اعداد: صبرين العجرودي : باحثة بعلم الاجتماع
في خطوة غير متوقّعة، تمّ الاتفاق بين السعودية وايران في 10 مارس على استئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما، وحصل ذلك تحت رعاية صينية في بكين بمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وجاء في بيان ثلاثي بين ايران والسعودية والصين على أنّه سيقع فتح السفارتين في فترة لا تتجاوز الشهرين، كما أكّد البيان على سيادة طرفي الاتفاقية والتزام كل منهما على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخر. وعلى ضوء ذلك، سيجري تفعيل اتفاقيات قديمة كاتفاقية التعاون الامني التي جرى توقيعها في عام 2001 واتفاقيات اخرى متعلّقة بمجالي الاستثمار والتجارة، كما ينتظر البلدين انعقاد اجتماع تجري خلاله مناقشة سبل تفعيل هذه الاتفاقية والتعاون فيما بينهم في مختلف المجالات.
أثار الاتفاق ضجّة كبيرة على المستوى الدولي والاعلامي في اشارة الى ما سيؤول اليه من تأثيرات وتغيرات على مستوى المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وتحويل في مسار العلاقات بما يؤدي الى رسم خارطة علاقات جديدة على المستوى العربي والدولي، خاصّة وانّ ايران والسعودية عُرفا خلال سنوات الماضية بعداوتهما الكبيرة وخوضهما حروبا بالوكالة في مختلف المناطق التي تتضارب فيها مصالحهما (كالعراق واليمن وسوريا).
بدأت بوادر تعكّر العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الامريكية، عندما توصلت الرياض الى اتمام اتفاق مشترك مع روسيا حول تخفيض انتاج النفط حتى يتم الترفيع في الأسعار، قرار لم يكن مرحّبا بيه من طرف واشنطن التي وجّهت اتهامات مباشرة للسعودية على انّها مصطفّة الى جانب الطرف الروسي في الحرب الاوكرانية، وهو اتهام ادانه وزير الدّفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مشيرا الى انّ القرار اتخذ بالإجماع وليس ثنائيا، كما لا تقف ورائه أي دوافع سياسية وهو متعلّق بأهداف اقتصادية بحته وانّ ذلك لا يعني انحياز منظّمة “اوبك بلس” مثلما تمّ الاشارة اليه الولايات المتحدة الامريكية، حيث انّ الاخيرة ترفض خطوة التخفيض في الانتاج الذي يؤدي مباشرة الى الترفيع في الاسعار وزيادة أرباح روسيا الذي تزعم امريكا انّه سيقوي نفوذها ضد اوكرانيا في الحرب.
يثير ذلك جملة من التساؤلات حول الكيفية التي ستوازن بها السعودية العلاقة مع ايران والولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ايضا التي كانت لها تطلّعات للتطبيع مع الرياض وتوطيد علاقاتها مع الدول العربية التي ربطت معها العلاقات ضمن اتفاقيات ابراهيم.
كيف يمكن ان تتأثر الأطراف اللاعبة في الميدان الشرق أوسطي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؟
اين مصلحة الصين والعراق من عودة العلاقات الديبلوماسية بين ايران والسعودية؟
كيف تتأثر دول الجوار بعودة العلاقة بين ايران والسعودية؟
كيف يمكن ان تتأثر الاتفاقيات الابراهيمية ؟
أزمة العلاقات بين السعودية وايران قبل الاتفاق؟
تتسم العلاقة بين ايران والسعودية بعداوة عميقة دارت طيلة ثمانية عقود مضت حول خلافات سياسية وعرقية ومذهبية وتنافس حول قيادة العالم الاسلامي. وقد انقطعت العلاقات الدبلوماسية في البداية بين ايران والسعودية في عام 1943 (السبب اعدام السلطات السعودية احد الحجاج الايرانيين) وتمّ استئنافها في 1946، لكن بعد اعتراف ايران بإسرائيل عام 1950 توترت العلاقة بين الطرفين من جديد.
بعد ذلك ساهمت احداث عديدة في تعميق التوتر بين السعودية وايران، منها نفوذ الاحزاب الشيعية المتحالفة مع ايران في العراق الواقعة في الحدود الشمالية للسعودية تلتها اشتباكات حدودية بين الرياض والحوثيين في عام 2009، الى جانب محاولة اغتيال السفير السعودي.
تركّز الاتفاق بين ايران والسعودية على الاحترام المتبادل لسيادة كل منهما وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، لذلك فانّه يتركّز على وقف ايران دعم الحوثيين ضد السعودية.
ومن بين الحوادث التي ساهمت في مزيد تأجيج التوتر بين السعودية وايران اعدام السلطات السعودية 47 شخصا بتهم ارهابية بينهم اربعة اشخاص مقربين من النظام الايراني، وهو أمر استفز ايران وادّى في النهاية الى اعلان الخارجية السعودية قطع علاقاتها الديبلوماسية مع السعودية.
- تأثيرات على المنطقة العربية
لعل أبرز ما يميز العداوة بين السعودية وايران هي الحرب بالوكالة أي استخدام الدول المجاورة في عملية الضغط المتبادل، ويحملنا ذلك الى اعتبار ان الدول المستغلة من ايران في تهديد السعودية ستتأثر دون شك بالاتفاق، على رأسها اليمن التي من خلال تلقي جماعة الحوثي دعما مسلّحا ضد السعودية. ناهيك عن سوريا المدعوم نظامها من ايران، لبنان التي تأثرت اوضاعه في ظل حكم حزب الله، ذلك ينطبق ايضا على العراق التي استفحل فيها الحشد الشعبي وعناصر أخرى شيعية موالية لإيران.
- سو ريا: بدأت اثار الاتفاقية بالانعكاس شيئا فشيئا على دول المنطقة، حيث بدأت سوريا في اجراء مباحثات مع السعودية متعلقة بعودة الخدمات القنصلية بعد قطع العلاقات الديبلوماسية منذ عام 2011 بسبب رفض الرياض النظام في سوريا في ذلك الوقت. ويذكر ان ايران لطالما دعّمت النظام السوري عسكريا، وقد اثّر اتفاقها مع السعودية في فتح اول باب امام سوريا لفك عزلتها بعد سنوات من الانغلاق الديبلوماسي على خلفيةرفض العديد من الدول العربية والغربية نظام بشار الاسد
- لبنان: لا يخفى وانّ لبنان تعاني من ازمات اقتصادية وسياسية عميقة نتيجة لتضارب المصالح بين الدولتين في المنطقة، لذلك من شأن الاتفاق ان يساهم في تهدئة الازمات فيها حتى وان لم يكن هذا التأثير مباشرا حيث أشار السياسي عارف العبد الى انّ التعاطي مع الانتخابات الرئاسية في لبنان ومع القرارات السياسية الاخرى في كل المنطقة سيكون بأكثر هدوء ودون اضطرار أي طرف اخر الى الاخذ باعتبارات اخرى في التعامل مع مختلف الملفات، تمّ وصف ذلك بما يسمى بحرب الوكالة التي كانت تظهر سماتها في الكثير من المناطق المتوترة المتربطة بمصالح الطرفين، تعد لبنان من ضمنها.
ومن اهم الازمات السياسية التي تشهدها لبنان في هذه الفترة هو الفشل الفادح الذي طال البرلمان لعدة مرات ممّا حال دون انتخاب رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية ميشال عون في نوفمبر 2022. يعود ذلك للصراع القائم بين ايران والسعودية، فمثلا ترفض الرياض تولي سليمان فرنجية منصب الرئاسة في لبنان باعتبار انه مواليا لحزب الله معتبرة انّ ذلك سيكون طريقا سهلا له لإحكام قبضته على لبنان وهو ما ترفضه السعودية وبشدة، ذلك الى جانب علاقاته الجدية مع نظام بشار الاسد.
لكن في الوقت الراهن ومع عودة العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وايران يُتوقّع اجراء محادثات بين الطرفين تسعى لحل الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان من خلال الاتفاق على رئيس جمهورية، ونظرا في انّ السعودية كانت قد قطعت في عديد المرات سبل التعاون الاقتصادي مع لبنان كرد على تقاربها مع ايران، من المتوقع ايضا ان تعود الاستثمارات وان تقدم السعودية بعض الهبات والمساعدات للبنان في ازمتها الخانقة ممّا سيخفّف من حدّة عجزها الاقتصادي.
- العراق: لم تخفي العراق ترحيبها بالاتفاق بين الرياض وايران، حيث مثّلت بغداد ومسقط مجالات مفتوحة للاجتماعات بين ديبلوماسيين سعوديين وايرانيين في العام الفارط، لذلك بعد صدور خبر الاتفاق مباشرة لم تتوانى الخارجية العراقية في التعبير عن افتخارها بكونها كانت طرفا فاعلا فيما وصلا اليه البلدين اليوم. ويُذكر انّ العراق كانت اداة تستخدمها ايران للضغط على السعودية من مختلف النواحي الامنية والسياسية والاقتصادية، لذلك لم تحظى العراق بمختلف الفرص المحتملة التي كانت ستجنيها من وراء توطيد العلاقات مع الرياض خاصّة وانّ ايران كانت تربطها علاقة جيدة بأحزاب عراقية لها نفوذ في البلاد كانت قد تسبّبت في اعمال عدوانية ضد السعودية، اذ شكّلت العراق تهديدا أمنيا للرياض عن طريق الجماعات المسلحة شبه العسكرية.
وقد اعتبر مراقبون انّ حرص العراق على الاتفاق وترحيبها بيه يندرج في اطار سعيها للاستقلال عن النفوذ الايراني الذي كان يقيدها والتي طالما اعتبرته حاجزا امام سيادتها وقراراتها في اختيار شركائها، فمنذ سنوات عديدة مثلت العراق بيئة حروب وازمات وتصادم لمصالح دول اخرى ولم يكن المجال آمنا للاستثمار وربط العلاقات، ومن المؤكد ان هدوء المنطقة سيفتح المجال لعديد الدول الاخرى التي ترغب في الاستثمار والقيام باتفاقيات اقتصادية.
- اليمن: من المتوقع ان تظهر بوادر الاتفاق على الوضع في اليمن من خلال تشكيل حكومة وطنية شاملة في اليمن، ومن ناحية اخرى وقف استخدام الحوثيين كأداة للتهديد الأمني للسعودية.
- تأثيرات دولية
يمكن القول انّ عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين سينعكس ايجابا على دول المنطقة خصوصا على المستوى الاقتصادي، أمّا على المستوى العسكري سيكون مستقبل المنطقة اقل تشنّجا نظرا في انّه ستقل امكانية افتعال الأزمات.
من جهة اخرى، عودة العلاقات بين ايران والسعودية سيكون له تأثير ايجابي على مستوى انتاج النفط، حيث انّه بالرغم من العلاقات المتأزمة بين البلدين في السنوات السابقة الاّ انّهما لعبا دورا محوريا في منظّمة الدول المصدرة للنفط (Organization of the Petroleum Exporting)المنظّمة الحكومية الدولية المكوّنة من 13 دولة، وتسيطر المنظّمة حاليا على ما يقارب 44% من انتاج النفط العالمي و81.5% من احتياطات النفط لذلك من المتوقّع انّ الاتفاقية ستؤدي الى استقرار أسعار النفط، اقل توتر في سلاسل الامداد العالمي .
نال الاتفاق ترحيب العرب معتبرين اياها أنّها بداية الحل للحروب والازمات في المناطق التي تتعارض فيها المصالح بين الطرفين، حيث ان هذه المناطق مثّلت مجالا مفتوحا للصراع وحرب الوكالة،لكن في المقابل لم ينل ترحيب كل من أمريكا واسرائيل، حيث نفى متحدث باسم مجلس الأمن القومي وجود علم لدى واشنطن بتوصل ايران والسعودية الى اتفاق في العلاقات بينهما، مشيرا الى أنّ الكيفية التي ستتأثّر بها “اتفاقيات ابراهيم” ليست واضحة.
كما تتخوّف الولايات المتحدة الأمريكية من قدرة الصين على بناء تحالف في الشرق الاوسط خاصّة وانّها اشرفت على الاتفاقية بين الطرفين الذي طالما عرفا بعدائهما، بينما اسرائيل تتوجس من فشل الفرص المتاحة للتطبيع مع المملكة السعودية وامكانية تأثير عودة العلاقة مع ايران على علاقاتها بباقي الدول العربية. حيث تمّ الاعتبار انّ الاتفاق هو افشال كل الجهود الساعية الى بناء تحالف اقليمي ضد ايران، فهو يساهم في توحيد دول منطقة الشرق الأوسط ويجعل ايران اكثر قوّة أمام اسرائيل.
التقييم والخلاصة:
– ستؤدي الاتفاقية الى تهدئة الاوضاع في منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، الاّ في حالة اختارت الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل التدخل عسكريا لإيجاد حل.
– ايران تقوم بتهديد السعودية في حدودها، ويمكن القول انّ الاتفاق اذا وقع تطبيقه فعليا قد يؤدي الى تهدئة الازمة في اليمن، حيث انّ ايران كانت تستخدم الحرب في اليمن لتهديد مصالح السعودية.
– زوال التهديدات الأمنية على الرياض ممّا يؤدي الى تقليل اعتماد السعودية على امريكا في حمايتها ممّا سيؤثر على علاقة المصالح بينهما ويسهم في التخفيف من حدّة الضغوط الأمريكية على السعودية.
– إنهاء الهيمنة الأمريكية على منطقة الخليج والشرق الأوسط في مقابل صعود الصين كلاعب استراتيجي في المنطقتين.
– فشل إسرائيل في تكوين حلف عربي اسرائيلي ضد ايران.