الجمعة. ديسمبر 27th, 2024
French President Emmanuel Macron (L) talks with Algeria's President Abdelmadjid Tebboune (R) at Algiers airport, in Algiers, on August 27, 2022. - Emmanuel Macron is on a three-day visit to Algeria aimed at mending ties with the former French colony, which this year marks its 60th anniversary of independence. (Photo by Ludovic MARIN / AFP)

صبرين العجرودي: باحثة في علم الاجتماع

لم تكن العلاقات الفرنسية الجزائرية في احسن حالاتها في السنوات الماضية، حيث لعبت العديد من القضايا والاحداث العالمية دورا بارزا في توتير العلاقة بين البلدين ذلك الى جانب تضارب المصالح وتنافرها، ومن اهم القضايا التي لعبت دورا محوريا في خلق ازمة بين البلدين، هو ملف الذاكرة وما الى ذلك من جرائم قامت بها فرنسا في حق البلد الجزائري في الحقبة الاستعمارية، حيث تمّ مطالبة فرنسا بتقديم اعتذار رسمي يدشّن انطلاقة جديدة  للعلاقة بين فرنسا والجزائر.

المصلحة المشتركة تطغوا على الخلافات

شهدت الأشهر الفارطة نوعا من الانفراج في العلاقة بين البلدين، حيث قام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 25 من اغسطس من العام الماضي بزيارة الى الجزائر، كانت الغاية منها انهاء الخلاف وفتح صفحة جديدة، حيث تزامنت زيارة الرئيس الفرنسي مع ذكرى انتهاء الحرب مع الجزائر واستقلالها في عام 1962. وتتميّز هذه الخطوة بنوع من الرمزية التي تسعى بها فرنسا لكسب الطرف الجزائري الذي لم ينسى الماضي الاستعماري الأليم وعدد الشهداء الجزائريين الذي وقعوا ضحايا جرّاء الحرب على الجزائر.

نذكر انّ زيارة ماكرون في اغسطس تعد الثانية من نوعها، بحيث حدثت الزيارة الاولى في عام 2017 بداية ترأسه فرنسا، الاّ انّه بعد ذلك قام ماكرون بتصريحات أجّجت الغضب الجزائر ومسحت عليه رماده في سبتمبر 2021، حيث انّ الجزائر لم تنسى ما اقترفته فرنسا وكانت بانتظار أي مبادرة تعيد بها فرنسا الاعتبار لها سواءً بالاعتذار او الاعتراف بجرائمها .. الاّ ان تصريحات الرئيس الفرنسي كانت صادمة نوعا ولم تساهم الا في تعميق الازمة حيث انتقد النظام الجزائري وشكّك في وجود امة جزائرية قبل الاستعمار.

قامت الجزائر بردّة فعل على خلفية الاستفزاز الفرنسي، حيث حظرت مرور الطائرات العسكرية الفرنسية عبر اجوائها التي تعد منفذا لدى فرنسا للدخول لمنطقة الساحل الافريقي. الاّ انّ هذا التوتر لم يستمر طويلا، وشهدت العلاقات تحسنا بصفة تدريجية بعد زيارات قام بها رئيس خارجية فرنسا وبعد تهنئة الرئيس الجزائري تبون الرئيس ماكرون بولايته الثانية لفرنسا.

من المؤكّد انّ العلاقات الدولية تحكمها المصالح المشتركة والمتبادلة، لذلك فانّ المساعي الفرنسية كانت مكثّفة في استرجاع العلاقات مع الجزائر في ذلك الوقت، وكان ذلك بالتوازي مع في اوكرانيا وفي اوج ازمة الغاز التي شهدتها اوروبا، اذ انّ شمال افريقيا تعد وجهة رئيسية لا بديل لها في تعويض الغاز الروسي لبلدان الاتحاد الاوروبي، لذلك فان توطيد العلاقات مع الجزائر يعد امرا في غاية الاهمية بالنسبة لفرنسا خاصّة لما تعرف به هذه الدولة الافريقية باحتياطاتها الهامّة  من الغاز، حيث انّها تعد من اكثر الدول في العالم انتاجا وتصديرا للغاز. لذلك لن تفلت فرنسا هذه الفرصة ومن المؤكد ان تجاوز خلافات ليس لها أي معنى بالنسبة لها سيكون أمرا ضروريا من اجل تجاوز الازمة التي تلحقها من الحرب.

وحرصا على ضمان استمرارية مبدأ تبادل المصالح، عملت الجزائر على الترفيع في اسعار الطاقة لديها للاستفادة قدر الامكان من الازمة التي يعاني منهاالاتحاد الاوروبي لصالح اقتصادها، ، اذ تعاني الجزائر من أزمة اقتصادية كبيرة تتعلّقبخلل واسع في الميزان التجاري وارتفاع في نسبة التضخم، وللحرب في اوكرانيا القدرة على قلب وضعها المتردي خاصّة  إذا ما اعتمدت الاخيرة على استراتيجيات ناجعة وفعّالة في استغلال الحرب لصالحها.

هل تتأثر العلاقة بين روسيا والجزائر؟

عُرفت روسيا بأنها أكبر مزود بالغاز للدول الاوروبية، ولكن مع التصعيد والتوتر الذي يلقي بظلاله على أطراف الحرب والعقوبات المتبادلة، برز نقص شديد في هذه المادة لدى الدول الاوروبية، ما انجر عنه تعطّل خط أنابيب الغاز “نور ستريم 2” (Nord Stream 2)الذّي يمثّل النقطة المركزية في انطلاق الغاز من ألمانيا الى اوروبا، جعل الاخيرة في وضعية حرجة للغاية في ما يتعلّق بد حاجياتها من الغاز خاصة وأنّها تتزود بثلثها من روسيا، ونتيجة للنقص الشديد في الامدادات ارتفعت اسعار الفواتير واصبح الوضع الداخلي في البلدان الاوروبية حرجا للغاية، متطلّبا بذلك تداركه في اقرب وقت ممكن، لذلك وجّه الغرب أنظاره الى الجزائر، فهي تعد البلد الاول المصدّر للغاز الطبيعي في القارة الافريقية وسابع دولة عالميا، وتبلغ مواردها من هذه المادة 2.2 ترليون متر مكعّب من الغاز، لذلك استثمرت الجزائر في هذه الفرصة واصبحت وجهة للعديد من البلدان الاوروبية لسد الحاجة الى الغاز لديهم.

تضع السياسة الخارجية للجزائر المغرب ضمن حساباتها، حتى انّ تزويد اوروبا بالغاز ارتبط بعداوتها للمغرب، حيث انّ الجزائر قامت بردّة فعل عنيفة على خلفية مساندة اسبانيا الحكم الذاتي للمغرب تمثّلت في اغلاق خط انابيب الغاز الرابط بين المنطقة المغاربية واوروبا في شهر نوفمبر الماضي .

من جهة اخرى تسعى الجزائر في نفس الوقت الى مزيد تعزيز علاقتها مع روسيا والتوصل الى اتفاقية تعاون استراتيجي خوصا في المجال العسكري، ورغم التركيز الكبير على سياسية الموازنة بين الاتحاد الاوروبي وروسيا وعدم تعبير روسيا سابقا على موقفها برفض او ادانة هذه الخطوة، خاصّة وانّ الغاز الجزائري لا يشكّل تهديدا لقرارتها ضد اوروبا، الاّ انّ الامور لم تظلّ على هذه الشاكلة طويلا.

حيث اشار مراقبون انّ العلاقة بين روسيا والجزائر اصبحت غير مستقرّة، وانّ ما يعكّرها ويشوّش عليها هو استمرار الجزائر في مزيد تزويد الغاز لأوروبا وسدّ حاجياتها التي خلّفتها روسيا.

العودة الى نقطة الصفر

بعد ما شهدته العلاقات الفرنسية الجزائرية من تحسن، سرعان ما تدهورت من جديد وعادت الى الصفر كنتيجة لقضية لم تكن تماما في الحسبان، وهي القضية المتعلقة بالناشطة السياسية أميرة بوراوي، حيث هربت الاخيرة من الجزائر تجنّبا من المحاكمة القضائية، وكانت السلطات الفرنسية في هذا الاطار سبّاقة لتقدّم لها المساعدة وقد اثار ذلك استفزاز الجزائر التي اعتبرته انتهاكا لسيادتها، حيث جاء في بيان لها “في أعقاب المذكرة الرسمية التي أعربت من خلالها الجزائر عن احتجاجها بشدة على عملية الاجلاء السرية وغير القانونية لرعية جزائرية يعتبر تواجدها على التراب الوطني ضروريا بقرار من القضاء الجزائري، أمر رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، باستدعاء سفير الجزائر في فرنسا، السيد سعيد موسي، فورا للتشاور”.

كما وذكر بيان الخارجية انّ السيادة الوطنية للجزائر قد تعرّضت للانتهاك من طرف موظفين دبلوماسيين وقنصليين وأمنيين تابعين للدولة الفرنسية، حيث اشار الى انهم شاركوا في عملية إجلاء سرية وغير قانونية لرعية جزائرية يعتبر مغادرتها للتراب الوطني امر مرفوض قطعا حسب القضاء الجزائري.

اشارت الجزائر من جانبها، انّ ذلك يعدّ نقطة تحول سلبية في علاقتها بفرنسا تعود بهما الى الصفر عقب تصريحان ايمانويل ماكرون المهينة للجزائر، حيث انّ الحجم الذي اخذته قضية أميرة بوراوي يتشابه الى حد كبير مع قضية تصريحات الرئيس الفرنسي المشكّكة في وجود امة جزائرية.

سرعان ما نقضت فرنسا المعاهدة التي اقرتها مع الجزائر والتي تنص على احترام السيادة وتبادل المنافع الاقتصادية وتجاوز مسألة ملف الذاكرة للانطلاق، الاّ انّ هذه الازمة الجديدة عادت بالطرفين الى الوراء بعد ان كانا يخططان الى قيام الرئيس الجزائري بزيارة الى باريس في شهر ماي المقبل، ذكر الاعلام الجزائري في هذا الصدد ” الجزائريين سئموا من هذه التصرفات غير الودية من قبل فرنسا، كيف لهذه السياسة الفرنسية التي تتميز بالتقدم بخطوة واحدة والتراجع بعشرة خطوات، ان تساعد على تهدئة النفوس بل إنها تضفي برودة على العلاقات الثنائية وذلك قبل أسابيع من زيارة الدولة التي من المنتظر أن يقوم بها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الى فرنسا؟” .. كما اشار الاعلام الجزائري انّ مثل هذه القضية لن يكون من السهل تجاوزها خاصّة انّ فيها انتهاكا لسيادة الجزائري، ومن الصعب ان تعود العلاقات الى مجراها لانّ فرنسا تتعمّد في كل مرة القيام بمثل هذه الاخطاء.

بينما حزب جبهة التحرير الوطني اعتبر ان ما قامت به فرنسا هو انتهاك واضح لسيادتها الوطنية حيث عبّر بانّ “هذه الخطوة المستفزة، والتي نعتبرها انزلاقا خطيرا، تأتي بعد تصريحات سابقة لمسؤولين فرنسيين، أساءت للجزائر وتاريخها، مشيرا الى “رفضه القاطع لكل شكل من أشكال التدخل، مهما كانت طبيعتها أو مصدرها، والتي اعتاد مستعمر الامس، وبقاياه اليوم من لوبيات وكيانات لا تخفى عداءها للجزائر، على القيام بمثل هذه التصرفات غير المسؤولة”.

من جهته، ندّد حزب الاغلبية في البرلمان الجزائري بما قامت به السلطات الفرنسية حيث اعتبر انّه “تعديا صريحا مع سبق الاصرار والترصد على دولة كاملة السيادة، وأنّ الجزائر ترفض مثل هذه الممارسات، التي تعد بلطجة سياسية، ستبقى عصية على كل اعدائها بفضل فطنة ووعي ووحدة كل ابنائها وتمسكهم بكل مؤسساتهم الدستورية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون”.

وتشير مختلف الجهات الجزائرية على انّ ما قامت به فرنسا يعد عملا عدوانيا متعّمدا، حيث انّها في كل مرة لا تتوانى في انتهاك سيادة الجزائر نتيجة عدم تخلّصها من عقدتها الاستعمارية . بالتالي ما مستقبل العلاقات بين البلدين؟  وهل تنوي فرنسا جدّيا تحسين العلاقة مع الجزائر خاصّة وانّ لها مصلحة ثابته من ذلك؟ كيف يمكن اذا تفسير هذه الانتهاكات والاستفزازات

By Zouhour Mechergui

Journaliste