اعداد: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي
على اثر الاجتماع العسكري لمجموعة 5+5 الذي تمّ يومي 17 و18 جويلية 2023 في باريس صدر بيان للخارجية الفرنسية تقول فيه أنه تمّ استكمال مسار تشكيل “القوة الأمنية المشتركة” من شرق وغرب البلاد، وانه سيحال له مهمة “ضبط الحدود”، بهدف التصدي للإرهاب والتدخلات الأمنية المزعزعة للاستقرار.
كما أوضح البيان أنه سيتم حشد الجهات المشتركة التي ستشارك في هذه القوة المشتركة بدعم من الأمم المتحدة، وهو ما سيجري متابعته في اجتماع لجنة “5+5” الذي سيعقد في بنغازي في 25 من الشهر نفسه برئاسة الأمم المتحدة.
جرى طرح مشروع تشكيل القوة الأمنية المشتركة خلال اجتماع مجموعة “5+5” مع مجموعة دول جوار ليبيا في القاهرة في فيفري الماضي.
وقد تمخض على الاجتماع الاتجاه نحو تشكيل القوة لتأمين الحدود الجنوبية لليبيا والتي لا يسيطر عليها بالكامل مما يسمح بتنامي أنشطة الجريمة المنظمة ولا سيما عمليات تهريب الأسلحة من وإلى ليبيا، بالإضافة إلى تنامي معدلات الهجرة غير الشرعية، والتي ارتفعت عقب اندلاع الحرب في السودان الأمر الذي شكل دافعاً جديداً للمشروع، الذي تبنته الآن باريس.
وفي المقابل فلقد دخلت واشنطن هي الأخرى على الخط، وأشار المبعوث الأمريكي إلى ليبيا “ريتشارد نورلاند” إلى أهمية أن تشكل قوة أمنية مشتركة لتأمين الانتخابات الليبية، لكن مؤتمر باريس الأخير عاد مرة أخرى ليؤكد على أولوية تأمين الحدود الجنوبية الليبية قبل الحديث على الانتخابات، والاجتماع تطرق بالأساس الى تأمين الحدود الجنوبية والخوف من أن يبعث حفتر بالسلاح والمرتزقة الى السودان والتشاد.
باريس تقول حسب التقارير والمعلومات في هذا اللقاء أن مصلحتها الأساسية والخاصة في التركيز على عملية ضبط الحدود الجنوبية في ليبيا، وركز اللقاء خاصة على الموقف الفرنسي من تمدد النفوذ الروسي من ليبيا إلى مناطق نفوذها بمنطقة الساحل الأفريقي، مما أثّر بالفعل على المصالح الفرنسية في العديد من الدول مثل تشاد ومالي وأفريقيا الوسطى.
فتنظيم اللقاء في باريس من أجل فرنسا وليس من أجل ليبيا، وكذلك السعي لتكوين “القوة الأمنية المشتركة” من أجل حماية “المستعمرات والمصالح” الفرنسية في بلدان الحدود مع ليبيا من التمدد الروسي.
ولا يختلف الموقف الأمريكي كثيرا عن الموقف الفرنسي فيما يتعلق بالتحديات التي يفرضها التواجد الروسي عبر مجموعة “فاجنر”، إلا أن واشنطن تسعى إلى إفساح المجال للقيادة الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”.
وبحسب التقارير التي تحصلنا عليها من لقاء باريس لمجموعة 5+5 والتي أشارت إلى أن “الأفريكوم” سيكون له دور كبير في تعزيز وضع القوة الأمنية المشتركة في الجنوب الليبي بل ستكون القوة الأمنية المشتركة تحت القيادة الأفريكوم وهذا ما تمّ الاتفاق عليه والمطلوب من القيادات الليبية الموافقة عليه باعتبار أنهم ليس لديهم خيار فالأفريكوم تتحرك من دون “ترخيص” من أحد.
بعد لقاء باريس والاتفاق على تشكيل “القوة الأمنية المشتركة”، ما هي أهم المتغيرات التي ستشهدها الساحة السياسية والأمنية الليبية؟اللجنة العسكرية 5+5 والمهام الجديدة: التقارب الفرنسي الأمريكي يتعلق بالدوافع الأمنية الخاصة بتأمين الحدود الجنوبية الليبية، من أجل انهاء الدور التي تلعبه مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية. وقد تواصلنا مع أحد اعضاء اللجنة 5+5 وقال أن اللجنة أصبحت تسلط عليها ضغوطات فرنسية وأمريكية كبيرة جدا، وقد لاحظ ذلك في باريس بشكل “فج” وقال لقد خرجنا من الهدف الرئيسي هو العمل على توحيد المؤسسة العسكرية لنصبح نعمل لدى الفرنسيين والأمريكان لاخراج “فاغنر” فقط…
الضغط الأوروبي الأمريكي: الفكرة كانت من خلال اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” مع مجموعة دول الجوار الليبي، بينما يتعلق اللقاء المقبل الذي يفترض أن ينضج خلاله المشروع بالآلية الأمنية المنبثقة عن مؤتمر برلين، وهو توجه مختلف يعكس طبيعة أهداف تلك القوى، ودورها المزمع في عملية التشكيل والتدريب والتسليح والانتشار وآليات المراقبة الحدودية والتنسيق مع الأطراف والقوى العسكرية الداخلية والأطراف الخارجية، في حين أن ما قد يهم دول الجوار هو الهدف من تشكيل القوة وهو ضبط الحدود، لكن تم الانحراف بعمل اللجنة المشتركة عن مهامها الأصلية بدافع أولويات مصالح القوى الأوروبية التي ستشارك الأمم المتحدة في اجتماع بنغازي يوم 25 جويلية لتوجيه اللقاء والاتفاق نحو المصالح الأوروبية والأمريكية.
تجاوز ملف المرتزقة الأجانب: قد طرح كذلك في اجتماع باريس حسب مصدرنا موضوع المرتزقة في الغرب الليبي، الذين تمّ نقلهم من سوريا ومن تركيا الى ليبيا في حرب 2019 وقد بلغ عددهم فوق 20 ألف وتعهدت فرنسا بالعمل على ارجاعهم والتفاهم مع الجانب التركي… وبحسب مصدرنا لم تبين باريس ما هي الآليات ولا كيف سيتم ذلك وقالت أنها يمكن أن تترك الموضوع الى الولايات المتحدة الأمريكية لتتفاهم مع تركيا حول اخراجهم، ويفترض أن هذا الملف يدخل ضمن اختصاصات عمل اللجنة ولكن اللجنة كما سبق واشرنا فقد انحرفت عن مهامها. وفي هذا الإطار، يلفت بيان الخارجية الفرنسية حول اجتماع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5” إلى ما أسماه “التدخلات الخارجية المزعزعة للاستقرار”، كما أشار إلى عملية مكافحة الإرهاب من دون الإشارة صراحة إلى ملف المرتزقة الأجانب، ككل فهمهم الوحيد “فاغر” لأن حربهم مع “الروس” وليس مع تركيا ولا غيرها من الدول، البقية مقدور عليهم.
صعوبة تحييد الخلافات السياسية: من المحتمل أيضاً أن تنعكس التوترات السياسية بين القوى الليبية في ضوء تباين المواقف حيال مستقبل العملية السياسية على عملية التشكيل، فلا يمكن استبعاد ضرورة التوافق السياسي على إنجاح هذه القوة من جهة وتحييد تأثير الخلافات السياسية بين الشرق والغرب على عمل القوة المشتركة من جهة أخرى، وهو ما كشف عنه مصدرنا أنه لم يتم التوافق بعد على انضواء القوة التي ستشارك من غرب ليبيا تحت مظلة القيادة العامة للجيش الوطني الليبي في منطقة الجنوب التي يهيمن عليها، وأضاف قوله، الموضوع ترك مفتوحا وسيكون نقطة بداية لقاء بنغازي يوم 25 جويلية.تعارض المصالح مع المليشيات والفصائل المسلحة: ويشكك مصدرنا في انشاء هذه القوة المشتركة التي ستكون مهمتها الوحيدة هي ضبط الحدود الجنوبية، وربما ستكون عامل ضغط على مصالح بعض المليشيات المتواجدة في غرب البلاد، وبالتالي يمكن أن تتسبب في القضاء على وجودها وبالتالي لن تقبل هذه المليشيات هذا التوافق وستحارب “تكوين هذه القوة المشتركة”فمن المتوقع أن يحدث تعارض مصالح في هذا السياق. ومنهم من يرفض قطعا المبدأ من الأساس، بحكم رفضهم لأي دور مشترك مع القيادة العامة للجيش الوطني الليبي.
الخلاصة:
في الأخير، المشهد الليبي لا يزال معقدا جدا واللعبة هي بالأساس لعبة قوى دولية تخرج عن ارادة الليبيين وماذا يريدون، فشكلياً قد يعكس مشروع تشكيل “القوة الأمنية المشتركة” جسراً لتفاهمات أمنية وترتيبات عسكرية في ضوء مشاركة رئيسي الأركان من الغرب محمد الحداد ومن الشرق عبد الرزاق الناظوري في اجتماع باريس، ووقد تمّ التفاهم على أنهما سيشاركان في اجتماع بنغازي المرتقب.
لكن من الناحية العملية والموضوعية فإن تأثير القوى الخارجية ولا سيما المجموعة الأمنية المنبثقة عن مجموعة برلين سيشكل عامل ضغط على توجيه دور اللجنة العسكرية المشتركة، ولا يعتقد أنه ستكون له تأثيرات إيجابية على العملية السياسية بقدر ما يعتقد أن التوترات السياسية قد تعمل على إبطائه وعرقلته، مضافا إلى ذلك التجاذبات الخارجية ذات الصلة.