الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

فاتن الجباري.. باحثة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس

تقديم

ربّما يعدّ حدثا استثنائيّا أن تفتح الحنفيّة في بعض أيام الصيف، فلا يتدفّق الماء… تلك هي الصورة المرعبة التي حذر منها الخبراء والعلماء  و الباحثين بخصوص واقع ازمة المياه.  فلأشد ما ارقت ندرة المياه الفلاح و المواطن وحيرت المهندسين لكن الاهم و الاصعب اليوم هو هدرنا السادر لما بدأ يخبو من عيوننا وقد اوشكنا على شفا الخطوط الحمراء من ثروتنا او ما تبقى من مخزوننا . هذا ونحن نقود غمار الزمن في حرب مميتة لنا ولأجيالنا القادمة، حرب عنوانها “العطش”. بعد سنوات عجاف طال امساك غيثها انحبس فيها القطر وآن الأوان لنستفيق بأن الماء هو رهن حياتنا فوق اديم الارض. 

هدر المياه في تونس و الاستغلال العشوائي لمخزوننا و سوء التصرف و الاستيلاءات و فوضى حفر الابار دون مضابط هي معطلات واسباب جعلت تونس تصنف رسميا من بين الدول التي تقع تحت خط الفقر المائي حيث أن  75 بالمائة من التراب الوطني مهدد بالتصحر وذلك بسبب قلة هطول الامطار حيث تمر تونس بسنة جافة كل 3 سنوات وهي ظاهرة تؤثر بشكل خطير على الانتاج الفلاحي في الزراعات الكبرى و تربية الماشية  بمقابل تطور مؤشر النمو الديمغرافيللسكان وبالتالي فان خيرات تونس نراها تتبخر وأمننا الغذائي بات يضيع دون ان يكون لتونس موقف حازم وجرئ تجاه هذه الثروة الانسانية التي نفقدها يوما بعد يوم  .

و بالمقارنة مع دول الجوار تقع تونس على شفا خطورة قاتلة ومميتة هي كابوس ال5 مليون متر مكعب بالمقارنة مع كل من المغرب التي لديها احتياطي يقدر ب 30 مليون متر مكعب ثم الجزائر بنسبة تناهز 20 مليون متر مكعب هذا وأصبح التونسيون في بعض المدن يتعايشون على مضض مع هذا الواقع المليء بالمتناقضات… اذ ان تطبيق الحلول تبقى رهينة الإرادة السياسية الغائبة والبصيرة الاستشرافية المنعدمة.

تشير أحدث أرقام الأمم المتحدة بشأن الأمن المائي في المنطقة العربية وشمال افريقيا ، إلى أن 17 دولة في العالم العربي من أصل 22 توجد حالياً على خط الفقر المائي، من بينها 12 دولة ترزح بالفعل “تحت خط الفقر المائي المدقع”، فضلاً عن تهديد شبح الجفاف.

كما تقول كذلك أحدث أرقام منظمة الأغذية والزراعة الأممية (الفاو) إن “نصيب الفرد الواحد من المياه العذبة في المنطقة العربية يبلغ فقط 10 في المئة من متوسط استهلاك الفرد عالمياً يقدر بـ1000 متر مكعب سنوياً الا وان تونس ترزح تحت رقم كارثي بمعدل مابين 320 و400 متر مكعب سنويا .

وفي إحصاءات البنك الدولي، تشير الأرقام إلى أن أكثر من 60 في المئة من سكان المنطقة يتركزون في الأماكن المتضررة من الإجهاد المائي الشديد أو الشديد جدا ومن بينهم تونس وفيما تخيم أجواء الصراعات السياسية على مصادر المياه الرئيسية في المنطقة كما هو الحال في مصر والسودان الأزمة مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، وقلة مناسيب المياه التي باتت تضرب كلاً من العراق وسوريا على خلفية السدود التركية على نهرَي دجلة والفرات، فضلاً عن المناخ القاحل تكثر الأسئلة حول أي مستقبل ينتظر الدولة التونسية المهددة بالعطش ووصولها إلى مرحلة ما دون الفقر المائي؟، وأي دور يمكن أن تلعبه التكنولوجيا في حماية الأمن المائي الوطني امام ما بات يعرف بـ”التجارة في المياه الافتراضية” و التجارب المتقدمة؟

فهل أنّ اعتبار تونس بلدا فقيرا مائيّا هو حقيقة يجب التسليم بها، أم أنّ الاحتياجات المائيّة الاقتصادية والبشريّة أكثر بكثير من الإمكانيات الموجودة والبلاد غير قادرة على تعبئتها ؟

أولا: مؤشر الماء في تونس يدق ناقوس الخطر

تحتوي البلاد التونسية على  أكثر من 1200 وحدةٍ مائية موزعة كالآتي: 37 سداً واكبرها سد سيدي سالم الذي يقع على ضفاف مجردة وهو اكبر خزان مائي بالبلاد التونسية ، 258 سداً جبلياً، و913 بحيرةً جبلية، بالإضافة إلى 19 محطةً لمعالجة المياه، و15 محطةً لتحلية المياه الجوفية، ومحطةً واحدة لتحلية مياه البحر في حين يبغ طول شبكة توزيع المياه أكثر من 55 ألف كيلومتر. وبخصوص نصيب كل قطاع تستأثر الفلاحة بـ 80 في المئة من المياه ، والصناعة بـ 5 في المئة، والسياحة بـ 2 في المئة، وتذهب البقية – 13 في المئة – للشرب والاستعمال المنزلي. بينما تثبت التقارير المنجزة و أن 57 في المئة فقط من التونسيين يحصلون على مياه الشرب ، بينما لا يزال 650 ألف شخص لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب في بيوتهم، معظمهم يقطنون المناطق القروية والريفية.

 و اذ تعد وزارة الفلاحة الفاعل الرئيسي في إدارة المياه في تونس، أساساً عبر شركة استغلال قناة وأنابيب مياه الشمال، والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والديوان الوطني للتطهير وإدارة الهندسة الريفية ومجامع التنمية الفلاحية والإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى تبدو المائدة المائية في تونس على شفا سيناريوهات كارثية .اهمها وصول تونس الى المستوى القياسي لانخفاض السدود في تاريخ البلاد التونسية بحسب مؤشرات الماء العالمية .

أزمة المناخ العالمية وتراجع المائدة المائية

جمِع التقارير المتعاقبة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ على تقديم حالة بحث علمي تَنسِب فرضية ارتفاع حرارة الغلاف الجوي إلى انبعاث الغازات الدفيئة (الغازات المسببة للاحتباس الحراري) الناجمة عن الأنشطة البشرية. يولّد هذا الارتفاع في درجات الحرارة بدوره تغيّراً مناخياً أضحت تداعياته ملموسة بالفعل، لكن تأثيره يختلف بين مختلف أنحاء الكوكب وإذا استثنينا المناطق القطبية والمناطق الجبلية العالية، فإنّ منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط هي الأكثر عرضة للاضطرابات المقبلة.

مستوى التوتّر المائي الذي بلغته تونس ، والذي سبق استشرافه منذ بداية الألفينيات حسب الدراسات : لم يقع ترجمته إلى قلق سياسي حيث رغم المخطّطات الاستراتيجيّة ومخططات العطش والجفاف” التي أجرتها الجهات الرسمية ورغم التحذيرات المتعاقبة وارتفاع مؤشّرات الخطر تستمرّ سياسات الدولة وخيارات مؤسّساتها في التعامل مع المسألة بشكل سطحيّ او اقتصادي ، ضاربة على الحلقة الأضعف في سلسلة الماء، وهي المستهلك بتحميله عبء فاتورة الهدر المائي.

ووفقا للمعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس فان البلاد التونسيّة تتميّز بمناخ نصف جافّ، مع فوارق شاسعة في التساقطات تتراوح معدّلاتها أحيانا بين أكثر من ألف مليمتر في بعض مناطق الشمال إلى أقل من 100 مليمتر في الجنوب سنويّا ولكنّها تعدّ من أكثر المناطق المتوسّطيّة شحّا في المياه وبحسب التقرير الوطني للمياه لسنة 2020 تصنّف تونس عالميّا في خانة القلق المائي بمعدّل حاجة للفرد 420 متر مكعّب لسنة 2020 كما تقدّر الاحتياطات المائيّة في تونس بحوالي 5 مليارات متر مكعّب (قدّرت في 1996 بـ4630 مليار متر مكعّب وهي الأضعف في منطقة المغرب الكبير) أغلبها في خزّانات، سواء كانت مياها جوفيّة أو سطحيّة وتتراوح نسب توفّر المياه السطحيّة بين 49% بالشمال، ثمّ 33% في الوسط، و18% بالجنوب، فيما بلغ مستوى الاستهلاك أكثر من 117% وتمثّل جملة هذه الموارد حوالي 58%.. أمّا المياه الجوفيّة وهي موارد غير متجدّدة، فيقدّر مخزونها بحوالي 1400 مليار متر مكعّب، يتركّز أغلبها (60%) في الجنوب، ويبلغ مستوى استهلاكها حوالي 120%. منذ العام 96 .  هذه النسب التي سجلت تراجعا عاما  ليس مردها فقط ازمة المناخ العالمي بل هي راجعة ايضا الى  سوء التصرف في الموارد التي بقيت متاحة و الضغط على استنزاف موارد مائية غير متجددة خاصة و ان تونس لا تمتلك بعد خارطة طريق واضحة تمكننا من تجاوز الازمة ككل وخاصة منها منظومة السدود المهترئة بتونس .

ثانيا : السدود التونسية المزود رقم واحد للماء في حالة اهتراء كلي

تفقد السدود حوالي 20% من قدرتها التخزينيّة بسبب الترسّبات وضعف الصيانة، بحسب مركز الأبحاث وتكنولوجيات المياه بتونس وعلى سبيل المثال فإنّ سدّ سيدي البرّاق، الذي يعدّ من أهمّ السدود التونسيّة، بلغ حجم مياهه المهدورة في البحر منذ إنشائه سنة 2002 إلى حدود 2016 ما قيمته 3.5 مليار متر مكعّب، حسب المعطيات التي استخلصناها من بيانات الإدارة العامّة للسدود والأشغال المائية.

وحسب بيانات الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى التابعة لوزارة الفلاحة ، يقدّر المخزون العام للسدود بـ718.761 مليون متر مكعب، مسجّلا تراجعا بالمقارنة مع متوسّط السنوات الثلاث الأخيرة ( نحو1258.821) مليون متر مكعب، بفارق -540.060 مليون متر مكعب و هو أمر جد مقلق.

تمرّ الأراضي الفلاحية السقوية العمومية بأسوأ فتراتها خلال السنوات الأخيرة وخاصّة منها تلك التي تمتد على الوسط والساحل وذلك بسبب قلّة الأمطار ونقص المياه ونضوب السدود وخاصة سد نبهانة، الذي يعتبر المزوّد الرئيسي لولايات سوسة والمنستير والمهدية والقيروان.

بضعة أرقام مفزعة تدقّ نواقيس الخطر فمن المتوقّع أن ينخفض الاحتياطي العام من المياه الجوفيّة القابلة للتجدّد من 1524 مليون متر مكعب حاليّا إلى 1000 مليون سنة 2050، أي نصف الموارد الحاليّة.

هذه الفاتورة الثقيلة التي يدفع ثمنها حاليا المواطن وستواصل دفعها الأجيال القادمة سيفاقم من ثقلها حجم التلوّث الذي يسمّم الموارد المائيّة سطحيّة منها أو جوفيّة، وهو ثقل يصعب تقييمه بالأرقام نظرا لغياب الدراسات الشاملة حول هذا الموضوع ويشهد أوجه في المناطق الصناعيّة المنتشرة على طول الشريط الساحلي للبلاد التونسيّة إضافة إلى ارتفاع نسبة الملوحة في المياه الجوفيّة نتيجة شطط الاستغلال، ما يجعلها غير صالحة للاستهلاك على المدى القصير والمتوسّط هذا الامر يوجب الضغط على سلط الاشراف في وقت عاجل واكيد  حتى يتم اتخاذ خطوة وموقفا جريئا بان تجوب عرض البلاد التونسية بحثا عن كل قطرة ماء تدخرها في صالح المجموعة الوطنية .

–         شبح العطش يلاحق أكثر من 300 الف مواطن تونسي .

بينما كان معدل نصيب جيل التونسيين خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي نجده يناهز الألف متر مكعب سنويا وهو معدل كانت تعتز به البلاد التونسية في أعلى مؤشرات الامن البيئي و الغذائي العالمي مقارنة بدول عظمى الا واننا اليوم اصبحنا نقبع تحت وطئة ادنى منحدرات النسب المائية عن ما يناهز 320 متر مكعب للفرد الواحد وهو امر مؤلم جدا .

حدد انقطاع المياه بحسب أرقام وزارة الفلاحة  من 14 ألف انقطاع في السنة إلى حدود 24 ألفاً في السنوات الأخيرة، ف 62 في المئة من تجهيزات الشبكة متهالكة، ولا يمكن ضخ المياه في الأماكن المرتفعة .

خلال سنة  2022 تبرز صور فيديو موثقة بتونس في شأن صعوبة التزود بالماء الصالح للشرب إلى درجة أن الفيديوهات تذكر بعهود خالها التونسيون انتهت من استعمال الدواب لجلب الماء او استهلاك الماء الملوث من بعض المجاري  كما يشكو أكثر من 300 ألف مواطن في تونس من غياب الربط بالماء الصالح للشرب هذا وتتفاوت نسب الربط بين جهات البلاد حيث تتراوح النسبة بين 28 في المئة و44 في المئة في ولايات الوسط الغربي، في حين تصل إلى 100 في المئة في العاصمة والجهات الساحلية بحسب المرصد التونسي للمياه.

كثيرة هي المناطق التي تعاني  من العطش تتركز معظمها  بأرياف الشمال الغربي على غرار ولايات الكاف و جندوبة و سليانة  و الوسط منها القصرين وسيدي بوزيد  فعلى سبيل المثال القيروان وقفصة سكان هذه المناطق الذين يصل عددهم إلى ما يقارب 300 ألف، بحسب ما ورد في التقرير الوطني لقطاع الماء 2020 الصادر عن وزارة الفلاحة، يعتمدون طرقاً بدائية في الحصول على المياه عبر جلبها من مصادر طبيعية غير آمنة على ظهور الحيوانات.كما أن عديداً من المناطق من شمال البلاد إلى جنوبها تعاني الغياب الكلي للماء، وانقطاعات تصل حتى سنوات متتالية على غرار ما عاينه قسم العدالة البيئية في منطقة السقدود من معتمدية الرديف من ولاية قفصة حيث هناك شح في المياه منذ أكثر من 6 سنوات.

ثالثا: شبكة ربط المياه وأزمة الصيانة و التزويد

في ظلّ تقاعس الدّولة في تنفيذ الحلول المقترحة وتهرّب الشركات المعنيّة من مسؤوليّاتها الاجتماعيّة، وارتفاع كلفة الإصلاح الشامل لمنظومة المياه، يبدو أن صرخة العطش سيتردّد صداها .فبالنسبة الى المياه المهدورة في قنوات التوزيع التابعة للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه فتناهز الـ30% وتتجاوز 40% في قنوات الريّ الزراعي، حسب التقرير الوطني للمياه فبالإضافة إلى ارتفاع عدد السيّاح الذي يشكّل، ضغطا إضافيّا على الموارد المائية، فانّ النزل والمنشآت السياحية الكبرى لا تهتم لكيفيّة استعمال الماء.

جانب آخر لهدر الموارد المائيّة وسوء التصّرف فيها، يتمثّل في الاستغلال المشطّ للموائد المائية العميقة والسطحيّة فإلى جانب سوء التصرّف في موارد الموائد المائية السطحيّة التي يتعرّض 31% من مجموعها لاستغلال مشطّ يبلغ نسبة 110%، وتسجّل خسارة جمليّة بقيمة 265 مليون متر مكعّب سنويا، فإنّ المياه العميقة يتمّ استغلالها بمعدّل سنوي يقدّر بـ1844 مليون متر مكعّب أي سيلان افتراضي مقدّر بـ 58441 لتر في الثانية، ما يعادل مستوى استغلال بنسبة 129% مع العلم أنّ المعدّل العام للمياه الجوفيّة قليلة الملوحة تمثّل فقط 15% من الاحتياطي المائي الجوفي.

ويبلغ طول قنوات تزويد المياه الصالحة للشرب حسب الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أكثر من 47 ألف كيلومتر، و قرابة 40% منها يتجاوز عمرها 29 سنة، و17% يتجاوز الـ49 سنة، الأمر الذي يضعف بشكل كبير فعاليّتها، خاصّة مع التباطئ الكبير في التدخّل وتواتر حالات التلف والتكسير ، ما يساهم بشكل جليّ في إهدار الماء المنقول عبرها.

ورغم عدم وجود دراسات جدّية حول جودة المياه الصالحة للشرب في تونس، إلاّ أن الملاحظة العامّة تشير إلى تردّي نوعيّة المياه الموزّعة من قبل الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بهدف الاستهلاك المنزلي، وعدم صلوحيّتها للشرب الأمر الذي يعكسه حجم الاستهلاك الوطني للمياه المعلّبة، حيث تتبوّء تونس رغم مساحتها الصغيرة، المرتبة الرابعة عالميّامن حيث استهلاك المياه المعدنيّة.

لكن من المفارقات أنّ مناطق التركّز الأبرز لوحدات إنتاج المياه المعدنيّة، يعاني سكّانها من العطش، ومن الانقطاعات المتكرّرة والطويلة للتزوّد بالمياه، على غرار منطقتي القيروان (الوسط) والساحل. حيث ومن المتوقع وان  تتصدر ولايات الساحل (سوسة والمنستير والمهديّة) مؤشّر العطش لسنة 2023 الذي يعدّه سنويّا المرصد التونسي للمياه،و ذلك من خلال تسجيل 77 إشكالا متعلّقا بالمياه من أصل 182 تبليغا. فيما بلغ الأمر بسكّان منطقة العلا من ولاية القيروان خلال شهر جويلية الفرط إلى غلق الطريق احتجاجا على حرمانهم من الماء، حيث تعاني مختلف مناطق القيروان من فقدان الماء رغم وفرة السدود والمنابع والآبار الجوفيّة.

رابعا: عدد الابار العشوائية أكثر من 20 ألف ؟

 بلغ حجم استخراج الماء عبر الآبار المرخّصة 1324 مليون متر مكعّب (عدد الآبار المرخّصة 13322) سنة 2019، فيما يقدّر الاستغلال السنوي للآبار غير المرخّصة بحوالي 519 مليون متر مكعّب أي أكثر من ثلث استغلال الآبار المرخّصة (يقدّر عدد الآبار غير المرخصة بحوالي 19 ألف وتشهد أوجها في الجنوب التونسي بنسبة 81.5%). استنزاف المائدة المائية كما أن أزمة المياه أسهمت في استنزاف المائدة المائية في البلاد نتيجة تنامي الاستهلاك مقابل تراجع مستمر للمخزون المائي. وارتفع عدد الآبار العشوائية إلى أكثر من 20 ألف بئر مع مواصلة وزارة الزراعة دعمها لتوسعة المناطق السقوية وللمنتوجات المستنزفة للماء والمعدة للتصدير، وفق تقارير من المجتمع المدني.

قضية الجمعيات المائية

لا يمكن أن نتعرّض لسوء إدارة ملفّ المياه دون التعريج على الجمعيّات المائية التي تعاني مشاكل جمّة على مستوى سوء التصرّف والمديونية المشطّة تجاه الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والشركة التونسية للكهرباء والغاز. فقد بلغ عدد الجمعيات المائية سنة 2020، حسب التقرير الوطني للمياه 2694 جمعية مائية تزوّد 1.546 مليون ساكن وحوالي 229 ألف هكتار من الأراضي الزراعية المرويّة أي قرابة 80% من مساحة الأراضي السقوية و 80  في المئة من المياه في تونس تحت تسيير الجمعيات المائية، فهل يعقل أن تسير الثروة المائية في تونس من طرف جمعيات ينشط بها متطوعون، ولا محاسبة فيها حيث تبلغ حاليّا ديون الجمعيات المائية لدى الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه 1.5 مليون دينار بما يعكس غياب مراجعة جدّية لحوكمة الجمعيّات المائيّة التي تنشؤها المجالس البلدية ، وخطّة ناجعة لإصلاح هذا القطاع، يجعل من هذه المعالجة وقتيّة وغير ذات جدوى على المدى المتوسّط والطويل.

هذا هو الوضع العامّ لقطاع المياه وتشخيص أزمته، نخلص منه إلى أنّ سوء التصرّف وغياب الحوكمة في خضم عدم توفر الثروات الطبيعية و الامكانيات اللوجستية و سياسة الانتهاك الصارخ الذي يرتقي احيانا الى حجم الجريمة بيل هي جريمة في حالها في عملية اغتصاب وسرقة لثروة مهدورة في زمن الفقر المائي هي مسؤولية تتحملها الدولة و المواطن معا منذ ستينات القرن الماضي تجاه هذه الثروة الحيويّة، هي الحلقة المركزيّة في سلسال العطش، كذلك الاستهلاك المفرط و الضغط المشط و المجحف في حق هذه الثروات دون وعي بخطورة الوضع،  حيث في سنوات الجفاف يبلغ حجم الاستهلاك ما بين 700 و800 مليون متر مكعب في إطار الاستهلاك المنزلي، وأن شح المياه يأتي من سوء الحوكمة، والمواطن يواصل تبذير المياه، فضلاً عن التراجع الكبير لجودة المياه التي توزعها الشركة في تونس ناهيك انّ ندرة وشحّ الدراسات العلميّة المنجزة حول قطاع المياه تجعل الدولة في حالة حيرة كبيرة للحفاظ على مورد طبيعي هام سواء على مستوى التصرف او الاستغلال او التعديل بين المناطق التي لا يصلها شريان الحياة بل ان الكثير من هذه المشاريع بقيت رهينة منظومة فاسدة عبثت بها و بالأموال المرصودة اليها خلال العشرية التي مضت و هو ملف حان الوقت للكشف عن ملابساته ومحاسبة كل من كان يتلاعب بقوة اجيال واجيال .

التوصيات :

إن الدولة التونسية مطالبة بمراجعة سياساتها المائية، وبأن تقوم بتقوية الإنتاج الفلاحي عبر إرساء خطة للعناية بالسدود، خاصة في ظل تراجع انخفاض معدلات تساقط الأمطار، وسط المخاوف من مواجهة الجفاف.حيث لا يزال آلاف التونسيين إلى اليوم محرومين من حقهم في الماء الصالح للشرب ومن خدمات الصرف الصحي، وهو ما يعد  انتهاكاً صارخاً لحقوقهم الكونية، مثل الحق في الصحة وفي العيش الكريم فالتونسيين يعيشون “تحت خط الفقر المائي، إذ لا يتجاوز نصيب الفرد 400 متر مكعب سنوياً، وهي كمية أقل بكثير من 1000 متر مكعب في السنة الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية .

كما يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنها تكمن في الاستثمار في أساليب مبتكرة لرفع مستوى الموارد المائية لتلبية الطلب المتزايد باطراد عليها، لا سيما في استخدام الموارد المائية غير التقليدية ومن بينها تحلية مياه البحر، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، واستجماع مياه الأمطار، الاستمطار الصناعي، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي للري.

كما توصي الأمم المتحدة كذلك، بانتهاج “الحوكمة المائية”، الممثلة في قضايا العدالة والشفافية، والمساءلة، والاستدامة البيئية والاقتصادية، التي تضمن ممارسات فعالة في مجال إدارة الموارد المائية عبر إعادة توجيه السياسات المائية، وإصلاح المؤسسات القائمة عليها، وتعزيز الوعي والتثقيف، ووضع الاتفاقيات المائية الدولية، وربط السياسات بعمليات البحث والتطوير، بهدف إلى بناء القدرة على الصمود تجاه الصدمات والأزمات الممتدة.

كما يجب على الدولة فتح الباب امام المتخصصين لإنجاز دراسة علمية وطنية وبحثية حول أزمة المياه وسبل النهوض بحوكمة الموارد من أجل تحقيق العدالة المائية وتكريس الحق في الماء، كما يضمنه الدستور وكل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. وينتظر من هذه الدراسة الوطنية  أن ترصد واقع التصرف في الموارد المائية في تونس اليوم، وتقدم قراءة نقدية تسلط الضوء على أهم الإشكاليات المتعلقة بهذا القطاع، وأسباب فشل سياسات الدولة وخياراتها. كما ستمكن من كشف تداعيات أزمة العطش على المجالات البيئية والاقتصادية والاجتماعية وعلى القطاع الفلاحي والأمن الغذائي.

في هذا الخضم ، نص دستور الجمهورية التونسية توفير الماء حق أساسي للإنسان له علاقة مباشرة بحقه في الحياة ، علاوة على أنه حق دستوري واجب على الدولة توفيره ، حيث نص الفصل الثّامن والأربعون من دستور 2022  أنه ” على الدّولة توفير الماء الصالح للشّراب للجميع على قدم المساواة، وعليها المحافظة على الثّروة المائية للأجيال القادمة. ” ولهذا يتوجب على السلطة التنفيذية وكل المتدخلين في الشأن المائي إلى إعلان:

خطة طوارئ لإنقاذ الموسم الفلاحي أولاً ، و الوقوف على المشاكل الهيكلية للقطاع و تحديث السياسة المتبعة وجعلها متماشية مع التغيرات المناخية و التطور الديموغرافي لتونس . كذلك إفراد قطاع المياه بوزارة خاصة لما للماء من أهمية على مستوى الأمن القومي للبلاد  ثم  وضع حد لظاهرة الحفر العشوائي للآبار باعتبار أن المياه الجوفية ملكا عموميا يجب المحافظة على استدامتها ضمانا لحقوق الأجيال الحالية والقادمة.  وتشريك منظمات المجتمع المدني التي تشتغل على موضوع المياه ضمن لمبادئ الشفافية والتشاركية بإعتبار أن المياه شأن وطني له إنعكاس على المواطن التونسي الذي يتكبد من جهة التدهور المائي و كذلك إرتفاع أسعار المياه المعلبة  علاوة لا  تحوير مشروع مجلة المياه بما يجعلها قادرة على حل المشاكل المائية في بعدها الإجتماعي  والمواطني ، عدم اقتصارها على البعد الربحي.

المصادر :

وزارة الفلاحة و الموارد المائية

المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس

المعهد الوطني للبحوث في الهندسة الريفية و المياه

المعهد الوطني للزراعات الكبرى

المرصد التونسي للمياه

منظمة الامم المتحدة

مؤشرات البنك الدولي

By amine