السبت. نوفمبر 23rd, 2024

اعداد: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

تشهد القارة الافريقية صحوة كبرى من أجل التخلص من الاستعمار”المتجدد” الذي عمل على سلب وسرقة ثرواتها و”تجهيل” و”تفقير” شعوبها.
هاهي القيادات العسكرية الوسطى في دول الصحراء الإفريقي تقود هذه الحرب وتنقلب على العملاء و”صنّاع” فرنسا والغرب بصفة عامة.
وفي المقابل تتوجه القوى الدولية العظمى التي تنادي بمستقبل جديد للعالم “أكثر عدلا وتوازنا” نحو القارة الافريقية ويرجع الإهتمام بسبب موقعها الجيواستراتيجي وتوفر الموارد الطبيعية الإستراتيجية لمستقبل العالم المعاصر.
وإنقلب الوضع على “المستعمر القديم” وبدأت موجات التحرر الإفريقي تظهر على السطح، بل وتتجسد من خلال تحركات قيادات عسكرية شابة آمنت بمبدأ “الحرية” ومن خلال “الإحتجاجات” الشعبية الرافضة لتواجد المستعمر الغربي،وخاصة الفرنسي في دول الغرب والساحل الافريقي.
وفي المقابل الترحيب بالتواجد الصيني والروسي الإقتصادي والأمني الذي أصبح يقلق صانعي السياسات الأوروبية والأمريكية، بالتزامن مع تطور علاقات مجموعة “فاغنر” إلى ما وراء التعاون الأمني والعسكري، إلى شبكة من الشراكات مع شركات في مختلف الدول الإفريقية.


أمريكا واستراتيجية جديدة لاستمالة الدول الافريقية


استراتجية الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد دائما على “القوة الناعمة” فقد رصدت واشنطن 55 مليار دولار لإفريقيا لإستمالة دول القارة نحوها، تتضمن مساعدات في مجال الرعاية الصحية واستكشاف الفضاء.
كما زاد التواجد العسكري الأميركي في القارة منذ تأسيس القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا “أفريكوم”منذ سنة 2007 ليصل إلى عدة آلاف من العسكريين وأغلبهم يعملون كفرق إستخبارات لا أكثر ويتدخلون في عماليات خاصة جدا مثلما فعلوا في ليبيا في سنة 2019 أين تمّ قصف قوات “المريشال حفتر” ومنعه من الدخول الى طرابلس.
كما تركز واشنطن على مكافحة “الإرهاب”، خاصة في دول الساحل بغرب وشمال إفريقيا، ويتمركز معظم العسكريين الأميركيين في “جيبوتي” التي تستضيف القاعدة العسكرية الأميركية الوحيدة داخل أفريقيا.
وتنتقد واشنطن بيكين كثيرا على “تصرفاتها” في إفريقيا وتمددها الكبير بل وتعتبر أن الصين تتحدى النظام العالمي القائم وتتجاوزه لتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الخالصة ولإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات الإفريقية.
أما بالنسبة لروسيا، فتتهم واشنطن موسكو بأن إفريقيا أصبحت تمثل بيئة مستباحة للشركات شبه الحكومية والعسكرية الخاصة، وغالباً ما تخلق حالة من عدم الاستقرار لكسب مزايا استراتيجية ومالية.
وفي السنة الماضية وفي شهر أغسطس 2022 كشفت واشنطن عن إعادة صياغة شاملة لسياستها في إفريقيا، حيث قالت أنها تعتزم مواجهة الوجود الروسي والصيني عبر أربعة أهداف تمتد لخمس سنوات، ذلك من خلال:
1- دعم المجتمعات الإفريقية،
2- وتقديم مكاسب ديموقراطية وأمنية،
3- وإتاحة الفرص الاقتصادية،
4- ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف معه والتحول المنصف للطاقة.


ملاحظة:


بحسب خبراء ومهتمين بالشأن الإفريقي فإن الشركات الأمريكية لا تستطيع المنافسة ضد الشركات الصينية وغيرها في صناعات معينة، مثل مشروعات البنية التحتية، فالشركات الصينية لديها هياكل أقل تكلفة، وتستفيد من خبرتها العملية في إفريقيا لعقود.
في الوقت ذاته، تتمتع بعض الشركات الأميركية بمزايا كبيرة في قطاعات الصحة والتكنولوجيا المالية والطاقة المتجددة. تتمتع الولايات المتحدة على العكس من الصين برصيد كبير من الجاليات الإفريقية المقيمة بالولايات المتحدة، وكثير منهم يحافظون على روابط تجارية مع إفريقيا، وتعمل واشنطن على إشراك الجاليات الإفريقية في مبادرات دعم العلاقات مع القارة.
الإتحاد الأوروبي يتخبط وضاقت به السبل في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل


لم يتبقى للإتحاد الأوروبي سوى الأعمال العسكرية للعودة الى دول الساحل فهو اليوم يعيد حساباته ويعمل على بدء مهمة عسكرية جديدة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، والهدف منها “تدريب محدد لنشر عمليات مكافحة الإرهاب” بحسب ادعائاته.
لا يزال عدد أفراد الشرطة والجيش الأوروبيين الذين سيتم إرسالهم إلى دول خليج غينيا مجهولا بل وغير متفق عليه من الدول الأوروبية، وبالإضافة إلى الاستعداد لنشر عمليات مكافحة الإرهاب، من المخطط أيضا تعزيز قوات الأمن المحلية ودعمها الفني بداية من شهر سبتمبر 2023 ولكن على ما يبدوا سيتأخر هذا الانتشار الى وقت غير معلن على خلفيات الإنقلابات العسكرية والغابون اليوم والرفض الشعبي لتواجد الأوروبي وخاصة الفرنسي.
يستخدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه المساعدات التنموية المقدمة لإفريقيا كورقة ضغط لتحقيق مصالحها لا سيما ضبط الهجرة غير الشرعية ولكن هذه الورقة كذلك قد “حرقت” ولم تعد تؤتي أكلها.
وإحدى الأدوات التي تجسد تركيز الاتحاد الأوروبي على مراقبة الهجرة هي “الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل إفريقيا”، حيث يقدم الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه معظم مساعدات التنمية في العالم، وبلغت هذه المساعدات 75 مليار يورو في عام 2019 نحو ثلث هذه المساعدات تذهب إلى إفريقيا.
أثار الانقلاب العسكري في النيجر مخاوف في دول الاتحاد الأوروبي، خاصة في فرنسا، بشأن تأثيره المحتمل على إستيراد اليورانيوم لتشغيل محطات الطاقة النووية على المدى الطويل والمفزع اليوم الإنقلاب الذي حدث في الغابون وبالتالي تخسر فرنسا كذلك عملاق النفط الإفريقي.

الترحيب الإفريقي بالشراكات الصينية


يأتي نمو شركات الأمن الخاصة الصينية بالتزامن مع زيادة بكين لإستثماراتها في مشروعات البنية التحتية الكبرى داخل إفريقيا، وتستثمر الصين كذلك في مشروعات التعدين بجميع أنحاء القارة، وإزداد الطلب على الخدمات الأمنية الصينية في إفريقيا بشكلٍ كبير بعد إطلاق مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، التي تمثل جزءاً من خطة الصين للتفاعل مع القارة، والمبنية على مبدأ “الرابح-رابح” الذي وجدت فيه الشعوب والحكام الأفارقة ظالتهم فهم يبحثون على شركاء يحترمون انسانيتهم وسيادتهم الوطنية وليس على “سارقين ومستعمرين”.
تتقدم الشركات المملوكة للصين بشكل متزايد على منافساتها الأوروبية من حيث القرارات السريعة والتنفيذ السريع لمشاريعها في إفريقيا، وتعود نجاحات الصين في إفريقيا إلى عدد من الأسباب، أهمها:
1- الأسلوب الذي تقدم به الصين نفسها للقارة باعتبارها إحدى الدول النامية وليس لديها تاريخ استعماري.
2- تجاوز الشروط الدولية التي يضعها الغرب في تقديم المساعدات والدخول في المشروعات المشتركة.


النفوذ الروسي في افريقيا يقابل بترحيب شعبي كبير


أصبحت روسيا تلعب دوراً أكبر في إفريقيا امتداداً من ليبيا إلى مالي وبوركينافاسو وعينيا بساو والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق بالإضافة إلى دول الساحل الإفريقي والملفت للانتباه أن كل الشعوب المنطقة يرحبون وبشكل كبير بالتواجد الروسي بل ويرفعون الأعلام الروسية مع أعلام بلدانهم.
وتأتي المساعدات الروسية لمالي، فضلاً عما تردد حول عرضها مساعدة في بوركينا فاسو، من أجل تكثيف خطوات روسيا الرامية إلى توسيع قاعدة نفوذها في إفريقيا، سواء على الصعيد الرسمي أو الصعيد غير الرسمي، عبر تقديم تعاون أمني في هيئة تدريبات وإستخبارات ومعدات لعدد من الحكومات الإفريقية.
وخاصة في موضوع مكافحة الارهاب التي أثبتت روسيا نجاعتها في هذا الموضوع بالذات وأنها تفي فعلا بوعودها في مكافحة الإرهاب، بل أن أغلب التقارير تفيد بأن أوروبا وخاصة فرنسا تتعامل مع الإرهابيين وتدعمهم من أجل بقائها وبقاء جيوشها وهذا لا تفعله روسيا بل بالعكس روسيا تقف مع الجيوش الرسميةوالحكومات من أجل الحرب الفعلية على الإرهاب ولا تكيل بمكيالين كما تفعل الدول الأوروبية والأمريكان.
كما أن المصداقية الروسية في مكافحة الارهاب في الدول الافريقية قد أثار حفيضة الأوروبيين والأمريكان وأصبحت هناك منافسة شرسة بينهم لأن أفريقيا:
1- تمثل ثقلا كبيرا في الجمعية العامة للأمم التي تمثل فيها ثلث الأصوات، حيث شكّلت 17 دولة من القارة 50% من الممتنعين عن التصويت على قرار أممي يدين روسيا لحربها على أوكرانيا في مارس 2022.
2- موارد الطاقة التي زادت الحاجة إليها بعد حرب أوكرانيا، وهناك تنافس على الموقع الإفريقي الذي يزخر بالطاقات المتجددة خصوصاً الشمسية، وتلك التي يجرى توليدها من الرياح والشمس.


الخلاصة:


1- إفريقيا تقلب اليوم الطاولة على الدول الإستعمارية والتحولات الجيواستراتجية من أجل عالما أكثر عدالة وتوازن يسير بخطا ثابتة وتقوده دول عظمى الصين وروسيا.
2- الصراع والتنافس على أشّده بين الدول الكبرى على منطقة الساحل الافريقي جيث أصبحت دول الساحل الإفريقي ساحة صراع اقتصادية وسياسية، حيث تسعى الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والغرب من جهة لمواجهة الآخر وبسط النفوذ. وبحسب آخر المجريات فهناك تفوق سياسي واقتصادي كبير للصين وروسيا في هذه الدول الافريقية التي خبرت التعامل مع امريكا والدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا.
3- نفوذ الولايات المتحدة والغرب في إفريقيا يشهد تراجعا كبيرا وما يقلق الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي هو الحضور الصيني في إفريقيا، أكثر مما يقلقها الحضور الروسي.
4- يحاول الاتحاد الأوروبي المحافظة على ما يمكن ومما تم تحقيقه من مكاسب سابقة داخل القارة الإفريقية، واستخدام المساعدات التنموية المقدمة لإفريقيا كورقة ضغط لتحقيق مصالحها وبسط النفوذ، ولكن موجة الإنقلابات التي تقودها القيادات الوسطى العسكرية ورفضهم للمساعدات الأوروبية يفقد أوروبا سيطرتها على الدول الإفريقية وإحتمال كبير بعد اليوم وإنقلاب الغابون “عملاق البترول” ستليها خسارات أخرى لأوروبا.
5- إفريقيا اليوم أصبحت بوابة للتحولات الجيوسياسية العالمية وقمّة البريكس وإنظمام ثلاثة دول إفريقية سيقلب كل المعادلات وأوروبا اليوم عاجزة على إيجاد الحلول فهي مرفوضة شكلا ومضونا من قبل الشعوب الإفريقية.
6- ولن تتدخل “إيكواس” عسكرياً في النيجر كون أن التدخل العسكري سيكون محفوفاً بمخاطر عسكرية وسياسية ومن المؤكد وبعد إنقلاب الغابون لن تتدخل لا “الإيكوس” ولا الإتحاد الإفريقي ولا فرنسا عسكريا.
7- دول الساحل والغرب الإفريقي قد أخذت منعرجا جديدا وخرخت من قبضة الإستعمار الجديد، إنها دول قررت أن تتحرر وأن تنهي الاستعمار الذي سرق كل ثرواتها وان تضع حدا لمأساتها.

By Zouhour Mechergui

Journaliste