23/08/2023
إعداد: عادل الحبلاني قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية
مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتججية الأمنية والعسكرية
لا يمكن للمتتبع لملف التنظيمات الارهابية التي انتقلت تقريبا الي افريقيا بشكل شبه كلي غير مرتبط بموجات الهجرة القادمة من دول افريقيا جنوب الصحراء نحو الآراضي التونسية، او اعتبار هذه التيارات المهاجرة، هجرة انسانية عفوية تنحصر اسبابها فقط في الهروب من أعمال العنف والحرب الدائرة خاصة في السودان والحروب الأهلية الدائرة في أكثر من نقطة، او اسبابها الفقر والجهل والأوضاع الانسانية السيئة.
كما لا يمكن التسليم أيضا بأن الآراضي التونسية هي قنطرة عبور نحو الداخل الأوروبي، ويعود ذلك إما لأعداد المهاجرين الآخذ في التزايد وعدم قدرة الدولة التونسية على ضبط هويات المتسربين خلسة اليها أو للتحولات العالمية الكبرى التي يدور رحاها على مواقع استراتيجية في افريقيا وخاصة في شمالها.
فالأمر الذي يثير العديد من الأسئلة المتعلقة أساسا بتسرب تنطيم داعش والقاعدة المتمركز أخيرا في افريقيا والذي تحول الي أداة بين أيادي قوى دولية تسعى الى تحقيق مصالح وأهداف متقدمة ضمن صراع آخذ في مزيد التعقيد بين الشرق والغرب، لعب فيه تنظيم داعش دورا هاما في سوريا والعراق وقد يلعب فيه دورا أكثر دموية في شمال افريقيا الذي ظل عصيا على التنظيم برغم المحاولات المتفرقة خاصة في العشرية الأخيرة.
فهل غيّرت التنظيمات الارهابية داعش والقاعدة تكتيكاته بطريقة تسمح له بالاندساس واستثمار الأوضاع الانسانية في افريقيا الى حين تمركزه وتثبيت قواعده؟
على الرغم من تراجع العمليات الارهابية التي شهدت ذروتها في تونس خاصة سنة 2017 وعلى الرغم من الفشل الذريع والهزيمة الكبرى التي شهدها التنظيم في واقعة بن قردان، وبالاضافة الى تراجع نشاط تنظيم القاعدة في المغرب الى أدنى مستوياته العملياتية، الا أن مراقبة تحركات المجموعات الارهابية وخاصة تنظيم داعش تظل أولوية قصوى للدولة التونسية، ويعود ذلك الى العديد من العوامل القديمة المتجددة بتجدد مخططات وتكتيكات التنظيم المرتبطة بدورها بمصالح قوى دولية بعينها صنعت من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة آفتان عابرتان للقرات وأدوات لتحقيق أهداف بعينها، فالتغيرات التي تطرأ في كل مرة على نشاطات التنظيم وتكتيكاته، بالاضافة الى الحرب الدائرة بين تنظيم داعش والقوى النظامية لدول افريقيا جنوب الصحراء، جعلت من قوة التنظيم بتفريعاته المختلفة تتراجع وتعرف العديد من الهزائم التي عجلت برحيله نحو مناطق أقل ضغط على غرار شمال افريقيا للالتحاق بالعديد من القيادات العائدة من سوريا والمتمركزة تقريبا في كل من ليبيا وسلسلة الجبال الحدودية الوعرة التي يتشاركها المثلث الحدودي التونسي الجزائري الليبي.
ولعل الأوضاع السياسية اللامستقرة وحالة اللاحرب واللاسلم في ليبيا والتي اتخذت منها التنظيمات الارهابية ملاذا وقواعد للتجنيد والتدريب خاصة في كل من سرت ومصراته وأجدابيا وفزان، وعلى الحدود التونسية وإن بشكل متفرق خير دليل على ما أشرنا اليه، سيما وأن العديد من المعلومات تشير الى بحث التنظيم على اعادة لملمة صفوفه وايجاد التمويلات المالية والعسكرية واللوجستية خاصة في ظل الحملة التي تقودها القوى الدولية والاقليمية عليه.
بالاضافة الى ما سبق فإن تحول القارة الافريقية الى منطقة صراع بامتياز بين القوى الدولية نقل معه كل الوسائل والأدوات الممكنة على غرار مقاتلي تنطيم الدولة الذي انتشر خاصة ضمن نطاق دول الساحل والصحراء، وهو ما فجر الاوضاع الانسانية في افريقيا وجعل موجات الهجرة الانسانية نحو الداخل التونسي أمرا يدعو للريبة والشك في امكانية تسرب قيادات من تنظيم داعش ضمن موجه الهجرة الغير مسبوقة التي تشهدها الدولة التونسية اليوم وفي اطار تسونامي مسبق التحضير يهدف الى خلط الاوراق من جديد ضمن صراع نفوذ أكبر، تمهيدا لعمليات قد تكون أكبر مستقبلا.
على هذا الاساس فإن التحليلات التي تثير مسألة تمركز المهاجرين وإمكانية تسرب المقاتلين خاصة في الجنوب وبالتحديد في العاصمة الاقتصادية للبلاد التونسية مدينة صفاقس، لها من الوجاهة ما يكفي لتصبح أمرا على غاية قصوى من الاهمية ومدعاة حقيقية لضرورة رفع مستوى الاستعدادات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية لسيناريوهات أكثر خطرا على شمال افريقيا والدولة التونسية.
خاصة وأن الأعداد المتفاقمة للمهاجرين وتسربهم بشكل سري جعل من الأرقام غير معلومة ومن الهويات بالنتيجة غير محينة ومن تتبع مواقع المهاجرين غير ممكن بالكيفية التي يجب من وراءها التأكد من نشاطات هذه المجموعات ومصادر تمويلها، فالتكتيكات الكلاسيكية للتنطيم تقوم أساسا على التمركز والتموقع ضمن عمران سكني مكثف ومتصل بمناطق سكنية مكثفة ومتاخمة هي الأخرى، تجعل من المواجهة المحتملة لصالحها بنسبة كبيرة خاصة وأنها اختبرت مثل هذه العمليات في كل من سوريا والعراق والعديد من الدول الافريقية، وتجعل في الآن نفسه من الارتباط والدعم المنتظر أكثر نجاعة وفعالية خاصة من الجانب اللليبي الذي يعج تقريبا بالمقاتلين المتسربين من المثلث الحدودي الذي يربط النيجر وليبيا والجزائر عبر “منفذ التوم” الذي لا يخضع لأي سلطة ليبية أو نيجيرية وصولا الى “أوباري” جنوب البلاد ومنها الى “مزدة” وتحديدا منطقة قرزة التي تشكل منفذا آمنا للجبال الوعرة التي تربط منطقة بين “بني وليد” في جنوب سرت ومناطق وسط ليبيا، ناهيك عن كون الجنوب التونسي هو المنطقة الأكثر ارتباطا بين الارهاب والمهربين والسوق السوداء عموما، التي تتم فيها صفقات السلاح ونقلها الى الداخل التونسي بين مريدي المال والتنظيمات الارهابية، لهذه الدواعي وغيرها من الأسباب فإن السلطات التونسية مطالبة باليقظة وإتخاذ الاجراءات اللازمة والضرورية لتلافي “تسونامي” محتمل في المنطقة ويكون ذلك عبر رفع حالة التأهب القصوى في صفوف القوى الحاملة للسلاح وفي عملياتها الاستخباراتية ومزيد الاتصال أكثر بشركائها لتتبع تحركات التنظيمات والمجموعات الارهابية، واستباق السيناريوهات المحتملة في المنطقة، مع ضرورة البت في الحالات الانسانية الحقيقية للأفارقة ومراعاة الأوضاع الانسانية خاصة في صفوف النساء والأطفال.
الخلاصة:
يبدو أن الأمر أصبح مخيفا حد الرهبة، خاصة في ظل تأزم الأوضاع في دول إفريقيا وإنتشار التنظيمات الارهابية فيها، ناهيك عن الأوضاع السياسية التي تعيشها ليبيا وحالة الاحتراب والغليان والتحشيد الداخلي، الذي تنعكس نتائجه الأمنية على الدولة التونسية مباشرة هذا من ناحية.
ومن الناحية الثانية ما يحدث في “الكرة الارضية” والتي بدأت تنقلب رأسا على عقبا فالوضع الدولي المأزوم الذي يلقي بظلاله تقريبا على القارة الافريقية وشمالها الاستراتيجي خاصة، بما يجعل ويفيد بضرورة تفعيل كل الأدوات واتخاذ كل الاجراءات تحسبا لما يمكن أن يكون “تسونامي شمال افريقيا” على أبواب أسوار دول شمال افريقيا والتي نعتبرها غير محصّنة من الداخل والتي تعيش حالة من الهشاشة على جميع المستويات وخاصة وان الخيارات يجب أن تكون فيها الكثير من الشجاعة والجرأة.
فهل تونس اليوم جاهزة لهذه السناريوهات؟ وهل لها من الشجاعة والجرأة لتطلق صواريخ الحقيقة والواقع ضد “النيوكلونياليزم” Néo-Colonialisme ؟