الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

تقرير فاتن جباري

تمرّ 142 سنة على فرض الحماية الفرنسية على تونس بموجب معاهدة باردو أو قصر السعيد في 12 مايو 1881، حيث مثل هذا التاريخ مناسبة أليمة يستذكرها التونسيون وتمثل حدثا فارقا في التاريخ السياسي الحديث والمعاصر لتونس سلم بمقتضاها الباي تونس الى فرنسا، وأفضت إلى تحوّل تونس من كيان شبه مستقلّ تابع ،ولو صوريا للباب العالي  إلى محميّة فرنسية خاضعة لسلطة المقيم العام والكاتب العام للحكومة والمديرين العامين وكبار الموظفين والضباط العسكريّين الفرنسيّين…، الذين يتلقون الأوامر والتعليمات من باريس.

وحتى اليوم لم تتوقف مقاومة الشعب التونسي”ضد الاحتلال المقنع ” فلا تزال الهمم حريصة على سيادة تونس واستقلالها برغم تغير الرؤساء و الحكومات و الاهداف في الاستقواء بالقوى الخارجية ضد ابناء جلدتهم  …

وثيقة الإستعمار و الخيانات العظمى

في غياب كتابات تاريخية مؤصلة ،  قائمة على التوثيق والأرشفة والتجرد من الإيديولوجيات بما أنها حاجز رئيسي يثني عنق التأريخ البشري ومحاولات إعادة قراءته وفق منهج علمي أكاديمي سليم ، فإن تتالي الأسئلة عن الحقيقة التاريخية في قضية الاستعمار سيستمر دون هوادة، وستبقى الهوة المعرفية قائمة إلى حين إعادة تحقيب كل الفترات التي أسالت بعض حيثياتها كثيرًا من الحبر.

إن الاستعمار الفرنسي كان خيارًا من حكام البلاد الذي رجحوا كفة الغرب على السلطة المركزية في إسطنبول من خلال الاتفاقيات والمعاهدات التي أُبرمت دون علم الباب العالي، والأخيرة دليل على أن الحكم العثماني لم يكن استعمارًا أو احتلالًا بعكس الوجود الفرنسي الذي عمل على فرض سطوته النهائية على البلاد ومفاصل الدولة التونسية في مرحلة أولى بالاعتماد على شخصيات محلية شجعت النزعة الاستقلالية إزاء الامبراطورية العثمانية وسياسة التقارب وتوثيق العلاقات مع الغرب الأوروبي  وتحديدا فرنسا عبر توسيع دائرة الأتباع والمتواطئين في أوساط السياسيين المقربين من الباي الذين تم توظيفهم لافتعال الأزماتوفي مرحلة أخيرة بالحديد والنار.

 يرى شق المؤرخين وان سقوط الدول العربية وخاصة منها الواقعة في شمال إفريقيا، نتج عن عربدة البايات وتعاظم الخيانات وتبديد المال العام في بناء القصور، فمع استشراء  الفساد صلب منظومة الحكم الحسيني تدهورت الأوضاع الداخلية المتمثلة في الإفلاس الاقتصادي والفوضى السياسية إضافة إلى مشكل التجانس القومي زد على ذلك التدخلات الأوروبية القوية خاصة في مجال المال والأعمال وتحت ستار التحديث والتطوير كما في الحالة التونسية ولا يُمكن بحال من الأحوال إرجاعه إلى خذلان الدولة العثمانية التي كانت تعيش تراجعًا على عدة مستويات.

آخر  الخيانات  العظمى تمثلت في اتفاق “بن اسماعيل” مع قنصل فرنسا على إقناع الباي بقبول إمضاء معاهدة الحماية الفرنسية على تونس مقابل 5 ملايين فرنك ومساعدة فرنسا له على نيل ولاية العهد، ولما امتنع الباي عن قبول الحماية مارس عليه بن إسماعيل كل أشكال الضغط والتخويف وأشار على “روسطان “بإدخال الجيش الفرنسي إلى تونس ومحاصرة قصر الباي لوضعه أمام الأمر الواقع.

بعد أن أدركت فرنسا أن الوضع الدولي يسير لصالحها سيرت جيوشها في شهر أبريل 1881 نحو البلاد التونسية تحت ذرائع وحجج واهية أهمها محاربة عشائر خمير على الحُدود التونسية الجزائرية”وتبين بسرعة أن هدفها قصر باردو وليس كما زعمت القضاء على “الإرهاب” في الحُدود.

محتوىمعاهدة باردو؟

عُرفت باسم” معاهدة باردو” أو “معاهدة قصر السعيد”، وُقعت يوم 12 ماي 1881 بين الحكومة الفرنسية وباي تونس في ذلك الوقت وهو” محمد الصادق باي” وهي التي أسست لانطلاق الاستعمار الفرنسي  لتونس والذي تداول تسميته رسميًا بـ”نظام الحماية”.وأمضى على المعاهدة كل من محمد الصادق باي، باي تونس منذ 1859 وإلى حدود وفاته في أكتوبر 1882، والجنرال الفرنسي “بريار.”

مكنت معاهدة باردو فرنسا من حق الإشراف المالي والخارجي والعسكري في تونس وحق تعيين مفوّض فرنسي في مدينة تونس وله حق التدخل في شؤون البلادوقد حافظ باي تونس على مركزه مع تمكينه من سلطة التشريع والإدارة لكن مع اشتراط موافقة المقيم العام الفرنسي في تونس.

تنص معاهدة باردو في فصلها الثاني على التالي:  “ولتسهيل إتمام الأعمال التي قصدت بها فرنسا  بلوغ الغرض الذي عزم عليه المتعاقدان، رضي حضرة رفيع الشأن باي تونس بأن السلطة العسكرية الفرنسية تتبوأ الجهات التي ترى لزومها لتوطيد الأمن والراحة بالحدود والشطوط وترحل عنها عندما يتبين للسلط الحربية الفرنسية والتونسية معًا أن الإدارة المحلية قاضية بحفظ الراحة على الاستمرار”.

لقد كانت هذه الاتفاقيات ذات الأهمية السياسية والعسكرية والاستراتيجية الشاملة قد لابستها ظروف دقيقة وتطورات حادة أثرت تأثيراً بالغا في مجريات الحركة الوطنية نحو التخلص نهائيا من الاستعمار ولذلك واجهت مفاوضاتها ردود افعال قوية من قبل فصيل هام من الرأي العام الوطني وحتى الدولي ، بين رافض ومتحفظ ومعارض  وبين متسائل عن الاستقلال الفعلي للبلاد التونسية حيث ما كانت ثرواتها وخيراتها مستباحة حتى اليوم بموجب هذا الاتفاقيات الاستعمارية ذاتها ؟

By amine