الجمعة. ديسمبر 27th, 2024

عادل الحبلاني-باحث بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية اولعسكرية بتونس

رافقت ظاهرة التنظيمات الارهابية التي عرفت أوجها في الشرق الأوسط وخاصة في العراق وسوريا, ظاهرة تجنيد الأطفال واستغلالهم في تنفيذ العمليات الارهابية. وإن تبدو هذه الظاهرة وفق التقارير الأمنية ظاهرة مستشريه وآخذة في التصاعد وتتطلب مزيد بذل الجهود اللازمة للتصدي لهذه الظاهرة, إلا أنها تأخذ اليوم منحا أكثر خطورة وبوتيرة متسارعة تزامنت مع تغلغل التنظيمات الارهابية في إفريقيا وخاصة تنظيم داعش.

فماهي أهم العوامل والحوافز التي راكمت من ظاهرة استغلال الأطفال من قبل التنظيمات الارهابية

يتعرض الأطفال اليوم في بؤر التوتر والنزاعات والمناطق التي تجتاحها التنظيمات الارهابية في افريقيا بعد أن تحول أغلب مقاتليها إلى القارة الافريقية إلى أبشع الأعمال العنيفة والمشينة من ترهيب واغتصاب واعتداءات جنسية, بالإضافة إلى استخدامهم كدروع بشرية  والقيام بمهام التفجيرات والأحزمة الناسفة ومهاجمة أسرهم وعائلاتهم بغاية اثبات الولاء التام للتنظيم وتجنبا لأشكال التعذيب التي تمارس عليهم.

ويتم استغلال الاطفال من قبل التنظيمات الارهابية والجماعات المتطرفة من خلال أساليب التجنيد الشرسة والاسترقاق والاستغلال الجنسي للفتيات والفتيان وتعريضهم للخوف المستمر تحت مظلة الترهيب والترغيب عبر زرع الخوف في نفوسهم ومعاقبتهم في كل مرة, بالإضافة إلى ذلك يتم تلقين الأطفال العقائد وتعريضهم لكل أنواع الضغط النفسي وتحويلهم إلى أدوات بالغة الخطورة في أيدي الجماعات التي تجندهم, الأمر الذي يجعلهم قادرين على القيام بكل الأعمال الارهابية والجنائية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.

وبالعودة على هذه الظاهرة نجد ان أول تمظهراتها وفق منظمة “هيومنرايتسووتش” كانت في سنة 2012 التي قام فيها ما سمي وقتها بالجيش الحر بتجنيد الأطفال والزج بهم في ساحات القتال ضد النظام, ومنذ ذلك الحدث الفارق حذت الجماعات الارهابية مثل جبهة النصرة وداعش حذو الجيش الحر وعملت على تجنيد الأطفال بشكل ممنهجحيث يتم تجنيد الأطفال الذين تبلغ أعمارهم ما فوق الخمسة عشر سنة بدون تواني. وفي شهادات لبعض الأطفال الذين نجوا من ساحات القتالقالوا بأنهم قاموا بعمليات التجسس وأعمال القنص ونقل الذخائر وإمدادات أخرى لخطوط المعارك المستعر فيها القتال.

وإن يبدو عدد الأطفال الذين شاركوا في النزاع المسلح السوري غير محدد, إلا أنه وإلى حدود شهر ماي 2014 كان مركز توثيق الانتهاكات – وهي جماعة رصد ومراقبة سورية – قد وثق مقتل 194 طفلاً “غير مدنيين” من الذكور، منذ سبتمبر/أيلول 2011.

أخذت وتيرة تجنيد الأطفال تصاعدا كبيرا خاصة بعد احتراف هذه الجريمة ضد الاطفال من قبل التنظيمات الارهابية في افريقيا وخاصة جماعة بوكو حرام وداعشوالجماعات المتطرفة المتنوعة والمنبثقة بعضها عن بعض, حيثتؤكد دراسة لمرصد الأزهر أن العامل الأكثر دفعا لاستثمار الحركات المتطرفة في الأطفال هو أنهم أقل تكلفة من المقاتلين المرتزقة بالإضافة إلى أنه يسهل السيطرة عليهم, ناهيك عن الحماسة التي يتمتعون بها و مدى قابليتهم للانضباط وتنفيذ الأوامر, الأمر الذي يسهل عمليات اقناعهم بالعمليات الانتحارية وذلك من خلال السيطرة على عقولهم بعد غسل ادمغتهم عبر المدارس التعليمية التي يمرون بها بالضرورة بغاية مسخ هويتهم وغرس كل الأفكار المتعلقة بالعنف والقتال, وحيث أن التنظيمات المتطرفة على غرار ” بوكو حرام” و”داعش” وتنظيم ” القاعدة”  و ” حركة الشباب الصومالية” تضرب عرض الحائط  كل المواثيق والقوانين الدولية المتعلقة بتجريم تجنيد الأطفال وتعتبر هذا الفعل جريمة حرب, فإن الاقدام على تجنيد الاطفال آخذ في التنامي وبوتيرة متسارعة, ففي سنة 2017 أجبرت بوكو حرام ما لا يقل عن 135 طفل على القيام بعمليات انتحارية, من جهتها جندت حركة الشباب الصومالية ,على الرغم من محاولات التصدي الحكومية والدولية لهذا التنظيم,أكثر من 1800 طفل خلال الشهور الأولى من سنة 2017 تتراوح أعمارهم بين العشرة سنوات والخمسة عشرة سنة, يتم تدريبهم على الأسلحة النارية وتمكينهم من مهارات التعامل مع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة, مقابل مدهم براتب شهري يتلقاه الأطفال في ظل أوضاع اقتصادية متأزمة تستثمره التنظيمات المتطرفة لمزيد استقطاب الأطفال وتحفيزهم على الانتماء.

أما تنظيم داعش الارهابي والمتمركز بخاصة في النيجر وأوغندا والعديد من الدول الافريقية وهو التنظيم الأكثر تطرفا ودموية فتقوم استراتيجية تجنيد الأطفال لديه على استثمار الأوضاع السياسية المتأزمة في أغلب الدول الافريقية وحالات الصراع القائمة بين نظم الحكم والشعوب, والتوترات العرقية والاثنية بين أفراد الشعب الواحد, بالإضافة إلى الاستثمار في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الهشة وما خلفته جائحة كورونا من فقر وجوع وفاقة وانعدام للأمن الغذائي ناهيك عن التغيرات المناخية التي زادت من تأزيم الأمن المائي والزراعي وهددت القوت اليومي لسكان افريقيا, حيث دأب تنظيم داعش إلى استغلال كل هذه الظروف والبنية النفسية الهشة للأطفال وعائلاتهم عبر منحهم السلطة والحماية والمال والامكانيات التي افتقدوها في مجتمعاتهم ولم توفرها دولهم وحكوماتهم المتعاقبة, حيث يقوم التنظيم باستغلال الانقطاع المبكر للأطفال عن التعليم واستدراجهم للمدارس الجهادية التي ينشئها داعش خاصة في المناطق الريفية, وبذلك يقوم بتعليمهم وتنشئتهم على الفكر الجهادي, حيث تقوم الخطوات الأولى على تلقينهم تعاليم دينية تتبنى الفكر الجهادي ومن ثمة فرزهم على أساس المهرات التي يبديها كل طفل على حدى ومن ثمة توظيف هذه المهارات بما يتناسب مع مخططات التنظيم. فهناك من تتماشى مهاراته من دقة ملاحظة وفطنة  مع الجوسسة وهناك من يبدي قدرة هائلة على الخطابة والتأثير في بقية الأطفال ومنهم من يكون عنيف وانفعالي ولا يملك أي عاطفة تجاه بني جنسه فيصبح جلادا أو منفذ عمليات الاعدام والذبح. وهناك في المقابل من يرفض الانصياع والخضوع لأوامر التنظيم فيتم إما قتله أو دفعه للقيام بعمليات انتحارية.

أما المرحلة الثانية في استراتيجية التنظيم وبعد التأكد من عملية الفرز على قاعدة المهارات التي يبديها كل طفل, فتكمن أساسا في اخضاع الأطفال للتدريبات العسكرية المتنوعة والتي تقوم بدورها على تمكينهم من احتراف استعمال الاسلحة المتنوعة بما في ذلك التمكن مع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة و عمليات القتل والذبح.

لم يكتفي التنظيم بتجنيد الأطفال فحسب بل يقوم إما باستدراج الفتيات أو خطفهم, ناهيك عن الفتيات اللاتي يتقدمن طوعا للانضمام للتنظيم وتقديم خدماتهم  سيما وأن التنظيم يقدم لهم مقابل مادي يسمح لهم بإعالة عائلاتهم في ظل الظروف الاجتماعية الهشة التي يعيشونها.

 وتكمن مهام الفتيات أساسا  في الطهي والغسل كمهام حينية أما مهامهم الاستراتيجية وفق رؤية التنظيم فتقوم على إنجاب أجيال جديدة من المقاتلين وذلك من خلال تزويجهم قسريا بالقادة والمقاتلين, حيث أفادت دراسة قامت بها منظمة اليونيسف أن 29 بالمئة من الفتيات اللاتي أفرج عنهم تعرضوا للاعتداءات الجنسية والزواج القسري من قيادات التنظيم بين (2018 -2020).

 يعاني الأطفال في القارة السمراء من الظروف الاجتماعية والاقتصادية الهشة والفقر والجوع والفاقة والانقطاع المبكر عن التعليم ويتعرضون إلى كل أنواع الاكراهات التي تحول دون طفولتهم كحق يجب أن يتمعوا به ويعيشونه, بالإضافة إلى ذلك هم يتعرضون إلى كل أنواع الضغوطات النفسية وهم عرضة أكثر من غيرهم  للاستدراج من قبل التنظيمات الارهابية تحويلهم إلى أدوات بين أيدي التنظيمات الارهابية ومشاريع على غاية كبيرة من الخطورة في صفوف وأجيال داعش المستقبلية.

By Zouhour Mechergui

Journaliste