ من يدرك بأن امريكا وحليفتها اسرائيل قد ربحت الحرب بكاملها بل هي مرحلة فإذا ما قررت إيران مستقبلا بيع هذه الصواريخ لدول صديقة، او تكون قد استجابت للعقيدة الحربية وللفكر الإيراني .. فإن ايران لا تمتلك فقط الغواصات والسفن الحربية والمقاتلات بل صواريخ لم تصنع بعد… وهي قادرة على تغيير الكثير من الموازين العسكرية في عدد من المناطق حيث ينظر الغرب بقلق إلى إقدام إيران على ذلك وحتى الآن يبدو أن كلاً من إيران و”حزب الله” عازمان – على الأقل في الوقت الحالي – على الحدّ من مخاطر حدوث تصعيد كبير خصوصا بعد أن نجحا في تعطيل التطبيع السعودي الإسرائيلي الذي كلن سيؤدي الى تحالف عسكري أمريكي سعودي، ثم إستدراج إسرائيل إلى حرب مدمرة جديدة في غزة، قد لا يرغبان في التمادي أكثر من ذلك وهو من باب ضبط النفس والتريث الحربي الإيراني فإسرائيل وأمريكا تردان الفعل ليس ضد ايران مباشرة بل في غزة و ضد الفلسطينيين الأبرياء كنوع من الهجوم الإستفزازي العكسي ضد ايران في إشارة الى عمليات الانتشار العسكري الأمريكي لحماية المصالح الامريكية هناك .