الثلاثاء. نوفمبر 19th, 2024

تونس 17-10-2023

إعداد: فاتن جباري قسم البحوث و الدراسات الاستراتيجية

يخوض الإعلام الإسرائيلي حملة دعائية مركزة تستهدف تصوير ما يجري من حرب ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة، على أنه مجرد مواجهة مع حركة “حماس” وإهمال ذكر فصائل المقاومة الأخرى كما يصورها على أنها مجرد ذراع عسكري يطلق الصواريخ، بما يخدم أهدافاً مُبهمة. فسيل التصريحات الإسرائيلية في سياق التطورات الأخيرة لا ينقطع و بلغات مختلفة تخاطب الداخل الإسرائيلي، وتتوجه للساحات العربية، وتحاول التأثير في بقاع العالم أجمع.

صحيح أن حضور “حماس” وامتدادها الجماهيري والمؤسسي هو الأعرض والأعمق في قطاع غزة، وأن مقاتليها يشكلون مركز الثقل العددي والنوعي في واقع المقاومة، لكن ذلك كله لا يفسر التوجه الإختزالي لما يجري في “حماس”، خاصة أن صور التناول الإسرائيلي تحرص أيضاً على تغييب إسم الجناح العسكري للحركة “كتائب عز الدين القسام” ذاته.

ويبدو بشكل جليّ أن الآلة الدعائية الإسرائيلية، تتعمّد تجاهل الإشارة إلى جناح حماس العسكري الذي يحمل اسم “كتائب الشهيد عز الدين القسام”، والذي يعد أكبر أذرع المقاومة الفلسطينية، وله بنية مستقلة وآليات عمل ذاتية.

من المؤكد أن للدعاية الإسرائيلية مقاصد محدّدة من هذا التوجّه المركّز، وأحد هذه المرامي، يتضح في محاولة تصوير حركة حماس بكافة أقسامها ومجالات حضورها ونشاطها وأجنحتها المتخصصة على أنها حالة أحادية متجانسة وبهذا تدفع الآلة الإسرائيلية الدعائية باتجاه تبرير الاستهداف الشامل لكل البنى والهياكل والمؤسسات والأشخاص في قطاع غزة، حتى في المجالات ذات الحصانة الشديدة، كالمساجد والجامعات والمدارس مع ترويج روايات مختلقة كذرائع تأتي جاهزة بدون عناء وان حركة حماس لهي الا تنظيم ارهابي يجب مكافحته للقضاء على الإرهاب و بذلك تكون قد اخفت الصورة الحقيقية للقضية الفلسطينية واستبعادها من كل جانب تحليلي سواء لدى الرأي العام الدولي الإعلامي و غيره  .

 ومع انهيار الواقع الإسرائيلي العسكري لا يجب ان تظهر اسرائيل ضعفها امام حماس، داخليًا وخارجيًا فإن كان هُناك ما يُمكن قوله بثقة عن حرب لا يُمكن معرفة اتّجاهاتها ولا ما ستؤول إليه وأين ستكون حدودها ومآلاتها، فهو أن إسرائيل سجّلت أكبر فشل في تاريخها منذ نكبة فلسطين حتّى يومنا هذا.

 وهو فشل متعدّد الأبعاد وعلى كافة المحاور تقريبًا فشل الاستخبارات،  فشل الجيش بالتغطية على فشل الاستخبارات،  فشل التكنولوجيا  الوهمية الإسرائيلية وختامًا فشل الدولة بحماية المستوطنين بما سيضعف الثقة بين الإسرائيليين وحكومة نتنياهو.

إختزال القضية الفلسطينية والمقاومة الفلسطنية في حماس

لقد لعبت حماس خطة تكتيكية هامة أدت الى فشل استراتيجي ذريع للإسرائيل لقد بدأ هذا المخطط من خلال الصور الأولى التي تناقلتها وسائل الاعلام الدولية باقتحام الجدار الذي مثل بالنسبة لإسرائيل مشروع حماية المستوطنين والذي تمثل في الجدار العازل او الذكي كما تسميه إسرائيل والذي يمتد على طول قطاع غزة فوق الأرض وتحتها.

واستغرق المشروع الذي كلف 3.5 مليار شيكل (1.1 مليار دولار) أكثر من ثلاث سنوات ونصف من العمل، وفق وزارة الدفاع الإسرائيلية اذ لا يزال الجدار الحديدي الفاصل بين إسرائيل وغزة حديث الساعة منذ تمكنت  المقاومة الفلسطينية المسلحة من اختراقه وعبور الحدود نحو إسرائيل، في مشهد فاجأ الجميع، بالنظر إلى التكنولوجيا المتقدمة التي زُود بها الجدار لمنع عمليات التسلل.

والأهم من هذا كلّه، هو الرسالة التي كشفت عن فشل رؤية السجن كحل أبدي للفلسطينيين لان فلسطين او غزة ليست سجنا بل أرض لشعب له تاريخ نضالي مقاوم وصامد حتى تحريرها…  وهو ما أصاب إسرائيلي بالعمى بل فشلٌ استخباراتيٌ إسرائيليٌ مدوٍ، إذ لم تكُن هُناك أي تحذيرات أو معلومات مسبقة عمّا تُخطّط له حماس رغم حصار قطاع غزة ومساحته الضيّقة وسيطرة إسرائيل فيه على الحدود والجو والبحر.

هذا الفشل سيُبحث لاحقًا  خاصة لأنه أكبر فشل في تاريخ المستوطنة، بمُقارنته مع حرب أكتوبر 1973، ليتضح لاحقًا أنه أكبر من فشل حرب “يوم الغفران” حيث في تلك الحرب لم تقُم الجيوش العربية باقتحام المستوطنات الإسرائيلية، وتركّزت الحرب في جبهات القتال داخل الأراضي المُحتلة لهذه الدول.

لكن أن وراء هذا الفشل الاستخباراتي والعسكري دوافع أعمق يجب أخذها بعين الاعتبار لفهم سياق:

 بداية، خلال  شهر أفريل الفائت إندلعت مواجهات سلمية مع قوّات الاحتلال على الشريط الذي يُحاصر قطاع غزة، واستطاعت إسرائيل قمعها عبر أداتين: القمع العسكري من خلال القنّاصة وقنابل الغاز السام والقصف الجوّي وعبر تشديد الحصار من خلال إغلاق المعابر ومنع العمّال الفلسطينيين من الدخول للعمل في أراضي 48.

الهدف غير المُعلن للعدوان على غزة الآن هو إعادة بناء الثقة بين الجيش وجمهور المستوطنين وهو الضرر الأكبر الذي لحق بـإسرائيل نتيجة عمليّة طوفان القدس وهو ما يخفي ازمة سياسية خانقة بالنسبة الى نتنياهو  الذي أتهم بفشل حكومي ذريع في إدارة مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلي تأسيسًا على هذه الرؤية، تم توزيع القوّات العسكرية ونقل التركيز السياسي لحسم الصراع على الضفة الغربية لغزة كخطة حكومية وهو ما تم التعبير عنه بأمرين:

أولًا العودة إلى الاستيطان في شمال الضفة وتعديل قانون “فك الارتباط” الذي منع الاستيطان هُناك، وبدء بناء المستوطنات فيها لأجل السيطرة الكاملة على القطاع  ومنع نمو وانتشار المقاومة خاصة في جنين ومنطقة نابلس.

من جهة ثانية، فقد تم نقل القوّات الإسرائيلية والتركيز الأمني  في هذه المستوطنات بهدف حمايته  وكذلك المستوطنين .

هذه الجولات الاستفزازية التي قامت بها قواة الآمن الإسرائيلي  خلقت جولات قتالية بين المواطنين الفلسطينيين والأمن الإسرائيلي لكن حتى الان لم تتدخّل فيها حماس…

 لقد خلق ذلك حالة من الوهم الإسرائيلي بأن حماس تركز على حماية النشاط الإقتصادي الاجتماعي فقط  للفلسطينيين بما يستبعد أي نشاط تحريري اخر. كما اعتقدت اسرائيل ان حماس مُختلفة عن الجهاد الإسلامي على صعيدين مركزيين اولا في  علاقتها بالمحور الإيراني، حيث رأت إسرائيل بالجهاد الإسلامي الجهة المسؤولة عن التدخّل الإيراني في الساحة الفلسطينية وهو ما استغلته حماس في عمليات ادخال السلاح أي النموذج الجهادي متوجها الى غزة بالذات في الوقت الذي ينشغل فيه الامن الاسرائيلي بالضفة اين تم التركيز على الجبهة اللبنانية والتوتّرات فيها، وتم إهمال حماس على اعتبار أنها منشغلة بترميم الوضع الاقتصادي للقطاع …بالنسبة الى اسرائيل .

 القراءة من هذا الباب تجعل من الفشل الاستخباراتي الأساسي نتيجة لرؤية وقراءة شاملة إسرائيليّة للحالة الفلسطينية، بدأت في نهاية ولاية نتنياهو السابقة وخلال فترة الاتفاقيّات الأبراهيمية مع الإمارات والبحرين.

لقد تشكل لدى الكيان فكرة  تقوم على أنّه يمكن إنهاء القضية الفلسطينية ليس عبر حلها، بل من خلال تجاهلها كقضية سياسية  وتجاهل كل نقطة قوة فيها والتركيز على عمليات الاستيطان والتطبيع  ثم ان غزة هي سجن الفلسطينيين الأكبر اين يتم التعامل معهم  كسجناء يتعاملون مع المُحتل بأدب كما وقع تضييق الخناق بشدة اين تُغلق الطرقات ويُحاصر المواطنون او يقع تكديسهم من اجل احكام القبضة

خلاصة :

انهارت مُجمل الرؤية والقراءة الإسرائيليّة التي اعتقدت أنه يمكن سجن او قبر القضية الفلسطينية إلى الأبد دون أمل ودون مستقبل ودون كرامة تعزّز هذا الاتّجاه مع بدء المفاوضات الإسرائيليّة الأمريكية مع السعودية للوصول إلى اتفاق تطبيع تأمل السعودية بالحصول على أسلحة ومفاعل نووي وحماية أمريكية في إطاره وفي المُقابل، تمنح السعودية إسرائيل صك الموافقة بصفتها قائدة العالم الإسلامي السنّي على هذا الواقع، فتغدو إسرائيل مركبًا مركزيًا في الإقليم وصراعاته وتتمأسس حالة السجن الفلسطيني.

 وفوق هذا كلّه تُخيّم منظومة السيطرة التكنولوجية الإسرائيليّة التي كانت تعتقد اسرائيل من خلاله انه الجيش الذي لا يقهر على غرار  منظومات الذئب الأزرق والأحمر للتعرّف على الوجوه كاميرات مُراقبة على الجدران…منظومات باتت منهارة و مخترقة من قبل كتائب التحرير الفلسطينية خسرت فيها اسرائيل دعاية وهمية كبرى بل اعادت لامعة القضية الفلسطينية  الى الواجهة الدولية وعززت من صورة حماس في المختبر الحربي الدول.

By amine