تقرير من إعداد: قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية
مراجعة وإشراف الدكتورة بدرة قعلول
عكست الاتهامات الأمريكية والغربية الأخيرة للصين باللجوء إلى أسلوب القرصنة الإلكترونية لاستهداف المصالح الحيوية لواشنطن، العديد من الدلالات، ويمكن توضيح أبرزها على النحو التالي:
1- توظيف الفضاء الإلكتروني كساحة للتنافس:
يلاحظ خلال الفترة الأخيرة تزايد لجوء الولايات المتحدة والغرب من ناحية، والصين من ناحية أخرى، إلى إستغلال الفضاء السيبراني كمجال جديد للصراع الجيوسياسي بين الطرفين. وذلك من خلال العديد من الآليات، والتي يأتي على رأسها التجسس، والهجمات السيبرانية ضد الأهداف الحيوية للطرف الآخر، وهو ما يشير إلى حرص كل طرف على الاستفادة مما يتيحه الفضاء الإلكتروني من إمكانات عديدة للحصول على المعلومات وتوظيفها كسلاح في أي صراع مستقبلي ضد الطرف الآخر
2- تزايد الاستهداف الغربي للصين:
يلاحظ أن الاتهامات الموجهة لبكين لم يكن مصدرها شركة مايكروسوفت الأمريكية فقط، وإنما تم الإعلان عنها في وقت متزامن من جانب الوكالات الأمنية في الدول المنضوية في إطار ما يُطلق عليه تحالف “العيون الخمس”، والذي يضم وكالات الاستخبارات في الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا ونيوزيلندا وكندا. وتعكس الاتهامات وجود قلق كبير من جانب الدول الأعضاء في التحالف بشأن الأهداف التي تقف وراء الهجوم السيبراني الصيني، طبقاً لادعاءاتها، وما سينجم عنه من تأثيرات، خاصة وأن هذا الهجوم يُعد أحد أكبر الهجمات الصينية المعروفة لقراصنة الإنترنت ضد البنية التحتية الحرجة الأمريكية. وتنبع خطورة الأمر من أنه يستهدف منشآت عسكرية رئيسية للولايات المتحدة في المحيط الهادئ، وهي منشآت تعول عليها واشنطن كثيرا في حالة اندلاع أزمة كبيرة في آسيا في المستقبل، فضلا عن تركيزه على كابلات الاتصالات التي تربط الولايات المتحدة بالمحيط الهادئ.
3- حماية المصالح الصينية الاستراتيجية:
تعكس الاتهامات الأمريكية والغربية للصين، بافتراض صحتها، حرص بكين واستعدادها لتوظيف قدراتها في مجال الفضاء السيبراني لحماية مصالحها العسكرية والاستراتيجية في الخارج، ولاسيما تلك المرتبطة بقضية تايوان. وتشير التقارير إلى أنه على الرغم من غياب أي دليل على وجود نشاط مدمر من قبل مجموعة القرصنة الصينية، فإن المتسللين يركزون على الحصول على المعلومات التي من شأنها إلقاء الضوء على الأنشطة العسكرية الأمريكية. ويتوقع أن يتمكن المتسللون الصينيون من استهداف الشبكات العسكرية الأمريكية والبنية التحتية الحرجة الأخرى إذا غزت الصين تايوان.
حملات التشويه ضد الصين ومزاعم غربية أمريكية:
تأتي الاتهامات الأمريكية والغربية ضد الصين بممارسة القرصنة الإلكترونية في سياق الضغط الأمريكي على بكين في مجال الفضاء الإلكتروني، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1- حملة معلوماتية ضد الصين:
يلاحظ أن الفترة الأخيرة شهدت تكثيفا لافتا في التقارير الإعلامية الغربية التي تستهدف الصين، ولاسيما فيما يتصل بنشاطها المزعوم في مجال القرصنة الإلكترونية، بما يشير إلى وجود توجه غربي مفاده التركيز على إستهداف الصين ومحاولة وصمها بالقيام بعمليات تجسس وقرصنة إلكترونية ضد بعض الدول، سواءً أكانت منافسة لها أم حتى صديقة لهاالمهم هو تشويه وضرب مصداقية الصين. ولعل الشاهد على ذلك تزامن الاتهامات الأمريكية والغربية ضد بكين بممارسة القرصنة ضد أهداف أمريكية مع نشر تقارير إعلامية غربية ركزت بشكل مقصود على الزعم بقيام الصين باستهداف حكومة “كينيا” بعمليات قرصنة على خلفية مسألة الديون المستحقة على هذه الدولة لبكين، وهو ما يطرح شكوكا قوية بشأن دوافع تزامن نشر تلك التقارير مع الادعاءات الأمريكية والغربية ضد الصين، وأن هناك تنسيقا بين الجانبين للإساءة لصورة الصين العالمية، خاصة وأنه من المعروف أن التجسس السيبراني هو أمر معتاد في العلاقات بين الدول.بل وأكثر فهو إختصاص أمريكي بحث تعيمن من خلاله على كبار مسؤولين الدول والدول نفسها.
2- اتهامات عامة وغامضة:
يلاحظ أن الاتهامات الموجهة للصين جاءت في صيغة عامة، ولم تكن محددة بشكل دقيق، وهو ما يعني أنها ربما تكون قد تمت صياغتها بصورة عاجلة، وعلى ما يبدو، فإن هذه الاتهامات جاءت ردا على التقرير الذي أصدرته الصين في 4 ماي 2023، والذي اتهمت فيه وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بإستخدام وتوظيف القرصنة الإلكترونية كسلاح للتجسس ضد الدول الأخرى، ومن بينها الصين.
الخلاصة
يبدو من الواضح أن التوتر في العلاقات الصينية الأمريكية حول تايوان بدأ يمتد إلى المجال السيبراني.
وتستهدف الولايات المتحدة من نشر معلومات حول النشاط السيبراني الصيني مواصلة جهودها لتصوير الصين باعتبارها تهديدا أمنيا متزايدا، ومن ثم دفع الدول الغربية الحليفة لها إلى التماهي مع إجراءاتها ضد الصين ووضع الصين كعدو يهدد مصالح العالم وخاصة الدول التابعة لها ونخص بالذكر الدول الغربية.
وفي السياق ذاته، لم تشر الاتهامات إلى عدد المنشآت التي تأثرت بالهجوم الصيني المزعوم، واقتصر الحديث على الإشارة فقط إلى القاعدة العسكرية الأمريكية في جزيرة “غوام” بالمحيط الهادئ، علاوة على إعلان وكالة الأمن القومي الأمريكية أنها لا تزال تعمل على تحديد وحصر الانتهاكات المزعومة.
وعلى ما يبدو، فإن أحد الدوافع الرئيسية لبيان شركة مايكروسوفت الأمريكية حول الهجمات السيبرانية المزعومة من جانب القراصنة الصينيين، يتمثل في دفع الشركات الخاصة في مجال الأمن السيبراني إلى الاستعداد لمواجهة أي تحركات مستقبلية من جانب القراصنة الصينيين، نظرا لأن مسألة حماية شبكات البنى التحتية الرئيسية من الهجمات الإلكترونية تقع على عاتق القطاع الخاص.