السبت. نوفمبر 23rd, 2024

اعداد صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات

مراجعة الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

انطلقت العلاقة الديبلوماسية بين الصين الشعبية  والهند في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث كانت الأخيرة من بين الدول الاولى التي أحدثت قطيعتها رسميا مع جمهورية الصين لصالح الصين الشعبية مدرجة إيّاها في قائمة الدول الشرعية التي تعترف بها على حدودها.

كان لطريق الحرير منذ العصور القديمة دور في تمتين العلاقة الاقتصادية والثقافية بين البلدين، حيث لم تقتصر التبادلات التجارية على نشر البضائع فقط، بل كان هناك تبادل كبير للثقافات والاديان والافكار، خاصّة  ” تعاليم بوذا ” وهي الديانة المنتشرة كثيرا في الهند، ويذكر التاريخ أن البوذية قد عمّت الصين في ذلك الوقت ولم يكن لها تأثير سلبي على المعتقدات والاديان المحلية،  بل ساهمت في تطوير افكار وخلق أفكار أخرى وعادات جديدة إنتشرت بدورها في شرق آسيا الى حدود القرن الحادي عشر قبل هيمنة “المغول” (Mongols) على الصين و إنتشار الإسلام في الهند، حيث تراجع التبادل الثقافي بين الطرفين .

في الفترة ما بعد الإستعمارية، كانت سياسات الدولتين وإستراتيجياتهما  في السعي نحو بناء الدولة العصرية  على الاراضي المتحررة من الاستعمار البريطاني مختلفة تماما في ذلك الوقت.

توجهت السياسية الهندية الى السعي نحو تكريس العدالة الإجتماعية والتطور الاقتصادي من خلال بناء الدولة العلمانية الديمقراطية  الفدرالية المعتمدة على سيادة القانون .

كان المعتقد السائد آنذاك لدى “نهرو” Nehruأول رئيس وزراء في الهند بعد فترة الاستقلال  والمعروف بزعماته في حركة الاستقلال، أن بناء علاقة متينة مع الصين سوف تكون له تأثيرات إيجابية وستعزّز الإستقلال والتحرر الذي تعيشه بلاده، ليس ذلك فقط، بل يرى أن الصداقة مع الصين ستؤثر على القارة الآسيوية بأكملها وتقودها نحو الخوض في مسار جديد مختلف عن الذي كانت تعيشه سابقا في فترة الإستعمار.

لم تقم الهند بتحديد موقعها  من بين الأطراف المتصارعة  خلال الحرب الباردة، بحيث خيّرت تطبيق مبدأ السلم معتبرة انّ وضعها دقيق للغاية خصوصا في تلك الفترة بالذات  ولا يسمح  لها باتخاذ أي وضعية هجوم أو إعلان للعداء.

في المقابل وضّحت الصين موقفها  واصطفّت الى جانب الاتحاد السوفياتي، منتقدة الهند على عدم الانحياز.

 وبالرغم من ذلك فقد تواصلت متانة العلاقة بين الطرفين حتّى أنّ الصين  الشعبية احتلت مقعد الصين في الامم المتحدة  تلبية لرغبة الهند وتجاوزا لموقف الولايات المتحدة الامريكية التي كانت معارضة لذلك بشدّة، كما لم يبدي “ماو تسي تونغ””Mao Tsé-toung” مؤسس جمهورية الصين الشعبية أي ردع لتدخّل الهند في تهيئة الاوضاع الخاصّة ببلاده بعد الحرب التي خاضها مع كوريا.

عموما فقد زخرت فترة النصف الاول من القرن العشرين بالعلاقات المتينة  والاتفاقيات بين الصين والهند .

الصراع حول الحدود

يعود الصراع حول الحدود بين الجارتين الهند والصين الى عام 1959 حيث اندلعت آنذاك انتفاضة التبت، يقع إقليم التبت في جنوب غرب الصين وعاصمته “لاسا”، حيث يتمتع بحكم ذاتي ويوجد تحت السيادة الصينية، يتميّز هذا الاقليم بعدد كبير من الأنهار والبحيرات، مساحته تقارب مليونين ونصف كيلومتر مربع .

في آواخر عام 1913، نظم مؤتمر في “سميلا” في شمال الهند بين كلّ من بريطانيا، الصين، والهند، وقد تمّ التوصّل الى حلّ مشكلة الحدود بين الهند والتبت وعُرف الخط الحدودي المتفق عليه منذ ذلك الوقت  بـ ” خطّ السيطرة الفعلية” (Line of actual control) لكنّه غير معترف به دوليا، إلاّ أنّ الصين عبّرت عن رفضها الشّديد لترسيم الحدود، و دخلت في نزاع مع الهند التي في المقابل وافقت على ذلك.

حافظت “التبت” على استقلالها الى غاية عام 1950، حينها قامت الصين بالسيطرة على كامل المنطقة، ورغم جهود الشعب التبتي في الدفاع عن أرضهم إلا أنّهم لم ينجحوا في ذلك وأصبح الاقليم ذو حكم ذاتي  تحت سيادة الصين الشعبية، لكن وبعد سنوات من الصمت عاد الشعب التبتي للانتفاض في عام 1959، إلاّ أنّ الصين قامت بقمع هذه التطّلعات بكلّ قوتها العسكريّة الى أن أعلنت انتصارها، و نتيجة للحصار والضغط الشديدين على المنطقة فرّ الزّعيم الروحي للمنطقة  ” الدالاي لاما “(Dalaï-lama) الى الهند التي أعطته حقّ اللجوء بكلّ طواعية، وقد أثارهذا القبول غضب الصين الشعبية التي اعتبرت أنّ ذلك تحديا لها.

  حاولت الهند كثيرا مع الصين الشعبية لتهدئة الاوضاع، ولم تترك أيّ محاولة لتقنعها بقانونية الحدود المرسومة، لكنّها فشلت مع تشبّث الاخيرة بموقفها .

كان عام 1962 النقطة المفصلية الهامّة التي أثبتت جديّة توتّر العلاقة بين البلدين حول مسألة الحدود، فقد قامت الصين بالهجوم مباشرة على التحصينات الهندية في الشمال الشرقي وفي “لاداخ” وخرجت من هذه الحرب الدامية منتصرة نتيجة الضّعف العسكري للقوات الهندية  وعدم تلقيها المساعدات من حلفائها .

أدّى الصراع الحدودي بين البلدين الى تعميق الازمة، حيث تطوّرت العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين الصين وباكستان التي تعتبر أكبرعدو للهند في جنوب آسيا، وتغيّرت التحالفات في خضم الحرب الباردة، حيث انحازت الولايات المتحدة الامريكية الى جانب الصين وباكستان لمواجهة الاتحاد السوفياتي، ولم ترحّب الهند بهذا التّكتل القوي الذي اعتبرته تهديدا لها.

في عامي 1993 و 1996 تمّ التوقيع على اتفاقيات بين الصّين والهند تقرّ بالاعتراف القانوني بالخط الحدودي المتنازع عليه، وبذلك عادت العلاقات الديبلوماسية  والاقتصادية بين الطرفين، لكنّ هذا الاتفاق لا يعكس فعليا قناعة الصين بخصوص مسألة الحدود، فقد اعتبر اعترافها ليس إلاّ انطلاقة شكليّة لتسوية العلاقة مع الهند ووضعها في إطار براغماتي لتحقيق أهداف مشتركة من أبرزها النمو الاقتصادي .

إمكانية لتغيير الاستراتيجيات

تكتسب المناطق الحدودية بالنسبة للصين والهند أهمية بالغة، وبالتحديد المنطقة الحدودية “اكساي شين” المسيطر عليها من طرف الصين والتي تمثّل جزء من إقليم شيجيانغ ومن التبت، حيث تبلغ مساحتها 38 ألف كيلومتر مربع وبها كثافة سكانية منخفضة جدّا، كما أنّها تحتوي على بحيرات مالحة، وقد ساعدت المنخفضات في هذه المنطقة بكين على الربط بين إقليمي التبت وسنجان.

وتعد الثروة المائية في هذه المناطق الحدودية هائلة، لذلك فهي تشكّل أهمية قصوى لكلا العملاقين باعتبار الكثافة السكانية الكبيرة في كل منهما والنمو الاقتصادي المتسارع. وتعزم الصين على بناء سد في نهر “براهمابوترا” النابع من “التبت” للانطلاق في مشروع ضخم لإنتاج الكهرباء، وهو الأمر الذي يثير بشدة مخاوف الهند.

ذكرت مؤسسة راند أنّ مخاوف نيودلهي تحوم بالأساس حول مخططات بكين بتشكيل شبكة من التحالفات للهيمنة على منطقة جنوب آسيا والتضييق على الهند.

الى جانب ذلك، يُذكرُ أنّ ما زادا الطين بلة قديما هو علاقة الهند بالأطراف الحاكمة في جزر المالديف ونيبال وسريلانكا وباكستان،ممّا أضرّها في نزاعها مع الصين صديقة حكومات هذه الدول، إلاّ أنّ ذلك لم يستمر حيث أعادت نيودلهي بناء علاقات جيّدة مع هذه الدول بإستثناء باكستان لنزاعها معها حول إقليم كشمير وعلاقتها الوطيدة مع الصين، وذلك ربّما يمثّل ورقة رابحة لها في نزاعها الحدودي مع الصين، إلاّ أنّه ليس هناك ضمانات فبمجرّد تغيّر الحكومات حال حدوث انتخابات ستتغيّر التحالفات بسرعة.

واذا لم تنجح الهند في هزيمة بكين ستتهدّد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية واستراتيجياتها في المحيط الهندي والمحيط الهادئنظرا في أنّ نيودلهي يمكن ان تركّز اهتماماتها على مصالحها المتصلة نوعا بجيرانها.

By Zouhour Mechergui

Journaliste