عادل الحبلاني : قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية
ظلت القوى الغربية المستعمرة تراود مستعمراتها القديمة بحثا على منافذ جديدة تمكنها من اعادة التواجد والتموقع والتمركز بما يسمح لها بالمحافظة على مكتسبات الحقبة الاستعمارية ومزيد تثمينها والمحافظة عليها, إما عبر اتفاقيات اكراهية مجحفة مستغلة بذلك حاجة العديد من الدول و إما عبر شركاتها العابرة للقرات ومتعددة الجنسيات, بما يسمح لها باستنزاف خيرات وثروات الشعوب والدول, لكن اللافت والمتوازي مع سياسة النهب هذه التي تعاني منها شعوب افريقيا كما شعوب الدول العربية, هو ظاهرة القواعد العسكرية التي تسعى الدول الغربية وبخاصة فرنسا وأمريكا إلى تركيزها داخل القارة الافريقية والشرق الأوسط, أمر يدعو إلى عملية جرد لأهم القواعد العسكرية المتواجدة في المنطقتين ويحث على التساؤل عن الأغراض الكامنة وراء هذا التكالب الغربي على هذا الفعل. وحيث أن المسألة آخذة في مزيد التعاظم خاصة من جهة الولايات المتحدة الأمريكية, فإننا سوف نخصص هذا البحث المتواضع لأهم القواعد العسكرية في المنطقتين ونحاول تباعا تبيان أهداف السياسات الخارجية الأمريكية من وراء ذلك.
ما هي أهم القواعد العسكرية الأمريكية التي تم تركيزها ؟
ما الذي تسعى أمريكا إلى تحقيقه من وراء هذه الخطوات ؟
تنتشر القواعد العسكرية في أكثر من 130 دولة حول العالم وتتوزع أحجامها وأعداد جنودها من بلد إلى آخر وفق المقتضيات والمصالح الأمريكيةمن بلد إلى آخر, وتختلف بين العمليات العسكرية والتدريب المشترك أو (حفظ السلام ) تحت شعار الأمم المتحدة. وفي ما يلي جرد لأهم القواعد العسكرية في العالم العربي:
العراق : تتركز القواعد العسكرية الأمريكية في أكثر من إقليم وتحمل تسميات مختلفة ويرجح عددها إلى ما يقارب 75 قاعدة عسكرية تتوزع أغلبها في المواقع العسكرية التابعة سابقا لنظام صدام حسين الذي غزته أمريكا ولعل أهم هذه القواعد من حيث المساحة وعدد الجنود والعتاد العسكري هي: مطار بغداد الدولي , الطليل / في جنوب العراق قرب الناصرية , مهبط للطائرات في غرب العراق قرب الحدود الأردنية و مطار بأشور في شمال العراق / المنطقة الكردية . كما يوجد لها اكثر من سبعين قاعدة عسكرية لقوات المارينز بلغ تعدادها اكثر من 140 الف عسكري و يدعمهم عدد كبير من القطع البحرية المرابطة في الخليج العربي و دول الجوار.
الكويت :توجد الفرقة الثالثة من المشاة الامريكية ” المجوقلة ” في ( معسكر الدوحة) , بمعدات متنوعة – دبابات و عربات مدرعة و طائرات هليكوبتر و اكثر من 80 طائرة مقاتلة و وحدات من القوات الخاصة سريعة الانتشار .
قطر : وتوجد بها قاعدة عسكرية أمريكية تدعى قاعدة “العديد” الجوية التي يصل أعداد جنود المارينز فيها إلى ما يقارب العشرة آلاف جندي, وتعد هذه القاعدة العسكرية الأمريكية اكبر قاعدة في الشرق الأوسط, حيث يوجد بها مقر قيادة العمليات الجوية المشتركة ومقر قيادة القوات الخاصة, وتحولت في سنة 2009 إلى مقر ميداني للقيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم”، التي يمتد نطاق عملها من آسيا الوسطى حتى القرن الأفريقي. وتقوم قطر اليوم بتوسعة قاعدة ” العديد” بتكلفة تجاوزت 1,8 مليون دولار أمريكي بغاية تمنها من استيعاب اقلاع وهبوط الطائرات الأمريكية.
الأردن: ويوجد فيها قاعدتان عسكريتان جويتان هما قاعدتا الرويشد ووادي المربع وبهما العديد من المقاتلات الأميركية، كما توجد في الأردن الوحدة 22 البحرية الاستكشافية الأميركية.
المغرب : وصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى موافقة مراكش على استخدام القوات المسلحة الأمريكية لعدد من قواعد ومنشآت هذا البلد العسكرية. فالمعاهدة الموقعة مع مراكش في أيار عام 1982 سمحت لأمريكا نقل قوات الانتشار السريع عبر هذا البلد والقيام بتزويد الطائرات الأمريكية بالوقود واستخدام القواعد والمنشآت المحلية لإجراء التدريبات والمناورات. وتملك الولايات المتحدة الأمريكية، حسب أقوال الصحافة الغربية، نقطة اتصال للقوات البحرية في سيدي ـ يحيا (80 كم إلى الشمال الشرقي من مدينة الرباط) لخدمة الصواريخ المضادة للسفن في منطقة الاطلسي والبحر الابيض المتوسط. والى جانب ذلك فإن الامريكيين يملكون مراكز تدريب عسكرية في قينيطرا وبوكاديلي. وأعلنت حكومة مراكش رسمياً أن القواعد الثلاثة المذكورة تعتبر قواعد “تدريب” للقوات المراكشية المسلحة.
جيبوتي : منذ بداية سنة 2002 بدأت القوات الأميركية تتمركز في قاعدة “ليمونيه” ، وقد بلغ عددها 900 جندي، وإن كانت بعض التقديرات الأفريقية تقدر عددها بـ1900 جندي. وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول 2002 وصلت حاملة الطائرات “يو إس إس مونت ويتني” للمنطقة، وعلى متنها 400 جندي ينتمون لكافة أفرع القوات المسلحة الأميركية و معسكر ليمونيه هي قاعدة تابعة للبحرية الأمريكية، تقع في مطار جيبوتي – أمبولي الدولي في جيبوتي وهي مقر قوة العمل المشتركة الموحدة في القرن الأفريقي متفرعة من القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا, حيث أنها تعتبر القاعدة العسكرية الأمريكية الدائمة الوحيدة في أفريقيا.
إن انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في أكثر من دولة وأكثر من قارة, يبعث على التساؤل عن الغايات الكامنة وراء تعددها وتواجدها بهذه الكثافة والكشف عن الاستراتيجيات الأمريكية التي جعلت من تركيز القواعد العسكرية مسعى وهدفا للسياسات الخارجية الأمريكية…
يمكن فهم المساعي الأمريكية مزيد تركيز تواجدها العسكري في الخليج والشرق الأوسط الكبير من خلال فهم السجال والجدال الدائر بين المحافظين من الجمهوريين والديمقراطيين الليبراليين من جهة والصقور أو ما يسمون اليوم بالمحافظين الجدد, حول السياسات العسكرية الخارجية للولايات المتحدة, حيث يحتدم النقاش حول نفقات المؤسسة العسكرية ومزيد تركيز القواعد العسكرية, إذ يرى الشق الأول أنه من الضروري إنهاء الولايات المتحدة لمعظم أو، حتى لكامل، تواجدها العسكري في الشرق الأوسط (إضافة إلى بقية العالم، مثل كوريا على سبيل المثال). وتقوم حجج الشق الأول على وجوبية التقليل من سيناريو التهديدات الخارجية وفكرة العدو المتربص بالأمن القومي الأمريكي, على غرار روسيا والصين وايران, كما يؤكد هذا الشق على رفض السياسات القيادية الشاملة لأمريكا لما لها من صفات استفزازية. في المقابل يتشبث الصقور أو المحافظين الجدد وعلى النقيض من الموقف الأول بمزيد تكثيف التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط ودول الخليج, بل إنهميذهبون إلى أبعد من ذلك عبر دعواتهم إلى التركيز على دعم التعاون العسكري الأمريكي الاسرائيلي ومن وراءه دعم السياسات الاسرائيلية في الشرق الأوسط وفلسطين المحتلة.
بالإضافة إلى ذلك فإن المصالح الأمريكية من وراء تركيزها وتكثيفها لتواجدها العسكري في الخليج والشرق الأوسط يمكن فهمه من خلال البحث عن المصالح الأمريكية وهي أولا مصالح اقتصادية وتجارية, حيث تسعى أولا من خلال تكثيف هذا التواجد إلى المحافظة على الأمن البحري في مياه الخليج والحركة المؤمنة للطاقة من نفط وغاز عبر قناة السويس ومضيق باب المندب ومضيق هرمز, وتبحث ثانيا السبل الأمنية والعسكرية وفق خطتها المزعومة التصدي لظاهرة الارهاب والحركات الارهابية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر لمزيد توطين قواعدها العسكرية.
تجدر الاشارة ههنا إلى ان الأمر لا يقتصر على المصالح الحيوية والحركة التجارية العالمية ضد القرصنة والعمليات الارهابية, بقدر ما هو محاولات أمريكية لصد التعاظم الروسي الصيني في المنطقة والعودة العسكرية القوية التي ظهرت بها روسيا الاتحادية خاصة في الأحداث السورية وهي محاولة لتأمين مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية أمام التنين الاقتصادي الصيني, وإذ نكشف عن هذا الوجه الحقيقي الذي تسعى أمريكا إلى إخفاءه تحت مسميات مقاومة الارهاب وحقوق الانسان والديمقراطية وحماية حركة التجارة العالمية, فإنه من الضروري الكشف عن المصالح الأمريكية الاسرائيلية وحجم التعاملات العسكرية والأمنية التي توجد بين أمريكا والكيان المحتل, حيث أن هذا التواجد المكثف في الشرق الأوسط هو بمثابة حالة التأهب العسكري لحماية الكيان الصهيوني وحماية تواجده على أرض فلسطين, وهو بذلك يمثل إن صح القول الاستراتيجية الحمائية التي تلعبها أمريكا لصالح اسرائيل وتمثل هذه الاستراتيجيا المنتهجة من قبل واشنطن وجه من وجوه التشريع للاستعمار الذي يمارسه الكيان المحتل, بالإضافة إلى ذلك فإن التواجد العسكري في أكثر من دولة في الشرق الأوسط تحت ذرائع مختلفة هو نفسه الاستعمار الجديد ولعل وجود قواتها العسكرية إلى اليوم في العراق بعد احتلالها ومنطق الانسحاب التدريجي الذي لم يتدرج إلى اليوم هو الدلالة الحقيقية والعملية على حقيقة تركيز القواعد العسكرية التي تخفي وراءها عقلية النهب لمقدرات العراق من نفط وغاز تحت إكراه السلاح والطائرات والانتشار العسكري, على مرأى ومسمع المجتمع الدولي والأمم المتحدة تنتهك دول مستقلة ذات سيادة تحت مسميات واهية وانطلاقا من شعارات أصبحت بالية, وعملا باتفاقيات (التعاون) المزعوم الذي لا يمثل في التحليل الأخير إلا منافذ جديدة وترجمة للعقيدة الاستعمارية الامريكية التي تجسدت عمليا في تقييد وتكبيل إرادة الدول والشعوب وعملت على توجيه خياراتها الاستراتيجية وحالت دون مصالحها الاقتصادية والسياسية.
يبدو أن ذهنية الاستعمار وعقلية التواجد والمحافظة على المصالح الأمريكية في الشرق الاوسط وإفريقيا بقوة السلاح والعسكرة ومحاولات البلقنة آخذ في التسارع, ويبدو أن أمريكا ماضية في مزيد بحث الاتفاقيات العسكرية وتركيز قواعدها العسكرية في العديد من الدول خاصة في إفريقيا وشمالها, ويبدو أن عودة روسيا الاتحادية والتنين الصيني كقوتين إقليميتين عصفتا بمنطق القطب الواحد, قد زادتا من التكالب الأمريكي بحث مزيد التوطين العسكري والقواعد العسكرية.