صبرين العجرودي: باحثة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية
يعتبرالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (Union Tunisienne de l’Agriculture et de la pêche)منظّمة وطنية نقابية تأسست عام 1950، لها طابع نقابي وتنموي وتتمحور نشاطاتها حول قطاعين رئيسيين على كامل تراب الجمهورية التونسية وهما قطاع الفلاحة والصيد. تأسّس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بعد جملة من النضالات التي انطلقت منذ عام 1920.
وهو عضوا مؤسسا للاتحاد المغاربي للفلاحين، ومؤسسا للاتحاد العام للفلاحين والتعاونيين والزراعيين العرب، يترأس الاتحاد المنظمة الافريقية للفلاحة. إلى جانب ذلك يعتبر عضوا في عديد اللجان والمجالس الوطنية المتصلة بقطاع الفلاحين والصيد البحري وكذلك في مجلس إدارة المنظمة العالمية للفلاحين (OMA).
لا يمكن أن يكون الجانب التنموي للبلاد بأي شكل من الأشكال بعيدا عن مهام ووظائف الاتحاد التونسي للفلاحين، وهو ما يعكس الأهمية البالغة التي تكتسبها هذه المنظمة الحكومية عن طريق المهام الموكلة إليها المتمثلة في الهيكلة المتوازنة بين مختلف أدوارها التأطيريةوالتعبوية لمختلف الهياكل، سواَءً منهاالقاعدية أو المحلية أو الجهوية، الى جانب الدور التنموي التخصصي من خلال وجود أكثر من 120 جامعة جهوية و20 جامعة وطنية قطاعية ومختصة.أمّا فيما يتعلّق بالتوزع الجغرافي، فيوجد أكثر من 220 اتحاد محلي و24 اتحاد جهوي وأكثر من 850 نقابة.
يضطلع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بجملة من المهام المتوزّعة على الهياكل التالية:
الهياكل المركزية للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري | |
رئيس الاتحاد | منتخب من أعضاء المجلس المركزي ورؤساء الاتحادات الجهوية والكتاب العامين للجامعات الوطنية. |
المكتب التنفيذي | يكون هؤلاء الاعضاء قد وقع انتخابهم في مرحلة أولى كأعضاء للمجلس المركزي بحيث يبلغ عددهم 115 عضوا (100 فلاح، 5 بحارة، 5 نساء فلاحات). في مرحلة ثانية ينتخب هؤلاء الاعضاء خلال المؤتمر رئيسا للاتحاد و23 عضوا من بينهم نائب رئيس و 5 مساعدين وامرأتان و3 ممثلين عن قطاع الصيد البحري. |
المجلس المركزي | له صلاحيات مهمة متمثّلة في: انتخاب اعضائه انتخاب رئيس الاتحاد انتخاب المكتب التنفيذي انتخاب لجنة النظام انتخاب اللجنة الوطنية للمراقبة المالية. ومن أهم صلاحيات المجلس المركزي، حرصه على متابعة كل المهام الموكلة للاتحاد ومدى التزامه بتطبيق كافة التوصيات والقرارات الصادرة عن المؤتمر ومراقبة حسن سيره وأوضاعه العامّة ومختلف أنشطته. |
المؤتمر الوطني | الهيئة العليا التي تشتغل صلبها جميع العناصر، ومن خلالها يقع رسم أهداف الاتحاد والغاية منه ومهامه وهياكله. |
اللجنة الوطنية للمراقبة المالية | تكون من بين أعضائه يقع انتخابها من طرف المجلس المركزي من بين كافة أعضائه، باستثناء أعضاء المكتب التنفيذي الوطني ورؤساء الاتحادات المحلية. كما تتكوّن هذه اللجنة من خمسة أعضاء. |
مجلس الجهات | يحرص مجلس الجهات خلال اجتماعاته على تحديد مختلف الاحتياجات والمشاغل لمختلف القطاعات لكافة الجهات في المواسم الفلاحية. |
المكتب التنفيذ الموسع | تتمثّل أدواره في المتابعة والتنسيق والمراقبة لنشاطات وأعمال مختلف هياكل الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري. |
مجلس الرئاسة | هيئة تقوم بمساعدة المكتب التنفيذي عن طريق متابعة قراراته والمساهمة في رسم خطط وابداء رأيها في مختلف مشاغل القطاعات المعروضة عليها من طرف رئيس الاتحاد. |
الجامعات الوطنية | توجد على مستوى كل الاتحاد (هيكل من هياكله)، ومن بينها توجد جامعة للمرأة الفالحة وجامعات مهنية متفرّقة على عدّة قطاعات. تتمثّل مهامها في: الوقوف على شؤون القطاع والاضطلاع بدور التأطير الفني لكل الجامعات الجهوية مع الفروع الجهوية للاتحادات.السهر على فهم كافة الاحتياجات والنقائص الخاصة بالقطاع الفلاحي في الجهة ومتابعة نشاطاته، وتقديم المقترحات والبدائل اللازمة بالتنسيق مع الاتحاد الجهوي. |
لجنة النظام | تتضمن سبعة أعضاء ينتخبهم المجلس المركزي من بين أعضائه المنتخبين في المؤتمر الوطني. لا تتضمن لجنة النظام أعضاءً من المكتب التنفيذي الوطني ورؤساء الاتحادات المحلية. |
أمّا الأنشطة فتتوزّع على ثلاثة وحدات رئيسية تشمل نشاطاتها ووظائفها كل القطاعات الفلاحية والبحرية وتتمحور أهدافها عموما حول السعي للنهوض بالقطاع وتطويره من خلال القيام بأدوارها بأحسن نسق، تتمثّل الوحدات في الآتي:
- الإنتاج النباتي: تتكفّل هذه الوحدة بكافّة الأنشطة الزراعية، كالزراعات الكبرى والأشجار المثمرة والخضروات. كما تقوم بمراقبة المواسم الفلاحية ومتابعة حسن سيرها وتنظيم الزيارات الميدانية وإنجاز الدراسات القطاعية والتظاهرات الفنية والعلمية لتلبية كافّة الاحتياجات الخاصّة بعناصر هذه الوحدة.
- الإنتاج الحيواني: يشمل نشاطها تربية الدواجن والأرانب وتربية الماشية من أبقار اغنام ابل وخيول، حيث تضطلع بدور المراقبة والمتابعة للإنتاج الحيواني، إلى جانب القيام الزيارات الميدانية والقيام بالدراسات القطاعية وتنظيم التظاهرات الفنية والعلمية لخدمة مجال هذه الوحدة.
- الصيد البحري: تُعنى هذه الوحدة بعديد الأنشطة على رأسها العناية بالعنصر البشري من خلال البنية الأساسية، الخدمات المينائية والأسواق، وأيضا مجهود الصيد وتنظيم الاستغلال، إلى جانب مجال البحث العلمي والتكوين والإرشاد وهياكل المساندة.
“الفلاحة هي الحل لتعزيز سيادتنا وتنمية اقتصادنا” فكيف يق ربط نشاطاتها بالانحياز السياسي؟
لعلّ ما لا يمكن تجاوزه بل وتبيّنه بعين واضحة، أنّ سيادة الدول واستقلاليتها مرتبط بصفة رئيسية بمدى قدرتها على تحقيق اكتفائها الغذائي دون الوقوع في هامش الحاجة الى دول اخرى، إذ يعني ذلك استنقاصا من سيادتها إن لم يكن قضاءً عليها، فمتى زادت الحاجة زادت الهيمنة الخارجية وازدادت قوّة الدول الأخرى على حساب الدول المنهارة في قطاعها الفلاحي.
وقد كانت لفترة جائحة كورونا أوّلا من ثمّ العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا ثانيا إلى جانب التغيرات المناخيةدور في اثبات أنّ التغيرات العالمية الكبرى مرتبطة لا محالة بمدى انهيار الدول نتيجة عدم قدرتها على تلبية احتياجاتها الغذائية مقابل زيادة تغوّل دول اخرى، وما يمكن تبيّنه بالأرقام أنّ أسعار القمح بسبب الحرب بين البلدين قد ارتفعت الى نسب غير معهودة منذ عديد السنوات لتصل الى 37%، في حين ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 21% استنادا لما نشرته مجلة فوربس الاقتصادية في عام 2022.
إذ تعتبر الحرب في اوكرانيا نقطة مركزية هامّة في الامن الغذائي للكثير من الدول العربية، نظرا لأهميتها كمصدّر للعديد من المواد الغذائية لهذه الدول، لذلك فإن تواصل الصراع يشكّل مهددا خطير لواردتها خاصّة من القمح، إذ تتصدّر روسيا واوكرانيا مرتبة هامّة في سوق التصدير العالمية للمواد الزراعية بنسبة 23%، ذلك الى جانب أنّ البحر الاسود يمثّل معبرا هامّا لأغلب صادرات اوكرانيا.
في هذا الصدد تشير “كيلي بيتيلو” محللة شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا في المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية الى أن “هناك عواقب وخيمة للغاية على الامن الغذائي في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا” خاصّة وقد شكّلت واردات هذه المناطق 40% من صاردات اوكرانيا من الذرة والقمح في عام 2021. فمثلا تعتمد لبنان وسوريا واليمن وتونس بصفة كبيرة على روسيا واوكرانيا في الحصول على المواد الغذائية خاصّة منها الأساسية كالقمح والحبوب، لذلك فإنّ هذه البلدان ستشهد نقصا فادحا في هذه المواد الاساسية، ذلك الى جانب أنّ سلاسل التوريد ستكون معطّلة عن العمل ممّا سيؤدي الى ارتفاع كبير في تكاليف الانتاج ممّا سيؤثر بدوره على اسعار المواد الغذائية، حتى أنّ قطاع الزراعة سيتأثر بصفة سلبية ممّا سينعكس على الفئات المعتمدة على هذا المجال.
تعتبر سوريا واليمن ولبنان من البلدان التي تعيش فعليا أزمات عميقة على جميع الاصعدة، وكان من المتوقع في بداية الحرب أنّ أثارها ستكون بالغة في هذه المناطق خاصّة وانّ احتياطاتها من المواد الغذائية ضئيلة جدا، فسوريا تعتمد على روسيا في ثلثي احتياجاتها من المواد الغذائية، أمّا لبنان فتستورد تقريبا كافّة حاجياتها من الحبوب من اوكرانيا وروسيا بنسبة 90% ، بالنسبة الى اليمن فهي تستورد ما يقارب 40% من حاجياتها من أطراف الصراع.
أصدر معهد الشرق الأوسط للأبحاث تقريرا مفاده أنّ الحرب بين البلدين يعد نقطة مفصلية في تبيّن مدى قدرة الدول على التصرف في تحقيق اكتفائها الغذائي، حينها يقع تسليط الضوء على عنصرين رئيسيين في تونس وهما “صلابة الجانب الفلاحي من حيث قدرته على تحقيق الأهداف الموكلة إليه داخل الدولة” “ترسّخ مفهوم السيادة الغذائية داخل الدولة”.
ولعلّ ما ضاعف من تشابك الأوضاع وتداخلها فيما يتعلّق بالأمن الغذائي التونسي هو ما تمرّ به البلاد من أوضاع خانقة خلفّتها الأحداث السياسية المتعاقبة منذ 25 يوليو إلى غاية اليوم، حيث أنّ منطق تضارب المصالح السياسية وما الى ذلك من مساعي يقع توظيفها لضرب السلطة الحالية جعل الأمن الغذائي كأهم ركيزة للبلدان لاستقرار أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية نقطة مستهدفة من هؤلاء الأطراف للتضييق على المواطن التونسي ودفعه للاحتجاج على الاوضاع المتدهورة. ويحيلنا ذلك مباشرة الى الاتحاد الوطني التونسي للفلاحة والصيد البحري، حيث انّ طبيعة هذه المؤسسة وما إلى ذلك من أعمال موكلة إليها إلى جانب أهداف هياكلها ووحداتها ينصب مباشرة في ضمان الأمن الغذائي للبلاد وسيادتها الفلاحية، ولعلّ ذلك ما جعل هذه المنظّمة فريسة سهل اختراقها لتأجيج الاوضاع داخل البلاد، إذ طال الفساد جانبا هامّا من هياكل الاتحاد ممّا عرقل قيامهم بمهامهم المتمحورة أساسا حول النهوض بالقطاع الفلاحي.
فساد طال قطاع الأعلاف والحبوب
في لقاء للرئيس قيس سعيد بوزير الفلاحة عبد المنعم بلعاتي في بداية شهر يونيو، أكّد على ضرورة توزيع الحبوب في كافّة مناطق الجمهورية لتدارك الأزمة، كما دعا أيضا الى ضرورة توزيع الأعلاف بشكل متوازن حتى لا يستمر الاختلال على مستوى الأسعار. وهو أمر شدّد الاتحاد الوطني للفلاحين والصيد البحري في بيان له على أنّه مجردّ اخبار زائفة وتهم لا صحة لها، والغاية منها ضرب مصداقية الاتحاد، في حين أنّ هناك من ذكر وهو عضو ضمن الاتحاد أنّ الخلل الرئيسي يكمن في غياب الرقابة على مستوى مسالك توزيع الاعلاف. وكان الرئيس السابق للاتحاد عبد المجيد الزار الموالي لحزب حركة النهضة قد تورّط في قضية فساد مالي وإداري، أدّت الى اقالته من رئاسة الاتحاد.
ولا يمكن باي شكل من الأشكال الحفاظ على الأمن الغذائي للبلاد واستقرارها الاقتصادي والاجتماعي ما لم يكن الاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري بجميع هياكله بعيدا عن التحيز السياسي، وهو ما يفسّر الانفلات الاقتصادي الذي شهدته البلاد في فترة وجيزة بعد تغيّر التغيرات السياسية التي شهدتها منذ ما يقارب السنتين.
“السيادة الغذائية في ظل التغيرات المناخية”، هو شعار المؤتمر الانتخابي السابع عشر الذي عقده الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري من 8 الى 11 ماي 2023 بمدينة طبرقة من ولاية جندوبة. ويذكرأنّ 17 عضوا من المكتب التنفيذي لعام 2018كانوا قد جدّدوا ترشحهم لعضوية المكتب الجديد لعام 2023، نجح منهم ثمانية أعضاء تمثّلوا في أمين المال وثلاث نائبين، وثلاثة مساعدين، ومكلف بالألبان واللحوم الحمراء والبيضاء.
وحتى تخرج البلاد من أزماتها الاقتصادية التي طالت الأمن الغذائي للمواطنين يجب تطهير الاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري والحرص الدقيق على متابعة الخلفيات السياسية لجميع الأعضاء حتى يتمّ إفشال أي مخطط سياسي هدفه الجز بالبلاد في منزلقات خطيرة، وهو ما ينطبق أيضا على كل المؤسسات النافذة في البلاد التي نخرتها ملفات الفساد وساهمت في الوضع الحالي الذي توجد فيه البلاد.