اعداد قسم البحوث والدراسات الاستراتجية
اشراف ومراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتجية الأمنية والعسكرية
مثّلت الزيارة الذي قامم بها الرئيس “كيم جونغ أون” الى روسيا منعرجا مزعجا بالنسبة للأمريكان والغرب، وهم يدركون جيدا مدى أهمية هذه الزيارة وتأثيرها على مجرى الأوضاع العالمية، خاصة في هذه الظرفية الحرجة من التاريخ الإنساني فلا يفوت الزعيمين الروسي والكوري الشمالي مدى وقع لقائهما الذي يمثل صدمة قلقا كبيرا للأعداء، فما بالك إن توّج بتعاون عسكري وخاصة تكنولوجي عالي ورفعا للعقوبات المسلطة على كوريا الشمالية.
كما أن العلاقات الروسية الكورية الشمالية تشهد منذ زمن تنامي كبير وهي أصلا علاقات قويّة ومفعّلة بين الدولتين.
وطبعا كان اللقاء يحمل الكثير من الرسائل الى العالم وخاصة للولايات المتحدة الأمريكية التي لا تعرف الاّ أن تكون “العدو اللذوذ”والتي لا يتواني عن العقاب لإخضاع خصومه لقوانينه، وبالتالي الزيارة هي اجابة مباشرة من “كيم جونغ أن” ليعلمهم أنّه لا يخاف عقوباتهم ولن يخضع لإبتزازهم.
وكذلك يريد إخبارهم أن مستقبل كوريا الشمالية الاقتصادي لا يعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد رفض واشنطن رفع العقوبات الاقتصادية عليها، فيما قد يطلب الزعيم الكوري تدخل موسكو لتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده وهو فعلا ما سيحصل وستقوم روسيا “البوتينية” بتخفيف العقوبات، فالعالم اليوم يتغير ولم يعد يكترث بالعقوبات التي تتسبب في تجويع الشعوب وسلب الدول سيادتها الوطنية.
كذلك تعتبر القمة خطوة مهمة لروسيا، حيث تظهر من خلالها أنها لاعب مهم في شبه الجزيرة الكورية، خاصة بعد الانتعاش الاقتصادي الذي تعيشه في عهد الرئيس بوتين، والذي قام بإلغاء معظم ديون كوريا الشمالية خلال فترة الحقبة السوفيتية في بادرة مهمة جدا بالنسبة لكوريا الشمالية.
وما يوقض مضاجع الأمريكين والغرب، هو أن تتم الصفقة العسكرية بين البلدين، ولهذا “أعصابهم مشدودة”.
فمخاوف الدول الغربية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية من التعاون الروسي الكوري الشمالي، بدأت تظهر من خلال إعلامهم، لا سيما في حال تم توقيع أي اتفاقيات عسكرية، خاصة أن زعيم كوريا الشمالية أعلن تأييده الراسخ للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكذلك بعد الاتفاقية التي تم توقيعها بين موسكو مع بيونغ يانغ في عام 2019.
وكل الاستخبارات الغربية والأمريكية، تعمل وتنصب كل جهودهم حول المحادثات السرية بين البلدين، وإمكانية التوقيع على أي اتفاقيات لتبادل الذخائر والأسلحة والإمدادات، في ظل اتهامات واشنطن لبيونغ يانغ، والتي نفتها كوريا الشمالية بتزويد موسكو بأسلحة متطورة وصواريخ منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
ومنذ أن كشفت نويا الزيارة أي منذ شهر والكل يعمل على إفشالها وتشويهها وتعقبها، فحتى الأمم المتحدة لم تذخر جهدا وأعربت عن مخاوفها وأعلنت في بداية الشهر الحالي، عبر بيان مشترك ضم أمريكا وبريطانيا وكوريا الجنوبية واليابان، مفاده أن أي اتفاق لزيادة التعاون الثنائي بين روسيا وكوريا الشمالية يعد انتهاكا لقرارات مجلس الأمن الدولي التي تحظر عقد صفقات أسلحة مع بيونغ يانغ، فيما انتقدت هذه الدول زيارة وزير الدفاع الروسي إلى كوريا الشمالية في شهر أوت الماضي.
وبالرغم من محاولات التشويش “الغربي الأمريكي” على الزيارة الاّ أنها تأتي لتأكيد بوتين على مشروعه “لعالم متعدد الأقطاب” الذي يرفض هيمنة القطب الواحد، وتأكيده على أن ذلك سيكون حلا لغالبية المشاكل الدولية القائمة، في مواجهة الحلف الغربي، الذي يسعى بكل السبل للضغط على روسيا، وكذلك من أجل “عالم أكثر عدالة” بعيدا عن الوحشية الأمبريالية.
وفعلا فقد عقد الإجتماع بين بوتين وجيم بيونغ أن وقد تمّ فعلا نقاش التعاون في المجالات العسكرية بين موسكو وبيونغ يانغ، خاصة أن الأخيرة تسعى لاستقطاب التكنولوجيا الروسية المتطورة في مجال الأقمار الاصطناعية والغواصات العاملة بالطاقة النووي وهذا إتماما لمناقشات “شويغو” مع بيونغ سانغ في شهر أغسطس الماضي.
وبحسب خبراء عسكريين روسينفإن كوريا الشمالية تواجه مشاكل في الابتكار العسكري، بسبب عدم وجود مدرسة علمية كاملة خاصة بها وهذا كذلك كان ضمن المناقشات بين الجانبين.
وبحسب المعطيات حول الزيارة والمبحاثات فيمكن لموسكو أن تعطي ضمانات أمنية لكوريا الشمالية، وتغطي البلاد بمظلة نووية، وتتقاسم التكنولوجيا مقابل النقل الكامل للشركات الكورية الشمالية لاحتياجات الجيش الروسي حتى نهاية الصراع الحالي.
فعند الحديث عن المجمع الصناعي العسكري، لا بد من القول إن روسيا وكوريا الشمالية يمكن أن يكمل كل منهما الآخر بشكل مثالي وهذا ما يثير قلق الدول الغربية وأمريكا واليابان وكوريا الجنوبية وخاصة فإن العالم سيشهد قوّة ردع لم يشهده من قبل وبالتالي الإطاحة المباشرة بالهيمنة العسكرية الأمريكية والناتو.
فروسيا قادرة كذلك على حل جميع المشاكل التي يواجهها الكوريون الشماليون، كتقاسم المنتجات الزراعية والمعادن والفحم ومشاركة الموارد.
كوريا الشمالية غنية بالموارد الطبيعية مثل المغنسيت والزنك والتنغستن والحديد، من حيث رواسب المغنسيت المستخدمة في الصناعة الكيميائية، تحتل كوريا الشمالية المرتبة الثانية على هذا الكوكب.
كذلك تمتلك كوريا الشمالية رواسب لخامات المعادن غير الحديدية، ويواجه الشركاء الكوريون مشاكل في استخراج المعادن لأسباب موضوعية، كنقص التكنولوجيا، ومشاكل توليد الكهرباء، وقاعدة الأدوات القديمة، وروسيا قادرة على المساعدة بل وهي مختصة في مثل هذه المشاريع وقد كانت كذلك ضمن مواضيع اللقاء والمحادثات بين الزعيمين.
كما أن زيارة زعيم كوريا الشمالية إلى روسيا جاءت في ظروف استثنائية نظرا لما تتعرض له الدولتين من عقوبات مجحفة من قبل الدول الغربية والأمريكان، وبالتالي هناك أهداف بين الدولتين لإقامة تنسيق في المجال العسكري بالإضافة إلى المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية.
ومن حق روسيا اليوم أن تردّ على جميع العقوبات التي وصلت إلى 17 ألف عقوبة، وهذا لن يثنيها على التعاون والتشابكات الاقتصادية بالدرجة الأولى والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى استدامة التنمية الاقتصادية والبشرية والحفاظ على سيادتها وحرية قرارها في مدّ جسور التعاون والشركات مع أي دولة تريد.
فمنذ اللحظة الأولى من زيارة الزعيم الكوري الشمالي الى روسيا، وانطلقت الحملات الإعلامية الغربية والاستنفار الإعلامي الغربي على تحويل مسار ومنهج هذه الزيارة، بأن هناك تزويد للأسلحة من كوريا الشمالية إلى روسيا وشيطنة كلا الزعيمين، والحقيقة أن لقاء الزعيمين موضوعي جدا فالعدو مشترك بين روسيا وكوريا الشمالية، و أن زيارة الزعيم الكوري إلى موسكو لها دلالات كبيرة للدول الغربية والغير صديقة لروسيا وكوريا.
ومن حق الدولتين التعاون والشركات بل ومن حق الدولتين أن يساعدان بعضهما في مختلف المجالات فأن تكون لكوريا الشمالية طموحات للتوجه نحو الفضاء الخارجي وتعزيزه، ومن المعروف أن روسيا رائدة في هذا المجال وتريد مساعدة كوريا فيه فهذا حق مشترك وحق شرعي.
الخلاصة:
وفي تحد كبير من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون للغرب والأمريكان أن قال،”أن روسيا ارتقت إلى مستوى النضال المقدس للدفاع عن سيادتها”، مشيرا إلى أن بلاده تدعم دائما جميع قرارات الرئيس بوتين والحكومة الروسية.
ومن جانبه، أكد بوتين، للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، أن الاجتماع الراهن يُعقد في وقت مميز يأتي بالتزامن مع مناسبة مرور 75 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وكوريا الشمالية، حيث كانت موسكو أول الدول التي اعترفت رسميا بكوريا الشمالية.
وأوضح بوتين أنه خلال لقائه مع الزعيم الكوري الشمالي سيتم التطرق إلى التعاون الاقتصادي والقضايا الإنسانية وعن الوضع في المنطقة.