فاز الباحث في المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس، عادل الحبلاني، بالجائزة الثانية في مسابقة انشاء المقالة وإنتاج الفيديو القصير حول موضوع” إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك في العصر الجديد”، التي نظمتها سفارة جمهورية الصين الشعبية بتونس، وتحصّلت فاتن الجباري وهي باحثة أيضا بالمركز على جائزة المشاركة.
المقال الفائز بالجائزة الثانية:
إقامة المجتمع الصيني العربي في العصر الجديد
محاور الاهتمام :
*العلاقات الصينية العربية
*العلاقات الصينية التونسية
*الانطباعات عن جمهورية الصين الشعبية
لئن يجري الاعتقاد الفردي والجماعي والدولي بأن العلاقات الدولية تعيش حالة من التأزم والتعطل ويكتنفها الغموض والريبية وعدم الاستقرار, وذلك لانسداد آفاق حل الكثير من الأزمات الدولية العالقة إلى اليوم وعجز الديبلوماسية كوسيلة وأداة لبحث السبل والطرق العقلية لحل الأزمات سلميا عبر آلية التفاوض, ولئن يشهد العالم اليوم حروب مباشرة وأخرى بالوكالة وحروب بالوكالة, إلى جانب النزاعات والتوترات وتفاقم ظاهرة الارهاب التي رافقت صعود التيارات المتشددة وتناميها على الساحة الدولية, بأن أصبح الأمر مخيفا حد الرهبة. وعلى الرغم من حالة التأهب النووي والمرور إلى المراحل الأكثر تقدما وجهوزية استعدادا للحرب في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية وتكتل القوى الامبريالية الكلاسيكية واصطفافها في محاولة للحفاظ على النظام العالمي الذي طال أمده لأكثر من قرن, والدفاع عن مصالح القطب الواحد الذي اجتاح العالم سياسا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا من خلال عسكرة مصالحه العابرة للقارات.
إلا أن معالم معالم عصر جديد أرحب وأوسع وتشاركي تعاوني, أساسه العدل وقوامه الانصاف تكرس له فلسفة التعايش داخل واقعية الاختلافات الدينية والاثنية والعرقية والثقافية والسياسية آخذ في التشكل وماض في ركوب قاطرة التاريخ مرة بخطوات بطيئة وأخرى بخطوات متسارعة تحاول مضاهاة حجم التطورات العلمية والتكنولوجية ومواكبتها فكريا و سياسا وأخلاقيا وعلائقيا بهدف تحويلها إلى ممارسة عملية تجعل من النفع والتنمية والتقدم والازدهار والأمن والخير في جميع تجلياته حقا لجميع سكان المعمورة, وعلى الرغم من محاولات تحويل وجهة سيرورة التاريخ والتعسف عليها, والشد بها إلى الوراء أو على الأقل إيقاف خطواتها عبر المساعي الدائبة لطمس معالم تشكل العصر الجديد وقبره من خلال خلق التوترات وافتعال الحروب والازمات, إلا أن مؤشرات مضيه إلى الأمام بخطوات ثابتة حولته اليوم إلى موضوع ومسألة يجب التفكير فيها, ذلك أنه خرج من طور الممكن إلى طور الواقع والواقعية بأن تحول إلى ثقافة ذات طابع مؤسساتي وهيكلي. ولعل النموذج الأكثر تعبيرا عن دخولنا العصر الجديد يتجلى أساسا في العلاقات العربية الصينية التي خرجت من الاطار النظري إلى الاطار العملي وتحولت من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل عبر تفعيل الأدوات والآليات وانماط التفكير الجديدة التي تتناسب مع العصر الجديد وما يجب ان تكون عليه العلاقات الدولية والعربية الصينية خصوصا, الأمر الذي فتح الأبواب طيلة السنوات الأخيرة أمام جملة من الشراكات والمبادلات والتعاون الاقتصادي والتجاري والسياسي والأمني الهادف إلى الربح والنفع والخير المشترك والباحث في الآن نفسه على مزيد تثمينها وتكثيفها وتحويلها إلى مثل أعلى تمثيلي ومنجز تاريخي لا مسبوق.
ولسائل أن يسأل:
ما الذي يمكن أن يميز العصر الجديد في ظل العلاقات الصينية العربية وتحويله إلى نموذج مختلف عن بقية نماذج العلاقات الأخرى؟
مالذي يجعل من العلاقات الصينية العربية تعرف المزيد من التقدم والوفرة وساهم في مزيد التأصيل لها ؟
على ما يتأسس جوهر العلاقات الصينية العربية وماهي مجالات التعاون التي أسهمت في مزيد فتح أبواب التعاون بين البلدين ؟
في ما تتمثل العلاقات الصينية التونسية وماهي أهم مميزاتها ؟
بادئ ذي بدئ تعترضنا مسألة المفاهيم, لنجد أنفسنا نحدد في ما معناه العصر الجديد, وحيث أننا لا نعثر على الكثير من الدراسات التي تؤسس لهذا المولود الجديد عدى بعض المحاولات المتفرقة عن اقتصاد الوفرة والتنمية المستدامة وتعددية الأقطاب وغيرها من الأعمال التي لم تشكل بعد متنا متكاملا قادرا على بلورة تصور مكتمل بمفاهيم وبراديغمات جديدة, فإننا سوف نحاول فهم معالم هذا العصر الجديد انطلاقا من رؤية مقاربتيه نحاول التفريق فيها بين العلاقات الدولية الكلاسيكية التي أفرزتها ظروف ووقائع سياسية بعينها والعلاقات الصينية العربية التي تحركها الارادة الخيرة والمتبادلة.
لما كان عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية هو عالم تحكمه القوى المنتصرة, حيث تم تقسيم العالم تبعا لمصالح سياسية واقتصادية وأمنية واستراتيجية بين القوى الامبريالية التي نكلت بالدول والشعوب واستنزفت خيراتها وثرواتها بطريقة مباشرة وغير مباشرة, إما عبر التدخل العسكري المباشر وإما عبر دعم الانقلابات العسكرية ودعم حكام الولاءات وابرام العقود والاتفاقات التجارية والاقتصادية على حساب أمن بقية الشعوب والدول, عصر خلف ولا يزال إلى اليوم يخلف نتيجة النهب الممنهج لمقدرات الشعوب وثرواتها المزيد من المجاعة والفقر والجوع والفاقة وانعدام الأمن الغذائي والاتجار بالبشر والارهاب ما لم تخلفه الحروب الصليبية ودمويتها التاريخية, حيث ضربت كل القيم الانسانية عرض الحائط وتربعت كل مساوئ الفعل الانساني على عرش العلاقات الانسانية والدولية بين القوى النافذة والأكثر قوة عسكريا وماليا وبين الدول المستضعفة والمفقرة, لتنعم دول بعينها بالرفاه والترف. في المقابل بدأت معالم عصر جديد ترتسم و تأخذ طابعا أكثر وضوحا وهيكلية تتوجه اليوم العلاقات الصينية العربية وتؤسس له قيم الاخلاص والوفاء والثقة والخير المتبادل والمشترك ويشهد عليه تاريخ قديم من العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية والدول العربية كان منطلقها طريق الحرير القديم ويدعمه اليوم اعادة التفكير المشترك في ما يجب ان تكون عليه العلاقات الدولية والعربية الصينية خصوصا الهادفة إلى استيفاء كل شروط التعاون والتبادل المشترك والساعية إلى القطع مع ثقافة النفع الأحادي الجانب, وتأصل له ديبلوماسية مرنة تراعي في جوهر عملها الاختلافات الثقافية وتحترمها وتبحث سبل تبادلها عبر تفعيل كل الأنشطة البين-ثقافية.
العلاقات الصينية العربية
إن تأسيس العلاقات الصينية العربية على مبدأي الخير المشترك والتعاون المتبادل والمتكافئ, يعتبر منجزا لا مسبوق في كنه وجوهر العلاقات الدولية و نموذجا لما يجب أن تكون عليه هذه الأخيرة, ويعود ذلك أساسا للأرضية الخصبة التي هيأتها جمهورية الصين الشعبية والدول العربية لمزيد تكثيف الشراكات الاستراتيجية ودعمها ونماءها وازدهارها, وتعتبر سنة 2020 النقطة المفصلية والانطلاقة التاريخية التي تمثل حجر الزاوية للبناء المستقبلي الصيني العربي, حيث جاءت الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي محملة باتفاق جوهري تمثل في عقد القمة العربية الصينية الأولى في المملكة العربية السعودية وعلى طاولة أولوياتها المصير المشترك بين الصين والدول العربية في العصر الجديد, حيث سيسعى الطرفين الصيني والعربي إلى مزيد تشبيك العلاقات وتنويعها والاسهام في مزيد نجاحها انطلاقا من فكرة المصير الصيني العربي المشترك.
تمثل فكرة المصير الصيني العربي المشترك كما القمة العربية الصينية ثمرة لسيرورة تاريخية من العلاقات الثنائية الموغلة في التاريخ القديم والحديث والمعاصر, تغذيها علاقات صداقة وتآخي وتحابب بين الشعبين الصيني والعربي وتدعمها قيم الثقة والوفاء والود والخير ويأصل لديمومتها تاريخ من المبادلات الاقتصادية والتجارية والثقافية ويفتح أبواب مزيد تعاونها شراكات اقتصادية وأمنية وسياسية عادلة ومنصفة للطرفين, لم يتمكن منها لا التباعد الجغرافي ولا محاولات قوى الهيمنة عرقلة جهود الشعبين مزيد توطيد أواصر التعاون و النفع المتبادل, بل على العكس من ذلك زادت من تعميق هذه العلاقات وتحولت الشعوب العربية والشعب الصيني إلى عائلة واحدة تقوم على الاخلاص والصدق يتقاسمان حلو الظروف ومرها كما تقسماها من قبل سيما في قضايا الاستقلال الوطني, فلا الصين تخلت عن العرب في دعم قضايا الاستقلال الوطني ولا العرب بناكري جميل بقدر ما كانوا دائما سخيين في دعم الصين في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في القضايا المتعلقة بشينجيانغ وهونغ كونغ والقضايا المتعلقة بالمصالح الاستراتيجية والجوهرية للصين.
تدعم علاقات الود والتحابب والخير المشترك بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية ديبلوماسية مرنة وفلسفة سياسية مختلفة عن الماكيافيلية, تأصل في عملها بحث السبل والطرق الأكثر نجاعة ونفعية للطرفين من خلال آلية الحوار المتعقل والهادف إلى توفير كل أسباب التوافق بشأن مشاغل جميع الأطراف لتحقيق النفع المشترك والعام الذي يحقق بالضرورة الاستقرار والأمن ومن وراءهما التنمية المستدامة.
إن التصور الصيني العربي لماهية العلاقات المستقبلية بين البلدين فتح الباب أمام التفكير في إقامة المجتمع العربي الصيني في العصر الجديد وساهم في التفكير عمليا في تعزيز تبادل الخبرات بين الصين والدول العربية في مجال الحكم والادارة ودفع مبادرة التنمية العالمية وذلك من خلال بناء الحزام والطريق عالي الجودة, بهدف مزيد دفع الجهود الرامية إلى مزيد دفع التنمية وتحقيق الازدهار المشترك في جميع المجالات, الأمر الذي سيكون له نتائج ايجابية بالضرورة على مزيد تعزيز التقارب بين الشعب الصيني والشعوب العربية , حيث التضامن والسلام والديمقراطية بديلا عن الانقسام والمجابهة والهيمنة والتنمية المتبادلة بدلا عن النهب والاستنزاف.
إن الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية إذ يقفان جنبا إلى جنب على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي فهم بذلك يفتحان أبواب العصر الجديد الذي يكرس لحقوق الانسان والدول والشعوب الفعلية والحقيقية ويقفان على طرفي نقيض مع مساعي دول الهيمنة المحافظة على حالة عدم اليقين والريبية وعدم الاستقرار الهادف إلى تثبيت النظام الدولي الحالي المؤسس على قواعد وضعتها دول بعينها لمزيد فرض إرادتها ومقاييسها على بقية الدول الاخرى, ويساهم في تجديد التعامل مع بقية دول العالم على أساس التشاور والتعددية والقرارات المشتركة و العادلة لا على أساس منطق المنظومة الواحدة والقطب الواحد و نظام العلاقات الدولية الواحد الذي ترعاه الأمم المتحدة والملزم في جوهره للدول المستضعفة.
إن تمسك الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية بمفاهيم الاحترام المتبادل والتعاون المربح للطرفين زاد من تعميق وتعزيز الثقة السياسية بين الجانبين, الأمر الذي جعل من ” مبادرة الحزام والطريق” تجد ترحابا واستجابة من الدول العربية ودعما لا مشروط إما عبر الاستثمار في صندوق طريق الحرير أو من خلال مواءمة التصورات الاقتصادية والتجاريةو الاستراتيجية مع مبادرة الحزام والطريق, مما زاد في التوسيع من دائرة التنمية والتعاون المتبادل بين البلدين وجعل من ثقافة الرابح رابح تتأصل أكثر فأكثر لتأتي أكلها في مجالات متعددة على غرار التجارة والاستثمار المتنوعفي المجالات التكنولوجية والاقمار الصناعية الفضائية والطاقة الجديدة والعدين والبنى التحتية وغيرها.
العلاقات التونسية الصينية
إن ترحاب الدول العربية بمبادرة “الحزام والطريق” وتوقيع أكثر من 17 دولة عربية على وثائق التعاون الاقتصادي على غرار الدولة التونسية له دليل أولا على علاقات الود والتآخي التي تربط الجانبين وهو ثانيا دليل على بحث الجانبين الشراكات النفعية والمشتركة التي تدر الخير على الجميع. وحيث أن الدولة التونسية تربطها علاقات تاريخية مع جمهورية الصين الشعبية, فإنها ما انفكت في كل فرصة تبدي ترحابها بالتعاون المشترك والمتبادل بين البلدين, ذلك أن العلاقات الصينية التونسية ليست وليدة اللحظة بقدر ماهي علاقات قديمة ومتجددة لها ما يفوق 55 سنة من التعاون في العديد من المجالات, ولعل احياء الدولة التونسية وجمهورية الصين الشعبية للذكرى ال55 للعلاقات الديبلوماسية بين البلدين خير دليل على تجذر العلاقات ومتانتها وعمقها السياسي والاستراتيجي والديبلوماسي, الذي عرف أولى خطوات تأصيله عمليا في سنة 1964 إبان إنشاء السفارة الصينية في تونس التي تلاه انشاء سفارة تونس في الصين في سنة 1973, والذي يدعمه ثناء البلدين على المكاسب التي تم تحقيقها إلى اليوم وسيتم تحقيقها في المستقبل سيما في ظل البحث الحثيث والدؤوب مزيد تبادل الآراء بشأن دعم التعاون الثنائي البراغماتي وفي ظل العلاقات التونسية الدولية التي تعتبر جمهورية الصين الشعبية شريكا استراتيجيا فاعلا ساهم في تقدم العلاقات وزاد من حجم الفرص الثنائية وتكثيفها وفتح أبواب التعاون والتشارك على جميع الأصعدة وفي شتى الميادين والمجالات, خاصة وأن المحرك الأساسي للعلاقات الصينية التونسية إلى جانب الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة التونسية ( وهي ثقافة صينية لا نظير لها في العلاقات الدولية) ثقافة الربح والخير المشترك, الأمر الذي حفز مزيد الاستثمار في البنى التحتية من موانئ الشحن والسكك الحديدية والسدود وزاد في معدلات المبادلات التجارية والاقتصادية لتشهد ارتفاع بنسبة 3.6 بالمئة في السنة, ناهيك عن المجال السياحي الذي عرف تزايد أعداد كبيرة في عدد السياح من الجانبين, بالإضافة إلى ميدان الثقافة الذي عرف في السنوات الأخيرة نشاطات مختلفة جعلت البلدين يمضيان في سنة 2019 اتفاق يتعلق بالموافقة على الاتفاقيةالمبرمة بتاريخ 13 ماي 2017 بين الحكومة التونسية وحكومة جمهورية الصين الشعبية حول بعث مراكز ثقافية الهادفة إلى تحديد إطار قانوني مشترك لبعث مراكز ثقافية يسمح من وراءها لتونس ببعث مركز ثقافي تونسي ببكين ويسمح لجمهورية الصين الشعبية ببعث مركز ثقافي صيني بتونس, زيادة على التعاون في المجال العسكري والأمني خاصة في مجال التكوين والصحة العسكرية وكل ماله علاقة بأمن واستقرار تونس.
شهدت العلاقات التونسية الصينية تقدما وتطورا ملحوظا وشهدت مجالات التعاون مزيد التوسع والتكثف وخرجت الشراكات من طورها الكلاسيكي لتغطي مجالات أوسع وأكبر على غرار التعدين والطاقة المتجددة والصناعات التحويلية ومجالات التكنولوجيا والرقمنة والحوكمة, ويدل هذا التحول النوعي في الشراكات على حجم الثقة المتبادلة بين البلدين, ثقة سياسية متضايفه تجلت في أكثر من موقف بين البلدين, تثبتها مبادئ واضحة وثابته وتدعمها ثقافة التنمية السليمة والمثمرة التي تقوم على أساس الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة بهدف تحقيق النماء والازدهار المشترك والخير للجانبين.
الانطباعات عن جمهورية الصين الشعبية
إن المطلع على الثقافة الصينية وخاصة على ثقافتها الدينية والسياسية, سيدرك أن وصول جمهورية الصين الشعبية إلى تحقيق علاقات مكثفة وتشاركية وتعاونية واستراتيجية مع أغلب دول العالم لم يأتي من عدم ولا هو بضرب من ضروب المصادفة بقدر ما هو نتاج لثقافة تأصل لفكرة أن الدولة هي امتداد للعائلة وهي بمثابة العائلة الكبيرة التي تحافظ على علاقات الود والتحابب والتآخي من الداخل كما الخارج, حيث يصبح الحديث عن هذا التصور السياسي لمفهوم الدول لا مجرد مسألة انطباعية بقدر ما هو مبدأ مؤسس لتصورات دولة الصين لجوهر العلاقات الدولية التي تقوم أساسا على الاحترام المتبادل بين العائلة الصغيرة ومن وراءه العائلة الكبيرة ونقصد هنا علاقات جمهورية الصين الشعبية مع بقية الدول المكونة للمعمورة. بالإضافة إلى ذلك فإن المسألة الايمانية لدى شعب جمهورية الصين مختلفة تماما على بقية الأديان الأخرى, حيث تنقسم المسألة الايمانية إلى ثلاث تكرس كلاهما للأخلاق الانسانية وتهدف إلى تحويلها إلى عملية ممارستية, فالكونفوشتية كما يراها الصينيون تهدف لاصلاح العالم, في حين أن البوذية تنشد تهذيب الروح أما الطاوية فتسعى إلى اصلاح البدن وتتشارك هذه الديانات مجتمعة فكرة الفضيلة والحكم بالفضيلة الأمر الذي انعكس سياسا منذ حكم الأباطرة إلى يوم الناس هذا على السياسات الداخلية والخارجية لجمهورية الصين الشعبية وكرس لمبدأ الدوافع الأخلاقية في كل عملية سياسية داخلية كانت أو خارجية. وما نشهده اليوم من مفاهيم سياسية محملة بقيم الفضيلة على غرار الرابح رابح والتبادل والتعاون والتكافؤ في الفرص والخير والعدل والانصاف, لهي خير دليل على الخلفية الفكرية الثقافية والسياسية والاقتصادية التي تحرك تعاملات جمهورية الصين الشعبية مع بقية دول العالم. و إذ نأمل في هذا الاطار أملا, فسيكون اعادة النظر في علاقات العديد من الدول مع بقية الدول النامية والضعيفة, بأن تكرس الخير بدل الشر والعدل والانصاف بدل الجور والظلم والاحترام بدل الاذلال…