السبت. أبريل 20th, 2024

صبرين العجرودي: باحثة في علم الاجتماع

تمارس واشنطن تأثيرا كبيرا على سياسات الدول الخارجية، مستغلة في ذلك نفوذها وقوّتها على المستوى العالمي. ويستمد هذا التأثير الكبير قوّته من المزايا التي يمكن ان توفرها الولايات المتحدة الامريكية على المستوى العالمي، من استثمارات اجنبية مباشرة، التكنولوجيا، الدعم العسكري، اذ تلعب هذه العناصر دورا كبيرا في جعل امريكا تتحكم في العلاقات الدولية وتؤثر بها وتنافس بناءً عليها القوى الدولية الاخرى.

من الملاحظ أنّ الجزائر رغم انّها علاقاتها مع الولايات المتحدة لم تكن يوما بذلك القدر من التقارب عكس علاقاتها مع روسيا، الاّ أنها منطقها في ربط علاقاتها كان مرتكزا بحد كبير على جانب المصلحة الاقتصادية مستغلة بذلك قدرتها العسكرية وموقعها الاستراتيجي بعد ان كانت خلال حقبة الحرب الباردة ضمن حركة عدم الانحياز، الا انّ ذلك لم يستمر طويلا في ظل التكالب الدولي الحالي وراء العلاقات المبنية على المصالح، لذلك فقد انغمست في العالم الاحادي القطب وتمكنت من بناء علاقات مع الغرب لم يكن اساسها تضامن ايديولوجي، بل مصلحة بحته.

ونذكر من ضمن الخطوات التي انتهجتها الجزائر في اثبات قوتها ومكانتها الدولية ضمن دول شمال افريقيا هو توفيرها لمعلومات استخباراتية متعلقة بعمليات مكافحة الارهاب ضد التنظيمات الارهابية، ممّا جعلها بلدا لا يمكن الاستهانة به بالنسبة لواشنطن.

وضعية العزلة الجزائرية

استمر تبادل المصالح بين الطرفين الجزائري والامريكي فترة لابأس بها، الا أنّ ذلك عكّرته احداث سياسية كبيرة، كان من ضمنها وصول ترامب الحكم واقراره لمبدأ ” أمريكا أولا “ (America First)، حيث تتمحور سياساته الخارجية حول المصالح الامريكية اولا، حتى اذا تعلّق الامر بالحلفاء، لذلك فإن أي قرار خارجي مهما كانت أهدافه أو القضايا المتعلّقة به فإن دافعه ومحرّكه الاساسي هي المصلحة الامريكية، وبناءً على ذلك فإن الولايات المتحدة الامريكية لن تحمل أي ثقل دولة أو مسؤولية الدّفاع عنها مهما كانت أوضاعها أو الظروف التي تفرض ذلك، دون أن تخدم بالدّرجة الاولى الاهداف والمصالح الامريكية . وما زادا الطين بلة في توتير العلاقات بين واشنطن والجزائر، هو اعتراف امريكا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل عدائها لجبهة البوليساريو حليفة الجزائر ضد المغرب.

وقد ساهم قرار المغرب في توقيع اتفاقية ابراهيم واعترافها بإسرائيل المحالفة لأمريكا في الشرق الاوسط في توتير العلاقات اكثر ووضع الجزائر في زاوية ضيقة بالتزامن مع بعض الاهتزازات الداخلية التي تعيشها البلاد في عام 2019، حال دون تركيزها على العلاقات والسياسات الخارجية.

وسيرا على خطى الكثير من البلدان التي كانت ترا في ذهاب ترامب وحلول بايدن حلا للكثير من المشاكل الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية، كانت الجزائر تأمل بأن تتحسن علاقتها مع الولايات المتحدة الامريكية ويصلح الرئيس الجديد ما افسدته سياسات ترامب التي اعتبروها فاشلة، غير أنّ بايدن لم يحدث تغييرا ولا اية اصلاحات بل تفاقمت العلاقات اكثر بين البلدين.

تزامن ذلك مع توتر العلاقات بين فرنسا والجزائر فيما يتعلّق بملف الذاكرة.

ما هو ملف الذاكرة ؟


يبدو أنّ ما دار من أحداث في تاريخ العلاقة بين البلدين خلال الفترة الاستعمارية تمكّن فعليا من تشويه العلاقات العصرية بينهما، فعلى الرغم من مظاهر التقارب على مدار السنوات العديدة التي تلت الاستقلال إلا أنه لم يكن لأحد القدرة على الجزم بودية العلاقة، حتى أنّ الكثير من المراقبين وصفها بالتعقيد.

في الحقيقة كان من المستبعد جدا أن يتجاوز الجزائريون تلك الفترة الفظيعة التي تفنّنت فيها فرنسا في التنكيل بهم، فالذاكرة تمثّل أحد العناصر البارزة التي تتحكّم في علاقات اليوم بين الجزائر وفرنسا وهي التّي تثير عديد القضايا الثانوية وتضع الكثير من العثرات أمام التقارب الذي يحصل، وما حصل قديما يمنع من الجزائرمن تطوّير العلاقة رغم مراهنة الطرفين على طي تلك الصفحة الدامية وخاصة عمل الرئيس ماكرون على السيطرة على الاوضاع.

حاليا يقع تبادل الصفعات بين البلدين، يثير ماكرون الرأي العام بتصريحاته التي اعتبرتها الجزائر مهينة، كما أعلن قرار ترحيل المهاجرين الغير نظاميين والائمة المتهمين بالتطرف الديني من الجزائريين وتقليص التأشيرات، في حين تستنكر الجزائر ذلك وبشدة وترد بعدم تجديد عقد مجمع المياه الفرنسي وغلق مجالها الجوي على الطائرات الفرنسية … ويبيّن ذلك ما يمكن وصفه بالحرب الباردة بينهما، إذ تطالب الجزائر فرنسا الى غاية اليوم باعتذار رسمي واعتراف يعيد القليل من اعتبارها أمام المجتمع الدولي لتتمكّن من تشييد علاقتها معها على أساس يحفظ كرامتها .

وصل سوء الاوضاع الى ذروته بالاستنقاص من الدولة الجزائرية وتصريح ماكرون أن الجزائر لم تكن امة قبل الاستعمار الفرنسي مدينا النظام السياسي العسكري هناك معتبرا إياه وفقا لتصريحاته الركيزة الاساسية التي مثلت عائقا أمام تجاوز البلدين ملف الذاكرة. في الحقيقة هناك شعورين لا يمكن التخلص منهما، أولا شعور فرنسا بالاعتزاز بتلك الفترة التي اتسمت بانتصارات في عديد المعارك ضدّ الثوار الجزائريين، رغم ما يبديه ماكرون من رغبة في تجاوز هذه النقطة السوداء، لكن ذلك يبدو واضحا بالنسبة للجزائر، ثانيا الرغبة لدى الاخيرة في الانتقام وإعادة اعتبارها التي تشعر أنها فقدته منذ الفترة الاستعمارية وصولا الى الفترة التي تحسنت فيها العلاقات نسبيا بين الطرفين بعد الحصول على استقلالها، ويرى بعض المحللين الحقوقيين أنّ مجرد التحدث عن ما حصل في تلك الفترة بالطريقة التي تصف ضحايا الاستعمار الفرنسي وشراسته في الاحتلال يمكّنها بطريقة غير مباشرة من إضفاء الشرعية على “بطولاتها الاجرامية” في الوقت الذي تتوفّر فيها فرصة المحاسبة، لذلك فإن إحياء تلك الاحداث دون محاسبة فعليّة على أرض الواقع ليست لها أثار ايجابية بقدر تمييع حقوق الانسان، إذ يدعو استاذ الحقوق الجزائري “عابد نعمان” في هذا السياق الى “الوعي بعدم الدخول في أي سجل مهما كان نوعه، والانضباط للقوانين، حيث يبقى المجرم مجرما فاقدا لأي شرعية ولا نعطيه أكثر من حجمه المحدد في القانون، من أهم أدوات مواجهة هذه المحاولات”.كما يشير نعمان الى أن الماضي الاستعماري هو عقدة ثابته في العقل الجمعي الجزائري وأنّ الاعتزاز بالانتماء والوطن في عديد المناسبات لا يؤكد إلا استفحال هذه النقطة السوداء ، ولا يمكن استغراب ذلك مع طبيعة الشخصية الجزائرية المتعصّبة لانتمائها، ووضح أستاذ الحقوق أنّ فرنسا تثير ملف الذاكرة لكسب شرعيتها وتشويش الرأي العام الجزائري، كما أشار أن الدعوات الفرنسية المختلفة لتجاوز القديم ليس إلا محاولات شكلية ولها هدف إثارة الماضي، حيث أن فرنسا لا يمكنها تجاوز “تاريخ الانتصارات” ، لكن يمكن القول أنّ هناك تومصالح حالية مع الجزائر تعتبر ذات أولوية كبرى بالنسبة لفرنسا لا يمكن التضحية بها، لذلك قد تحدّد هذه المصالح أساليب التعاطي مع ملف الذاكرة .

تدهور العلاقات مع اسبانيا


احدثت اسبانيا هزة كبيرة بتحويل موقفها اتجاه مسألة الصحراء الغربية، حيث سعت على حد تعبيرها لوضع حد للازمة السياسية بينها وبين المغرب، وكانت الخطوة الرئيسية في ذلك دعم المغرب في تمتعها بالحكم الذاتي بعد نزاع طويل بشأن الصحراء الغربية التي تمثّل اقليما اسباني سابق استحوذ عليه المغرب في عام 1975.

ادى ذلك الى احداث ازمة كبيرة في العلاقة بين اسبانيا والجزائر التي تصنّف من بين الموردين الرئيسين للغاز الى اوروبا. سيجعل ذلك الاتحاد الاوروبي في موقف حرج في ظل الحرب مع روسيا لكن في المقابل اتجهت الجزائر نحو توطيد علاقاتها مع الصين وروسيا خصوصا.

توطيد العلاقات مع روسيا والصين

في فترة الحرب الباردة، لم يكن النفوذ الروسي كبيرا في المنطقة الشمالية لإفريقيا لكنّه أيضا لم يكن ضعيفا، إلاّ أن العلاقات كانت وطيدة مع دول مقابل ضعفها وهشاشتها مع دول اخرى، بحيث كانت خاضعة لمبدأ الانتماء الايديولوجي والتحالفات الى جانب أطراف الصراع، ناهيك عن فرنسا والولايات المتحدة الامريكية اللتان كان نفوذهما في المنطقة يؤثر على هذه العلاقات ويمثل وسيلة ضغط كبيرة على الاتحاد السوفياتي. وقد تغيرت الموازين مع سقوط الاخير ،إذ لم يعد هناك أساس واضح لتشكّل العلاقات .

وفي وقت لاحق مع بداية حكم الرئيس بوتين بدأت روسيا في رسم شبكة علاقات جديدة مع دول شمال افريقيا كانت مبنية بالاساس على التعاملات الاقتصادية، وقد أتاحت الثورات العربية الفرصة حتى تتمكّن روسيا من الدخول بقوّة من الجانب الاقتصادي والتركيز على وجه الخصوص على قطاع الطاقة، والتعاون التقني في المجالات الصناعية و التنموية ،و التعاون العسكري .

مجالات التعاون بين روسيا والجزائر


تعتبر منطقة شمال افريقيا من ضمن المجالات الاستراتيجية الاساسية لروسيا والتي تنافس فيها وبشدة كلّ من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي، لذلك فهي تسعى الى تركيز الاهتمام على مصالحها في المنطقة وتحييد موقفها من القضايا والازمات التي تعيشها هذه المناطق مقابل التركيز على تلك التي من شأنها أن تؤثر على تواجدها أو نفوذها وهي السياسة البراغماتية التي تميّز روسيا بعد الحرب الباردة، فإنّ الجزائر تعتبر من أهم بلدان الشمال الافريقي التي تبيّن سياسة روسيا، فالأخيرة لم تكف عن السعي لتعزيز علاقتها بها منذ الخمسينات من القرن الماضي وأبرز سمة للعلاقة بين الطرفين هو التعاون العسكري والتعاون مجال الطاقة وابرام صفقات الاسلحة ومكافحة الارهاب والتهديدات الخارجية .

التعاون العسكري: تقتني الجزائر 60% من أسلحتها من روسيا وبذلك تصنّف كثاني مستورد للسلاح الروسي في العالم في عام 2013، ويعود التعاون في مجال الاسلحة منذ فترة الحرب الباردة متى انطلقت العلاقات الديبلوماسية بين الطرفين في عام 1962 وقد تميّزت تلك الفترة بعمليّة تعاون كبرى، حيث قام الخبراء السوفيات بنزع ألغام من الاراضي الجزائرية تحديدا في عام 1963 قُدّر عددها بـ 1.5 مليون لغم، كما تمّ تدمير 600 كلم من الحواجز والموانع التي خلفتها حرب التحرر في الجزائر. وتعدُّ الاتفاقية الاستراتيجية هي الاهم في تاريخ العلاقة بين البلدين وتنص على التعاون في مختلف المجالات، وتمّ إثرها تبادل الزيارات وعقد العديد من الاتفاقيات لاقتناء المعدات العسكرية، إذ تمتلك الجزائر غواصات روسية الصنع، وقد اقتنت نظام الدفاع الجوي الصاروخي ” س400″، بالإضافة الى دبابات وطائرات ومروحيات هجومية وأنظمة رادارات روسية تشكّل اهمية كبرى بالنسبة للقوات المسلحة الجزائرية. ويجمع الخبراء على أنّ اسباب اعتماد الجيش الجزائري على المعدات الروسية يعود بشكل رئيسي الى امتناع أمريكا عن تزويدهم به، ففي عام 2010 تنازلت الجزائر عن 50% من طلباتها للأسلحة من الولايات المتحدة الامريكية ..
مجال الطاقة: لروسيا دور كبير في تعزيز وتطوير مجال الطاقة في الجزائر، حيث عملت على استخراج المعادن والثروة المائية وخامات الحديد والزنك والرصاص بإرسال خبرائها، كما تمتلك استثمارات كبيرة في هذا القطاع بالجزائر تقودها شركات ” غاز بروم ” و ” لوك أويل” و ” زاروبيج ” .
وتتخوف اوروبا من تأثير الشراكة الروسية الجزائرية على حصتها من الغاز النيجيري الذي يمر عبر الجزائر، حيث تسعى روسيا الى استغلال علاقتها بهذا البلد للضغط على سوق الطاقة الاوروبي، لذلك هناك محاولات عدّة للحد من تنامي هذه العلاقات بين روسيا والجزائر ليس من اوروبا فقط، بل من عديد الدول الاخرى التي ستتأثر مصالحها بهذه العلاقة، على غرار الولايات المتحدة الامريكية والصين .

التبادل التجاري:
بلغ التبادل التجاري بين روسيا والجزائرفي عام 2001 ما يقارب 200 مليون دولا، وقد شهد قفزة كبيرة في عام 2006 ليصبح 643.8 مليون دولار، وفي عام 2007 تضاعف ليبلغ 1338.4 مليون دولار، أمّا في عام 2008 فقد ناهز 1342 مليون دولار، وقد بلغت قيمة الصادرات الروسية الى الجزائر في نفس العام 1120.5 مليون دولار حيث مثلت الماكينات ووسائل النقل 63% من نسبة هذه الصادرات والمعادن غير الحديدة ومنتجاتها 8.5% .

وفي بداية عام 2009 شهد التصدير الروسي الى الجزائر انخفاضا كبيرا مقارنة بعام 2008 ليصل 25.97 مليون دولار فقط . أمّا في عام 2014 فقد بلغت التبادلات التجارية بين البلدين 885 مليون دولار وقد عادت للانخفاض في 2015 لتصل الى 171 مليون دولار .

علاقات جيدة مع الصين


تعتبر العلاقات الجزائرية الصينية جيّدة منذ حقبة الحرب الباردة، من جهتها ساهمت مبادرة الحزام والطريق في سعي الصين لربط علاقاتها بمناطق مختلفة من العالم، كانت شمال افريقيا من ضمنها وكانت الجزائر على استعداد دائم لدعم الصين نظرا لمكانتها الهامة في دول شمال افريقيا.

تُوّجت العلاقة بين الصين والجزائر باستثمارات ضخمة بين البلدين (استثمار الصين في البنية التحتية للجزائر) وتبادلات تجارية هامّة، وقد شهد عدد الشركات الصينية العاملة في مجال الطاقة والبناء ارتفاعا كبيرا في الجزائر.

وفي اطار مشروع الحزام والطريق اتفقا البلدين على ابرام مشروع تبلغ قيمته 3.3 مليار دولار لبناء الميناء الاول في المياه العميقة في مدينة شرشال الساحلية، وتعد النقطة الاهم في العلاقة بين بكين والجزائر هو تصدّر الصين مكانة هامّة في مجال تصدير الاسلحة الى الجزائر.

تتجه العلاقة بين الجزائر وكل من الصين نحو مزيد من التمتن لعلاقتها المتوترة مع واشنطن والاتحاد الاوروبي، وتسعد كل من روسيا والصين بهذا التوتر من اجل بناء علاقات مع الجزائر ذات أهمية كبرى في شمال افريقيا والضغط اكثر على الشق الاخر نظرا للمزايا التي كانت توفرها الجزائر.

الموازنة في العلاقات لتحقيق المصالح الاقتصادية

ساهمت الحرب الروسية الاوكرانية في جعل الجزائر في موقع قوة نظرا للتداعيات السلبية التي خلّفتها الحرب على الغرب وجعلهم يلجئون لها في مجال الطاقة.
كانت الجزائر تعيش نوعا من العزلة، الاّ أنّ الحرب في اوكرانيا جعلتها توطّد علاقاتها اكثر مع روسيا والصين.
ابدا المشهد الدولي في فترة ما تكتلا معاديا لروسيا يقوده الغرب لحماية النظام الدولي الليبيرالي ما بعد الحرب الباردة، الا انّ الصين وايران انتهجا اتجاها معاكسا يدعم روسيا بقوة، ونظرا للمكانة التي تمتع بها الجزائر في علاقتها الوطيدة بكل من روسيا والصين ومخاوف الغرب من العلاقات الكبيرة التي يبنيها الشق المعادي مع اكبر عدد من الدول، فانه يمكن للجزائر ان تستغل ذلك للموازنة في علاقاتها بين الطرفين بما يخدم مصالحها، اذ أقدمت الجزائر على ابرام اتفاقية مع ايطاليا لتزويد بقية الدول الاوروبية الاخرى بالغاز، ويعد موقف الجزائر غير واضح بخصوص الحرب، لكنّ الجلي في الامر هو ركضها وراء مصلحتها الاقتصادية على عكس ما تمّ توقّعه في الساحة الدّولية، إذ أنّها غاصت في قلب الديبلوماسية واستضافت العديد من المسؤولين الغرب، على غرار وزير الخارجية الامريكي “انتوني بلينكن” (Antony Blinken) ووزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” (Jean-Yves Le Drian) الذي تمحورت زيارتهم حول موضوع الحرب في اوكرانيا، وقد مثّلت زيارة رئيس الوزراء الايطالي “ماريو دراغي” (Mario Draghi) نقطة مفصلية في ابرام اتفاقية مزيد إمداد اوروبا بالغاز، نظرا في أنّ ايطاليا تعد أهمّ وسيط بين روسيا وبقية الدول الاوروبية والجزائر ايضا، إذ أنّها تستقبل 95% من احتياجات اوروبا من الغاز. وقد انتهى الاتفاق الى الترفيع التدريجي في حجم صادرات الغاز الى ايطاليا التي ستزوّد به الدول الاوروبية، حيث أشارت شركة “اني” (Eni)الايطالية المخصّصة لمعاملات البترول والغاز أنّ عملية التوريد ستكون عبر خط غاز “ترانس” (TransMed).
وفي نفس السياق أشار خبير مجلس العلاقات الدولية الاوروبية “رونالد دوركين” الى أنّ الجزائر “من المحتمل أن تلتزم بسياسة الموازنة للحفاظ على علاقاتها مع روسيا وأوروبا”، ويعني ذلك أنّها ستحافظ على المصالح القائمة في علاقتها مع روسيا، ولكنّها لن تضيّع فرصتها مع اوروبا في إنعاش اقتصادها خصوصا وأنّ كمية الغاز المورّدة الى اوروبا والمقدور عليها من الجزائر لن تعوّض الغاز الروسي كما ان ارتفاع اسعار الطاقة في الاسواق الاوروبية يلعب لصالح الجزائر في ذروة ازمتها الاقتصادية، لكنّها ستسد نسبة قليلة من احتياجات دول اوروبا التي وُضعت في موقف حرج للغاية، لذلك لم تبدي روسيا أي موقف رافض لخطوة الجزائر نحو مزيد تزويد اوروبا بالغاز، لإدراكها جيدا أنّ ذلك لن يُحدث تغييرا كبيرا الى جانب أنّ علاقاتها مع هذا البلد الافريقي التي يحكمها جانب كبير من المصالح تعد في غاية الاهمية مقارنة بهذه الخطوة. إذ قال السفير الروسي في الجزائر إيغور بيلياييف، خلال تصريح صحفي: “فيما يخص غاز الجزائر، نعتقد أن المسألة متعلقة بالدولة نفسها وبالدول المستوردة، وإذا كان لدى الجزائر نية زيادة صادراتها إلى إسبانيا وإيطاليا، فلن نتدخل في هذا الأمر”، مضيفا أنّ مسألة زيادة الامداد لا تندرج إلاّ في إطار “مسألة تجارية بحته” على حد تعبيره، والدليل على ذلك هو امتناع الجزائر عن التصويت بالإدانة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. واشار خبراء اخرون في نفس السياق أنّه لا يُتوقّع حدوث مشاكل في العلاقات الروسية الجزائرية، خاصّة وأن الجزائر تعد مورّدا تقليديا للغاز الى اوروبا ومجرّد زيادة التزويد لن يحدث فرقا في العلاقات، فالغاز الجزائري المحدود لا يرقى الى أن يكون منافسا للغاز الروسي أو أن يحسّن كثيرا وضعية اوروبا ويؤثر على العقوبات الروسية الموجّهة ضدّها، لذلك تغاضي روسيا عن خطوة الجزائر يمكن اعتبار أنّها قدّمته لها كهدية بسيطة لها لتحسين وضعيتها الاقتصادية، وإكسابها ورقة ضغط على الاوروبيين وخدمة مصالحها في ما يتعلّق بقضية الصحراء الغربية، خاصّة وأن الاوروبيين لا يدعمون الجزائر في هذه النقطة.

By admin