الأحد. ديسمبر 22nd, 2024

عادل الحبلاني : قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

تدخل افريقيا اليوم خاصة في ظل التغيرات المناخية وجاىحة كورونا ازمة غير مسبوقة في تاريخ القارة المعاصر وتزداد الازمة تعاظما يوما بعد يوم، سيما في ظل العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا وتفاقم ظاهرة الحركات الاجرامية والارهابية داخل القارة. الامر الذي جعل من الازمة الانسانية امرا واقعا خاصة وأنها تهدد ملايين الارواح من اطفال ونساء. وتأخذ اليوم أشكالا متعددة تراوح بين ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي يأشر بتهديد الأمن القومي والغذاىي ويزيد من تعميق الجوع والفقر والمجاعة.

فماهي عوامل الأزمات الافريقية وماهي أهم تمظهراتها

كيف يمكن للدول الافريقية ايجاد المقاربات العملية والاستراتيجية لتلافي أزمة الفقر

أزمة المناخ وتأثيراتها على الدول الافريقية

أدت التغيرات المناخية التي تشهدها القارة الافريقية وخاصة دول جنوب الصحراء إلي جملة من الكوارث الطبيعية تمثلت أساسا في موجة من الفيضانات والعواصف الاستوائية وحالات مناخية يكتنفها الجفاف نتيجة ارتفاع مستويات الغازات الدفيئة المترتبة أساسا على الاحتباس الحراري وارتفاع درجة الحرارة وهي في مجملها عوامل مخربة للاستقرار المناخي والأمن الغذائي من وراءه،  ويعود ذلك لما لهذه  التغيرات من تأثيرات مباشرة على الانتاج الزراعي والفلاحي و المقومات الاقتصادية التي من شأنها المحافظة على الاستقرار وتلافي معضلة الهجرة بأنواعها. فهذا المناخ المتطرف الذي تشهده افريقيا اليوم يتسبب في كل مرة في مقتل المئات وتشريد الآلاف واتلاف المحاصيل الزراعية، حيث شهد كل من جنوب السودان والنيجر ومالي وتشاد وبوركينا فاسو ونيجيريا فياضات ألحقت أضرارا كبيرة بما يزيد عن مليون ونصف شخص في هذه الدول. وتعتبر سنة 2022 سنة كارثية بامتياز حيث ووفقا لمؤشرات الأمم المتحدة فإن أكثر من 4 مليون شخص قد نزحوا من غرب افريقيا وجنوبها متأثرين بفياضات هي الأسوأ منذ 20 سنة، ذلك أنها أدت إلى مقتل 300 شخص وتشريد آلاف العائلات. بالإضافة إلى ذلك فإن ظاهرة الجفاف الآخذة في الاستفحال نتيجة لعدم الاستقرار المناخي فقد كانت مخلفاتها كارثية، حيث أتلفت كميات هامة من المحاصيل نتيجة غياب التساقطات المطرية وموت ونفوق كميات كبيرة من قطعان الماشية التي تعتبر مصدر غذاء ورزق للأفارقة. وتبعا لتقديرات برنامج الغذاء العالمي فإن ما يزيد عن عشرين مليون شخص يعانون أزمة مجاعة وفقر منهم سبعة ملايين في السودان وهو رقم آخذ في التعاظم سيما في ظل الحرب الدائرة اليوم في السودان. المناخ الجاف في القارة الافريقية ساهم بطريقة غير مسبوقة في شح حاد في المياه وأشر بنشوب حروب أهلية ونزاعات على خلفية السعي للسيطرة على نقاط المياه ولعل سيطرة حركة الشباب في الصومال ونشوب النزاعات في كل من النيجر ومالي هي دلائل على امكانية تفجر النزاعات القبلية على خلفية الماء والأكل وقد تتضاعف موجات الهجرة المناخية إذا ما تواصلت حدة الأوضاع المناخية وغياب برامج انقاذ غذائية دولية وأممية، الأمر الذي قد يتأكد أكثر سيما في ظل تراجع مؤشرات المساعدات الانسانية.

لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن الأزمة الانسانية التي تعيشها القارة الافريقية من منظور التأثيرات المناخية فحسب، ذلك أن التنظيمات الارهابية اليوم والمتوغلة في القارة الافريقية تزيد كل يوم في تأزيم الأوضاع الانسانية وتهدد حياة الآلاف واستقرار الدول والقارة الافريقية عموما.

التنظيمات الارهابية تزيد من تأزم الأوضاع الانسانية

تمثل الحركات الارهابية المنتشرة في القارة الافريقية وخاصة تنطيم داعش والحركات المتفرعة عنه أزمة حقيقية ومعضلة جوهرية وسبب رئيسي في مفاقمة الأوضاع الانسانية، سيما في ظل ما تقترفه هذة التنظيمات الاجرامية من قتل وترهيب لسكان المناطق التي تعاني أصلا أوضاع لا انسانية، حيث وبالعودة على الجرائم التي قامت بها هذه التنظيمات خاصة في  دول غرب افريقيا خاصة، فقد تم تسجيل ما يزيد عن 2000 قتيل في كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر خلال سنة 2022،أما نيجيريا فقد تصدرت مؤشر ضحايا العمليات الارهابية من حيث الأعداد بمعدل 296 قتيل وذلك في تصاعد ملحوظ خاصة في بدايات 2023، في حين يعاني وسط افريقيا وخاصة الكونغو والكاميرون عمليات ارهابية مزدوجة وذلك من جهة داعش والقوات المتحالفة الديمقراطية والنشاط المتزايد لبوكو حرام، واحتل اقليم شرق افريقيا المرتبة الثالثة بواقع 121 قتيل. وحيث أن التنظيمات الارهابية لم تكتفي فقط بالتفجيرات والقتل الممنهج بل طورت من طرائق عملها عبر السيطرة على مصادر ومنابع المياه والغذاء، الأمر الذي زاد من مفاقمة أزمة السكان الغذائية والانسانية المتأثرة بدورها بالأزمة الاقتصادية العالمية، حيث تشهد افريقيا موجات هجرة جماعية بحثا عن الأمن بمعنى المحافظة على الحياة، والأمن الغذائي والمائي كمتطلبات أساسية لهم ولأبنائهم، وأدى تنامي التنظيمات الارهابية وعملياتها  إلى تهديد السلم المجتمعي وضرب كل مقومات الاستقرار الوطني والسيادي وأدخل العديد من الدول في حروب أهلية ونزاعات قبلية، بالإضافة إلى ذلك تعيش الدول الافريقية أزمات اقتصادية نتيجة تكبدها لخسائر تجاوزت 15 مليار دولار حسب المؤشر العام للارهاب ويتجلى ذلك خاصة وبشكل واضح على حركة الأفراد والسلع والاستثمار والسياحة، هذا فضلا عن تضاعف ميزانيات الدول الافريقية الموجهة للأمن والدفاع للتصدي للتهديدات والعمليات الارهابية على حساب التنمية وتحسين العيش وبحث الأدوات التي من شأنها إيجاد حلول للأزمة الغذائية والمناخية.

على الرغم من ما تخلفه التنظيمات الارهابية من أزمات انسانية وتهديد للسلم المجتمعي وموجات هجرة جماعية وحروب ونزاعات أهلية وداخلية، إلا أن هذا لا يخلي مسؤولية الحكومات الافريقية في عدم قدرتها على توفير الأمن بكل مقوماته الأمنية والغذائية وبحث الاستراتيجيات التي من شأنها التصدي للتنظيمات الارهابية ودرأ كل المخاصر والمنزلقات المترتبة عنها، بل لا يمكن عدم توجيه العديد من الاتهامات  للعديد من القادة الحكوميين وأصحاب القرار الذين سهلوا تواجد التنظيمات الارهابية خدمة لأجندات سياسية داخلية وخارجية سيما في ظل الصراع الدولي علي مناطق النفوذ في افريقيا، والذي يتجذر أساسا في الصراع الغربي الأمريكي الفرنسي بالأساس ضد روسيا والصين اللتان قدمتا أشكالا جديدة للتعاون مع الدول الافريقية.

الصراع الغربي على مناطق النفوذ يعمق الأزمات الانسانية للأفارقة

تحولت افريقيا في ظل التحولات العالمية الكبرى والصراع الآخذ في الاحتدام بين قوى الهيمنة الكلاسكية على غرار فرنسا وأمريكا والقوى الاقليمية العائدة على الساحة الدولية مثل الصين وروسيا كقوتى اقتراح لبدائل جديدة ممكنة في العلاقات الدولية، إلى منطقة صراع على النفوذ، ويعود ذلك بالأساس لما تتوفر عليه القارة من ثروات طبيعية على غرار النفط والغاز والأورانيوم والذهب وغيرها من المعادن النفيسة التي ظلت ولا تزال كل من فرنسا وأمريكا على وجه الخصوص تنهبان ثرواتها وتعمقان من الأزمات الانسانية التي تعيشها القارة منذ أول موطئ قدم للرجل الأبيض في القارة السمراء إلى يوم الناس هذا، كيف لا وباريس مستنيرة بمصادر الطاقة الافريقية وتنهب منذ سنين موغلة في القدم ثروات افريقيا وترسم معالم سياساتها وتتحكم في معاملاتها المالية وتدعم الانقلابات العسكرية وتوظف شركاتها التجارية وخاصة شركات  الطاقة المعسكرة لنقل كل الثروات الافريقية في الوقت الذي ترزح فيه شعوب الدول الافريقية تحت نير الفقر المدقع والجوع. ليس هذا فحسب، فتحت مسميات دمقرطة الشعوب ومحاربة الارهاب زادت معاناة شعوب القارة سيما في ظل الدخول الأمريكي على الخط بأكثر قوة وانتشار بداية من سنة 2001، حيث بدأ التفكير الأمريكي في الانتشار أكثر خارج مناطق انتشاره الكلاسيكسة على غرار الصومال وليبيريا وجيبوتي، حيث توالت زيارات القادة العسكريين إلى العديد من الدول الافريقية لتباحث التعاون العسكري الأمريكي الافريقي لمكافحة الارهاب، ولم يكن ذلك إلا مجرد مظلة تعاونية عسكرية تحت مسمى مكافحة الارهاب وفق برنامج  أفريكوم، الذي كشف تدريجيا عن نوايا هيمنته سيما في ظل امتداد نشاطاته إلى ما هو سياسي واقتصادي واستراتيجي متعلق أساسا بمواجهة الصين وروسيا، حيث وعلى الرغم من رفض العديد من الدول الافريقية اقامة قواعد عسكرية أو مراكز تدريب أو ايواء لقوات المارينز على أراضيها، إلا أن برنامج أفريكوم توسع واستطاع وضع نقاط ارتكاز وقواعد عسكرية في كل من جيبوتي، كينيا، بورندي، أوغاندا، الكاميرون، جنوب السودان وبوركينا فاسووالنيجر والسنيغال… وتزداد أزمة شعوب القارة السمراء ومعاناتها الانسانية وتتعمق أكثر فأكثر كلما احتدم صراع الهيمنة بين القوى العظمى، ذلك أن البرنامج الأمريكي الذي تم طرحه في سنة  2022  على قمة أعمال حلف شمال الأطلسي الذي عقد في مدريد الاسبانية يضع على قمة أولوياته مواجهة التواجد الروسي الصيني في قارة افريقيا، وهو أمر مخيف حد الرهبة للأفارقة والذي قد تتفجر من وراءه الأوضاع الأمنية والعسكرية والانسانية في ظل المحاولات الغربية دحر التواجد الروسي الصيني، والذي قد تتم مقابلته برد عسكري عنيف يحول القارة الافريقية إلي حلبة صراع. خاصة وأن الخطوات الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية والتجارية والتعاون الأمني الذي قطعت فيه كل من روسيا والصين من جهة والعديد من الدول الافريقية من جهة أخرى أشواطا مهمة تحولت بمقتضاه أشكال التعاون إلى مكتسبات لا يمكن التراجع عنها سيما وأن الصين وروسيا أبدتا حسن النوايا على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال مشترك، لكن تبقى فرضية الصراع العسكري الأمريكي الغربي والروسي الصيني أمرا ممكنا في القارة الافريقية قد تعرف من وراءه شعوبها أشد الأزمات الانسانية فتكا على مر التاريخ.

دائما ما كانت القارة الافريقية محط أطماع القوى الامبريالية وقوى الهيمنة، حيث النهب والسلب لمقدرات الشعوب وثرواته وسيظل مستوى الفقر والجوع يلاحق القارة الافريقية طالما لم تتحقق بعد علاقات دولية تقوم على المصالح المتبادلة والخير المشترك وستظل كذلك أيضا طلما أن الكثير من الحكام تلعق نعال الغرب وتستجدي رضاها.   

  

 

By amine