الجمعة. ديسمبر 27th, 2024

يعيش العالم اليوم على وقع أزمة طاقية حادة إمتدت أثارها إلى جميع دول العالم بدون استثناء، وخلّفت الأزمة الحادة لارتفاع أسعار النفط والغاز جراء الحرب الروسية -الأوكرانية ليقرّر أوبك التخفيض في إنتاج النفط.

 وفجّرت أزمة الوقود غضب الفرنسيين إذ تواجه باريس أزمة نقص الوقود في محطاتها بسبب إضراب نظّمه عمال المصفاة التابعة لشركة “توتال” الفرنسية وبعد التذمر الكبير دعا الرئيس إيمانويل ماكرون المواطنين إلى “الهدوء” والتحلّي بـ”المسؤولية” من أجل وضع حدّ للأزمة.

هذا وتواجه أكثر من 20% من محطات الوقود الفرنسية مشكلات في الإمدادات كنتيجة للاضطرابات التي تشهدها سلاسل الإمداد النفطية العالمي، نفس الإشكال تواجهه ألمانيا هي الأخرى حيث هزّت أزمة الطاقة العمود الفقري لاقتصاد ألمانيا ممّا دفع ببعض الشركات إلى تدارس الهروب نحو مناطق أخرى من أجل توفير احتياجات أوروبا من الوقود، ومواجهة التحدي الروسي.

 وفيما تسعى القارة الاوروبية منذ اندلاع الحرب الروسية -الأوكرانية واستخدام ورقة النفط والغاز من قبل أمريكا في إدارة صراعها مع روسيا، إلى أن يكون لديها إدارة جماعية للازمة، وإتباع خطوات لترشيد استهلاك الطاقة في أوروبا، إلى جانب مراجعة الإجراءات المتخذة للاستغناء عن الطاقة الأحفورية (النفط، والغاز، والفحم) والتفكير في العودة إلى خيار الطاقة النووية.

من جانب آخر تُظهر أزمة الطاقة الحالية -كواحدة من الأزمات الاقتصادية- ذلك التباين الواضح في أداء اقتصادات الدول العربية المنتجة للنفط وكذلك الدول النامية .

ففي الوقت الذي تحسّنت فيه المؤشرات المالية للدول العربية المصدرة للنفط -مع الاتجاه  المتصاعد  لأسعار الخام في السوق الدولية، منذ 2021، جاء قرار أوبك ليدفع الأسعار في السوق الدولية نحو مزيد من الارتفاع، أو يحافظ عليها في حدود 85 دولارا للبرميل في المتوسط، وهي نتيجة مرضية لهذه الدول، بالمقابل دفعت الدول النامية فاتورة ارتفاع معدلات التضخم في السوق الدولية، لكونها دول مستوردة لكثير من احتياجاتها.

ومن الجانب الآخر فإن المتضرّر في دول المنطقةسيكون تلك الدول المستوردة للنفط، حيث ستتحمل موازناتها آثارا سلبية مضاعفة، من جهة زيادة فاتورة الواردات الخام والسلع الأخرى، وذلك المواطن الذي يواجه أعباء معيشية متزايدة، دون وجود برامج حماية اجتماعية مناسبة، وأخرى لتقليص الفجوة بين الأجور والأسعار.

تشهد دول العالم النامي تدهورا حقيقيا حيث تواجه تونس أزمة اقتصادية حادّة وارتفاعاً في نسبة التضخم، ليبلغ العجز التجاري للبلاد خلال النصف الأول من العام الجاري 3.6 مليار دولار، بنسبة 56%..

تدخل أزمة الوقود في تونس منعطفًا جديدًا، مع تراجع المعروض في المحطات وتزايد الطلب، فطوابير طويلة أمام بضع محطات لا زالت تنتظر الوقود بشكل أثار المخاوف بشأن إقبال البلاد على مشكلة حادّة.

نتيجة للعجز المالي لعام 2021 وامتداد آثاره إلى عام 2022، كشفت الأوضاع الاقتصادية بالبلاد عن اضطراب برنامج تزويد مادتي البنزين الخالي من الرصاص والبوتان، نظراً إلى إلغاء شحنات مادة “الغازوال” لأشهر يناير وفبراير ومارس، مما تسبب في تراجع المخزون الاحتياطي الوطني، إضافة إلى تهديد جدي من عدد المزودين بفسخ العقود نظراً إلى التأخير في الخلاص ورفضهم جدولة الديون المتبقية بذمة الشركة، وأقرت المسؤولة بخطر فسخ العقود نتيجة عدم الخلاص مع كل ما يتسبب فيه ذلك من تبعات ارتفاع الأعباء المالية، وفق  وزارة الطاقة التونسية.

ولتأمين تزويد السوق المحلية، تضطر الشركات إلى التداين البنكي قصير الأجل، مما يتسبب في ارتفاع الأعباء المالية التي تتجاوز سنوياً 50 مليون دينار (15.6 مليون دولار)، فضلاً عن زيادة المخاطر وبلوغ سقف المديونية المسموح به مع صعوبة المحافظة على المخزون الاحتياطي في مستوى مقبول.

من جهة أخرى، ارتفع استهلاك المواد البترولية خلال شهر يوليو من هذا العام بنسبة خمسة في المائة بالمقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، وسجل استهلاك البنزين زيادة بنسبة 10 في المائة في حين شهد استهلاك “الغازوال” انخفاضاً طفيفاً بنسبة واحد في المئة مع بداية العودة الاقتصادية الطبيعية على أثر تداعيات مجابهة الموجة الثانية من أزمة “كوفيد”.

إن الوضع الطاقي في تونس أضحى مختلاً بسبب ما وصف بـ”الارتفاع الصاروخي لأسعار النفط، وبشكل لافت في الأسواق العالمية”،  كما تم رصد حاجات التمويل هذا العام بقيمة 5200 مليون دينار (1677.4 مليون دولار) من المواد النفطية (محروقات وغاز طبيعي وكهرباء)، لكن بسبب الصعود المتزايد لسعر برميل النفط تضاعفت الحاجات إلى مستوى 10200 مليون دينار (3290.3 مليون دولار).

 كما أنّ حجم دعم المحروقات المقرر في موازنة 2022 كان في حدود 2900 مليون دينار (935.4 مليون دولار)، لكنه ارتفع إلى مستوى 8 مليارات دينار (2580.6 مليون دولار) متضاعفاً بأكثر من ثلاث مرات، و ذلك ينذر بكون المعطى الطاقي الراهن أصبح مقلق جدا ، لا سيما على مستوى التوازنات المالية للبلاد.

By Zouhour Mechergui

Journaliste