الثلاثاء. نوفمبر 26th, 2024

اعداد : فاتن الجباري قسم البحوث والدراسات القانونية

إشراف: الدكتورة بدرة قعلول

مقدمة :

تلك هي قصة السواد الأعظم من الشركاتوالحسابات البنكية و التركيبات الدولية .أماطت قضية البنك الفرنكفوني التونسي اللثام عن شبهات فساد، تورط أسماء، تقصير حكومات، وتورط النظام القديم، ووقوف شخصيات ضد مصلحة البلاد، أخطبوط وشبكات مترابطة ومتصاهرة وجزء كبير من المسائل المالية والإدارية واللوبيات الخفية التي تمتلك أموالا طائلة فكان الملف الاكثر غموضا في تاريخ قضايا الفساد المالي …وصل ذلك حد استصدار القضاء الدولي حكما ضد الدولة التونسية يتهمها بنكران العدالة ؟؟

ضغوطات تتعرض اليها  الدولة التونسية من طرف القضاء التحكيمي الدولي وصندوق النقد العالمي الذي اصبح ينادي بسياسة متشددة واحكام متعسفة تستهدف النظام العام الاقتصادي و المالية العمومية التي تختنق بالمديونية الشاملة ، لم يكن بوسع تونس ان تقرر  الى حد اليوم تجاوز مخلفات الفساد او اتخاذ موقف رسمي حازم ضد شخصيات من بينها سياسيون ورجال أعمال وهاربون من العدالة، انكشفت  لعبة لجوئهم إلى تركيبات دولية غامضة في قضايا تهريب اموال وسرقات ونهب ممنهجة استهدفت الخزينة العامة للدولة في قضية البنك الفرنكفوني التونسي” BFT” الذي سيكلفها مبلغاتناهز قيمته 3 مليارات دينار كقيمة خسائر وهومبلغ خيالي يمكن أن يؤدي إلى تعمق الأزمة المالية لتونس التي يطالب بها خصم تونس في الملف المستثمر عبد المجيد بودن …

عبد المجيد بودن، الشخصية الجدلية، الذي يمثل خصم الدولة التونسية في قضية البنكقام بما يشبه عملية التحيل على الدولة من خلال المطالبة بالعفو مقابل الصلح، على أن تتنازل تونس عن حكم سجنه بـ20 سنة مقابل الاتفاق على تعويضات مالية معقولة

كان هناك طلب سابق من قبل شركة الاستثمار بودن بإجراء الصلح مع تونس، قبل إصدار المركز الدولي للتحكيم قرارًا يضبط قيمة التعويض المالي الذي سيفرض على تونس، وتم الانطلاق حينها في مفاوضات سرية

لقذ ثبت تورط هيئات وطنية حيث تولت هيئة الحقيقة والكرامة الفصل  في ملف النزاع ضد تونس في ظرف وجيز، من خلال إسنادها صفة الضحية لعبد المجيد بودن، بالإضافة إلى استباقها الحكم النهائي بالتعويض لصالحه…

30 سنة من النزاع والتحقيقات، لا يزال القضاء التونسي متخاذلا إزاء قضايا كثيرة شغلت الرأي العام  الوطني و الدولي فقضية البنك التونسي الفرنكفوني  ، وضعته  السلطات الفرنسية في أولوية الملفات الاكثر اهتماما من الشارع الفرنسي و السلط الرسمية و القضائية وسائل الاعلام الاجنبية  التي أججت الحراك الرسمي ضد تونس . لقد تسبب ذلك في رسم صورة سيئة بخصوص دولة ينظر اليها من المنتظم الدولي، اليوم، من ضمن الدول العاجزة و الغير وفية بالتزاماتها تجاه علاقاتها الخارجية اقتصاديا  والغارقة في ديونها المتراكمة والتي تلهث دائما وراء صناديق النقد الدولية وهذا ما ورطها فخ الاستعمار و التبعية وجعلها في زمرة تصنيفات القائمة السوداء وتراجع الترقيم السيادي العالمي حتى اصبح التساؤل كابوسا يخيم على الاجواء الرسمية  في تونس …من يسعى وراء اغراق البلاد ومن المسؤول حول رسم صورة تونس وسمعتها وهيبتها في اسوء تقديراتها حتى تتراءى للعالم في ثوب العاجز المدان.؟

 فمن الغريب وان طوفانامن البيانات او المعطيات الرسمية وخليط من الملفّات القديمة المتراكمة منذ ثمانينات القرن الماضي لم تسعف تونس في كسب قضيتها ازاء القضاء التحكيمي الدولي ،في الوقت نفسه، يلتف القضاء بغطاء من الغموض التام بشأن القضية متعللا وان مناقشة التقدم المحرز في التحقيق بسبب واجب التحفّظسرية التحقيق …

تنتظر الجماهير التونسية من السياسة الرسميةبالبلاد كشفالنقاب عن الأسرار المالية العالمية للصفوة الثرية والشخصيات سياسية المتورطة وحتى لبعض الأسماء المجهولة. وقد لجأ هؤلاء الأشخاص إلى الخارج او دول تعرف بالملاذات الضريبية لإخفاء معاملاتهم البنكية متسترين وراءولايات قضائية تحظى بنظام ضريبي مغلق او يكاد ينعدم. وتسمح هذه الكيانات لمالكيها بإخفاء هوياتهم الحقيقية وأحيانًا حتى على السلطات التشريعية. وفي كثير من الأحيان توفر لهم غطاء قانونينا يحتمون به انهم الضالعون في الاجرام و الهاربون من العدالة ويحصنهم القضاء الدولي؟

ثقافة اللاعقاب التي كرستها المنظومات السابقة فاقمت عدد الإخلالات والتجاوزات، وهم يعرفون ألا أحد يحاسبهم، وعلى القضاء أن يتصدى بسرعة لهؤولاء في فتح ملفات الفساد من خلال ضرورة تغيير المجال التشريعي وسنّ قوانين جديدة تتلاءم مع الوضع الجديد، وتكون أكثر نجاعة في التصدي لهذه الإخلالات ومعاقبة كل من تورط في نهب المال العام  والتعدي على حرمة الدولة وانتهاك السيادة الوطنية من الخارج .

بمنظومة القضائية ما زالت لم تتعافى بعد، ومصالحمراقبة إدارية تبذل مجهودا  في التخلص من بيروقراطيتها واجراءاتها المعقدة  ، على تونس اليوم ان نكون جريئة اكثر من أي وقت مضى في كبح جماح الفساد المتغول، ومحاربة هؤولاء تتم بتصور منطقي وآليات ناجعة  وهي ليست بالمسألة البسيطة، ولا يجب أن تكون استعراضية ويجب أن تتبعها سياسات عقلانية جريئة للدولة في كيفية أخذ القرارات والتراتيب والقوانين.

الكثير من التونسيين باتوا يشككون في جدية سلطات بلادهم في مكافحة الفساد، بسبب غياب الشفافية في التعامل مع قضايا الفاسدين، ومحاولة الأحزاب توفير الغطاء السياسي والقانوني للمتهمين، الأمر الذي يكرس للفساد، حيث تظهر البيانات الرسمية، تجاوز حالات شبهات الفساد 39 ألف حالة، أحيلت ملفاتها على السلطات الرسمية التونسية لتكون على طاولة أعلى هرم في السلطة  وه يترأس جهاز النيابة العمومية وامر الضابطة العدلية المستأثر بالقوة العامة في واجبه الوطني نحو محاربة الفساد وانارة الراي العام الوطني وحتى الدولي  .

الجزء الأول أطوار القضية منذ 1981 : الملف الاكثرغموضا في تاريخ قضايا الفساد المالي .

مؤسسة البنكالفرنسي التونسي هي اقدم مؤسسة بنكية بالبلاد التونسية يعود تاريخ تأسيسها الى 1879 وقد تبين  انه تعرض الى صعوبات مالية اقتصادية منذ 1982 حتمت ضرورة الترفيع في رأسه ماله إلى 5 مليون دينار سعيا لتجاوز هذه الصعوبات .في هذا الإطار عبرت المجموعة العربية الدولية للأعمال ABCI عن رغبتها في المساهمة في عملية الترفيع في رأسمال في البنك الفرنسي التونسي من 1 مليون دينار الى 5 مليون دينار لتصبح مالكة ل خمسين بالمائة من قيمة رأس المال وتولت تحويل ما بعادل 2.5 مليون دينار تونسي بالدولار الأمريكي .

منطلق القضية حسب مصادر مختلفة ، تعود في الواقع إلى سنة 1981 حين قرّر البنك الفرنسي التونسي الترفيع في رأسماله من مليون دينار إلى خمسة ملايين دينار، وذلك بإحداث 800.000 سهم جديد بقيمة 5 دنانير ،عندها دخلت في الصورة المسماة المجموعة العربية الدولية للأعمال ABCI وهي الشركة المستثمرة وتحمل الجنسية الانجليزية مقيمة بالخارج، حين عبّرت عن رغبتها في الإستثمار بالمساهمة في رأسمال البنك المذكور بنسبة 50 %، وهو ما كان يقتضى الحصول على تراخيض مسبقة من البنك المركزي ومن وزارة التخطيط والمالية آنذاك تطبيقا للتشريع الجاري به العمل.

وفي أفريل 1982 تحصلت الشركة المستثمرة التي كان يديرها عبد المجيد بودن التونسي ـ الفرنسي، على الموافقة المبدئية من وزارة المالية في المساهمة في رأسمال البنك، مع إدراج بند عند إمضاء الإكتتاب، يستوجب موافقة البنك المركزي. وهذا يعد في منطق القانون شرطا تعاقديا.

وسارعت  الشركة المستثمرة بتحويل مبلغ الاكتتاب من بنك سويسري أودع في حساب إنتظار مجمّد بدون فوائض في موفى جويلية 1982، على أن يقع تفعيل المساهمة في رأس المال، عند إستكمال الحصول على ترخيص البنك المركزي الّذي كان متوقفا على إتمام إجراءات تسوية الوضعية ومنها إثبات مصدر التمويل.

و لكن تعطّل اتمام الإجراءات من طرف المستثمرة و بدأ الإشكال يبرز لتتعطّل عملية الترفيع في رأسمال البنك الفرنسي التونسي، الأمر الّذي جعل الشركة التونسية للبنك تغطي كامل مبلغ الترفيع لتصبح مالكة لنصف رأسمال هذا البنك.

في سنة 1984 تمّت تسوية مساهمة الشركة بشرائها لخمسمائة ألف سهم بسعر 250د4 بدل 5 دنانير وذلك بغاية تغطية تعويض الضرر الناجم عن تجميد المساهمة الأصلية ، و هذا يعد عمليا تعويضا لا يمكن تجاهله في مجريات النزاع.

ولكن بقيت الشركة تطالب بالفوائض الجارية عن كامل المبلغ المحوّل في جويلية 1982 وهو ما خلق نزاعا بين الطرفين ، إستلزم الدعوة إلى جلسة عامّة استثنائية لمجلس إدارة البنك في مستهل 1987 احتدم فيها الخلاف وأدى إلى استقالة جل أعضاء مجلس الإدارة وإلى انسحاب الشركة التونسية للبنك، فواصلت الجلسة العامة أشغالها بثلاثة أعضاء فقط عيّنوا الوكيل التونسي السيد عبد المجيد بودن رئيسا لمجلس الإدارة .

هذا التعيين أدّى إلى التقاضي لاحقا وصدور حكم نهائي و بات في نهاية سنة 1988 يقضي بإبطال اللّوائح الّتي صدرت عن الجلسة العامة الإستثنائية ، وهو ما جعل كل الأعمال الّتي تلت تلك الجلسة العامة في نظر الدولة التونسية مختلّة لا عمل بها.

و لكن في الفترة الّتي تفصل بين الجلسة العامة الإستثنائية وبين صدور الحكم النهائي بإبطال مقرراتها، عيّن عبد المجيد بودن طاهر بورخيص مديرا عامّا للبنك الفرنسي التونسي، ثم تم إبرام إتفاق بين المستثمرة و البنك الفرنسي التونسي على فض النزاع عن طريق التحكيم الدولي في أفريل1987، و هو ما تم فعلا في ماي 1987 حيث تحصل المستثمر على قرارا تحكيمي يقضي بإلزام البنك الفرنسي التونسي بان يؤدي للمستثمر مبلغ 3.205 مليون دولار بعنوان فوائض المبلغ المحوّل و الفارق في صرف الدولار عن مدة حوالي 5 سنوات . و هذا القرار التحكيمي، لم تقبل به الدولة التونسية على خلفية التمسك ببطلان الجلسة العامة الإستئنافية وتضارب المصالح . لذلك و بداية من جانفي 1988 وقعت تتبعات جزائية بسعي من وزارة المالية ضد أعضاء مجلس إدارة البنك الفرنسي التونسي و وكيل المستثمرة لمخالفة تراتيب الصرف و إستعمال مكاسب الشركة لقضاء مصلحة شخصية وإثارة شركة على أخرى والتصرف دون وجه شرعي في أموال عمومية كانت مناطة بعهدتهم بموجب الوظيف، وصدرت أحكام بالسجن و عدّة خطايا مالية
في سنة 1989 سعى وكيل المستثمرة إلى الصلح مع الإدارة ومع الشركة التونسية للبنك وتمّ ذلك بموجب اتفاقيتين صلحيتين تشملان جميع القضايا والنزاعات التحكيمية المنشورة أو المزمع نشرها بتونس أو بالخارج، ومن البنود الّتي تم الاتفاق بشـنها حصول المستثمرة على مبلغ مليون دينار تعويضا عن الأضرار الّتي لحقتها، وتنازل وزارة المالية مقابل ذلك عن جميع التتبعات الناجمة عن جرائم الصرف وإلغاء العقوبات الصادرة ضد المستثمرة و وكيلها.

ولكن عند بداية تنفيذ الصلح بخصوص تحويل الدولة التونسية لمبلغ مليون دينار لفائدة المستثمرة بحساب يفتح لدى البنك الفرنسي التونسي، ومنحها فائضا على المبلغ ، لم يقم وكيل االمستثمرة بتسليم الوثائق اللاّزمة لفتح الحساب في بادئ الأمر، ثم سلّمها في مستهل سنة 1991 ولكنه أحجم إثر ذلك عن استعمال الحساب، ثم أعرب لاحقا عن تراجعه عن الصلح مبرّرا موقفه بأن الصلح تم إبرامه تحت الإكراه .

وفي ما بين 1991 و2003 رفعت المستثمرة عدة قضايا لدى القضاء الإنجليزي ضد البنك المركزي التونسي والشركة التونسية للبنك و البنك الفرنسي التونسي و لكنها فشلت في الحصول على حكم أو قرار لصالحها .

في سنة 2003 لجأت الشركة إلى القيام بقضية تحكيمية أمام المركز الدولي لفض نزاعات الإستثمار CRDIالتابع للبنك الدولي ، ضد الدولة التونسية للمطالبة بإسترجاع 500 ألف سهم بالبنك الفرنسي التونسي والتي تناهز 53،6 % من رأسمال هذا البنك وجبر الضرر عن حوالي سبع سنوات وبمثلها عن الضرر الناجم عن الاجراءات غير القانونية الّتي قامت بها الدولة التونسية ومنحها تعويضا، ثم حوّرت طلباتها في أكتوبر 2010 وطلبت رفع اليد عن المساهمات الّتي تُمكن من تسيير البنك وارجاع كامل الأسهم مع الرجوع في طلب التعويض كفرضية بديلة في صورة عدم الارجاع وحفظ الحق فيما زاد على ذلك.

في نوفمبر 2010 أصدر المركز الدولي لفض نزاعات الاستثمار CRDI قرارا يلزم السلط التونسية باعلام كل من يتقدّم لشراء البنك الفرنسي التونسي بفحوى النزاع القائم مع المستثمرة دون اقرار إيقاف عملية التفويت في الشركة التونسية للبنك موضوع طلب عروض دولي .

وخلال هذه الفترة، كان وكيل المستثمرة يشهّر بالسلطة التونسية رافعا راية انتهاك حقوقه وهضمها وذلك في كل المنابر واستمال بذلك المعارضين المقيمين بالخارج، خاصة الّذين عرفوا بمعارضتهم لنظام بن علي و إنخرطوا في الاستثمار في فرنسا وانقلترا وأصبح يتبنى صفة المعارض السياسي .

و في المقابل اعتبرت الدولة التونسية كل الاتفاقيات الصلحية لاغية بعد تراجع المستثمرة عن تنفيذ الصلح بما في ذلك التتبعات الجزائية، وبذلك أصبح النزاع إلى 2011 محكوما بقرارا ت غير محسومة قانونيا وأصبحت الحظوظ متساوية بين الطرفين لتمسك كل طرف بموقفه، رغم أن إرادة الدولة التونسية كانت متجهة إلى حل صلحي دون تحميلها مسؤولية الأخطاء الّتي حصلت.

بعد جانفي 2011 استغلت الشركة الظرف الجديد ، بتفعيل الاتفاق الصلحي مجدّدا و في تلك الفترة أعلن مركز التحكيم اختصاصه بالنظر في النزاع على أساس استنتاج وجود اتفاق بين الطرفين على اللجوء إلى تحكيم المركز نظرا إلى أن قانون رصد الاموال عدد 35 لسنة 1969 الّذي ينص في الفصل 20 على أن كل نزاع بين صاحب الرصود من الاجانب و بين الحكومة يكون نشأ عن فعل صاحب الرصود أو عن تدبير اتخذته الحكومة ضده ، يقع فصله وفقا لإجراءات التحكيم والصلح …

وعلى ذلك الأساس اعتبرت المستثمرة أن ما صدر عن الدولة التونسية إيجابي واقترن ذلك بقبول المستثمرة من خلال اشارتها في العديد من تبادل المراسلات منذ 1982 ولذلك علّقت إجراءات النظر في القضية إلى غاية 30/ 9/ 2013 لتمكين الطرفين من ابرام صلح ينهي النزاع بينهما .

  • المنعرج الأول في النزاع:

  • شهدت مجريات الصلح بين الطرفين بعد 2011 منعرجا جديدا إذ تكثفت جلسات التفاوض و شهدت فترة رئاسة حمادي الجبالي للحكومة حرصا على فض النزاع ، و بدا التحمّس لدى وزير أملاك الّدّولة السابق سليم حميدان ملفتا حسب الجهات الإدارية الّتي كانت لها صلة بالملف لذلك تم عقد ما لا يقل عن 7 جلسات عمل وزارية في تلك الفترة.فترة رئاسة محمّد المنصف المرزوقي ورئاسة حمادي الجبالي إلى حدود 13 مارس 2013 ثم حكومة العريض وكان نورالدين البحيري وزيرا للعدل إلى حدود مارس 2013 وثم أصبح وزيرا معتمدا لدى الوزير الاول علي العريض، وعيّن بدله نذير بن عمّو، وكان يشغل منصب وزير املاك الدولة سليم بن حميدان.

و هنا حرص وكيل الشركة على التمتع بالعفو التشريعي العام بالادعاء بأن الأحكام الصّادرة ضدّه كانت ذات خلفيات سياسية، ولكنه فشل في الحصول على ذلك في بادئ الأمر لعدم اعتبار ما حصل للمستثمر التونسي يندرج ضمن حالات العفو التشريعي العام، وهو أمر أجمع عليه تقريبا كل الّذين نظروا في الملف من اللّجان المختصّة. لذلك أصبح المستثمر يربط الصلح بتمتيعه بالعفو العام الّذي جاء به المرسوم عدد 1 لسنة 2011 وهو الموقف الّذي أصرّ عليه عند تحول لجنة التفاوض مع عبد المجيد بودن إلى باريس بتكليف من سليم بن حميدان الّذي كان متحمسا للصلح وحريصا على مساعدة وكيل المستثمرة الّذي تربطه به علاقات متميّزة . و لكن لم يتوصّل فريق التفاوض إلى حل صلحي بسبب إصرار وكيل الشركة على المقايضة ،بتمتيعه بالعفو، وهو ما رفضت لجنة التفاوض الخوض فيه لخروج ذلك عن مشمولاتها ، و هو ما لم يرق للوزير المذكور.

  • المنعرج الثاني:

  • على خلاف ما كان ينتظره الخبراء المتابعون للملف، صدر القرار التعقيبي عدد 113 بتاريخ 17 أكتوبر 2012 يقضي بتمتيع عبد المجيد بودن بالعفو التشريعي العام. وقد جاء بهذا القرار المستند على الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من المرسوم عدد 1 لسنة 2011، أن العفو يشمل كل الّذين حوكموا من أجل جرائم حق عام أو جرائم عسكرية إن كانت التتبعات قد تمت على أساس نشاط نقابي أو سياسي. وبعد إستعراض المحكمة لطبيعة الأحكام الجزائية الصّادرة ضد طالب العفو الّذي كان يمثل المستثمرة الأجنبية المجموعة العربية للأعمال ABCI، علّلت قرار إستجابتها لطلب طال العفو بـ «أن المكاتبة الصادرة عن المكلف العام بنزاعات الدولة بتاريخ 20 سبتمبر 2012 بما يلي: «… أنه بقراءة متانية للمرسوم عدد 1 لسنة 2011 المتعلق بالعفو التشريعي العام نجد أنها تسمح بإدراج وضعية السيد بودن ضمن المتمتعين بالعفو، ذلك أن الوصف السياسي للجرائم الّتي نسبت إليه خلال التعليمات الحكومية الّتي كانت السبب المباشر للإدانة و الإصرار على التجريم رغم حفظ التهمة الصرفية وتهمة الإبتزاز…

هذه المكاتبة صدرت إذن ،عن المكلف العام الساهر على حقوق الدولة التونسية، والّذي هو في مركز الطالب، والمشارك الرئيسي في مفاوضات الصلح، لذلك أُعتبر موقفه هذا غير مبرّر ومناقضا لمصلحة الدولة التونسية وهو ما جعل المتابعين يقولون بوجود شبهة فساد، باعتبار أن العفو مكن المستثمرة من الانقلاب على مفاوضيها وإعطائها ورقة مفصلية في التفاوض وحتى في مجريات الصلح لو وقع الجنوح إليه لحل النزاع .

لهذا السبب تم القيام بتتبع جزائي مازال جاريا لدى القضاء طبق الفصل 96 م.ج وتتضمن هذه القضية تفاصيل و جزئيات ، ووجهت فيها عدّة تهم للمظنون فيهم الذين باشروا الملف خاصّة في الفترة الممتدّة بين فيفري 2011 و 17 أكتوبر 2012. و الجدير بالملاحظة أن التحريات والأبحاث لم تتوقف على مسألة الضلوع في تمتيع وكيل المستثمرة بالعفو التشريعي العام الّذي تم بقرار قضائي نهائي وبات، وإنّما في مجريات المساعي الصلحيةمع المستثمرة الّتي إستغلت وثيقة “مشروع”  محضر صلح تمّ تبليغها لها بفرنسا ، و تمت نسبة تحرير هذه الوثيقة و مكان صدور ارسالها لأحد المظنون فيهم.

في نفس الوقت واصلت الشركة المستثمرة متابعة مجريات التحكيم للحصول على ما تطلبه بعد أن كسبت بعض الأوراق لصالحها، وهي أوراق كسبتها رغم تكليف مكتب محاماة أجنبي بالدفاع عن حقوق الدولة التونسية، والّذي تم تحميله مسؤولية عدم كسب القضية، رغم نفيه ذلك، واعتباره بأن المفاوضين تجاوزوه، وهو ما حدا بطلب تعويضه أو دعمه بمحامين تونسيين، وهذا موضوع آخر أثار الجدل في أوساط المحامين في فترة من الفترات  بخصوص ملفات تم فيها الإعتماد على مكاتب محاماة أجنبية بتكاليف مرتفعة ثبت بخصوصها وجود عمليات تلاعب واحتيال كبيرة بقضية الحال.

  • المستجدات القضائية

  • تجدر الإشارة أوّلا إلى أن الحديث عن تنفيذ قرار الهيئة التحكمية ضد الدولة التونسية، كذبته الشركة التونسية للبنك في بلاغ صحفي، إذ اكدت أن المستثمرة لم تكسب القضية بعد، وأن الإجراءات التحكيمية لم تبت إلاّ في إختصاصها، وأن الشركة التونسية للبنك غير معنية، وأكدت أن كل ما في الأمر، هو قيام الشركة المستثمرة ،بإجراء تحفظي في 28 أوت 2019 والمتمثل في عقلة تحفظية على أصول البنك الفرنسي التونسي في فرنسا، تمت مباشرتها بواسطة عدل من باريس، وأهمّها على بنك تونس الخارجي
  • TunisianForeign Bank TF
  • حصول تضارب في الأقوال بين ما اعتبره المكلف العام بنزاعات الدولة في اعتبار الإجراءات التي تم مباشرتها ضد الدولة التونسية في اعتبار العقلة التحفظية اجراء وقائي على أصول أحد البنوك التونسية العمومية، المساهم الأكبر في بنك تونس الخارجي، وهي حاليا، محل طعن من قبل محامي نفس البنك العمومي، مؤكدا على أن مبلغ التعويضات الّذي تناقلته وسائل الإعلام هو مجرد تقديرات من طالب التعويض، وأن الإجراءات القانونية حسب رزنامة محدّدة بالتّشاور بين المكلفين بقضية التحكيم في تونس والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ستستمر  خلال2021.

في حين اعتبر بنك تونس الخارجي (TFBank). أن ما تم تداوله في وسائل الإعلام يهم القضية المتعلقة بالبنك التونسي الفرنسي ولا يهم بنك تونس الخارجي.مشيرا أن الشركة التونسية للبنك انطلقت في إجراءات قانونية للطعن في قرار عقلة منقولاتها، باعتبار أنها المخولة بإنهاء هذا الملف في أقرب الآجال، إضافة إلى ذلك فإن البنك الفرنسي التونسي هو محل ملاحقة قضائية من قبل المكلف العام بنزاعات الدولة

هذا التضارب بين تصريحات الشركة التونسية للبنك و بنك تونس الخارجي، ولهجة الطمأنة زادت الملف غموضا، ولكن كل ذلك كشف أن للملف تبعات مالية وسياسية مكلفة و مؤثرة على سمعة تونس، وتحوم حولها شبهات فساد حقيقية ، لم يقع الإسراع بالفصل فيها رغم أنه يمكن أن تكون لها آثار جدية على مسار النزاع. ، فضلا عن طريقة معالجة مرتجلة ساهم التمطيط فيها في تفاقم الأضرار. ولا شك أن المستفيدين الساعين للحصول على حوالي ثلاث ملاين مليار بالعملة التونسية، لن يسلّموا وسيبقون متشبثين بموقفهم لخدمة مصلحتهم الضيقة، خاصة وأن هذه المصلحة لا تهم المستثمر التونسي المستفيد من الحكم فقط، بل تهم مصلحة كل من ساهم في مجريات هذه القضية بدءا من الهيئة التحكمية و مكتب أو مكاتب هيئة الدفاع والمستشارين وغيرهم من المساهمين في تحقيق النتيجة المرجوة .

وما يعمق الوضع أن وضعية البنك الفرنسي التونسي في تدهور مستمر، خاصّة بعد أن فشل في استرداد ديونه الّتي أُسندت لحرفاء دون ضمانات ،و حملت الشركة التونسية للبنك و البنك الفلاحي والبنك المركزي مئات الملايين من الدنانير، في محولات لإنقاذ البنك دون اللّجوء إلى تفليسه . لذلك تراكمت الأخطاء في الرقابة المصرفية و المالية و القانونية و الإدارية وحتى القضائية لتتسع حلقة شبهات الفساد. هذه الحلقة الّتي وضعت المالية العمومية في تونس في مأزق، وتناوبت على الملف الحكومات المتلاحقة بعد جانفي 2011 ، وتعاقب رمي الكرة بخصوصه من السلف إلى الخلف، دون أن تقع معالجته بالجدية والسرعة اللاّزمتين، والّتي ولو تمّت كما ينبغي لانكشفت في الإبان حقائق كارثية عمّن باشروا هذا الملف من الّذين تمركزوا في الصفوف الأمامية للسلطة إبان جانفي 2011…

إن الخلل الإداري في مؤسسات الدولة ساعد بشكل كبير في تأثير بعض الفئات الاجتماعية وذوي النفوذ والمال على بعض أجهزة الدولة وتوظيفها بطرق مختلفة لتحقيق مكاسب وثروات كبيرة عبر الانخراط في أنشطة وممارسات غير مشروعة والحصول على بعض التسهيلات الائتمانية والقروض البنكية من دون وجه حق أو ضمانات، وإهدار المال العام أو الاختلاس.

كما أن تشعب الإجراءات وكثرتها وتعقدها يدفعان بالمتعاملين مع الإدارة من فاعلين اقتصاديين إلى البحث عن المسالك الأقرب والأسهل، حيث أن المنظومة الإدارية والقانونية في تونس تضيع المبادرة الاقتصادية في متاهات الشكليات والإجراءات، مما يفتح  فرضية محاولة الالتفاف على تلك الإجراءات بطرق ملتوية، عنوانها الفساد، وغالبا ما يتم ذلك عن طريق تدابير “قانونية”.

الجزء الثاني  :قضية البنك الفرنسي التونسي.. هل يكون ملف الفساد الأكبر كلفة في تاريخ تونس؟

لا تزال قضية البنك الفرنسي التونسي تلقي بظلالها على الدولة التونسية وحاكميها منذ ثمانينيات القرن الماضي .عملية ترفيع في رأس مال البنك سنة 1983 سرعان ما تحولت إلى قضية مالية دولية بين الدولة التونسية والشركة العربية للاستثمار ABCI، التي يشرف على إدارتها التونسي عبد المجيد بودن إلى جانب الأمير السعودي بندر بن سلطان. وقد تمكنت المؤسسة العربية للاستثمار من الدخول في مناقصة الترفيع في رأس المال .

قُدرت مساهمة المؤسسة العربية للاستثمار في رأس مال البنك الفرنسي التونسي بـ20 مليون دولار في ذلك الوقت أي ما يعادل 50 في المائة من رأس مال البنك، لكن شهر العسل لم يدم طويلًا بين عبد المجيد بودن رئيس مجلس إدارة البنك الفرنسي التونسي والشركة التونسية للبنك والتي يعتبر البنك الفرنسي التونسي أحد فروعها بعد تبادل اتهامات بين الطرفين بمحاولة السيطرة على البنك.

تفاقم النزاع وبدأ مسلسل تكسير العظام. إذ اكتشف بودن بعد أشهر (حسب وثيقة المركز الدولي للتحكيم في قضايا الاستثمار الذي لجأ إليه بودن بعد ذلك) اختفاء مبالغ طائلة من رأس مال البنك الفرنسي إضافة إلى تحويل جزء من ديون الشركة التونسية للبنك إلى حسابات البنك الفرنسي التونسي.

بعد انقلاب 1987، وضع البنك الفرنسي التونسي تحت تصرف القضاء وحكم على عبد المجيد بودن بـ6 سنوات سجنًا بتهمة التلاعب بالمال العام وخطية مالية تقدر ب30 مليون دولار. غادر بودن البلاد على جناح السرعة والتجأ إلى القضاء البريطاني الذي حكم في سنة 2004 بعدم أهليته في القضية التي رفعها على الدولة التونسية من أجل استعادة أموال المؤسسة العربية للاستثمار قبل أن يتوجه إلى المركز الدولي للتحكيم في قضايا الاستثمار والذي حكم في سنة 2011 بأهليته في البت في القضية، ثم قضى في سنة 2017 بمسؤولية الدولة التونسية في القضية. ولم يبق إلا الحكم بقيمة التعويضات التي ستكون هائلة وستتسبب في انخرام للمالية العمومية.

يتعلق بالبنك الفرنسي التونسي عدد كبير من ملفات الفساد، فساد تاريخي يتعلق بما ذكر سابقًا حول محاولة بعض الأطراف الاستيلاء على أموال المؤسسة العربية للاستثمار، وفساد يتعلق بقروض تم الحصول عليها دون ضمانات فاقت الـ 300 مليون دولار، وقضية فساد لم يقع البت فيها إلى اليوم اتهم فيها وزيرين ل أملاك الدولة بتقديم وثائق للشركة العربية للاستثمار تثبت مسؤولية الدولة التونسية، وأيضًا ملف فساد يحوم حول تكليف الدولة التونسية لمكتب المحاماة هاربت سميث Herbert Smith الذي تقاضى أموال طائلة قبل أن تخسر تونس القضية.

ملفات فساد أو شبهات فساد كان سببها الوحيد الوضعية المعقدة للبنك الفرنسي”أصبح البنك الفرنسي التونسي مثل مكب للقروض الكريهة، يتم إرسال جميع عمليات الفساد المالي إلى حسابات البنك الفرنسي التونسي حتى يتم إعدامه بعد ذلك بما فيه”. لقد تم إغلاق جميع العمليات المالية منذ جانفي 2017 بقرار من البنك المركزي وذلك على خلفية تعقد الأزمة التي يعيشها، اليوم يعيش موظفو البنك الفرنسي التونسي في وضعية صعبة لا عمليات مالية ولا عمليات استخلاص ديون حتى أن موظفي البنك لا يستطيعون الحصول على قرض منه”.

وفي سبتمبر 2019قام  المجمع الاستثماريABCI Investment بعقلة تحفظيّة مختلّة شكلا على بنك تونس الخارجي في باريس تم رفعها فيما بعدثماعلن المجمع الاستثماربتنفيذ عقلة على البنك التونسي المنتصب في فرنسا TF Bank وعلى حسابات واصول الدولة التونسية، في قضية البنك التونسي الفرنسي.وتمكن خصم الدولة التونسية في قضية البنك الفرنسي التونسي، من استصدار قرار قضائي دولي يقضي بإجراء عقلة توقيفية على كامل الأصول والسندات المملوكة للدولة التونسية، لضمان خلاص الدين والخطية المالية المسلطة على تونس والمقدرة بحوالي 2800 مليون دينار.
كما يسمح هذا القرار لخصم الدولة التونسية، أيضا بالحجز على أية أموال تونسية تمر عبر بنوك الاتحاد الأوروبي.

  • البنك الفرنسي التونسي : هدفً لعمليات الفساد بسبب وضعيته المعقدة

أسئلة عديدة يطرحها هذا الملف حول سبب استثناء البنك الفرنسي التونسي من إعادة الرسملة واستثنائه أيضًا من عملية التدقيق التي خضعت لها البنوك التي تم إعادة رسملتها وحول محاولات الحكومات تصفيته بما فيه.

لقد أصبح البنك الفرنسي التونسي هدفًا لعدد من عمليات الفساد بسبب وضعيته المعقدة، وتتلخص هذه الوضعية المعقدة في أن الدولة التونسية وخلال بداية القرن الحالي عمدت إلى تحسين وضعية البنك عبر توسيع قاعدة الحسابات وقبول جميع العمليات المالية و إسداء قروض دون ضمانات وصلت إلى ما يقارب 400 مليون دينار رغم أن رأس مال البنك لا يتجاوز 5 مليون دينار. ولقد كان الهدف من وراء التضخيم في العمليات المالية هو إظهار البنك الفرنسي التونسي وانه يحقق نتائج إيجابية باعتباره يملك رصيدا ماليا وهي صورة مغلوطة ومخالفة تماما للواقع : “كانت هذه العملية بجميع تفاصيلها تهدف إلى بيع البنك، أول عملية بيع حصلت في سنة 2006 لكن تم إبطالها بعد قضية رفعتها المؤسسة العربية للاستثمار، وكان مقرّرًا في سنة 2010 بيعها إلى صهر بن علي مهدي بالقايد لكن احداث 14 جانفي 2011 أجهضت العملية”.

 بعد تعطل عملية البيع الأولى والثانية لم تستطع الحكومات المتعاقبة استرجاع القروض التي تم منحها دون ضمانات اذ من الثابت و ان عددا كبيرا من الاشخاص الذين تحصلو على قروض بنكية هامة و دون ضمانات هم اما متحصنون بالفرار بالخارج  او يعيشون طلقاء احرار رغم وجود احكام وتتبعات جزائية سارية المفعول في شانهم .

من جهة أخرى و لمتابعة القضية مع الهيئة الدولية للتحقيق في قضايا الاستثمار، كلفت الدولة التونسية مكتب المحاماة هاربرت سميث Herbert Smith، وتحوم شكوك كثيرة حول ظروف تكليف هذا المكتب. ويؤكد تقرير نشر في جوان 2013 صادر عن وزارة أملاك الدولة، أن المكتب احتسب تعريفة بالساعة غير التعريفة المتفق عليها، وأن أتعاب المكتب بلغت ما يقارب 35 مليون دولار أي ما يقارب 100 مليون دينار.

ومن جانب آخر، توجد شبهات تورط حول دور أطراف كانت تمتلك نفوذًا خلال العشر سنوات الاخيرة أي إبان حكومة الترويكا و عدد من المسؤولين السابقين بتقديم وثائق إلى الطرف المقابل  أي الضد في القضية المرفوعة ازاء الدولة التونسية استعان بها لتقويه موقفه في القضية.  فخلال سنة 2012 عندما قرر الرئيس المدير العام للشركة العربية للاستثمار عبد المجيد بودن التفاوض مع الدولة التونسية لإيجاد حل للقضية دون اللجوء إلى القضاء الدولي، وتم الاتفاق على حل يحصل بمقتضاه بودن على عفو تشريعي لإسقاط الأحكام السياسية في مقابل الدخول بمبلغ 60 مليون دولار في رأس مال البنك الفرنسي التونسي.

الدولة التونسية لم تتمكن من فتح قنوات للتفاوض مع الطرف الآخر في قضية البنك الفرنسي التونسي لحل المسألة دون الرجوع إلى الهيئة التحكيمية الدوليةأما بخصوص تقدم القضية أمام الهيئة التحكيمية الدولية،فقد تم الحكم في جويلية 2017 بمسؤولية الدولة التونسية.

صندوق النقد الدولي وافق في الاثناء على منح قسطين لتونس بقيمة جملية تعادل الـ 500  مليون دولار بعد التزام الحكومة بحزمة “إصلاحات”،  ولكن هناك إمكانية كبيرة أن يتغير عنوان هذا المبلغ من تمويل للميزانية إلى تعويض في قضية البنك الفرنسي التونسيستعوض الحكومة الخسارة من جيوب دافعي الضرائب لكنها لن تتجرأ، كما يؤكد مراقبون على تتبع رجال الأعمال الذي تحصلوا على قروض دون ضمانات من البنك الفرنسي التونسي بل ومن بنوك تونسية أخرى.

 الفصل الاخير ، تونس تعلن إفلاس البنك الفرنسي التونسي والانطلاق في مسار تصفيته في حكم قضائي صدر بتاريخ مارس 2022 في القضية عدد 947 عن المحكمة الابتدائية بتونس  : حكم في مادة انقاذ البنوك المتعثرة ، لطي الملف بجملة من الإجراءات القانونية والإداريةبتحفظ كبير وبعبارات تقنية، تحدث محافظ البنك المركزي عمّا يشبه انطلاق الفصل الأخير من قصة إفلاس أول بنك في تونس بموجب حكم قضائي لم يأتي الا على سرد الاجراءات و الذي قضى بتوقف البنك الفرنسي التونسي عن الدفع وهو مايعني انتهاء حياته وبالتالي تصفيته وجرد مكاسبه ومن ثم اشهاره بالرائد الرسمي بينما لا يزال الغموض والتكتم يكتنف الكثير من خفاياه…

الخطر الحقيقي سياسي بالأساس، يكشفه تعرض البنوك إلى الهرسلة من قبل السلطة، ليصل الأمر إلى تهديد بعضها حتى بالمصادرة تحت عنوان مكافحة الفساد فالإشكال يكمن في علاقة البنك الفرنسي التونسي بالشركة التونسية للبنك على اعتباره شركة تابعة، والمخاوف تكمن في إمكانية تأثر التوازنات المالية للشركة التونسية للبنك في صورة عدم احتوائها، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتدادات على بقية البنوك في مرحلة ثانية…

لا تزال ملفات الفساد المالي والإداري في المنشآت العامة والخاصة، تثير الجدل في تونس،وشهدت الدولة قبل أيام صخبا واسعا حيث عاد ملف مكافحة الفساد في تونس ليخيم على الأجواء الرسمية من جديد، بعد فتح القضاء تحقيقات في شبهات طاولت مسؤولين في قطاعات عدة، بينها سلك القضاء ذاته، بينما تسود شكوك في جدية السلطات في الحد من حالات التربح وإهدار المال العام التي استشرت في السنوات الأخيرة.

By Zouhour Mechergui

Journaliste