اعداد : صبرين العجرودي قسم البحوث والدراسات الدولية
مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول ريسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية
بعد مقتل زعيم مجموعة فاغنر “يفغيني بريكوجين” الأربعاء الماضي في حادث تحطم طائرته قرب موسكو الى جانب 9 أفراد آخرين منهم مساعده ومؤسس مجموعة فاغنر”ديمتري أوتكين”، تلوح عدّة تساؤلات في الأفق حول مستقبل المجموعة في العديد من مناطق التي تسيطر عليها في العالم وتضطلع ضمنها بمهام عسكرية مختلفة.
نسعى ضمن هذا التقرير لتسليط الضوء على مجمل الاحتمالات المُشار إليها حول مألات مجموعة فاغنر بعد مقتل زعيمها.
يُذكر أنّ القارة الافريقية تضمّ ما يقارب 5000 عنصر من مجموعة فاغنر، تحوم أهدافها بصفة عامّة حول الرغبة في توسيع النفوذ والحد من هيمنة القوى العالمية الاخرى، حيث قام بريغوجين بعد التمرد الاسبوع الماضي بزيارة افريقيا الوسطى أين قام بإخبار رئيس البلاد “فاوستين آركانج” أنّ تمرّده المُحبط لا يشكّل عائقا أمام برامج المجموعة الاقتصادية والأمنية في المنطقة وهو الامر الذي لم ينل إعجاب موسكو ولا ترحيبها.
من جهته أشار “فيديل غواندجيكا” المستشار السياسي لرئيس جمهورية افريقيا الوسطى أنّ وجود قوّات فاغنر في بلاده بموجب اتفاق مع روسيا وأنّ مقتل القائد بريغوجين لن يؤثر من وجهة نظره العمليات التدريب والقتال.
إلى جانب ذلك، أشارت مصادر إلى أنّ بريغوجين كان قد تلقى هدية من قادة قوات الدعم السريع السودانية تمثّلت في سبائك من الذهب، حيث سافر هذا الوفد من إقليم دارفور نحو العاصمة بانغي للقيام بهذه الحركة تعبيرا على إمتنانهم لمجموعة فاغنر التي قامت بتأمين مناجم الذهب في غرب السودان.
كما أشار محلّلون إلى أنّه من بين الصعوبات التي يمكن مواجهتها هو تحديد أصول فاغنر الاقتصادية إذ تتعدّد الشركات التابعة لمجموعة فاغنر وتشمل أنشطتها عدّة مجالات متمثّلة في التمويل والبناء والإمداد والخدمات اللوجيستية والتعدين والموارد الطبيعية وتجارة الخيول الاصيلة، في هذا الصدد أشار “ديفيد لويس” من جامعة Exeter في المملكة المتحدة إلى أنّه من المحتمل ان تحوّل روسيا هذه العقود التجارية لصالحها وإعادة بناء قوّة جديدة مشابهة لمجموعة فاغنر، مؤكّد انّ بريغوجين له مهارات جيّدة في إدارة هذه الشبكات العابرة للحدود لكنّه لا يقوم بدور استثانئي، وما يؤكّد ذلك هو سيطرة الكرملين مباشرة بعد التمرد على شبكة الأعمال التي أسسها بريغوجين، كما قامت السلطات الروسية بمصادرة جزء من ممتلكاته بما يقارب 48 مليون دولار ذلك الى جانب فرض بوتين على مقاتلي فاغنر بالتوقيع على قسم الولااء.
وهو لا ينذر سوى بمستقبل غير جيّد لفاغنر ونهاية شبكة بريغوجين التي قام ببنائها خلال السنوات الفارطة بفضل قربه من بوتين وعلاقاته المتشابكة في العالم.
ولا يعني ذلك تخطي كل النجاحات التي حققتها مجموعة فاغنر ورئيسها بريغوجين، بقدر عمل روسيا على الحفاظ على كل المكاسب والعمل على تطويرها بحيث يمكن لوزارة الدفاع الروسية أن تتولى كافّة العمليات العسكرية في القارة الافريقية وتستغل الموارد التي تستخرجها فاغنر لدعم اقتصادها، حيث أشار الخبير المختص بالشؤون الافريقية دينو ماهتاني الى أنّ روسيا مثلما ذكرنا لن تتخلى على ما حققه بريغوجين. لكن من المتوقّع أن لا يكون ذلك سهلا خاصّة مع احتمال كبير بولاء أغلب مقاتلي فاغنر لبريغوجين.
من جانب آخر، من المتوقع أن يكون بوتين حذرا في أي خطوة قادمة متعلّقة بمنح الثقة والكثير من السلطة والمسؤولية لأي كان بعد تمرّد فاغنر، حيث أشار مركز الابحاث “سي إس إي إس” (Center for Strategic and International Studies) الى انّه إذا ارادت روسيا الحفاظ على نموذج الشركات العسكرية الخاصة في سياستها الخارجية ومساعداتها الأمنية، فمن المرجح تنويع السوق تفاديا لظهور خائن آخر مشابه لبريغوجين، حتى وإن كان حضور هذه الشركات متواضعا مقارنة بفاغنر وأقل فاعلية منها فإنّه من المتوقع ان يحافظ بوتين على دوره في الدعم والتحكم على ان يُبقي على المسافة الآمنة في العلاقة حتى لا يتحمّل كافة تحركاتها في افريقيا.
كما أضاف مركز الأبحاث إلى أنه من المتوقع أن تمارس الدولة الروسية مزيدا من السيطرة المباشرة على هذه الشركات العسكرية الخاصة في البلدان الأجنبية، من دون الاعتراف الكامل بأنها تخضع للسلطة المباشرة للكرملين.
بالتالي ننتهي بالقول أنّ بوتين لن يدع مجالا بأن يؤثر مقتل “زعيم” فاغنر على أي من مصالحه بطريقة سلبية، بل من المُتوقع أن تتدارك الكرملين ذلك بأن تضع استراتيجيات أكثر فاعلية تفاديا لأي إشكال قد يقع على غرار تمرّد بريغوجين، كما أنّها ستعمل على الحفاظ على ما حققته فاغنر في إفريقيا بالضغط على قوّاتها بما لا يدع مجالا بخروج الأمور عن السيطرة.