الثلاثاء. ديسمبر 24th, 2024

إعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

تونس 02-10-2023

أغلب شعوب العالم ينظرون الى مؤسسة الأمم المتحدة بكثير من الشك والتأويلات فهي بيد مجموعة من القوى الغربية والولايات المتحدة الأمريكية التي تريد السيطرة والهيمنة على العالم ومن خلالها تعاقب من تريد فهي اصبحت أداة عقاب تستعمله واشنطن من أجل السيطرة على العالم وفرض العقوبات.

كما أن الفشل الكبير للأمم المتحدة وخاصة ضمن هيكل مجلس الأمن هو الذي اصبح يثير العديد من الإنتقادات فهذا الخهيكل لم يعد يحضى بمصداقية، بل أصبح سببا في التوترات الدولية وسياسة “الكيل بمكيالين” وبالتالي فأغلب زعماء العالم المحبين للأنسانية والسلام يرون مدى تحيز مجلس الأمن وإرتكابه أخطاء هدامة في حق الشعوب المستضعفة، فحتى أنه هناك من يطالب بحل هذه المؤسسة الدولية التي لم يعد شعوب العالم تثق بها ولا بتدخلالتها.

وقد قدمت العديد من المبادرات الإصلاحية وعشرات المشروعات الخاصة بإصلاح الأمم المتحدة ككل بهياكلها المختلفة الاجتماعية والاقتصادية أو الخاصة بمجلس الأمن، التي ترتكز على أمرَين أساسيَّين وهما:

  1.  توسيع عضوية المجلس ليكون أكثر تمثيلاً وعدلاً ومُعبِّراً عن مناطق العالم المختلفة بضم دول جديدة لها ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري.
  2. تغييرنظام الفيتو الذي تحتكره الدول الخمس الكبرى، الذي أدى إلى شلل المجلس وفشله في معالجة الأزمات والصراعات الدولية ومصادر التهديد الجديدة غير التقليدية للسلم والأمن الدوليَّين.

عجز الأمم المتحدة في إرساء السلم العالمي

تعرضت الأمم المتحدة لإنتقادات حادة من جميع دول العالم فهي أصبحت عاجزة عن تحقيق أهداف السلام وخاصة في هذه الفترة من تاريخ الإنسانية. فهي اليوم تقف عاجزة لإرساء السلام للحرب الأكرانية الروسية.

وهذه الأزمة أثبتت الفشل الكبير لقواعد الأمم المتحدة وفي الإجتماع الأخير هناك من طالب بإعادة كتابة قواعد للحوكمة العالمية من جديد، أي إعادة لحظات سان فرانسيسكو القديمة، سواء عن طريق إصلاح أو استبدال الأمم المتحدة، مع التركيز على إجراء تغييرات في مجلس الأمن لتجنُّب ذلك النوع من الجمود الذي شهدناه أثناء فترة الحرب الأوكرانية.

كيف فضحت الحرب الأكرانية الروسية محدودية الأمم المتحدة؟

عندما أصبحت الحرب في ديارهم إعترفوا بعجزهم وإستعمالهم لمنظمة الأمم المتحدة لمصالحهم لا غير وخاصة إستعمال هيكل مجلس الأمن من أجل ترهيب الدول وبالتالي جاءت الكثير من المقترحات التي تنادي بالإصلاح وهناك من ينادي بإستبدالها وخلق منظمة عالمية جديدة وبمنطق جديد.

  1. تغيرات جذرية في النظام الدولي وفشل القديم:

تغيرت الخريطة الجيوسياسية العالمية وأصبح العالم اليوم عالم متعدد الأقطاب وذلك نتيجة لصعود قوى دولية وإقليمية جديدة تلعب أدوارا متزايدة في مجالَي السياسة والاقتصاد العالميَّين.ولأهمية هذه التحولات العالمية وبروز الدول النافذة في العالم الجديد يستغل قادة هذه الدول فرص انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة للتشديد على الضرورة المُلحَّة لإصلاح مجلس الأمن ليعكس بطريقة أفضل حال النظام الدولي اليوم وخاصة العدالة في طرح المواضيع التي تهم الأمن العالمي، بحيث يعكس بشكل أفضل تمثيل الشعوب والدول والقارات المختلفة.

  • عدم قدرة المنظمة على حل النزاعات والحروب وذلك راجع لعدم مصداقيتها

الهجوم الذي شنَّته روسيا على أوكرانيا كان سبباً في إحياء المطالبات بأن يعمل العالم على إصلاح نقاط الضعف التي طال أمدها في قدرة الأمم المتحدة على التصدي للحروب العدوانية، خاصةً أن انقسامات المجلس باتت أكثر حدةً مع اندلاع الحرب في أوكرانيا.إضافةً إلى ذلك، فإن أدوات إدارة الصراع الموجودة تحت تصرُّف الأمم المتحدة الوساطة وحفظ السلام ليست ذات فائدة كبيرة عندما تخوض إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الحربَ، حيث عادةً ما يفشل المجلس في اتخاذ إجراء فعَّال لوقف الحرب التي تشنها إحدى هذه الدول، نتيجةً لأحقيتها في استخدام الفيتو ضد القرارات المتعلقة بإدانة حروبها.

  • امكانية إندلاع حرب عالمية ثالثة ونهاية مماثلة لنهاية عصبة الأمم:

اليوم قد تفشل الأمم المتحدة مجدداً في منع خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة، خاصةً في ضوء تصاعد حدة التوترات بين كلٍّ من روسيا والصين من ناحية وبين الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية أخرى، ناهيك عن عدم وجود آلية واضحة توقف هذه الحرب إذا اندلعت بالفعل، نظراً إلى سيطرة القوى الكبرى المتنافسة على حق الفيتو الذي يحميها من أي قرارات. وقد أدى ذلك إلى زيادة الدعوات لإصلاح بنية صنع القرار في الأمم المتحدة، بما في ذلك إنشاء آليات جديدة للتعاون بين القوى العظمى، نظراً إلى الحاجة إلى ضرورة وجود آليات من شأنها توفير الأمن والاستقرار في العالم، وإصلاح عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وزيادة التمويل وتعزيز أطر التنسيق فيما بين أعضائها.

  • تطور طبيعة التهديدات الدولية:

ثمة حقيقة واضحة بشأن عمل الأمم المتحدة، هي أن مجلس الأمن أصبح غير فعَّال نظراً إلى تزايد التهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليان، حيث لم تقف هذه التهديدات عند أعمال العدوان التقليدية من ذلك النوع الذي يشهده العالم في أوكرانيابل شملت التهديدات الأمنية الأخرى التي تفرضها التكنولوجيات الجديدة. كما يمكن للجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية أن تتسبب في فوضى عالمية بالهجمات السيبرانية أو إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي، كما يمكن للتغيرات المناخية والفيروسات الاصطناعية الأكثر فتكاً من فيروس كورونا أن تُحدِث ضرراً كبيراً، سواء من خلال الإرهاب البيولوجي أو حتى الخطأ البيولوجي.

أهم مطالب الإصلاح في كيان الأمم المتحدة: توسيع عضوية مجلس الأمن وتحوير في قراراته

وضع قيود على استخدام الفيتو

تغيير نظام عمل مجلس الأمن

منح الجمعية العامة مزيداً من الصلاحيات

العمل الدولي على التنمية المستدامة

أهم عوائق الإصلاح في مجلس الأمن

الخلافات بين الدول الأعضاء: نظراً إلى اشتداد المنافسة الجيوسياسية، وتعمُّق الاستقطاب السياسي في العديد من البلدان، فإن احتمالات تحديث المجلس تبدو ضعيفة جدا، إذ تختلف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حول العديد من القضايا المتعلقة بالإصلاح، مثل توسيع عضوية مجلس الأمن، وإنشاء آليات جديدة للتعاون بين القوى العظمى، وزيادة التمويل وتحسين التنسيق لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.وبما أن تغيير تكوين مجلس الأمن مرهون بتعديل الميثاق، فإن المادة 108 سوف تعيق عملية إصلاحه، نظراً إلى إبداء الدول الدائمة معارضتها لتوسيع عضوية مجلس الأمن.

2-    ضعف الإرادة السياسية: مما لا شك فيه أن هناك غياباً للإرادة السياسية القوية لدى الدول الأعضاء لإصلاح الأمم المتحدة، وذلك لعدة أسباب وأهمها عدم رغبة الدول الأعضاء في التنازل عن بعض المصالح أو الصلاحيات، فضلاً عن انعدام الثقة بين الدول الأعضاء الحاليين حول ما سيُقدَّم في اختيار الأعضاء الجدد، وهو أمر قد يكون صعباً بسبب التوترات القائمة بينها.

تزايد التوجه العالمي نحو تقوية تكتلات بديلة: شهدت الفترة التي تلت حرب أوكرانيا محاولات من قبل العديد من الدول لتقوية بعض التكتلات الأضيق نطاقاً، بما في ذلك التكتلات الإقليمية، فقد اكتسب تكتل بريكس المزيد من الزخم عقب الإعلان عن توسيعه وضم أعضاء جدد إليه، كما أن بعض المجموعات مثل مجموعة العشرين، وتجمع الآسيان أصبحت تبحث عن أداور أكثر تأثيراً في التفاعلات العالمية. هذا التصاعد في أدوار التكتلات الفرعية يعني أن الدول أصبحت تدرك مدى صعوبة إصلاح الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي قد يؤثر بالسلب على أي جهود مبذولة في هذا الصدد.

الخلاصة:لأمم المتحدة قد فشلت في الكثير من المواقف مما جعلها محلّ تشكيك وخاصة عندما تجاوزتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وقادت حروبا من دون موافقتها.

الأمم المتحدة أصبحت ضعيفة التأثير ولا أحد من القوى الدولية يعيرها إهتمام بل أصبحت مشكك في مصداقيتها وأغلب الخبراء يؤكدون أن نهايتها باتت وشيكة وسيكون مصيرها مثلها مثل عصبة الأمم

الكل يؤكد من أن الإصلاحات لن ترى النور ولن يكون هناك إصلاحات جوهرية بداخلها وبحسب الحبراء الدوليين فهم يرجحون أن تكون الإصلاحات في الآليات التي يمكن للدول استخدامها للتعاون في الاستجابة للحروب المستقبلية والصدمات المرتبطة بها، سواء بالوسائل الاقتصادية أو الإنسانية أو غيرها من الوسائل.

لا يوجد طريق سهل لإصلاح الأمم المتحدة، بل إن استمرار تدهور الوضع الراهن هو النتيجة الأكثر ترجيحاً، خاصةً أن من المعروف أن المؤسسات الدولية منيعة ضد أي تغيير جوهري بل وستبقى الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن حبيس دول بعينها تتحكم به وبالتالي ستنتهي مصداقيته وصلاحيته بإنتهاء هيمنة ومصالح تلك الدول.

By Zouhour Mechergui

Journaliste