السبت. نوفمبر 23rd, 2024

إعداد قسم البحوث والدراسات الاستراتجية والعلاقات الدولية

اشراف ومراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

تعهدت الصين خلال اجتماع بنك التنمية الإفريقي في شانغهاي في شهر جوان من هذا العام بحزمة من القروض لأفريقيا قدرها 20 مليار دولار، وكل القروض ستكون من أجل المشاريع التنموية والبنية التحتية.

ولا تزال الدول الغربية تحارب وتعمل من أجل عدم التعاون الصيني الإفريقي لأنها تريد أن تبقى إفريقيا تابعة لها، بل وتريد أن تبقى الدول الإفريقية تحت الوصاية الغربية التي تنهب ثرواتهم وأموالهم وتريدهم أن يبقوا تحت “إستعمارهم”.

ولهذا جاءت ردات الفعل الغربية غير موافقة على التعاون التي تبديه الصين للدول الإفريقية، وكانت التعلّة هي حجم القروض كبير جدا وسيزيد من حجم المديونية للدول الإفريقية وسيضيف عبئا جديدا على الدول الإفريقية، وقد يسبب أزمة ديون جديدة لها، كما قد يعيق محاولات الدول الغربية لتخفيف الديون الأفريقية بل وصل بهم الإدعاء بأن القروض الصينية هي “فخ” للدول الإفريقية.

فالغرب وبشعاراته “الكاذبة” والغير صادقة يرى أن محاولات الصين لتوسيع التعاون مع الدول الإفريقية خاصة في المجال التنموي والٌتصادي، سيحبط مجهوداتها “لتعزيز الحكم الرشيد وحل الصراعات في أفريقيا” بحسب تعبيرهم.

والسؤال الذي يطرحه الخبراء الدوليين:

 هل من المعقول للغرب ولصندوق النقد الدولي والبنك الدولي أو أي منظمة دولية أخرى أن تعارض قروض الصين لأفريقيا؟

 وعلى أي أساس يقرؤون سوء النية في التعاون الصيني الإفريقي؟

كما هو معلوم ومعروف الصين قد أطلقت منذ 2013 مبادرة “الحزام والطريق” ومبدأ “رابح رابح” كذلك ليست بدولة إستعمارية تاريخيا، وهي ليست دولة هيمنة ولا “نهب للثروات” وبالتالي من حقها أن توسع علاقاتها في كامل أنحاء العالم وأين تريد، وكما تريد…

وهذا طبعا يمكن أن ينافس أكبر الدول الإستعمارية والناهبة لثروات الشعوب وخاصة ناهبة لثروات الشعوب الإفريقية… فالدول الغربية تستمدّ قوتها وثرائها من نهبها لشعوب إفريقيا، والسيطرة عليهم بالديون، ولهذا فهي تقرأ الديون الصينية من منطلقها، ولهذا فهي تفترض سوء النية.

وفي المقابل فالصين مثلا ليست أكبر مقدم قروض لأفريقيا، ولكنها تتعامل مع الدول الإفريقية من منطلق مبادء “الحزام والطريق” وطريق الحرير” وخاصة مبدأ التعاون المشترك وتقديم مشاريع تنموية حقيقية ولا تتدخل في السياسات الداخلية للدول ولا تفترض شروطا سياسية.

فالصين لا تضع مطلقا أية شروط إضافية ولا شروطا مجحفة على القروض أو تفرض ضغوطا إستعمارية لسداد الديون كما تفعل الدول الغربية وأمريكا. وفي مبادرة الشراكات والتعاون فلقد أسقطت الصين معظم الديون الأفريقية، وعلى سبيل المثال أسقطت الصين ديونا قدرها 1.4 مليار دولار عن 31 من الدول الأفريقية الأقل نموا، ومن ثم فإن هذا لا يضيف إلى عبء ديونها على الدول الإفريقية، بل بالعكس فهذا يزيح عنها عبأ كبيرا، وهذا ما لم تفعله الدول الغربية الرسمألية المتوحشة.

ففي أي مشاريع تذهب القروض الصينية في إفريقيا؟

تذهب معظم قروض الصين ومعوناتها لأفريقيا مباشرة إلى إنشاء البنية الأساسية والمزارع والمصانع والملاعب والطرقات والجسور والمواني ومراكز المؤتمرات والمستشفيات والمدارس وغيرها من المشاريع التنموية الحقيقية.

وطبعا المشاريع التنموية تثير حفيظة الغرب لأنهم مستفدين جدا من “فقر” وعدم التنمية في تلك الدول الضعيفة، مع تناقض صارخ بين ما يقولون وبين ما يفعلون، فكل شعاراتهم أثبتت التجارب أنها “كاذبة” فمنذ سنوات يرفعون شعار “التنمية والحوكمة الرشيدة والديمقراطية” وبقيت مجرد شعارات واقوال لا غير.

فالمشاريع التي تعمل على تحقيقها الصين مفيدة لتعزيز قدرات التنمية الذاتية للدول الأفريقية، التي تحسن اقتصادها كثيرا في السنوات الأخيرة، وهذا راجع بالأساس الى التعاون الصيني الإفريقي، فالدول الإفريقية قد وجدت ظالتها مع شريك “صادق ونزيه” يريد المصلحة المشتركة.

 حيث تفيد الإحصاءات أن أفريقيا تحقق نموا متواصلا منذ أكثر من عشر سنوات، وبمعدل 5% في المتوسط خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وخاصة الدول الإفريقية التي لها تعاون مباشر مع الصين والتي لها قروض كبرى مع الصين.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل نمو الاقتصاد الأفريقي 6%، وهو أعلى معدل منذ ثلاثين عاما، كما يتوقع أن تساعد الزيادة في التجارة والاستثمار الصينيين أفريقيا لتصبح أكثر انخراطا في التجارة العالمية.

لماذا تتهم الصين بأنها تهدد أفريقيا بمشاكل مديونية مع إنها ليست الوحيدة التي تعطي القروض؟

الفرق الوحيد بين القروض الصينية والقروض من الدول الأخرى هو أن القروض الصينية لا تقترن بشروط سياسية، وخاصة والأهم أن القروض الصينية لا تتدخل في السياسة وفرض يعض الإشخاص الموالين لهم كمسؤولين في الدولة كما تفعل الدول الغربية، وهذا ما يجعل الأفارقة يفضلون التعامل والقروض من جمهورية الصين الشعبية، على القروض من الدول الغربية ومن البنك الدولي.

وأغلب الدراسات الميدانية حول قروض الصين تقول أن الشعوب الإفريقية تميل كثيرا وتحبذ التعاون المالي مع جمهورية الصين الشعبية، فهي لا تضع شروطا مجحفة لإعطاء القروض، على عكس قروض الدول الغربية والبنك الدولي التي تكون عادة مرفقة بشروط صارمة.

بل أن القروض الغربية والدولية قد ثبت أنها غير ناجحة في معظم الدول، وعبر سنوات، فشلت المعونات الغربية لأفريقيا في دفع نمو الاقتصاد بل النتائج كانت عكسية بل زادت في دماره، وإنما أدت إلى الفساد والحكومات غير الفاعلة وكأنها تتعمد من خلال القروض وشروطها تفاقم الفساد والأزمات الإجتماعية والسياسية وخاصة الإقتصادية والتنموية، فمنذ سنوات ومن قبل القروض الصينية ماذا حققت القروض الغربية للدول الإفريقية؟

 فهناك فساد وأزمات على جميع المستويات ومديونية خانقة، بل أن المديونية الغربية للدول الإفريقية جعلت منها دول مستعمرة وتحت الوصاية الغربية وهذا ما يفسر التوجه الإفريقي اليوم الى جمهورية الصين الشعبية فهي دول أصبحت تقود موجة “إستقلال ثاني” وموجة “تحرر” بوعي كبير وخاصة بحرية إختيار شركائها الدوليين وترفض أي وصاية غربية.

لقد أضحت الصين أكثر قربا لأفريقيا من الدول الغربية، وأصبحت هناك موجة وعي كبير من الشباب الإفريقي الرافض قطعا للغرب، وأصبحت هناك موجة “كراهية” شعبية إفريقية للغرب، وهذا طبعا ما يقلقهم في الغرب، إذ يعتقدون أن الصين، أفسدت جهودهم لفرض ما يسمى بالحكومات “الديمقراطية” في الدول الأفريقية، وبإنتزاع الوضع المميز للغرب في إفريقيا، وهذا ما يبرر حملة التشويه الإعلامي الغربي والمغالطات الكبيرة، ولكن الواقع الإفريقي وموجة التحرر فرضت نفسها وفضحت “الإستعمار” الغربي للدول الإفريقية.

وما تفعله اليوم الدول الغربية ضد الشعوب الإفريقية هو فرض العقوبات والتهديدات العسكرية وذلك تحت شعار “الديمقراطية”، و”الحكم الرشيد”، وهذا لا يضر سوى الشعب ولا يحل المشكلة.

كما أن التعاون والمساعدات بين الصين وإفريقيا مبني على الإحترام المتبادل لشئونهما الداخلية وعلى التنمية الذاتية، وهذا أيضا من أسباب تفضيل الأفارقة للصين.

والنخب الشبابية الحاكمة اليوم في إفريقيا أدركت تماما الفارق وأصبحت أكثر حماساللإنخراط ضمن مشروع “طريق الحرير” والتعاون بين الصين في إفريقيا، لأن كثيرين يرون الصين شريك تنمية غير “ملطخ” بتاريخ استعماري، شريك لا ينظر بدونية إلى الدول الأفريقية.

كما أن حملة الإنتقادات والتشويه التي توجه لمعونات الصين لأفريقيا تأتي في وقت تتمتع فيه الصين وأفريقيا بشراكة تعاونية متنامية وتتوثق العلاقات الاقتصادية أكثر بل وأغلب الدول الإفريقية تسعى جاهدة من أجل بناء علاقات أكبر مع الصين ونرى الكثير من الدول الإفريقية اليوم لها علاقات سياسية وديبلوماسية كبيرة فأغلب رؤساء الأفارقة قد زاروا بيكين.

كذلك لا يمكن أن ننسى منذ إنشاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي عام 2000، حقق التبادل التجاري والاستثماري بين الطرفين زيادة هائلة.

ومن أمثلة المشاريع الصينية في إفريقيا هو خط السكة الحديد القياسي الكيني الممتد بين مومباسا ونيروبي، وهو مشروع بتمويل صيني، فقد سجل دخلاً قدره 13 مليون دولار في عام 2021، وهو يعتبر من أهم مشاريع البنية التحتية الكبرىوقدأثار ضجة إعلامية غربية واتهامات كبرى للصين بأنها أثقلت كاهل كينيا، وربما لن تقدر على السداد القرض ومنهم من يعتبرها خطة حتى تستولي الصين على السكة الحديدة في الأصل.

كما أقرضت جمهورية الصينُ الشعبية دولة غانا أكثر من 17 مليار دولار أمريكي على مدار العقد المنصرم لتمويل باقة من مشاريع البنية التحتية: بداية من مشاريع الطاقة الكهرومائية، ووصولاً إلى أنظمة الإنترنت عريض النطاق، وهذا إنجازا كبيرا بالنسبة الى دولة غانا التي منذ الإستقلال تشكوا من التخلف والفساد وخاصة من بنية تحتية ضعيفة جدا.

مع العلم أنه يتمّ تقديم 90٪ من قروض الصين في إفريقيا على شكل قروض “غير مشروطة” من خلال البنوك التجارية المملوكة للدولة الصينية، كبنك التنمية الصيني أو بنك الصين للاستيراد والتصدير.

وأعلنت الصين مؤخراً عن خطط للتنازل عن بعض من تلك القروض المُعفاة من الفوائد لـ 17 دولة إفريقية. أمَّا القروض التجارية، فيجب إعادة التفاوض عليها مع كل دولة على حدة.

وتعتبر زامبيا من أبرز المقترضين من الصين، وتدين لها بمبلغ 5.78 مليار دولار، وأعلنت مؤخراً أنها تلغي مشاريع جديدة بتكلفة ملياري دولار لتجنب المزيد من الديون التجارية.

كما أن الصين تدعم كثيرا شركائها من المقترضين ولا تضييّق عليهم الخناق وتحاول إيجاد الحلول ومنها أنها تدعم نسبة 60% من القروض الصينية الخارجية المقترضين الذين يعانون من ضائقة مالية. وهذا يعتبر حلا من الحلول حتى لا تصنّف تلك الدول ضمن شركات “المصنفين الغربيين” على أنهم دول لا تقدر على تسديد الديون.

إسقاط 23 قرضاً بدون فوائد مقدمة إلى 17 دولة أفريقية

وردا على الهجمة الشرسة التي تقةدها الدول الغربية ضدّ القروض الصينية، فلقد أعلنت بيكين تنازلها عن قروض لأفريقيا وتوجه 10 مليارات دولار من احتياطياتها لدى صندوق النقد الدولي إلى دول في القارة. كما تمّ إسقاط 23 قرضاً بدون فوائد مقدمة إلى 17 دولة أفريقية.

كما حضيت العديد من الدول الإفريقية بجولات متعددة للإعفاء من الديون الميسرة وإلغاء 3.4 مليار دولار حتى عام 2019.

ومنذ انعقاد منتدى التعاون الصيني الأفريقي في السنغال خلال نوفمبر 2021  قدّمت بكين 3 مليارات دولار من أصل 10 مليارات دولار من التسهيلات الائتمانية تعهدت بها للمؤسسات المالية الأفريقية.

بالإضافة إلى ذلك، وافقت الصين هذا العام على دخول 98% من الصادرات من 12 دولة أفريقية بدون رسوم جمركية وقدمت مساعدات غذائية طارئة لجيبوتي وإثيوبيا والصومال وإريتريا.

By Zouhour Mechergui

Journaliste