الأثنين. نوفمبر 25th, 2024

إعداد قسم البحوث والدراسات الإستراتجية والعلاقات الدولية

هنري كيسنجر وألكسندر دوغين، هما منظران إستراتيجيان نشطا خلال الأحداث العالمية في الفترة قبل وبعد إنهيار الاتحاد السوفياتي وظهور معالم نظام عالمي جديد بقيادة الولايات المتحدة.

الأول، كان مستشار الأمن القومي لمجموعة من الرؤساء الأمريكيين ونشط في السياسة الخارجية التي هندست النظام العالمي الجديد.

 والثاني هو صاحب المشروع الأوراسي الذي تعتبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط بمثابة عمقه الاستراتيجي.

في ظلّ الأحداث الأكثر سخونة في الشرق الأوسط، وفي أول تعليق لهما، بدأ تعليق الثعلب كيسنجر مقتضبًا، أو أن ما نُشِرَ عنه، هو الجزء المسموح بإعلانه فقط.

أما دوغين الذي إستخدم عبارات من النبوءات الدينية من الأديان الثلاثة الإسلامية واليهودية والمسيحية، فقد قال ما لم يقله كيسنجر، أو ربما أكمله، وهو أحد السيناريوهات المحتملة التي ستندلع في آخرها الحرب العالمية الثالثة، في حال تدحرجت الأمور في الشرق الأوسط.

بداية، كان هنري كيسنجر، مزعوجًا جدًا من الاحتفالات التي جرت في شوارع برلين عندما عبرت حماس من غزة وقامت بعمليتها العسكرية، وبحسب تعبيره “كان ذلك مؤلمًا”.

وصرّح أنه “كان خطأً فادحًا السماح بدخول الكثير من الناس من ثقافة ودين ومفاهيم مختلفة تمامًا، لأنه يخلق مجموعة ضغط داخل كل بلد تفعل ذلك“.

بالطبع ينطوي “ألم” كيسنجر على تحيزه العاطفي وهو يهودي الأصل. وعمل الكثير في خدمة الولايات المتحدة بما فيها تثبيت الكيان الصهيوني في منطقتنا العربية.

لكنه بالطبع، لم يعجبْ كلامُه إسرائيل، عندما قال إن العمل العسكري لحماس “يجب أن يُقابل ببعض العقوبة”. إذ لم يقل إنه يجب إبادة حماس، كما يتوعّد القادة الإسرائيليون.

يعرف كيسنجر جيدًا أن إبادة حماس هي خط أحمر لدى محور المقاومة، وأنّ من شأن ذلك أن يشعل حربًا إقليمية. لذلك، أعاد إلى الأذهان نتائج حرب يوم الغفران أي 6 أكتوبر 1973 التي “أخضعت الدول العربية لضغط الرأي العام”. وقال إنه “يجب الاستفادة من تلك الدروس”.

اللافت أن كيسنجر في هذه المقابلة لتلفزيون فيلت الألماني، لم يوضّح السيناريوهات التي يمكن أن تؤدي إلى ما حذّر منه. لكنه على نطاق أوسع، قال “إن العدوان الروسي المستمر في أوكرانيا إلى جانب هجوم حماس على إسرائيل يمثل “هجوما أساسيًا على النظام الدولي”…

وهنا يظهر قلقُ السياسيِّ المحنّك، البالغ من العمر 100 عامًا. فانتصار روسيا على أوكرانيا الذي تتزايد احتمالاته يومًا بعد يوم، بالإضافة إلى الاحتمالات الكبرى لنجاح حماس ومن خلفها في محور المقاومة ولا سيما في حال قام المحور بالتدخّل، هما بمثابة نسف لركيزتين أساسيتين للنظام العالمي القائم على الهيمنة القطبية الأمريكية.

وهو ما يفسّر أن الولايات المتحدة لم تفكّر مرّتين قبل أن تعلن الدعم المطلق لإسرائيل لتثبيتها واستعادة الردع، على الرغم من مجموعة المآزق السياسية والاقتصادية، تلك الداخلية وأخرى مع الحلفاء بسبب الحرب على أوكرانيا، ومن منظور أبعد، حربها مع الصين.

فما هو السيناريو الذي “سيشكّل هجومًا على المجتمع الدولي”؟

ألكسنر دوغين يجيب فيما أسماه تحليلًا تنبؤيًا للأحداث التي من الممكن أن تحصل.

تبدأ الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، يقول دوغين. لا يستطيع محمود عباس إحتواء الوضع، ولا رؤية إسرائيل تنفّذ إبادة جماعية كاملة في قطاع غزة، فيقوم الفلسطينيون بثورة شاملة.

ويواصل الجيش الاسرائيلي إرتكاب المذابح ضد المدنيين في قطاع غزة. وبعدها ستخرج احتجاجات متزايدة في جميع أنحاء العالم ضد النخب الليبرالية الغربية الموالية للولايات المتحدة، التي تقف بالإجماع لصالح إسرائيل.

حزب الله يتدخل، وحشود من العرب من الأردن تخترق الطوق على الحدود. تشن الولايات المتحدة ضربات وقائية ضد إيران، التي تشارك بشكل متزايد في الصراع، وترد إيران على إسرائيل. سوريا تدخل الحرب وتهاجم مرتفعات الجولان. هناك تعبئة سريعة للعالم الإسلامي بأسره.

الدول الإسلامية الموالية للولايات المتحدة – المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وغيرها – مجبرة على الانضمام إلى المواجهة إلى جانب الفلسطينيين.

 وتنضم إليها باكستان وتركيا وإندونيسيا. قصة إرسال طالبان قوات إلى الشرق الأوسط من الأخبار المزيفة تصبح حقيقة واقعة. يتم رفع الرايات السوداء لخراسان في جميع أنحاء العالم.

المشاكل بين السلفيين و”التقليديين”، بما في ذلك الشيعة، تتلاشى في الخلفية. لقد بدأ الجهاد الكبير للعالم الإسلامي ضد الغرب وإسرائيل.

تتخذ روسيا أولا موقفا محايدا، لكنها لا تتسرع في دعم إسرائيل، لأنها في حالة حرب في أوكرانيا مع الغرب، والذي بدوره يقف إلى جانب إسرائيل تمامًا.

في مرحلة ما من الانتفاضة في القدس الشرقية، أعلن الفلسطينيون الحاجة إلى تطويق المسجد الأقصى للحماية من الجيش الإسرائيلي. تم ذكر المسجد الأقصى في بداية الانتفاضة في قطاع غزة – طوفان الأقصى.

إسرائيل، في سياق قتالها للفصائل الفلسطينية المسلحة و”دفاعًا عن النفس” (نتحفظ عليها)، تشن هجومًا صاروخيًا على المسجد الأقصى وينهار.

وبذلك يتم تمهيد الطريق لبناء الهيكل الثالث.

لكنمليار مسلم، منهم 50 مليون رسميًا في أوروبا، يبدؤون انتفاضة الآن في الغرب نفسه وفي الدول الأوروبية مما سينشب عنه اندلاع حرب أهلية في أوروبا. بعض الأوروبيين يقفون إلى جانب المثليين وسوروس والنخب الأطلسية، والبعض الآخر يتحالف مع المسلمين (على غرار آلان سورال) وينضمون إلى الثورة المناهضة لليبرالية.

تستخدم الولايات المتحدة الأسلحة النووية التكتيكية ضد إيران. تشن روسيا ضربة نووية تكتيكية ضد أوكرانيا، التي تسعى إلى التشبث بالغرب بأي ثمن وتستفز موسكو بكل طريقة ممكنة.

تندلع الحرب العالمية الثالثة باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية. وأخيرًا تتخذ روسيا قرارها وتنحاز إلى المسلمين. يدرك أنصار التدبير الأمريكي أن الساعة قد حانت. وتهاجم روسيا إسرائيل وإن كان ذلك بشكل غير مباشر.

والآن يكمل السيناريو بتعبير عن طريق نبوءة دينية، في النبوءة الروسية، الغرب تحت الحكم المباشر للمسيح الدجال. يموت العديد من قادة العالم، ويظهر واحد جديد لديه معتقدات أكثر راديكالية.

تهاجم الصين تايوان، مما يشتت انتباه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى هدف جديد، وتمتنع الهند عن الدعم المباشر الذي تعول عليه الولايات المتحدة.

ولعله من باب الاستهزاء، يستشرف دوغين مستقبل المجموعات التي أفرزتها الثقافة الغربية وتفرضها على الشعوب، لتخلق داخلها أقليات يمكن أن تعوزها يومًا ما.

 فيقول دوغين: تطالب النسويات والنشطاء “المثليون” الشاذون ودعاة حماية البيئة، بوضع حد لكل ذلك، لكن لا أحد يستمع إليهم.

ويقول دوغين:

 الغرب مجبر على محاربة الجميع بإسم هدف ما لم يعد بإمكانه التعبير عنه، كل الأطروحات القديمة حول “حقوق الإنسان” و”المجتمع المدني” وغيرها من التعويذات قد إختفت في الواقع القاسي للموت الكامل القادم. يعترف إيلون ماسك بأنه توقف تمامًا عن فهم ما يحدث.

بعد كل ذلك، بحسب رؤية دوغين، إسرائيل لا زالت هناك، وتحت الضربات من جميع الجهات، تبدأ في بناء الهيكل الثالث. والآن، لا بدّ من معجزة لإنقاذ اليهود، فيذكر دوغين النبوءة اليهودية ويقول “فقط موشياخ يمكنه إنقاذ الموقف”، وموشياخ أو المشيخ هو اسم المسيح في الإيمان اليهودي، وهو إنسان مثالي من نسل الملك داود “النبي داود في الإسلام”، يبشر بنهاية العالم ويخلص الشعب اليهودي من ويلاته. في إشارة إلى أنه لا شيء على الأرض يمكنه أن ينقذ ما يسمى بـ “دولة إسرائيل”.

هذا هو المكان الذي ينتهي فيه نص التحليل التنبئي (النبوءة) فجأة.

By Zouhour Mechergui

Journaliste