الأثنين. ديسمبر 23rd, 2024

عادل الحبلاني: قسم البحوث والدراسات

مراجعة : الدكتورة بدرة قعلول

يعتبر التدخل السياسي والعسكري الغربي المباشر في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من خلال تقديم الدعم العسكري والمالي وتزويد كييف بالأسلحة المتطورة من دبابات وطائرات، بمثابة مواصلة الصراع القديم بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي الذي انتصر بطريقة شبه كلية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في أعقاب الحرب الباردة التي مثلت نقطة التحول نحو عالم أحادي القطب، سيطرت فيه القوى الغربية وخاصة أمريكا على العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا من خلال العصى الغليظة حلف الناتو الذي انتصر على حلف وارسو بعد الاعلان عن انهيار الاتحاد السوفياتي.

وإذ تمثل العملية العسكرية الروسية اليوم حدثا فارقا في تاريخ العالم المعاصر، فهي تمثل الى جانب ذلك صراعا مباشرا يهدف من جهة روسيا إلى الحفاظ على أمنها القومي الذي يتهدده حلف الناتو عبر محاولات ضم أوكرانيا الى الحلف ومحاصرة الحدود الروسية من جهة الشرق، وتمثل من جهة الغرب المحاولات الأخيرة للمحافظة على سيطرته على العالم من خلال كبح جماح التحولات العالمية التي تمثل فيها روسيا حجر الزاوية واللبنة الأولى للتغيرات العالمية الكبرى. وإن تبدو الحرب بين الغرب وروسيا غير معلنة بشكل مباشر، فإن هذه الأخيرة قد تنفجر وتتحول الى مواجهة مباشرة خاصة إذا ما وافق الغرب على ضم أوكرانيا الى الحلف وهي الخطوة الأخطر التي قد يقدم عليها الحلف.

لماذا يسعى الغرب وأمريكا لضم أوكرانيا لحلف الناتو؟

كيف يمكن لهذه الخطوة أن تفجر حربا قد تكون الأعنف على مر التاريخ؟

لم ينتهي الصراع بين الغرب وأمريكا من جهة والاتحاد السوفياتي سابقا روسيا اليوم من جهة أخرى بمجرد انتهاء الحرب الباردة وسيطرة النظام الليبيرالي على السياسات الدولية وعلى التوجهات الاقتصادية والسياسية وحتى على نماذج الحكم في أغلب دول العالم تقريبا ونقصد هنا نموذج الحكم الديمقراطي وفق براديغمات لبيرالية بحته، فقد تواصل الصراع بشكل غير معلن إما عبر الأجهزة الاستخباراتية أو عبر المناوشات المتفرقة التي لم ترتقي وقتها إلى مناص التصريحات والتهديدات المباشرة التي قد تدخل العالم في آتون حرب لا يمكن توقع نتائجها ولا الفكاك منها، الا أن مثل هذه المناوشات والتصريحات النابية أخذت مأخذها اليوم خاصة في ظل العودة الروسية على الساحة الدولية سياسيا وعسكريا واقتصاديا  وتحولت أكثر إلى عداء معلن مع الغرب وأمريكا خاصة في ظل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي تعود أسبابها أساسا إلى المحاولات الغربية محاصرة روسيا شرقا من خلال ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو وتوسيع نفوذ الحلف عسكريا والتصدي للقوى العائدة على غرار روسيا والصين من أجل المحافظة على الهيمنة الأمريكية الغربية على العالم.

 وقد تجلى ذلك بكل وضوح في حجم حزمة العقوبات الاقتصادية التي سلطت على روسيا ومصادرة اموال رجالات الأعمال والشركات الروسية في الدول الغربية، وتجلى بصفة أكبر في قرارات دول حلف الناتو القاضية بتقديم الأسلحة الثقيلة والذكية والطائرات والدبابات وخاصة الصواريخ وأنظمة الهجوم والدفاع المتطورة، إلا أن كل هذه الخطوات الاستفزازية والقرارات الغربية المعادية لروسيا والدعم الهائل بالسلاح والمال يعتبر مقارنة بما تتوفر عليه القوة العسكرية الروسية من أسلحة جد متطورة وأسلحة نووية وأنظمة هجوم ودفاع وأنظمة تكتيكية وغيرها من الأسلحة التي لم تعلن عنها موسكو الى اليوم، محاولات بائسة لهز أركان هذه القوة الروسية التي لازالت الى اليوم ماضية في عمليتها العسكرية في أوكرانيا وفق الأهداف التي تم رسمها منذ قرار التدخل العسكري في أوكرانيا دون الوقوع في منزلقات قد تفجر الأوضاع في أوكرانيا أكثر وفي أوروبا أكثر فأكثر بالرغم من الاستفزازات المتكررة والإدانات التي وصلت الى حدود اعتبار الرئيس فلاديمير بوتن مجرم حرب وفق ما صرحت به محكمة الجنايات الدولية.

على الرغم من هذه العوامل والمحاولات الغربية واستفزازات حلف الناتو وحجم العقوبات والدعم العسكري الذي تلاقيه حكومة كييف، الا أن السياسة الروسية لازالت ماضية في ضبط النفس الذي يؤكد الكثير من الخبراء أنه رهين الاعلان عن ضم أوكرانيا لحلف الناتو، حيث سيكون هذا القرار إذا ما اتخذ القطرة الذي ستفيض الكأس وتنفجر من وراءها الأوضاع، لتدخل العالم في حرب طاحنة يدور رحاها بالأساس في أوروبا المنقادة وراء السياسات العدائية الأمريكية لروسيا وكل القوى الدولية والاقليمية الصاعدة.

ولعل ما جاء على لسان العديد من القادة الأوروبيين والمحللين للشأن الدولي هو في جوهره تأكيد على حجم المجازفة والخطورة والتهور الذي قد يقدم عليه الغرب وهي كالتالي:

  1. رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان قال في تصريح مفاده، إن حربا علمية ستندلع على الفور إذا انضمت أوكرانيا الى الناتو، مضيفا أن خطة أوكرانيا للانضمام إلى الحلف كان ينبغي منعها والغاءها كفكرة في قمة حلف شمال الأطلسي، مؤكدا أن الرئيس الأوكراني سوف يجر أوروبا والعالم إلى حرب كارثية هي الأكثر فتكا ودموية على مر التاريخ.
  2. الحكومة الرومانية أكدت على عدم نيتها الانخراط في أي خطوات ولا تصريحات معادية أو تصعيدية ضد روسيا بعكس توجهات الحلف،
  3. بلغاريا واليونان وعلى الرغم من الانقسامات السياسية بين العديد من التيارات الا أن أغلبها يتجنب الدخول في أي عداء مع روسيا.

الخلاصة:

تمثل الرهانات الغربية الأمريكية على ضم أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي والخطوات المستقبلية الرامية لضم جورجيا ومحاصرة روسيا من جهة الشرق بصفة كلية، وكبح جماح التحالفات المستقبلية التي ظهرت خاصة بين دول البريكس التي تمخضت عنها تغيرات وتحولات عالمية غير مسبوقة تمثلت أساسا وجوهريا في تراجع منطق القطب الواحد وانهيار السيطرة الاقتصادية والسياسية للقوى الغربية على القرارات الدولية، خطوة هي الأخطر من نوعها على السلم العالمي، سيما وأن ردة الفعل الروسية سوف تكون مزلزلة قد تكون خطواتها التصعيدية كالتالي:

  1. انشاء قاعدة عسكرية روسية في كوبا.
  2. نشر مواقع عسكرية في فنزويلا
  3. مزيد التعاون بشكل مباشر مع إيران،
  4. الدخول المباشر في علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية مع كوريا الشمالية،
  5. الاتفاق مع بيكين انشاء تحالف عسكري،
  6. استعمال الصواريخ البالستية الحاملة للرؤوس النووية وهو ما قد يحصل فور اعلان ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو.

By Zouhour Mechergui

Journaliste