الأحد. نوفمبر 24th, 2024

اعداد: فاتن جباري باحثة بقسم العلاقات الدولية و الشؤون الاستراتيجية

مراجعة وتدقيق: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

تقديم :

للمرة الثانية على التوالي يتم توجيه دعوة رسمية للمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية  بتونس في ملتقى على شرف تنظيم وزارة الدفاع الروسية،” لحضور المؤتمر الدولي للأمن والدفاع ” المنعقد بالعاصمة الروسية موسكو، وذلك في اطار تعزيز مكانة ودور مراكز البحوث العلمية الاكاديمية في استشراف الأفاق المستقبلية للعالم في شتّى المجالات التي تشغل المجتمع الدولي ككل لعل من ابرزها (الأمن الطاقي، والغذائي، التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي… وتعديل بوصلة السياسات الجيوإستراتيجية والاقتصادية من أجل الانفتاح على أقطاب أكثر إنصافا وعدلا للدول المفقرة والنامية.

إلى جانب ذلك، يتجلى تعميق أواصر العلاقات مع روسيا من خلال تعزيز التعاون الاستراتيجي في مجالات التعاون العلمي وتشجيع المراكز البحثية في تطوير رؤيتها نحو افق أوسع خلال طليعة 2030 في ميادين متعددة وذات مصلحة مشتركة بما يثمن مكانة تونس العريقة كشريك أكاديمي في المحافل الدولية من خلال مراكزها البحثية وجاء في مقدمتهم المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية.

وقد تمّ في هذا الملتقى الذي ضم أكثر من 70 وفدا رسميا عسكريا وأكثر من 1200 مشارك من الخبراء المتميزين والمختصين ونخبة من شخصيات عربية و دولية ودبلوماسيين ووزراء  تم مناقشة قضايا دولية وعرض مقترحات هامة وقع تداولها بجملة من المداخلات العلمية تعود بالنفع وتعكس عمق الأفكار وقوة المقترحات المقدمة كحلول سلمية في فض النزاعات والصراعات الدولية وخاصة عرض الوده الجديد للعالم متعدد الأقطاب وعالم أكثر تحررا وعدلا…

وفي الاجتماع المغلق لنادي الخبراء الاستراتجيين كانت مشاركة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية والتتويج بشهادة مشاركة وشكر من ضمن ثلاثين خبير استراتيجي في العالم وكان في طليعته رئيسة المركز الدكتورة بدرة قعلول ممثلة لتونس وتشريفا لراية وطنها في هذا المنتظم الدولي.

هذا التتويج كان وليد جهود علمية كثمرة انتاج لمسيرة حافلة في مجالات اكاديمية طرحت قضايا اقتصادية وسياسية وأمنية تهم أمن الدولة والمواطن، بل وتعنى بالتغيرات الحاصلة على مستوى الساحة الدولية ككل.

حيث يسعى المركز اليوم الى تحصيل قوة مقترح وطنية ودولية للاستئناس بدراساته لما يقدمه من تصورات وتحليلات معمقة منها بناء تصور في مكافحة الجريمة الدولية المنظمة والارهاب والتهريب والهجرة وقطاع العملة والمصارف والبنوك، منها تهريب وغسل الأموال نذكر ايضا استراتيجية المياه والأمن الغذائي، منظومة التكنولوجيا والطاقة البديلة والثروة الوطنية وما بات يسمى بالاحتياطي الاستراتيجي للثروات الحيوية خلال الازمات… باقتراح منظومة تصرف وموازنة وشراكة دولية فاعلة وجهت خيارها نحو المعسكر الشرقي كتجربة دولية جديدة تحمل استعدادات وبرامج تشاركية مع تونس عالية المستوى في مجالات متنوعة (النقل، السكك الحديدية، منظومة بناء الطرقات والسدود والموانئ ويذكر في الصدد ذاته مجال إنشاء المجمعات الكهرمائية في تونس ومنظومة السدود حيث تولت الشركة الروسية عام 1999 “سيلخوز بروم أكسبورك” إنجاز أكبر المجمعات المائية التونسية كسد سيدي البراق كأحد أكبر السدود التونسية، في 2006 تـم إنجاز خط ثاني لأنابيب الماء الممتدة على مستوى سجنان جومين ومجردة، ومشاريع مياه أنهر تونس الشمالية وتحلية المياه.

وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن روسيا أصبحت في عام 2008 شريكا ثالثا على الصعيد التجاري الخارجي بالنسبة لتونس هذا ومازلنا نسعى الى رسم مخطط تنموي بالشراكة مع دولة روسيا الاتحادية في مجال  الطاقة المتجددة، تكنولوجيا الاتصال والفضاء، الفلاحة العصرية ومنظومة الري، التصدير والتوريد، التعليم، الطب، الدفاع والصناعات العسكرية (تبادل القدرات والخبرات في التدريبات والعمليات واستشعار المخاطر وغيره).

على المستوى الدولي

 ومواكبة للخريطة الجغراسياسية  يتأثث المركز على رواق أكاديمي يعنى بالشأن الافريقي والمغاربي تونس وليبيا والجزائر والمغرب وكذلك موريتانيا، سعيا نحو دمج وتأصيل التعاون المشترك وبناء مشروع الوحدة المغاربية ودفع روابط التنمية والتنسيق وتقريب السياسات وحل الخلافات بالطرق السلمية في قضايا كثيرة وارساء السوق التنموية والبنك المغاربي ولما لا “بنك العملة المغاربي–الافريقي” لم يتوزع عليه من طاقة بشرية استهلاكية وقدرة استراتيجية من حيث التموقع والجغرافيا والثروة والأهم من ذلك الرسالات المتكررة في طرح قضية الدبلوماسية المغاربية ضمن دراسات عديدة منشورة ومتاحة للملأ سواء في الرواق الالكتروني للمركز أو على والمحطات الاذاعية بتونس أو وكالات الانباء الدولية.

على المستوى الوطني

  من جهة أخرى كان الدفع بتثمين العلاقات بين ما يتقدم من مقترحات وتوصيات والحرص على أن لا تتنافى السياقات الموجهة مع الخيارات التي يتخذها  أعلى هرم في السلطة، فقد كان هذا التوجه نحو تعديل الكفة بين الغرب والشرق وخاصة الانفتاح نحو علاقات متعددة وشركات متنوعة تخدم مصلحة البلاد والعمل بمبدأ “الرابح-رابح” وذلك راجعا الى الوعي بحكومة الرئيس قيس سعيد  والتي عززت المكانة التي تبوأها روسيا في سياستها الدبلوماسية، مثلما يشهد على ذلك فحوى المحادثة الهاتفية المجراة في خلال  شهر مارس 2023 بين وزيري خارجية البلدين تونس وروسيا، حيث ارتبطت بمدى أهمية تعزيز “سبل التعاون الثنائي المبني  على  قاعدة التوازن والانصاف والتي ستكون أكثر عدلا بالنسبة الى سياسة الرئيس الروسي بوتين ودول شمال افريقيا وتحديدا تونس” والتي التمسنا  فيه خلال الحضور الأخير ترحيبا وتكريما خاصا واستعدادا كبيرا لرسم نهج واضح من الجانب الروسي مع تونس والإشادة بالعمق التاريخي الذي تحتفظ به المجلدات للأجيال القادمة خلال سبعينات القرن الفائت بما يعكس  التقارب الروحي التونسي الروسي في حقبة زمنية مضت ومازالت تؤتي ثمارها حتى يومنا هذا.

علاوة على النضال المشترك في نصرة قضايا تونس ضد الاستعمار ونيل الاستقلال وفي مدى ودية العلاقات بين بلادنا وجمهورية روسيا الاتحادية.

وما تزال المعالم تمجد هذه الذكرى في متحف سرب البحرية الروسي بمدينة بنزرت… رغم الضغوطات الغربية-الأمريكية على تونس وعلى الساحة المغاربية ككل، وهي فرضية ذات مصداقية نظرا لإرتباط  مصالح أمريكية لا تريد الولايات المتحدة الامريكية التفريط فيها لأي شريك دولي قوي أخر على حساب مصلحة بلادنا.

لقد كان من بين مخرجات المؤتمر الدولي المنعقد  التركيز على سعي روسيا التي  تطمح منذ سنوات عدة إلى:

ربط قنوات التواصل التنموي الاقتصادي و العسكري  في منطقة المغرب العربي وقد سجّلت بالفعل حضورها على الحدود التونسية منذ اعقاب الحرب الباردة، باعتبارها شريكا استراتيجيا بامتياز للجزائر  دون أن يشوب العلاقة بين البلدين وكذلك على الحدود مع الجارة  ليبيا. فروسيا  حاضرة كذلك على الجانب الآخر وتحديدا في شرقي ليبيا.  

وطبقا لأخر التقديرات تكون روسيا المزود الرئيسي للأسلحة في إفريقيا حيث استحوذت على 40٪ من إجمالي الواردات من السلاح في القارة خلال الفترة الممتدة بين 2018 و 2022 وهو ما يشكل بحسب المحللين للشأن الدولي اقتلاعا لقدم الولايات المتحدة الامريكية على اعتاب افريقيا ككل  وذلك لا ينفي حقيقة أن روسيا بدأت تبسط وجودها في  مناطق من افريقيا  شيئًا فشيئًا.

وبالعودة إلى تونس، فإن التعاون بين البلدين لا يرد له ان  يكتسِ هذه الصبغة ذات الشراكة العسكرية من الحجم الثقيل لأن ذلك سيحتاج الى مؤهلات مادية وتمويلية كبيرة جدا الا أن الشراكة العسكرية المراد اقتراحها كخيار استراتيجي قابل للنقاش والتفكير على المدى القريب اذا ما أردنا عقد اتفاق وشراكات عسطرية وأمنية  روسية في العديد من المجالات العسكرية مثل ابتكار منظومات او برمجيات الكترونية اتصالية للمراقبة او الاستشعار عن بعد او عقد برامج تكوينية لتبادل الخبرات والتجارب في تكنولوجيا الفضاء و تعزيز الأسطول الدفاعي  والمنتجات الإلكترونية وهي أكثر المنتجات التي تضمن الجدوى الاقتصادية والعلمية والأمنية على حد السواء…وتشمل تصنيع وسائل الاتصال والمشاهدة والرصد والتنصّت والرمي فبحسب خبراء تصنيعها لا يتطلب فضاءات شاسعة لتركيز ورشاتها كما أنها ذات قدرة تشغيلية كبيرة وتجارتها ذات قيمة مضافة هائلة وقد شهدماها في معرض السلاح الذي تمّ انعقاده على هامش المؤتمر الدولي بموسكو.

من جهة اخرى نلفت الانتباه الى ان دولة روسيا الاتحادية  تعتمد على استراتيجيتها الاتصالية لتبليغ صوتها في تونس مثلما تفعله في منطقة الساحل أو في إفريقيا الوسطى فخلال الفترة الأخيرة لجأت وكالة الأنباء الحكومية، سبوتنيك، إلى تكثيف المنشورات التي تشير إلى تونس بشكل مباشر أو غير مباشر كما أن من بواعث ابتهاج روسيا اصطفافُ تونس تدريجيا وراء البعض من مصالحها الإقليمية، ومن ذلك قرار قيس سعيد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في مطلع العام بعد انقطاعها منذ فيفري 2012 وهي خطوة تتماشى مع مصالح الكرملين في العالم العربي.

 اما على الصعيد العلمي الثقافي  يتجلى  ذلك من خلال وان موسكو  كما هي الصين، تسعى إلى تبادل ثقافي. ويؤكد  التوجه نحو تكثيف جميع الانشطة الثقافية الروسية وتنظيم زيارات لتلاميذ المعاهد الثانوية من متلقي دروس في اللغة الروسية وتساهم هذه الأنشطة الموجهة للتلاميذ بطبيعة الحال في تعزيز التعاون الأكاديمي وتوفير مساعدة للطلاب والطالبات الراغبين في الحصول على منح للدراسة ويشدد البيت الروسي على كونه مؤسسة “غير سياسية”. ومع ذلك بات من  حق تونس  في نظرنا أن تبحث عن شركاء جدد خدمة لمصالح البلاد وخياراتها التنموية  وادراكا بأنه لا يوجد قطب واحد في هذا العالم بل عدة أقطاب.   

وتُعتبر السياحة رافعة أخرى غير مباشرة للتقارب الثقافي بين البلدين، حيث أسهم السياح الروس في إنقاذ القطاع السياحي منذ 2015  خلال العام الحالي شهد  الموسم السياحي تطورا محترما  حيث بلغ عدد الوافدين على البلاد التونسية إلى حدود موفى شهر جويلية  2023 أكثر من 5 ملايين سائح أي بارتفاع بنسبة 70% مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2022.

 ووفق آخر الإحصائيات العالمية فقد احتلت تونس المرتبة الثالثة كأهم وجهة سياحة خلال شهر جويلية 2023 بعد فرنسا وإسبانيا متقدّمة بذلك على كل من اليونان وتركيا ومصر.

الخلاصة

تنبني خطة العمل المعتمدة من قبل المركز والتي تجسد  لبنة جديدة في إطار تعزيز التعاون والشراكة بين الفدرالية الروسية والقارة الإفريقية وتحديدا البلاد التونسية، اذ تنصهر في تقديرنا ضمن  صميم الأجندة التنموية الإفريقية لأفق سنة 2060، فهى خارطة طريق عملية وشاملة تهدف إلى تكثيف علاقاتنا من أجل مزيد إيلاء العناية اللازمة لدفع نسق المبادلات التجارية والاستثمارات الروسية فى إفريقيا فى مجالات سابقة الذكر… الزراعة وتقنيات تكنولوجيا الزراعة و تقنيات  التخزين والصناعة الصناعات الجوفضائية، المعادن والالكترونيات التي تشتغل بالطاقة النظيفة، والصناعات العسكرية الغير الثقيلة والطاقات المتجددة وغيرها من المجالات…

كلها جملة من الرؤى التي نقدمها من صميم رؤيا استراتيجية للمركز ومقترح للنظر في إيجاد أطر دائمة ومؤسساتية للحوار والتعاون بين مختلف الجهات الفاعلة وفي مقدمتها مؤسسة رأسة الجمهورية التونسية وعلى المستوى الدولي بنسج قنوات تواصل بين دولتنا والمجموعة الإفريقية والتكتلات الإقليمية الأخرى التي تلعب فيها روسيا دورا محوريا مثل المجموعة الأوراسية ومنظمة شنغهاى للتعاون وكذلك مجموعة البريكس .

By Zouhour Mechergui

Journaliste