الأربعاء. نوفمبر 20th, 2024

اعداد: عادل الحبلاني قسم الدراسات والبحوث الاستراتجية

مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

تظهر اليوم وبشكل جلي أكثر للعالم الخسارة التي مني بها حلف الناتو، خاصة في أوكرانيا، والتي كانت بدورها نتيجة حتمية للعديد من العوامل والأسباب، الداخلية للحلف والخارجية، المتمثلة أساسا في القوة العسكرية والنووية التي ظهرت عليها روسيا في “الحقبة البوتينية” التي حولت روسيا الاتحادية الى قوة عسكرية ونووية قادرة على الردع.

روسيا الاتحادية اليوم قلبت موازين القوى العالمية وبدأت في صناعة سياسة دولية مخالفة للسياسات الاستعمارية السابقة التي مارسها الغرب لعقود، ولا يزال يمارسها الى اليوم، بجميع الأشكال المباشرة والغير مباشرة.

فالعملية العسكرية التي أشرنا اليها في العديد من إصدارات المركز الدولي أنها بمثابة نقطة أرخميدس التي إنطلقت من خلالها التحولات العالمية الجارية اليوم والتي قلبت العالم رأسا على عقب، تجعلنا نثير ونتتبع بخطوات حثيثة قوة الردع الروسية، وتمظهراتها في أكثر من نقطة ساخنة في العالم خاصة وأنها استطاعت التصدي للعديد من المؤامرات الغربية في كل من الشرق الأوسط وإفريقيا وشمالها وها هي اليوم تؤكد ذلك خاصة في أوكرانيا.

تسجيل العودة الروسية وتراجع القوى الغربية

لا يمكن الحديث عن قوة الردع الروسي للغرب دون العودة على الأزمة السورية التي إختار فيها الكرملين تحقيق أهداف سياسية وعسكرية وديبلوماسية، تمثلت أساسا في وقف نزيف السياسات الأمريكية الغربية الإستعمارية في العالم، فمنذ الوهلة الأولى التي تدخل فيها الغرب عسكريا في سوريا، قامت روسيا الإتحادية بوضع إستراتيجيا تهدف أولا الى ردع الغرب، ثانيا الى حماية نظام الأسد وثالثا الى حماية الأصول الروسية، وقد كان ذلك عبر نشر أسلحة متطورة على غرار نظام الدفاع الجوي “بانتسير” و” الماز آنتيS400 ” المجهز بصواريخ أرض جو عالية الدقة والارتفاع في قاعدة حميميم، بالإضافة الى نظام “كاراسوخا” الأرضي للحرب الإلكترونية ونظام الدفاع الساحلي “باستيون” ونظام الصواريخ البالستي، ناهيك عن منظومة الصواريخ “S300” المتطورة والتي تم تطويرها كغيرها من أنظمة الدفاع والهجوم التي ظلت موسكو منذ العام 2009 تقوم بتحديثها وتحديث قدراتها الإلكترونية في الحرب، مع الهدف الشامل المتمثل في تحدي حلف شمال الأطلسي “الناتو” بصورة غير متكافئة على حدود روسيا وزيادة فرص نجاحها في أي عملية ضد الأعضاء الشرقيين في حلف “الناتو”.

الأمر الذي جعل من الغرب يتراجع في سوريا ويخسر بشكل شبه كلي مخططاته في منطقة الشرق الأوسط.

 بالإضافة الى الملف السوري، يمكن إعتبار التدخل السياسي والعسكري الروسي في الملف الليبي على غاية قصوى من الأهمية، سيما وأنه إستطاع الى اليوم إيجاد موازنات سياسية وعسكرية عطلت تقريبا المطامع الغربية في ليبيا.

 فمنذ الوهلة الأولى إتهم بوتين الولايات المتحدة الأمريكية بمسؤوليتها عن مقتل الزعيم معمر القذافي، ومسؤولية زعماء غربيين عن تدمير ليبيا، معتبرا أن وجود التنظيمات الإرهابية والمليشيات في ليبيا تتلقى دعما بالسلاح والمال من الدول ذاتها التي تدعمها في سوريا…

وقد جاءت هذه الإتهامات مرفقة بجملة من القرارات والإجراءات المتمثلة أساسا في ضرورة التدخل الروسي في ليبيا سياسيا عبر إيجاد حلول ديبلوماسية بين الفرقاء السياسيين وعسكريا عبر تقديم الدعم العسكري، خاصة للمشير خليفة حفتر الرجل الأكثر قوة في الشرق لمواجهة المليشيات والتنظيمات الارهابية المدعومة من الغرب.

 غير أن طبيعة الأزمة في ليبيا مختلفة تماما عن نظيرتها في سوريا على إعتبار أنها إمتداد لها وللسياسات الغربية والأمريكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الأمر الذي حتم عليها الى جانب تمركزها عسكريا وفرض نفسها على الساحة الليبية بما دفع عديد الأطراف الى طرق أبوابها والسعي نحو التفاهم معها.

كذلك جعل العديد من الأطراف الدولية تسعى الى بحث وتأسيس علاقات قوية مع دول عربية مثل مصر والإمارات، انطلاقاً من الرؤية المشتركة للحل في ليبيا الذي أدى بدوره الي خلق نوع من النقمة الإعلامية في الداخل الليبي وخارجه على خلفية تدخل حلف الناتو في ليبيا ومسؤوليته عن تدميرها في سنة 2011.

 وقد تمكنت روسيا من إقامة تحالفات مع دول عربية على غرار مصر والإمارات وتركيا، دون التخاذل في لعب الدور الهام وتحقيق الأهداف الإستراتيجية المتمثل أساسا في ردع الغطرسة الغربية الأمريكية على العالم وفي شمال إفريقيا الإستراتيجي والغني بالنفط والغاز خاصة في ليبيا الذي يمثل الحل الأخير لأوروبا في أزمتها الطاقية.

القوة العسكرية التدميرية لروسيا الاتحادية

هاتان المحطتان الهامتان اللتان مثلتا الإرهاصات الأولى للعودة الروسية على الساحة الدولية وظهورها كقوة سياسية وإقتصادية وعسكرية، زادت من أهميتهما العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي يمكن إعتبارها المحطة الأكثر أهمية في الصراع بين الغرب وروسيا وقوة الردع الحقيقية والأكثر رعبا في وجه الغرب وأمريكا.

 حيث ظهرت حالة الإرباك والإرتباك بين القادة الأوروبيين خاصة في ما يتعلق بالأسلحة التي تم الكشف عنها في العملية العسكرية  الخاصة الروسية في أكرانيا ومرور الكرملين الى حالة التأهب النووي على خلفية حزمات العقبات الإقتصادية المسلطة على روسيا، والتصريحات المتهورة للقادة الأوروبيين وخاصة الدعم العسكري للحكومة الأوكرانية، حيث وفي محاولة جرد لأهم الأسلحة المرعبة التي تمتلكها روسيا، تستوقفنا وتحبس أنفاس العالم وهي على التوالي:

  1. طائرة يوم القيامة: المصمّمة  بطريقة تجعلها محصّنة ضد الهجوم النووي والنيازك والشهب وأي قوة جوية أخرى ويعمل محركها 24 ساعة في اليوم و365 يوما في العام، أي أنها لا تتوقف عن العمل، كما يمكن إعادة تعبئتها بالوقود في الجو، وهي جاهزة للإقلاع في أي لحظة إذا ما دعت الحاجة بشكل طارئ، وتستغرق عملية الإقلاع بضع دقائق فقط، كما يمكن لطاقم القيادة ومن على متنها التواصل مع الأرض في أي بقعة من العالم أثناء تحليقها في الجو، بالإضافة الى إستخدامها لمعدات تحكم غير رقمية، لتتمكن من العمل حتى في حال تعرضها لنبض كهرومغناطيسي قد يسببه إنفجار نووي، ناهيك عن العديد من الخاصيات الأخرى المتطورة جدا والتي تثير رعب الخبراء العسكريين في العالم.
  2. صاروخ سارمات: وهو الصاروخ الوحيد في العالم   القادر على تخطي كافة الدفاعات الجوية الموجودة ضمن نطاق إطلاقه وبلوغ هدفه في الولايات المتحدة حيث إنه موجه لضرب الأراضي الأمريكية، تكمن قوته في سرعته الهائلة 18 ألف كم في ساعة. كما تم تحديد مساره عبر القطب الشمالي حيث لا يوجد درع صاروخي أمريكي لرصده أو استهدافه. وتحتاج أمريكا لحوالي ثماني أو عشر سنوات لنشر مراكز إستطلاع في القطب الشمالي لرصد سارمات، الصاروخ الفريد من نوعه عالميا”. في 2019، قال بوتين إن سارمات “ليست له حدود عندما يتعلق الأمر بالمدى” وإن بإمكانه “إصابة أهداف من خلال عبور القطب الشمالي وكذلك القطب الجنوبي.
  3. صواريخ تسيركون الفرط صوتية: والتي يمكن إطلاقها من البر والبحر حيث يمكن لها التحليق بسرعة تفوق سرعة الصوت ب9 أضعاف أي بسرعة تفوق العشرة آلاف كلومتر في الساعة، وهي قادرة على إصابة أهدافها بدقة عالية، كما يؤكد الخبراء أنه وفي صورة إطلاقها من المياه الاقليمية فهي قادرة في وقت خمس دقائق الوصول الى الأراضي الأمريكية.
  4. صاروخ “كينجال”: فرط الصوتي عالي الدقة، والذي تحمله مقاتلات إعتراضية من طراز “ميغ31”  ويستطيع هذا الصاروخ إصابة أهداف على مدى أكثر من 2000 كيلومتر، مع ضمان تخطي جميع أنظمة الدفاع الجوي والدفاع الصاروخي الحالية واللاحقة، ودخل هذا الصاروخ الخدمة القتالية في الجيش الروسي منذ عدة سنوات.
  5. “بيلغورود”: وهي الغواصة النووية التي تثير مخاوف الغرب بشكل كبير، وذلك لكونها مؤهلة لحمل غواصات صغيرة مسيرة على شكل طوربيدات، تحمل رؤوسا نووية مدمرة، تستطيع أن تبقى في المياه لفترات طويلة، وتضرب الأهداف المائية والساحلية على مسافات تبعد 600 ميل عن الغواصة الأم التي تحملها، بالإضافة لقدرتها على حمل أنظمة لصواريخ بوسيدون النووية الاستراتيجية المصممة خصيصا للرد في صورة تعرض روسيا الى ضربة نووية.

الخلاصة:

انطلاقا من سيرورة التوترات بين الغرب وأمريكا من جهة وروسيا الإتحادية من جهة أخرى في أكثر من خط  تماس، يظهر في كل مرة وبشكلي جلي أكثر الحضور السياسي والديبلوماسي والعسكري الروسي على الساحة الدولية ويكتسب أكثر فأكثر ثقة الدول التي إستضعفتها القوى الاستعمارية، وتتجلى أكثر فأكثر قوة الردع الروسية التي أصبحت مدعاة لإمكانية إنهيارات كبرى داخل حلف شمال الأطلسي ” الناتو” الذي يعيش تصدعات كبرى بدورها من الداخل وكل المؤشرات تقول على نهاية حتمية للناتو في السنوات القليلة القادمة.  

By Zouhour Mechergui

Journaliste