الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

اعداد فاتن جباري باحثة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتجية قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

مراجعة الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي

تقديم

تعيش القارة الافريقية على وقع ارتدادات غير مسبوقة نتيجة  للتوترات المتصاعدة  بين كل من امريكا والغرب وروسيا والصين، صراع كبير اصبح المعسكر الغربي محلّ رفض كبير من الشعوب الافريقية.

فأمريكا التي تسعى الى المحافظة على نقاط نفوذها والسطوة على ثروات القارة الغنية والمفقّرة، بنهج استراتيجي يحاول اخفاء ندبات وجروح ماضي افريقيا الأليم الذي صنعه الغرب من صناعة الفقر وصناعة الحروب الأهلية والتجهيل والارهاب ها هي الشعوب الافريقية تستفيق وتنادي باستقلالها وطرد المستعمر الذي تسبب في ما هي عليه.

 اما روسيا تسعى لتعزيز التعاون مع أفريقيا ومكافحة الفقر وارساء الامن الغذائي ومعاضدة مجهوداتها في القضايا الاقليمية والسيادية التي يصفهاالرئيس الروسي فلادمير بوتين بأنها أحد الأقطاب في العالم بمعية الصين “سلاح عسكري قوي ولكن بملمس ناعم “.

في حين تبدو الإدارة الأمريكية في بنود استراتيجيتها كمن يسابق الزمن لكبح تصاعد النفوذَين الروسي والصيني في القارة السمراء من خلال طرحها بدائل سياسية وتنموية مشوّهة مرفوقة بدعم عسكري “الافريكوم”، لكن مدى نجاعة هذه المقاربة الجديدة يعتمد إلى حد كبير على قدرة واشنطن على استخدامها ورقات الضغط  وأيضاً على إقناع قادة الدول الأفريقية الذين لطالما اشتكوا من  النفوذ والتحكم الغربي بهم، بالاصطفاف إلى جانبها في عالم تتغير معالم خرائطه السياسية، وهو ما لا يبدو سهل المنال في وقتنا الحالي.

اليوم يفرض الامر الواقع  تحديات متعددة  لا مفر منها فالدول التي تتبنى موقف “عدم الانحياز” إلى أي طرفي الأزمة الروسية الأوكرانية أو الدول التي ترفض التنديد بما يسميه الغرب “بالغزو الروسي”  او التي لا تبدي أي اهتمام  او اصطفاف دولي يذكر ستجد نفسها في مفترق ذو هوة غير معلومة الا ان عواقبها  ستكون وخيمة  على الجميع.

  1. خطوات في رصيد روسيا و أخر معقل لفرنسا

تسعى كل من  روسيا والصين  الى انشاء أرضية ممهدة لعلاقة افريقية  ذات أفق على المدى الطويل، واليوم تتكثف زيارات وزير الخارجية الروسي لإفريقيا لتقوية علاقات موسكو بحلفائها في القارة وتأمين قاعدة دعمها والتحضير للقمة الروسية الأفريقية بالاجتماع مع قادة الاتحاد الإفريقي. وبالرغم مما يقال عن استفادة موسكو من الموارد الطبيعية لإفريقيا وتحدي النفوذ الغربي إلا أن السياسات الغربية والإخفاقات الفرنسية مهدت الطريق الإفريقي أمام روسيا .

12 دولة إفريقية منذ قرابة 7 أشهر فقطومازالت سلسلة الجولات الروسية  الإفريقية متواصلة  لتشملمالي ومصر والكونغو برازفيل وأوغندا وإثيوبيا  كما شملت أيضًاجنوب إفريقيا وإيسواتيني وبوتسوانا وأنغولا، بالإضافة إلى السودان وموريتانيا  ولقد ظهرت شرارة هذا التوتر أثناء التدريبات العسكرية المشتركة بين جنوب إفريقيا وروسيا والصين، والخلاف الدبلوماسي الجاري بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا.

كانت جولات “لافروف” الإفريقية أيضًا بمنزلة تحضير لقمة روسيا-إفريقيا  التي تنعقد اليوم  في سان بطرسبرغ ثاني أكبر مدينة في روسيا والثانية “قمة البريكس” الخامسة عشرةالتي ستُجرى في مدينة “ديربان” بجنوب إفريقيا من نفس السنة. وهما حدثان مهمان لموسكو بعد تعهدات واشنطن الأخيرة في القمة الأميركية مع القادة الأفارقة التي كانت وحسب الخبراء من أفشل القمم ولم تكن لها مخرجات تستفاد منها الدول الافريقية ولهذا سعت موسكو الى انجاح القمة الحالية وخرجت فعلا بمخرجات قوية جدا مما جعل أغلب الزعماء والقادة الافارقة يخرجون مستبشرين جدا وكذلك خرجوا بنتائج مهمة لصالح دولهم وشعوبهم.

 هذه التحركات تعني أن موسكو جاهزة على كل الاصعدة لتنفيذ ما يمكن تسميته ب”هجوم دبلوماسي” يواكب الديناميكيات السياسية الجدية في منطقة الساحل، وإخفاق إستراتيجيات فرنسا في استعادة السيطرة على جمهورية إفريقيا الوسطى والخطوات الأوروبية والأميركية الأخيرة لمغازلة الزعماء الأفارقةالذي باء بالفشل والانقلابات العسكرية التي تزيح كل “القادة العملاء” قد اصبح واقعا يهدد التموقع والاستعمار الفرنسي وهذه طبعا نقاط مهمة جدا لصالح روسيا والصين وفي الصدارة نقاط مهمة لصالح الشعوب الافريققية التي تخوض في هذه الفترة “حرب التحرير”.

ففي خطوة انقلابية لصالح المعسكر الشرقي تفقد فرنسا  “القوة الاستعمارية السابقة للنيجر” في ضوء إعلان الجيش تأييده قرار الحرس الرئاسي بعزل الرئيس النيجيري “محمد بازوم” وهو امر يكشف حتما  خطوط  لعبة جديدة و صراع جد محتدم على النفوذ في المنطقة وتنامي الاهتمام الدولي بها على غرار ما حدث في مالي وافريقيا الوسطى.

تصادف هذا الانقلاب العسكري مع انعقاد  القمة الروسية الافريقية  وهو امر قد  يشير الى  رسالة مباشرة حول خسارة فرنسا لخطوات هامة فأخر معقل لفرنسا في افريقيا الفرنكفونية قد خسرته وهو دولة النيجر، و روسيا على اهبة الاستعداد للمساعدة وخاصة وأن الشعب النيجر في خرجوجهم لتأييد الانقلاب العسكري والاحتفال بايزاحة “محمد بازوم” قد رفعوا العلم الروسي.

  بالمقابل واشنطن تحاول ان تستخدم ورقات ضغط تمويلية هامة حيث تنفق الولايات المتحدة اموالا طائلة مثلما تدعيه الا ان هذا الأسلوب التقليدي يبدو غير ذي جدوى اما مواقف شعبية افريقية مناهضة جدا للغرب. النيجر التي توفر احتياطيا فرنسيا من اليورانيوم يقدر ب 70 بالمائة لكهرباء فرنسا و اوروبا على وجه العموم سيضع الغرب في مستقبل وسيناريوهات غربية خاسرة لخطوات كبيرة لصالح المعسكر الشرقي وخاصة روسيا التي توفر دعما أمنيا عسكريا سيحفز القارة الافريقية ككل على زعزعة وتواجد النفوذ الغربي على قارتها  وهي ورقة اخرى لبوتين.

ملاحظة:

قمة روسية افريقية ظفرت باتفاقات عملاقة بين الجانبين فما يقارب ال70 في المئة من تجارة موسكو مع القارة تتركز في مصر والجزائر والمغرب وجنوب إفريقيا. وتعمل العديد من الشركات الروسية المملوكة للدولة في إفريقيا إلى جانب خطط لتطوير الطاقة النووية مع دول مثل مصر وغانا وكينيا وزامبيا ورواندا ونيجيريا وإثيوبيا كما ناقشت القمة الروسية-الإفريقية مواضيع ذات أبعاد إستراتيجية، بما في ذلك مواجهة الإستراتيجيات الفرنسية والأوروبية والأميركية الجديدة حيث صرح الرئيس الروسي، بوتين أن جزءًا كبيرًا من القمة  خصص لبحث سبل تخطي العقوبات الأميركية المفروضة على موسكو من خلال إيجاد آليات جديدة لأدوات الاستثمار والتجارة وسلاسل التوريد بينها والدول الإفريقية إلى جانب النظر في التسويات بالعملات الوطنية بدلًا من الدولار الأميركي.

تتّسم سياسات موسكو تجاه إفريقيا بالاعتماد على الأنشطة العسكرية بأشكالها المتنوعة، إذ تُعَدّ أكبر مصدّر للسلاح إلى القارة الإفريقية خلال العقد الماضي وفقاً لبيانات معهد ستوكهولم الدولي للسلام، في حين تتمدد شركاتها الأمنية الخاصة وفي مقدمتها مجموعة فاغنر، في مجموعة من الدول الإفريقية كالسودان ومالي وليبيا، ويعني ذلك ان موسكو تقترب من بناء “ممر” لنفوذها يمتدّ من شرق القارة إلى غربها.

  • ما يميز قمة روسيا –إفريقيا: منظومة استثمار روسي إفريقي

قمة روسيا-إفريقيا  تميزت على قمة واشنطن حيث  سجلت مشاركة و فود افريقية هامة  ومعظم القادة والمسؤولين الأفارقة بغض النظر عن حالات دولهم الديمقراطية والحقوقية، هذا إلى جانب أن عددًا من المسؤولين الأفارقة الذين حضروا قمة واشنطن شككوا في وعود الولايات المتحدة  معتبرين ان بعض المبادرات الجديدة التي اقترحتها واشنطن كانت في الواقع تستند إلى ما اشتكت منه الدول الإفريقية مثل تهديدهم وإجبارهم على الانحياز للغرب أو وجوب تبني سياسات مفروضة، بل أن وزير الخارجية الأمريكي قد استفرد ببعض الزعماء الأفارقة وتحدث معهم وكأنه “قاضي تحقيق” حول “حقوق الانسان” و”الديمقراطية” فالأمريكان بطبعهم يلعبون دور الأستذة ودائما يهددون بالعقوبات وعلى العكس فقد كانت واقع القمة الروسية الافريقية قد حضي الزعماء الافارقة والمنظمات والوفود بكثير من الاحترام المتبادل والتعامل بندية كبيرة جدا، الولايات المتحدة الأمريكية لم تدرك بعد أن العالم يتغير وأن “زمانها قد انقضى والشعوب اليوم استفاقت وهي تخوض حرب تحرير” جديدة .

القمة الروسية-الإفريقية التي  تناقش مواضيع ذات أبعاد إستراتيجية، بما في ذلك مواجهة الإستراتيجيات الفرنسية والأوروبية والأميركية وقد صرح الرئيس الروسيفلادمير بوتين أن جزءًا كبيرًا من القمة يناقش كيف يمكن لروسيا وإفريقيا تخطي العقوبات الأميركية المفروضة على موسكو من خلال إيجاد آليات جديدة لأدوات الاستثمار والتجارة وسلاسل التوريد بينها والدول الإفريقية، إلى جانب النظر في التسويات بالعملات الوطنية بدلًا من الدولار الأميركي، وهي فكرة  مثلت محل ترحيب لدى سلطات جنوب إفريقيا التي كررت مرارًا حاجة الدول الإفريقية لبدائل نتيجة الآثار السلبية لهيمنة الدولار أو اليورو التي تمنح امتيازًا للدول الغنية وتشكل تحديًا لدول الجنوب العالمي، بما في ذلك الدول الإفريقية وهناك خطة مشابهة جارية التطبيق في دول كتلة البريكس حيث بدأت الكتلة منحَ قروض من “بنك التنمية الجديد” وإجراء التجارة بالعملات الخاصة لدولها يعني العملة المحلية.

علاوة على التوصل  الى اتفاقيات عملاقة بخصوص الاستثمار الروسي وفتح قنوات الإمداد الروسي في البحر الاحمر لسلاسل امداد القمح نحو دول افريقية حيث وصفها بالشريك المهم وهو ما سيجعل خمسة دول عربية افريقية في صدارة هبات روسيا من القمح.

 ويضاف إلى ما سبق أن روسيا تسعى نحو إنشاء مسارات جديدة لإمدادات الطاقة في إفريقيا عبر شركات النفط والغاز المملوكة للدول الإفريقية. وعلى سبيل المثال أعلنت شركة “Oranto Petroleum” النيجيرية المعنية بالتنقيب عن النفط والغاز عن تعاونها مع “روسنفت”  كأكبر شركة منتجة للنفط في روسيا لتطوير 21 أصلًا نفطيًّا عبر 17 دولة افريقية كما طرحت مشاريع استثمارية هامة للشركات الروسية في صناعات النفط والغاز الجزائرية والليبية والنيجيرية والغانية والعاجية والمصرية. وهناك تقارير عن رغبة موسكو في بعض المشاريع الطموحة المقترحة في القارة، مثل خط أنابيب الغاز النيجيري-الجزائري.

الخلاصة:

وبالرغم من الانتقادات الموجهة  للاستراتيجية الروسية العسكرية  في إفريقيا وآثارها على الحكم الرشيد وسيادة القانون والمنظمات المدنية والآليات الديمقراطية إلا أن المرجح أن تعزز موسكو وجودها في القارة وترسخ علاقاتها مع قادة دول إفريقية أخرى.

ويمكن القول في حالة جنوب إفريقياإن التهديدات الغربية والأميركية بالعواقب للحكومات الإفريقية التي تتعامل مع روسيا لن تكون سوى دفعة للدول الإفريقية نحو روسيا، وقد يستثمر الرئيس “بوتين” هذه التهديدات في القمة القادمة لإقناع قادة دول القارة بقبول بدائله للتخلص من الهيمنة الغربية والارضية جاهزة خاصة وأن أغلب شعوب القارة قد استفاقت وأصبحت ترفض قطعا الهيمنة الغربية، فالغرب والأمريكان قد فقدوا مصداقيتهم والشعوب اليوم تنتفض عليهم وتجبرهم على الخروج وخاصة رفع اليد.

By Zouhour Mechergui

Journaliste