إعداد: فاتن جباري باحثة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية و العسكرية
تقديم :
“إن إسرائيل قامت على الظلم والقتل وسفك الدماء، وكل كيان يقوم على الظلم والاغتصاب مصيره الدمار.
فالقوة في العالم كله لا تدوم للنهاية وهكذا الدول تولد وتكبر ثم تتوجه للاندثار مثل أمريكا وإسرائيل وغيرها ستكون قد بادت وأنتهت وستبرز للوجود دول اخرى حينما يتحول الوضع أكثر أمانا وعدلا …”
بهذه الجمل ختم عبد الوهاب المسيري كتابه الشهير وهو عالم إجتماع ذاع صيته في الأقطار العربية والدولية، حيث قضى نحو ربع قرن في كتابة موسوعته “اليهود واليهودية والصهيونية”، وفي شهور عمره الأخيرة قبل وفاته عام 2008 تحدث المسيري بوضوح عن توقعاته لـ “نهاية قريبة” لإسرائيل، ربما خلال خمسين عاما، كما قال في حوار مع وكالة رويترز الدولية .
يجرد المسيري توقعاته من التفاؤل والتشاؤم ويقول إنه يقرأ معطيات وحقائق في سياقها الموضوعي لإستخلاص النتائج المنطقية. ويرى المفكر المصري أن “إسرائيل دولة وظيفية” بمعنى أن “القوى الاستعمارية إصطنعتها وأنشأتها للقيام بوظائف ومهام تترفع عن القيام بها مباشرة هي مشروع إستعماري لا علاقة له باليهودية”.
ويقول المسيري إن هذه الدولة ستواصل التقهقر وإن المقاومة الفلسطينية ستنهك إسرائيل إلى أقصى حد حتى وإن لم تتمكن من هزيمتها، مما سيجعلها مرشحة للانهيار خلال بضعة عقود لأن “الدورات التاريخية أصبحت الآن أكثر سرعة مما مضى”.
ففي حروب التحرير لا يمكن هزيمة العدو وإنما إرهاقه حتى يُسلم بالأمر الواقع، مضيفا أن المقاومة في حرب الفيتنام مثلا لم تهزم الجيش الأميركي وإنما أرهقته لدرجة اليأس من تحقيق المخططات الأميركية وهو ما فعله المجاهدون الجزائريون على مدى ثماني سنوات في حرب تحرير بلدهم من الاستعمار الفرنسي.
تحدث المسيري عن أبعاد المشاكل التي تهدد بقاء إسرائيل، ومن بينها المشكلة الاجتماعية السكانية حيث يقول إن إسرائيل “دولة عنصرية تعاني من مشكلة ديمغرافية… “فالأشكيناز”يعني اليهود الغربيين محتفظون بعناوين ذويهم في السجلات الرسمية ذلك أن جل وثائق الإسرائيليين الرسمية لا تحمل جنسيتهم بل على العكس اذ يحملون جنسيات اميريكية، بريطانية، فرنسية…في الخارج وهذا ما تخفيه السلطات حينما لا تصرح وان اسرائيل مفرغة وليس فيها شعب بل من تدعي وانهم مواطنون هم أصلا جنود على أرض فلسطين فقط وبجنسيات مزدوجة وبعد توالي الهزائم زاد عدد من يطلبون الحصول على جوازات سفر غربية بالتزامن مع الهجرة العكسية من إسرائيل للخارج وعدد النازحين من تل أبيب اليوم عددهم كثير جدا فحقيقتهم أنهم لا يتحملون العيش في أرض يدركون خفية وأنها ليست أرضهم ولن تكون كذلك… إنهم مهجرون ومشتتون في كل دول العالم ومن هنا برزت خطة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض وهي فكرة قام بالترويج لها زعماء الحركة الصهيونية نتج عنها إحدى أعظم الكوارث الإنسانية التي حدثت في القرن العشرين ألا وهو تهجير الفلسطينيين لكنهم لم يهجروا ولن يتركوا ارضهم.
لكن هناك مشاكل أخرى أكثر عمقا، يوجزها المسيري في فشل عملية صهر اليهود داخل تلك الدولة المصطنعة لإنتاج “المواطن العبراني”، وقبل ذلك هناك إخفاق أكبر يتمثل في “سقوط الإجماع الصهيوني” على نظرية “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، فقد وجد اليهود شعبا حيا مقاوما في فلسطين ولم يستطيعوا توحيد صفوفهم كشعب واحد، خاصة أن غالبية اليهود في العالم ما زالت تعيش خارج إسرائيل.
ويرى المسيري أن الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي خلص إلى إستحالة حل مشكلة “المقاومة” وأنه يحاول فقط التقليل من تأثيرها. وربما كان المسيري باحثا متجردا وموضوعيا في دراسته العميقة لليهودية والصهيونية، لكنه كان أيضا منظرا للمقاومة متقد العاطفة يرى أن التفاف العرب والمسلمين حول هذه المقاومة سيعجل بنهاية إسرائيل بينما العرب يتكاثرون واليهود يتناقص عددهم من خلال النزوح وانقطاع الهجرة والإحجام عن الإنجاب .
في العام 2010 سرّبت بعض المواقع الإلكترونية الأجنبية تقريراً للمخابرات المركزية الأمريكيةCIA يخص “إسرائيل”. وفي هذا التقرير السري الذي تم إختراقه أعربت المخابرات الأمريكية عن شكوكها في بقاء إسرائيل بعد عشرين عاماً وتنبأ التقرير بتحوّل مشروع حلّ الدولتين غير القابل للتطبيق الى مشروع حلّ الدولة الديمقراطية الواحدة التي يتمتع فيها المواطن بكامل حقوق المواطنة بالتساوي، بمعزل عن عرقه أو قوميته وخلص التقرير الى أنه بدون عودة لاجئي عام 1948 و1967 فلن يكون هنالك حلّ دائم ومستقر في المنطقة.
ويذكر التقرير أن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة سيتسبب برحيل أكثر من مليوني إسرائيلي الى الولايات المتحدة في السنوات الخمس عشرة القادمة، وأن هناك زهاء خمسمائة ألف إسرائيلي لا زالوا يحتفظون بجوازات سفرهم الأمريكية، وأن من لا يملك جواز سفر أمريكي أو اوروبي، فقد تقدم بطلب للحصول عليه.
وتنبأت الدراسة أيضاً بعودة ما يزيد عن مليون ونصف اسرائيلي الى أمريكا وبعض دول أوروبا، إلى جانب إنخفاض نسبة الإنجاب والمواليد لدى الإسرائيليين مقارنة مع إرتفاعها لدى الفلسطينيين، مما يؤدي الى تفوّق أعداد الفلسطينيين على الإسرائيليين مع مرور الزمن.
وبدوره وزير الخارجية الأمريكية السابق وعراب إتفاقية كامب ديفيد عام 1978 اليهودي هنري كيسنجر، يؤكد أنّ “إسرائيل” لن تكون موجودة في المستقبل القريب، فقد نقلت عنه صحيفة نيويورك بوست القول “في العشر سنوات القادمة لن يكون هناك إسرائيل”، وهو يؤكد أنّه في حدود السنوات القادمة لن يضل الكيان الموهوم به على خريطة العالم، مع العلم أنّالتقرير تم إتلافه من أجهزة الإستخبارات الأمريكية .
يختم المسيري في كتابه هذا الطرح القائم بإعتماد القرآن الكريم: “لأننا نؤمن بالقرآن الكريم، والقرآن حدثنا أن الأجيال تتغير كل أربعين عاماً، في الأربعين الأولى كان عندنا نكبة، وفي الأربعين الثانية أصبح عندنا انتفاضة ومواجهة وتحدٍّ وقتال وقنابل، وفي الأربعين الثالثة تكون النهاية”.
وهذا استشفاف قرآني، فحين فرض الله على بني إسرائيل التيه أربعين عاماً، لماذا؟ ليغير الجيل المريض ويأتي بجيل مقاتل وجيل النكبة بدّله الله بجيل الانتفاضة، والجيل القادم هو جيل التحرير، لكن هناك شرط محقق في هذا الإطار، وهو ضرورة إستيفاء شروط النصر، و يواصل قائلا يمكننا أن نتوقع أن السنوات العشر القادمة سوف تكون قاسية على المنطقة بشكل عام، قد يتبعها نشوء تحالفات ومحاور جديدة، قد تؤدي الى نشوب حروب كبيرة تمهّد الطريق الى زوال الكيان الصهيوني الغاصب، من حرب النكبة الى حرب التحرير .
الخلاصة:
من وجهة نظر مقارنتية بين نظريات حتى وإن كانت مستبعدة وبين ما يحدث وواقعا تجعل شكوكنا أقرب الى اليقين.
الى أي مدى يمكن ان تصمد إسرائيل؟
ماهي الصورة الحقيقية لإسرائيل بدون الحليفة الذخائرية المزودة بالسلاح والعتاد الحربي والبشري أمريكا ؟
هنا الإجابة ستكون بإعتماد مقاربة واقعية كالاتي:
ان خوض إسرائيل حرب طويلة بجنود الاحتياط سيلحق أضرارا كبيرة باقتصادها فإسرائيل لا تملك رصيدا بشريا وجنود الإحتياط يمثلون 65 بالمئة من إجمالي الجيش الإسرائيلي.
وهناك دراسات عبرية تؤكد فقدان معظم جنود الاحتياط الرغبة في الالتحاق بالجيش وفرار كثير منهم من الخدمة الإلزامية خلال السنوات الماضية إستدعاء نحو 360 ألفا من جنودها الإحتياط، تساؤلات حول مدى قدرتها على خوض حرب طويلة دون أن يتعرض اقتصادها ومرافقها الخدمية لأضرار كبيرة.
جنود الاحتياط هم مدنيون يعملون في قطاعات صناعية وزراعية وخدمية مختلفة، وانقطاعهم عن أعمالهم لفترة طويلة من شأنه أن يؤدي إلى تضرر هذه القطاعات بصورة كبيرة. مما يعني حقا وإن إسرائيل بالونة هواء لا تملك في ذاتها عقيدة الدفاع والمقاومة و هنا نرجع الى النظرية الحربية من لا يملك القدرة على التحمل سيخسر المعركة في النهاية .