الجمعة. ديسمبر 27th, 2024

إعداد: فاتن جباري باحثة بقسم العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية

المراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

 تقديم

يدق انعدام الغذاء والجفاف من جديد أجراس الإنذار في شتى أرجاء القارةالإفريقية والقرن الإفريقي الكبير، مهددًا حياة الملايين بالموت البطيء نتيجة إنعدام الأمن الغذائي الحاد، وندرة المياه وجفاف الينابيع والسدود، مؤديًا إلى موت ملايين رؤوس الماشية.

وتمثل موجة الجفاف الحادة أحد التداعيات الكارثية لظاهرة التغير المناخي التي نشهد مظاهرها في العديد من مناطق العالم، والتي تزداد آثارها مأساوية مع الاختلالات العميقة التي تعانيها الدول هناك ومنها موجة الحرائق التي اجتاحت كل من الجزائر وتونس  والمغرب خلال السنوات الأخيرة والإعصار الذي ضرب ليبيا مخلفا آلاف القتلى والزلزال الذي دمر قرى المغرب كاملة… 

يطرح اليوم سؤال نحن في أمس الحاجة للإجابة عليه:

أي قدرة تتحملها دول افريقيا الأكثر تهديدا على الاستجابة للتحديات التي تفرضها التغيرات المناخية الحادة راهنا ومستقبلا ؟

اولا : الصناعة والحروب السبب الرئيسي في تغير المناخ في افريقيا:

تدفع الدول الإفريقية من العالم ثمنًا باهظًا لجريمة الاحتباس الحراري التي لم تشارك في صنعها. ففي ورقة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية  بينت أن موجات الجفاف الحالية والكوارث التي ضربت مؤخرا بعض دول القارة ستتفاقم آثارها نتيجة التغير المناخي الناتج عن الأنشطة البشرية والأخطر من ذلك هي التجارب المسلحة العملاقة التي تجريها أكبر مخازن صنع السلاح في العالم وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.

تذهب تقديرات أممية إلى أن أكثر من 43 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة في جميع أنحاء إثيوبيا وكينيا والصومال في عام 2023 بما في ذلك أكثر من 32 مليون شخص يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وأكثر من 8 ملايين طفل وامرأة حامل ومرضع يواجهون سوء التغذية الحاد، في حين تسبب الجفاف في نفوق أكثر من 13 مليون رأس من الماشية.

هذا الأمر ساهم في هجرة ونزوح أعداد كبيرة من السكان حيث يضطر الملايين إلى مغادرة مواطنهم نحو مناطق أكثر أمنا بما يفتك بحياتهم .

وفي إشارة إلى خطورتها على بقاء الأنسان، وصف مفوض الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات يانيز لينارتشيتش، هذه التهديدات المدمرة  بـ”التاريخية” في عصر التقدم العلمي اذ ليس هناك من يقول” قف” بل على العكس فإن التسابق نحو التصنيع والتألية والروبوتية  والإتجار بالمواد السامة والمفاعلات الكيميائية  وابتكار الفيروسيات القاتلة وترويج السلاح صارت حكرا على الجميع دون استثناء وهي على حد تعبيره “شن حرب ضد الكل”.

على مستوى اخر ووفقًا لتقديرات أممية العام الماضي، فإن الجفاف يهدد المحاصيل الزراعية إذ يُتوقع أن يكون محصول الحبوب في بعض المناطق أقل بـ50% عن المعدل السنوي المعتاد مما سيرفع نسبة تضرر السكان المحليين[1] .

ففي دول القرن والشمال الأفريقي يتسم القطاع الزراعي في المنطقة بالتخلف والافتقاد إلى العقلانية  حيث لا يتمكن كثير من المزارعين من اعتماد الأساليب والتقنيات الحديثة التي تسهم في التكيف مع تغيرات المناخ والاقتصاد الحثيث في استهلاك المياه حيث يتناقص بعض من المحاصيل الحيوية في حياة سكان المنطقة كالذرة والقمح والعلف والقطن نحو الزراعات الأكثر استهلاكا للري…دون وجود منظومة هندسية زراعية او ادارة لخزن الماء كالسدود والآبار والأودية وصيانة الصهاريج وغيرهابما يشكِّل تهديدًا خطيرًا للأمن الغذائي لدول افريقيا تتغافل عنه الحكومات.

ثانيا : عدم استقرار الحكومات سبب داعم لتعطيل المنجزات التنموية

تعاني معظم دول القارة من مزيج من المشكلات التي تتنوع بينالوصول المحدود أو غير المتكافئ إلى الموارد الطبيعية (المياه، البترول، الغاز، الثروات السمكية…)والتوترات المجتمعية على أسس دينية أو عرقية أو غير ذلك، والفقر وعدم المساواة الاقتصادية، في حين أدى ضعف قدرة مؤسسات الدولة على توفير الأمن بمعناه الواسع للمواطنين، إلى جانب الفساد السياسي والإداري، إلى حكم غير فعال، وممارسات غير ديمقراطيةوثقة محدودة وانعدام الثقة في سلطة الدولة وشرعيتها.

 فبالنسبة للشركات الاجنبية العملاقة المتمركزة فأنها تحصل على نصيب الأسد من الثروات دون ان تكون للدولة ذاتها عائدات وموارد لمجابهة فقرها.أما الدول المجاورة فهي الأخرى تستحوذ على موارد وامتيازات على ثروات موجودة بشكل او اخر دون ان تكون للدولة المتضررة اتفاقية مانحة للامتيازات الموجودة او بحكم مناطق واقاليم حدودية رسمها الاستعمار دون ان يتم تحيينها من جديد وهي ظاهرة متفشية في الشمال الأفريقي على غرار الجزائر والمغرب والصحراء الغربية وموريتانيا، تونس وليبيا.

كيف سيؤثر ذلك على المنجزات التنموية بهذه الحكومات؟

يعد القرن الإفريقي من المناطق التي شهدت قدرًا كبيرًا من الصراعات في العقود الأخيرة، وما حملته من نتائج كارثية على العديد من النواحي المرتبطة بالاستقرار السياسي والاجتماعي والتنمية الاقتصادية.

فالصومال يعاني من تبعات انهيار السلطة المركزية  منذ 1991، حيث شكلت الصراعات الداخلية الملمح الأبرز للبلاد في حين يستمر تمرد “جماعة الشباب الإرهابية” في النمو وتهديد السلطة المركزية الهشة في مقديشو.

كما ان الحرب الإثيوبية-الإريترية  الى حدود العام 2000 ظلت تداعياتها مستمرة لعقدين من الزمان وأدت إلى تحول إريتريا إلى سلطة ديكتارتورية منغلقة باقتصاد هش. ورغم أن إثيوبيا شهدت استقرارًا من جديد الا وأن الحساسيات الإقليمية المفرطة بينها وبين الاقاليم المجاورة أعادت العدائية من جديد حيث  شهدت البلاد حربًا ضارية مع التيغراي 2020-2022 أطاحت بالكثير من المنجزات التنموية في العقدين السابقين لها.

 وكذلك جنوب السودان شهدت حربًا أهلية عنيفة  الى غاية 2020 لا تزال تهدد بالانفجار من جديد.

كل ذلك ساهم في إندلاع النزاعات حول المصادر الطبيعية الشحيحة أصلًا وتصعيد الصراع على المياه وانكشاف دول المنطقة أمام الضغوط الخارجية وصناديق النقد الدولي، حيث تفتح هذه الأزمات الباب للدول المعنية لزيادة نفوذها في المنطقة للاستثمار في “دبلوماسية الأزمات الإنسانية”.

الخلاصة :

بالنظر إلى الخطورة التي تشكلها  حرب الأنسان مع المناخ تبدو الدول المتضررة ومنها تونس على وجه الذكر لا الحصر،في حاجة إلى دعم متعدد الأوجه لا لتلبية الاحتياجات الحالية فقط ولكن أيضًا لبناء القدرات على صياغة وتنفيذ إستراتيجيات تكيف مستقبلية مستدامة،  كما على الدول الأخرى بناء جهود دعم السلام كعمليات الإغاثة و برامج اعادة الإعمار في كل من ليبيا والمغرب، اما في القرن الأفريقي نرى من الواجب تخفيف محفزات الصراع سواءعلى المستوى المحلي أو الإقليمي.

يجانب ذلك من المهم دعم أنظمة الإنذار المبكر وتبادل المعلومات ودعم المؤسسات الإقليمية وشبه الإقليمية كالهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “IGAD” ودعم قوى المجتمع المدني والعلماء والنشطاء وقادة المجتمع الأفارقة للعمل على الأبحاث ومقترحات السياسة والمبادرات التي تقودها لمعالجة أزمة المناخ التي تؤثر على سبل العيش والاستقرار في مجتمعاتهم.

إلا وأن هذه التحثيثات تصطدم حتما بعراقيل الدول الكبيرة الضاغطة بما تملكه من  مدن صناعية ضخمة وشركات السلاح والسموم العملاقة ويصل الامر بشكل غير معقول حيث يقع تطويع خبراء البحث العلمي في تجارب كارثية مدمرة تستهدف مليارات من البشر!

المصادر المعتمدة :

  • تقرير المنظمة العالمية لليونيسيف
  • مجموعة البنك الإفريقي للتنمية
  • تقرير منظمة الأمم المتحدة
  • الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية
  • –           احصائيات صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤوناللاجئين

[1]– وفقًا لمؤشر الدول الهشة الصادر عن مؤسسة صندوق السلام عام 2023، يضم القرن الإفريقي بعضًا من أشد البلدان هشاشة في العالم كالصومال، وإثيوبيا، وإريتريا، والسودان، وجنوب السودان

By Zouhour Mechergui

Journaliste