إعداد: فاتن جباري قسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية
مراجعة الدكتورة بدرة قعلول
مقدمة
مع اقتراب حكام العالم العربي من الغرق في مرحلة تطبيع شبه شامل مع إسرائيل، ازداد خفوت الأصوات الرسمية العربية حيال التزام القضية الفلسطينية رغم أن شعوبها أبت التطبيع ومعه تسقط أكاذيب أنظمة تدّعي التمسك بالقضية زيفاً أو التذرّع بفلسطين لتبرير شرعيتها وقمع شعوبها.
لقد أضحت مخططات التطبيع والإتفاقيات العبرية الإبراهيمية، خطرا وشيكا يهدد وجود القومية العربية والسعي وراء محو إسقاط فلسطين من الوعي الشعبي العربي فاللغة الرسمية تؤثر في الرأي العام وإنْ كانت مدفوعةعند معظم الحكّام العرب بالخوف على الكراسي والسلطة.
ورغم كون الحكام العرب قد دخلوا في مرحلة الإمعان في التطبيع مع إسرائيل والتنازل الخطابي عن لغة تأييد الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، كأساس لشرعية الأنظمة أو على الأقل ضمانة لبقائها وهو ما خلق انتكاسة حقيقية في صفوف الجماهير العربية التي طالما حلمت بالجهاد القومي على أرض فلسطين قبلة المسلمين ولتحرير القدس ونصرة يد الحق.
- طوفان التحرير وصراع الأقطاب
هناك مؤشرعلى طبيعة المخططات والمعارك الدامية الأن، وإعادة تحريك صورة أمريكا والتي لطالما جسدت دورها المخيف والمقلق ضد القوميات الضعيفة خاصة وأن الغرب الأمريكي والأوروبي بالذات غير مستعد للتخلي عن انحيازه المطلق للحركة الصهيونية التي تدعم وتحمي مصالح امريكا وتفرض تواجدها اينما كانت، بل انها تتغاضى كليا وبشكل علني الى النظر بجدية في حجم الجرائم التي يرتكبها الكيان العبريعلى مختلف الأصعدة وسيتواصل الضغط الغربي لجر القومية العربية نحو مستنقع الصهيونية في حرب لا نعتبرها حرب حدود بل هي قضية وجودأمة عربية كاملة.
وهنا يجب التشديد على نقطتين:
– الأولى:منذ تأسيس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وصعود النفوذ الأميركي في المنطقة وتغلغلهفي فلسطين، سوريا، العراق…، كانت سياسات معظم الأنظمة تُراوح بين إيجاد دور وظيفي في معادلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط الاتحاد السوفياتي والدخول في مرحلة العالم أحادي القطبية وهو ما عرف عن الشعوب التي كانت موالية ولاء كليا للاتحاد السوفياتي “مهادنة أميركا”، بما يعنيه ذلك من منع مواجهة شاملة أو حتى جزئية مع إسرائيل.
– الثانية: اجتاح المنطقة التيار القومي واليساري وخطاب معاداة الإمبريالية فكر الجماهير العربية والقوميات وليس الحكام التي ذهبت في سياق أخر بإستثناء بعض الدول التي حافظت على موقفها الثابت تجاه الشعب الفلسطيني، فالاستعمار الغربي (البريطاني والفرنسي والإيطالي) وقمعه الشعوب العربية زرع روح المقاومة عند هذه الشعوب التي رفضت إسرائيلوما تمثله من استعمار استيطاني توسّعي بشع في قلب العالم العربي.
غير أن انقسام الأنظمة العربية إلى حكام مدعومين أمريكيا للتمركز في السلطة والحفاظ على مصالحهم مقابل نصرة المعسكر الغربي مما ادى الى فتح اتصالاتٍ مع إسرائيل وعقد تفاهمات مبكرة الأمر الذي أضعف قيام جبهة مواجهة لإسرائيل وما تمثله من امتداد للاستعمار الغربي في الصفوف العربية حتى التي كانت محتاطة، وهكذا تكون أمريكا وحليفتها اسرائيل قد نالت من خلال اتّساع التطبيع، فرصة في كسب التأييد العربي الدولي شيئا فشيئا حيث تختفي الإدانات لإسرائيل وتضمحلّ الشعارات المطالبة بحق الشعب الفلسطيني على ارضه المغتصبة.
مؤشر اخر قوي، نفهم من خلاله ان الأرض العربية في مقدمتها “فلسطين”هي بالنسبة للقوى والاقطاب العالمية بمثابة محرار او بوصلة تحدد ميل الكفة الى احدى المعسكرات.
- المبادرة الصينية الروسية فتحت بابالتحرير الشعوب
*طوفان التحرير بالقارة الأفريقية:
لقد تتالت الإطاحاتبحكام افريقيا، واحدا تلو الاخر فأفريقيا التي كانو يصفونها بحاضنة الغرب دخلت اليوم في مرحلة تحررية جديدة فمع بروز المعسكر الشرقي والذي احتل قطبا عالميا جديدا بدى في سياسته داعما لحق الشعوب في المساوات والتخلص من الإمبريالية والاستعمار وأحادية القطبية التي حطمت كل وسائل الثروة .
لقد بدأ المعسكر الشرقي في نشر إيديولوجية التحرر والتخلص من الاستعباد للغرب وذلك من خلال وجود فرصة ما تحمل معنى الطوفان والثوران.مما لا شك فيه و ان وجود المعسكر الشرقي ساعد على تأجيج الشعور لدى القوميات بأنه قد حان الأوان ولئن كان المطلق من شعوب افريقيا فقد بدأت رقعة التحرر تتسع شيئا فشئيا نحو الشرق الاوسط علاوة على الدعم الناعم الذي تقدمه الصين والعسكري التكتيكي الذي تعرضه روسيا حتى وان لم تتضح الرؤيا بعد .
*”حل القضية الفلسطينية لا يتطلّب خطة بل ضميراً حياً “
هكذا علق مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، “تشانغ جيون” في تصريحاته في إجتماع لمجلس الأمن، منوها الى أهمية التمسك بالنزاهة والعدالة إزاء القضية الفلسطينية.
فأمل الصين في أن تتمكن الأطراف المعنية من ترجمة الإرادة السياسية إلى سياسات وإجراءات بناءة وبذل جهود ملموسة لتحقيق ونصرة السلام ومبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية، وغيرها من التوافقات والمعايير الدولية تؤكد نوعا ما وان اندمجت الصين قد اندمجت في دعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وتؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”مستعدة للعمل مع جميع الأطراف لدفع مجلس الأمن إلى أداء دوره لكسر الجمود الحالي، ورسم مقترح توافق يترجم الرأي إلى عمل حقيقي، ومن رؤية إلى واقع.
بدأ الفلسطينيون فعليا بالشعور بأنهم ليسوا وحدهم تماماً، خصوصا بميل كفة البوصلة الفلسطينية الى المعسكر الشرقي ورغبتها الملحة في إعتناق التحرير دون ان تكون هناك وساطة عربية كأن تكون أردنية او سعودية او غيرها لم تلقى أي تغيير في موقف المحافل الدولية أو لدى مجلس الامن .فقمع الأنظمة واستبدادها وعدم رغبتها في بناء مجتمعات المواطنة والقانون من أهم أسس الخراب التي سهلت لإسرائيل اختراق المنطقة.
خلاصة
تسير الصين كقطب عالمي واعد نحو بث رسالة انسانية وخطاب لأنظمةٍ قومية تمسّكت بشعارات الحرية والتحرّر ولقد تناغمت معا وانسجمت الشعوب الأفريقية وكذلك تحرير فلسطين.
اما روسيا فقد جسدت موقف القطب العملاق والمخيف لأمريكا وطبعا حليفتها اسرائيل حيث عرّفت نفسها بأنها تشكل محور “الصمود والتصدّي” أو “محور المقاومة والممانعة في اعادة لملمت شتات الإمبراطورية الروسية التي يحلم بها الرئيس بوتين وقد مثلت منافسة للغرب كما ان هناك تاريخ فارق لا تنساه الجماهير العربية هو الموقف الروسي السوفياتي في ابتعاث الطلبة والأسرى المحرّرين والجرحى إلى مستشفيات الدول الاشتراكية للعلاجفي حقبة الاتحاد السوفييتي الذي ساعد العرب وشعوباً أخرى وخصوصاً الفلسطينيين على الشعور بأنهم ليسوا وحدهم.
ولأن الذاكرة العربية لا تنسى فأنها حتما ستتوق الى اعتناق المعسكر الشرقي الروسي الصيني واجتياح عقيدة التحرر رغما عن الغرب.