السبت. نوفمبر 23rd, 2024

اعداد: قسم البحوث والدراسات الإفريقية

الإشراف والمراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية

كنا في تقرير سابق أشرنا الى أن موريتانيا تشكو من العديد من المشاكل على جميع المستويات، وأن الزيارات المكوكية التي تقوم بها فرنسا وأمريكا والغرب بصفة عامة الى هذه الدولة هو من أجل السيطرة على أكبر مناجم الذهب في العالم وكذلك الموقع الإستراتيجي لموريتانيا المهم جدا…

ولكن وحسب تقديراتنا للموقف ومتابعتنا للتحولات الجيواستراتجية العالمية والطموح الة عالم متعدد الأقطاب أكثر عدلا فإن موريتانيا من ضمن الدول التي إستنتجت الدرس وأدركت من أن العالم يتحوّل وأن العالم بدأ في التشكل ولهذا أصبحت موريتانيا تبحث عن شركاء جدد وحلول من خارج الصندوق.

واليوم وفي هذه الورقة البحثية سنطرح الإنفتاح العسكري الموريتاني على الصين في سابقة لهذا البلد الإفريقي وللمنطقة الساحل والغرب الإفريقي بصفة عامة.

فما هي أبعاد ومميزات التعاون العسكري الموريتاني الصيني؟

وما هي أهمية هذا التعاون في هذه المرحلة والظرفية الدولية؟

أجرى وزير الدفاع الموريتاني “حننه ولد سيدي”زيارة الى جمهورية الصين الشعبية وأجرى مباحثات مع نظيره الصيني الجنرال “لي شانغ فو”، في أول سبتمبر الجاري، على هامش مشاركة الوزير الموريتاني في أعمال “منتدى السلام والأمن الصيني الأفريقي الثالث”، وذلك بهدف تفعيل آليات التعاون العسكري بين البلدين.

وهذه مرحلة جديدة في السياسة العسكرية الموريتانية من أجل الإنفتاح وبناء شركات مع كل الفاعلين الدوليين وهذا التوجه الذي تتبناه بكين ونواكشوط لا يمكن فصله عن مجمل التطورات التي تشهدها منطقة غرب أفريقيا تحديداً التي تحظى باهتمام خاص من الجانب الصين، خاصة بعد تصاعد ظاهرة الانقلابات العسكرية، والتي كان آخرها الانقلابان اللذان وقعا في النيجر والغابون.

ماهي الدوافع الحقيقية التي جعلت موريتانيا تتجه نحوالصين في المجال العسكري؟

الأحداث المتسارعة العالمية وفي المنطقة الإقليمية الإفريقية الغربية ودول الساحل الإفريقي قد وضعت وزرها على الواقع الموريتاني، وفهمت الأخيرة أن الشركاء التقليدين قد “انتهو” ويجب إعادة خلط الأوراق من أجل الإستقرار الداخلي.

والواضح اليوم للعيان والورقة المكشوفة بين الدولتين هو تصاعد الاهتمام الصيني والموريتاني بتعزيز التعاون العسكري الثنائي،وذلك مواكبة للتطورات الجارية على الصعيدين الدولي والأفريقي.

أهم الدوافع والأسباب لهذه الشركات العسكرية:

  1. مواكبة الموجة الإفريقية الرافظة للتعاون مع فرنسا:

موجة شعبية كبيرة قد إجتاحت الدول الإفريقية الرافضة تماما للتواجد الغربي على أراضيها وعلى رأسها فرنسا، وبالنسبة للنظام الموريتانيا وهو يعلم أن الوضع السياسي الداخلي “هش جدا” وخوفا من إنقلاب عسكري فقد “ركب” الموجة وواكب الإنتقال وأصبح هناك تزايد اهتمام بتنويع الشراكات وخاصة مع المعسكر “الشرقي” المقبول والمطلوب شعبيا. وبالتالي بدأت بكين ونواكشوط بتوسيع نطاق العلاقات الثنائية على جميع الأصعة وخاصة في هذه المرحلة التعاون والشركات من الجانب العسكري وبهذا تنتهي تماما مجموعة G5 الذي مقرها موريتانيا. وهنا، فإن بكين ربما تعتبر أن هذه التطورات تمثل فرصة لتعزيز حضورها في تلك المنطقة، خاصة في ظل الموقع الاستراتيجي الذي تحظى به موريتانيا على المحيط الأطلسي.وقد كان لافتاً أن الرئيس الصيني شي شينبينج حرص على تأكيد أهمية التنسيق مع موريتانيا لمواجهة هذه التطورات، حيث قال خلال لقاءه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني: “إنه في مواجهة تغيرات عميقة لم يشهدها العالم منذ قرن من الزمان، ينبغي أن تستمر الصين وموريتانيا في أن تكونا صديقتين جيدتين تدعمان بعضهما البعض وشريكتين جيدتين في السعي نحو تحقيق التنمية، كما ينبغي عليهما الحماية المشتركة لمصالحهما المشتركة والنزاهة والعدالة الدوليتين”.

  • الإتجاه الموريتاني نحو المعسكر الشرقي وعلى رأسهم الصين

بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الى الصين في 29 من شهر جويلية الماضي، ولقائه مع الرئيس الصين كانت كل المؤشرات تدلّ بأن موريتانيا تفتح عهدا جديدا ضمن شراكاتها الدولية وتخرج أخيرا من الجلبات “الغربي الكلاسكي المهيمن”.واللقاء الذي حصل مؤخرا بين وزيري الدفاع الموريتاني والصيني جاء تتويجا للقاء الرؤساء ومؤشرا على أن موريتانيا تسعى إلى تكثيف تحركاتها الدبلوماسية على المستوى الدولي من أجل تأسيس شراكات متعددة مع القوى الدولية الرئيسية لإنقاذ وضعها الداخلي المتأزّم، وفي مقدمتها الصين، التي تتطلع بدورها إلى تعزيز حضورها في تلك المنطقة خلال المرحلة القادمة لاعتبارات ترتبط بتوسيع نطاق الشراكات الاقتصادية وإدارة الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية في أنحاء مختلفة من العالم.

  • بشركاتها العسكرية مع الصين موريتانيا تتخلص من هيمنة الناتو

لا يخفى على أحد مدى العلاقات الوثيقة بين حلف الناتو وموريتانيا اذ تعتبر موريتانيا إحدى أهم الدول في منطقة الساحل الأفريقي التي يؤسس معها حلف الناتو علاقات قوية.فالناتو يعوّل كثيرا على موريتانيا في تطبيق استراتيجيته في إفريقيا القائمة على استباق التهديدات التي يمكن أن تمس مصالح أعضاءه. وهنا، يمكن اعتبار أن التقارب العسكري بين بيكين ونوكشوط ضربة في مقتل الحلف الناتو وأن بيكين قد دخلت فعلا في المناطق “الحمراء” للحلف كما أنّ بكين تسعى إلى استقطاب دعم نواكشوط لمقاربتها القائمة على الدعوة إلى تأسيس عالم متعدد الأقطاب. كذلك بيكين تبعث برسالة قوية جدا إلى الدول الغربية تحديدا بأن الصين لديها القدرة على تدعيم حضورها في المناطق التي تحظى باهتمام خاص من جانبها. وأنها أصبحت قادرة على الدخول لأي مكان تعتقد “الناتو” أنها منطقة نفوذها، فحتى أساطيلها وقواعدها المتواجدة لم يعد يخيف لا الصين ولا هذه الدول المسيطر عليها التي فهمت أن العالم قد تغير وأن موازين القوى قد تغيرت والإتجاه الدولي هو عالم متعدد الأقطاب وزمن القطب الواحد قد إنتهى وزمن القواعد العسكرية الغربية لم يعد له فاعلية ولم يعد يخيف.

قاعدة بحرية صينية في موريتانيا وقلق أمريكي

وبدأت ملامح التعاون العسكري الصيني المورتاني تظهر فبحسب أغلب التقارير هناك أشارة شبه مؤكدة على تأسيس قاعدة بحرية في موريتانيا، مستغلة في هذا الصدد استثماراتها داخل الأخيرة، فضلاً عن اقترابها من الحدود الأوروبية، على نحو يكشف عن اتجاه بكين إلى تفعيل سياسة إنشاء القواعد العسكرية وعدم الاقتصار على القاعدة التي تم تأسيسها في جيبوتي.

وبحسب التقارير الصادرة من الغرب ومن الأمريكان فهناك موجة قلق كبيرة جدا من أن يكون فعلا هناك العمل على تأسيس القاعدة العسكرية في موريتانيا، وهذا من شأنه أن يساهم في تصاعد حدة التنافس بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً التي سوف تعتبر أنه يفرض تهديدات مباشرة لأمنها ومصالحها، خاصة أنها لن تفصله عن التصعيد الحالي مع بكين في منطقة الإندوباسيفيك.

موريتانيا تحمي نفسها عسكريا من خلال تعاونها العسكري مع الصين

بعد الإنفلات الإرهابي الكبير في السنوات الأخيرة وعدم قدرة الغرب على كبح جماحه، من حق موريتانيا تعزيز التعاون الأمني مع من تراه أكثر نجاعة في ما يخص هذا الملف بالتحديد. وربما تكون الزيارات المتتالية للمسئولين العسكريين الموريتانيين بالتحديد إلى الصين مقدمة لتوقيع اتفاق بشأن رفع مستوى التعاون العسكري والأمني الثنائي، لمواجهة التهديدات التي يمكن أن تؤثر على مصالح الدولتين، ومنها التهديدات الناتجة عن تفاقم حالة عدم الاستقرار في منطقة غرب أفريقيا، بعد وقوع الانقلابات المتتالية منذ عام 2020 وكان آخرها الانقلابان اللذان وقعا في كل من النيجر، في 26 يوليو الماضي، والغابون في 30 أغسطس الفائت. وكذلك أدرك نظام نواكشوط أن الغرب وفرنسا بالتحديد لم تعد قادرة على حماية مصالحه، وبالتالي قرر النظام الحالي تغيير الطريق والإتجاه نحو من له الفاعلية والمصداقية وهو حق شرعي بالنسبة للنظام الموريتاني ولأي دولة تريد أن تدافع على مصالحها.

الخلاصة:

وقعت موريتانيا على انضمامها الى مبادرة الحزام والطريق وهي من ضمن الدول التي تهتم الصين كثيرا لشأنها وذلك بضخ مزيد من الاستثمارات في موريتانيا، بهدف تمهيد الطريق أمام تفعيل مبادرة الحزام والطريق.

لقد قطعت الصين ومريتانيا شوطا كبيرا في تفعيل علاقاتهما والشراكات وعلى التعويل على ما تم التوصل إليه من اتفاقيات عسكرية واقتصادية من أجل رفع مستوى العلاقات الثنائية، في ضوء المصالح المشتركة التي تحققها الدولتان عبر ذلك.

ترى موريتانيا أن الصين هي عملاق العالم الجديد ويجب إستغلال الفرصة والتنسيق معها والإستفادة منها على جميع المستويات وأن الصين هي قوة دولية مهمة يوفر توسيع نطاق العلاقات معها خيارات أوسع لها للتحرك على الساحة الدولية وكذلك داخليا وربما النظام يرى أنه يمكن أن يهدأ من التحركات الداخلية ضدّه وخاصة عدم اتهامه “بالعمالة” لفرنسا.

4-   تعتبر الصين أن موريتانيا نقطة انطلاق مهمة يمكن من خلالها تعزيز نفوذها داخل القارة الأفريقية، لا سيما في منطقة غرب أفريقيا، وإدارة الصراع المستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى بدورها إلى الضغط على مصالح صينية مهمة في مناطق مختلفة من العالم.

By Zouhour Mechergui

Journaliste