السبت. نوفمبر 23rd, 2024

إعداد: فاتن جباري قسم العلاقات الدولية و الشؤون الاستراتيجية .

مراجعة وإشراف: الدكتورة بدرة قعلول

 تقديم :

حملت خطوات التقارب الواسعة والسريعة بين روسيا والصين وكوريا الشمالية، في الآونة الأخيرة، مؤشرات احتمال تشكيل تحالف عسكري واقتصادي وصف بـ”الرهيب” في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها في شرق آسيا ما يزيد فرص إعادة تشكل العالم من جديد وخاصة وحسب القراءات للخبراء والملاحظين في العالم بفرص اهتزاز العالم بصراع شامل.

تسعى  كل من روسيا والصين جديًّا إلى تفعيل أقصى قوة رادعة ضد الولايات المتحدة الامريكية والتحالف الغربي فمع بداية التحالف العسكري الأمريكي الياباني الكوري الجنوبي، اختارتا كل من روسيا وبيكين الحلول العسكرية كبديل عن الحل الدبلوماسي  جيث التقت وفود رفيعة المستوى من روسيا والصين بزعيم كوريا الشمالية “كيم جونغ اون” في عرض عسكري لتتولى الصين رسم زمام المبادرة لرسم سياسة جديدة في شبه الجزيرة الكورية، اذ يشير التشابه المشترك للمصالح الأمنية والعسكرية الى احتمالية تحول هذا التعاون الوثيق الى تحالف دولي وهو بزعامة موسكو وبيكين وكوريا الشمالية .

فهل تكون كوريا الشماليةالحليف  الاستراتيجي الأقدر لإكمال رأس المثلث؟

ترغب كل من “بكين وموسكو وبيونغ يانغ” في توفير الردع العسكري أمام حملة العقوبات الغربية والتحالفات العسكرية التي توسعها الولايات المتحدة مؤخرًا ولاسيما في آسياوخاصةً مع كوريا الجنوبيةواليابان.

لذا فإن التقارب الثلاثي يعتمد على تاريخ العلاقات الأيديولوجية بين البلدان الثلاثة  واختبار جيوسياسي لإعادة تشكيل منطقة شمال شرق آسيا في مواجهة الوجود الأمريكي والتحالفات الغربية الخاضعة له. هنا تعتمد وجهة نظر كل من “فلاديمير بوتين” و”شي جين بينغ” بأن كوريا الشمالية يمكن أن تصبح حليفًا قويًّا في ظل تفعيل الحلول العسكرية.

 من جانب آخر هناك التكتيكات التقليدية التي تتبعها كوريا الشمالية لموازنة النفوذ الصيني مع النفوذ الروسي لكي تكون أكثر إستقلالية في القرار.

إن ما يحدث في كوريا يؤثر مباشرة في الجهود التي تبذلها الصين منذ فترة طويلة لتعويض التهديد الذي يفرضه الوجود الأمني الأمريكي الضخم على طول الحدود البحرية البالغة الأهمية للصين، ما يعني أن أي اضطراب خطير في كوريا من شأنه أن يخلف تأثيرًا كبيرًا في المقاطعات الصينية المجاورة التي تشكل أهمية بالغة في التنمية الاقتصادية في بكين، ومن شأنه أن يلقي بظلاله على خطط الصين الأوسع للتنمية الاقتصادية لذافالنقطة الأساسية بين المصالح الصينية في كوريا هي الحفاظ على الاستقرار على النحو الأمثل، لذا تسعى بكين إلى دعم الدولة الكورية الشمالية المستقلة من خلال الإصلاحات الاقتصادية والتواصل الدولي، الذي من شأنه أن يحافظ على المزايا التي تراها الصين في تقسيم شبه الجزيرة بدلًا من المخاطرة بالعواقب السلبية التي قد ينطوي عليها تغيير النظام.

وفي مواجهة الضغوط من الولايات المتحدة على كوريا الشمالية لإنهاء برنامج الأسلحة النووية وتطوير الصواريخ الباليستية، تميل الصين إلى التركيز على سبل الحفاظ على الاستقرار الذي يعمل ضد هذه التدخلات التخريبية وتعزيز المزايا الصينية في العلاقات مع كوريا الشمالية.

وفي هذه العملية رأت بكينأن كوريا الجنوبية أكثر استعدادًا من الولايات المتحدة لدعم مزيد من المشاركة الإيجابية مع كوريا الشمالية، وقد سعت إلى العمل بشكل أوثق مع سيول في تلك الحالات وغالبًا بطرق تفصل بين سيول وواشنطن.

ويبدو أن أهمية الأرضية المشتركة قد تضاءلت بسبب التراجع الناجم عن النزاع الحاد بين البلدين بشأن نشر نظام “ثاد” الأمريكي المضاد للصواريخ الباليستية في كوريا الجنوبية عام 2017، والعقوبات الاقتصادية غير الرسمية التي فرضتها الصين على الشركات الكورية الجنوبية.

الآن، وبعد بداية الحلف العسكري الأمريكي- الياباني- الكوري الجنوبي، نحت بكين وموسكو الحلول الدبلوماسية في شبه الجزيرة الكورية جانبًا، وأعطتا مساحة أكبر للحلول العسكرية حيث التقت وفود رفيعة المستوى من روسيا والصين- مؤخرًا- الزعيم الكوري الشمالي “كيم جونغ أون” في عرض عسكري  ضخم للاحتفال بالذكرى السبعين لوقف إطلاق النار في  الحرب الكورية عام 1953.

وتتولى الصين زمام المبادرة لإعادة رسم السياسات في شبه الجزيرة الكورية، وتؤدي روسيا دورًا داعمًا إلى حد كبير فهناك تشابه في وجهات النظر الصينية والروسية بشأن القضايا الدولية، وخاصة معارضتهما المشتركة للنظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ويشير التشابه في تصورات البلدين لمصالحهما الأمنية مع كوريا الشمالية إلى أن تعاونهما الوثيق قد يتحول إلى تحالف. ومع ذلك أصبح إرسال أسلحة من بيونغ يانغ إلى موسكو احتمالًا جديًّا وتوسع موسكو في مشروعات اقتصادية.

تحافظ روسيا على طموحاتها في أداء دور قيادي في الأزمة النووية لكوريا الشمالية كجزء من جهودها الشاملة لتعزيز صورتها في شرق آسيا، فيما تحاول من خلال زيارة “كيم جونغ أون” رفع مكانة بوتين الدبلوماسية، لا سيما في ظل حملة الحصار الغربية ضد ممثلي الدبلوماسية الروسية داخل جميع المنظمات الدولية الكبرى.

على مستوى آسيا، فإن إحتمالية تشكيل حلف ثلاثي بين كوريا الشمالية والصين وروسيا تطرح على اليابان مخاوف أمنية جادة، وحتى إذا لم تشكل تلك الدول مثلثًا إستراتيجيًّا فعليًّا، فإن التهديد المتمثل في إمكانية توحيدهم بشأن قضايا معينة يظل قائمًا ويعد “تحالفًا فضفاضًا” لمواجهة مصالح اليابان وحليفتها الولايات المتحدة.

 إن العلاقة الوثيقة بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية هي بالفعل “كابوس إستراتيجي” فهذا الاتجاه يؤدي إلى تخلي روسيا عن موقفها الحيادي بشأن قضايا جزر سينكاكو، وبحر الصين الجنوبي، والتحرك لدعم موقف بكين صراحةولقد تشكلت سياسة اليابان ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه روسيا بهدف تحييد خطر تشكيل بكين وموسكو جبهة موحدة ضد اليابان، لكن عندما انضمت طوكيو إلى الحلف الغربي في العقوبات على روسيا والعسكرة ضد الصين، أصبحت هدفًا لهما، ولم يعد حياد موسكو مؤكدًا ضد أي عمل عسكري تشنه الصين في محيطها.

خلاصة

لقد خلقت البنية الأمنية المستقطبة الحالية تحديات إضافية لحل القضية النووية لكوريا الشمالية فمن الواضح أن “كيم جونغ أون” يستفيد من العلاقات العدائية المتزايدة بين كل من القطب الصينيالروسي من جهة والولايات المتحدة الامريكية والغرب من جهة اخرى.

وترغب بكين وموسكو في الوقت الحالي في جعل تعزيز العلاقات مع بيونغ يانغ أولوية أعلى من نزع السلاح النووي لردع توسع أمريكا وحلفائها في المنطقة بما يخلقمشكلات للولايات المتحدة وتحالفاتها في إثارة  وتحريض الرأي العام الدولي في نزع السلاح النووي الكامل لكوريا الشمالية وهو ما يخلق مساحة “لكيم جونج أون” لمواصلة اختبار التقنيات النووية والصاروخية المتقدمة.

By Zouhour Mechergui

Journaliste