الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

2023/03/20

اعداد: صبرين العجرودي

تتصاعد تساؤلات عديدة حول قدرة بلدان الساحل الافريقي على مواجهة الجماعات الارهابية بعد خروج القوات الفرنسية من ارضيها، الاّ انّ عديد الاطراف المندّدة بالوجود الفرنسي في الساحل الافريقي لا ترى الاّ فشلا ذريعا من فرنسا.

بعد ما شهدته المنطقة من حروب ضد الارهاب، لم تنل الجهود الفرنسية ذلك القدر من الترحيب خاصّة بالتوازي مع تولي المجلس العسكري الذي يقوده الكولونيل “أسيمي غويتا” (Assimi Goita) الحكم في مالي في اغسطس 2020، حيث تعالت عديد الاصوات المحلية الرافضة للوجود العسكري الفرنسي في المنطقة على أنّ فرنسا قد خسرت حربها على الارهاب، بل هناك من اعتبر أنّ الوجود الفرنسي ساهم في تنامي الحركات الارهابية المدعومة من القوى الدولية الرافضة للنفوذ الفرنسي في المنطقة لصراعها حول الهيمنة، لذلك عبّر العديد عن رفضهم  لوجودها  وأنّه من الضروري تدخل أطراف دولية اخرى لإخراج المنطقة من وحل تسعة سنوات تمكّنت خلالهم فرنسا من الهيمنة والاستيلاء على ثروات دول الساحل والصحراء تحت شعار القضاء على الارهاب، أما فرنسا فقد شدّدت على أن روسيا تقف بصفة واضحة وراء هذه الحملات الداخلية الرافضة لتدخّلها في المنطقة حتى تتمكن هي الاخرى من السيطرة .

وقد مثّلت الانقلابات العسكرية المدعومة خارجيا أحد أهم العوامل التي تمّ اعتمادها لإضعاف فرنسا وفتح النفوذ أمامها. بناءً على ما سبق، أعلنت وزارة الجيوش الفرنسية نهاية مهمة الجيش الفرنسي في مالي حيث تمّ الاشارة في بيان أنّ “عملية برخان أعادت تنظيم نفسها خارج البلاد في أقل من سته أشهر” وذلك بعد ما حقّقته من هزائم فادحة في حربها على الارهاب، رأى مراقبون للوضع الداخلي أنّها زادت من قوّة هذه الجماعات الجهادية في مقابل فشل الجيش الفرنسي في المهام المكلّف بها، وهو ما ساهم بقدر كبير في تأجيج الوضع وقيام حملات محلية ضد الوجود العسكري الفرنسي تنادي بأنّ هذا الوجود لا يقف وراءه سوى السعي وراء المصالح الخاصّة.

صفعة جديدة تلقتها فرنسا من بوركينا فاسو

انطلقت أزمة الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل من مالي لكنّها لم تقف هناك، وتوجّهت مباشرة الى بوركينا فاسو التي قدّمت للقوات الفرنسية مهلة شهر حتى تغادر العاصمة واغادوغو، فكان للاليزيه الا ان يوافق على الطلب الوطني لبوركينا فاسو.

اذ طالب المجلس العسكري الحاكم  من الطرف الفرنسي مغادرةالبلاد، في اشارة من المتحدث باسم الحكومة جان-ايمانويل ويدراغو  الى انّ القوات الوطنية ستدافع عن البلاد من العمليات الارهابية، بعد قرار بإنهاء الاتفاق العسكري المبرم بين الطرفين في 2018.

وما حدث في مالي كان قد انطبق على بوركينا فاسو في اواخر عام 2022، اذ حدثت  مظاهرات تتطالب بخروج فرنسا من على اراضيهم لفشلهم في مواجهة الانشطة الارهابية لتنظيم القاعدة والدولة الاسلامية  في 28 اكتوبر وفي 19 من شهر نوفمبر. انطلقت الاحتجاجات بالأعلام الروسية نحو السفارة الفرنسية فيما اتجه جزء منها نحو كامبوينسين الواقعة في الأطراف الشمالية لواغادوغو اين يتمركز 400 جندي فرنسي في قوة “سابرغ”. وأسفرت هذه المظاهرات عن حرائق قام بها المتظاهرون في السفارة الفرنسية والمعهد الفرنسي الواقع في بوبو ديولاسو.

يمكن اعتبار ان هذه التحركات التي قامت في بوركينا فاسو مدفوعة بالدعم الروسي وكانت متمحورة خصوصا حول الحد من النفوذ الفرنسي الذي تطغو عليه المصلحة الخاصة في مقابل فتح الباب للقوات الروسية، خاصّة أمام الفشل المحرز في مواجهة الجماعات الارهابية والذي مثّل الجدار الرئيسي التي اتكئت عليه الاطراف الرافضة للوجود الفرنسي في منطقة الساحل والصحراء. وامام تزايد العمليات الارهابية  وتنامي عدد المدنيين المنظمين للجماعات المتطرّفة وارتفاع عدد الضحايا، توصّل مراقبون الى انّ الوجود الفرنسي لم يعد له أي داعي وانّ استمرار وجودها في المنطقة ليس من شأنه الاّ ان  يخدم مصالحها وليس مصلحة البلاد.

في هذا السياق، أشارالباحث السياسي الفرنسي “ريمي كارايول” الى انّ فرنسا تدفع ثمن السياسة السيئة التي تعتمدها في الساحل الافريقي، حيث انّها في البداية تحالفت مع منظمات مسلحة محلية (دورها محاربة الجماعات الارهابية) وذلك ما ادّى بدوره الى احتداد المعارك وارتكاب جرائم كثيرة.

واضاف الباحث أنّ “علاقة عمليات فرنسا العسكرية في الساحل والفكر الاستعماري وثيقة، حيث ان المؤسسة العسكرية الفرنسية بنت تصورها للعمليات على إدامة الوجود الفرنسي في المنطقة عبر خلق مشاريع اقتصادية واجتماعية تحبّب الناس بفرنسا والفرنسيين، وتضمن حماية المصالح الفرنسية”، والمقصود بذلك أنّ الفكر الاستعماري الفرنسي لازال يسم سياساتها في القارة الافريقية وانّ بطاقة الدخول هي القضاء على الجماعات الارهابية، كان ذلك بطبيعة الحال بالتوازي مع وسائل اخرى (مشاريع اقتصادية واجتماعية) ضنّت فرنسا أنّها ستجعل منها طرفا مرحّبا به في الساحل الافريقي، الاّ أنّ ذلك لم يعد عليها الاّ بنتائج عكسية جعلت الوجود الفرنسي أمرا مرفوضا من السلطات الوطنية في الساحل الافريقي.

كما تمّ الاشارة الى انّ تحركات الجماعات الارهابية على غرار الظهور الاخير لزعيم “إياد أغ غالي” زعيم تنظيم القاعدة فرع مالي اثبتت تحركات هذه الجماعات بسهولة تامّة وعجز فرنسا عن السيطرة عليها.

مثّل سوء ادارة الازمة في دول الساحل والصحراء عاملا مهما في جعل فرنسا تفقد مناطق نفوذها وفي تكوّن موجة شعبية رافضة لها، الاّ انّه لا يمكن التغاضي عن الاطراف الدولية ذات المصالح المتضاربة مع فرنسا والتي ترا في هيمنة الاخيرة تهديدا لمصالحها وتغولا داخل القارة الافريقية، وهو ما يندرج بقوة مع روسيا التي سارعت الى تغطية الفراغ الذي خلّفته فرنسا في مالي، الى جانب توسّعها في مناطق اخرى غرب افريقيا على غرار بوركينا فاسو وتشاد والنيجر.

وقد أوضح الباحث في الشؤون السياسية أيمن البوغانمي أنّ “الوضع في افريقيا عموما صعب أولا هناك عبء تاريخي يتمثل في عبء السمعة السيئة التي تحملها الشعوب الافريقية لوجود فرنسا وتاثيرها في صناعة القرار فيها، فهذه الشعوب تعتبر أن فرنسا مسؤولة عن فشل الأنظمة التي حكمتها في مالي أو بوركينا فاسو أو غيرها من الدول أي أنّ هناك عبئا ثقيلا”.

واضافة منه على التوسع الروسي في الساحل الافريقي اشار الى انّه سيكون هناك “اغراء تعويض الوجود الفرنسي بالوجود الروسي بمعنى ان روسيا أصبحت لديها ذراع فاغنر التي تقدم نفسها للأنظمة السياسية الحاكمة في هذه البلدان على أنها تملك من القوة ما يمكنها من تامين هذه الأنظمة وأن توفر لها الخدمات التي كانت تلجأ فيها الى المستعمر الفرنسي السابق. هذا الاغراء الذي يقدمه ذراع روسيا (فاغنر) يغري الكثيرين في هذه البلدان بخاصة التي شهدت انقلابات عسكرية.

في نفس السياق، أشار الباحث الى انّ مصير نفوذ روسيا في افريقيا محكوم بنتائج حربها ضد اوكرانيا والتي اذا كانت سلبية ستؤثر بدورها على تمددها في دول الساحل والغرب الافريقي.

لكن كيف يمكن ان نصف تأثير وجود قوات فاغنر في الساحل الافريقي؟ وكيف يمكن تحديدا وصف الوضع الأمني هناك ؟

تراجع نسبي في العمليات الارهابية

تسعى روسيا الى اثبات تفوّقها على فرنسا في منطقة الساحل والصحراء، والمتوقع في هذا الاطار هو سعيها لسد الفشل الذي خلفه الوجود الفرنسي، حيث تبذل قوات فاغنر جهدها في محاربة الجماعات الارهابية المسلحة ويندرج ذلك في اتفاق كان قد نص على تدريب القوات المسلحة في البلدين وقيادة فرق اخرى خاصة لمحاربة الارهاب في المناطق المضطربة.

اشار مراقبون للوضع الأمني في دول الساحل الافريقي الى تراجع ملحوظ في عدد العمليات الارهابية في المنطقة مقارنة بالفترات السابقة، ما ادّى الى بروز شكوك عديدة حول اسباب تنامي العمليات الارهابية بالتوازي مع الوجود الفرنسي ونقصانها مع عمل قوات فاغنر، خاصّة وانّ هذه الجماعات كما تمّ الاشارة لم تفقد قوتها وسيطرتها على المناطق التي لازالت تسيطر عليها.

تقف عديد الاحتمالات وراء تراجع العمليات الارهابية في دول الساحل والصحراء:

أوّلا: قدرة فاغنر على السيطرة على الوضع الامني في المناطق التي تسيطر عليها.

ثانيا: وجود اتفاقيات سرية بين اطراف مالية داعمة للوجود الروسي في الساحل وبين الجماعات الارهابية، مقابل دعمها لها (الجماعات الارهابية) في فترة الوجود الفرنسي للتخلص من فرنسا من أجل اثبات فشلها في القيام بدورها في مواجهة الارهاب في المنطقة. ويأتي ذلك في اطار سعي روسيا الى اثبات انّها أكثر جدارة من فرنسا في كبح جماح الجماعات المتطرفة في وقت وجيز.

ثالثا: قد يتعلّق ذلك بالجماعات الارهابية في حد ذاتها، اذ يمكن ان تكون هذه الاستراتيجية سابقة لمخطّط خطر قد يتحقق في الفترات القادمة نظرا في انّ وجود فاغنر يرعب هذه الجماعات أكثر من فرنسا.

رابعا: يمكن اعتبار انّ الاطراف الخارجية الرافضة للوجود الفرنسي في افريقيا كانت تؤجج الوضع الامني ضدها حتى تسرّع في خروجها، وانخفاض عدد العمليات الارهابية هو نتيجة خروجها من الساحل الافريقي.

ربما يمكننا القول انّ تراجع العمليات الارهابية يبدوا امرا مريحا ومثيرا للقلق في الآن نفسه، نظرا في انّ العدد القليل لقوات فاغنر لا يغطي المناطق التي كانت فرانسا تطارد فيها الجماعات الارهابية ومع انخفاض هذه الهجمات يبدو الأمر مثيرا للغموض ومحيلا لعديد الشكوك التي تتمحور حول امكانية وجود صفقة أو غاية معيّنة.

By amine