الخميس. ديسمبر 26th, 2024

اعداد صبرين العجرودي: قسم البحوث والدراسات السياسية والعلاقات الدولية

تحظى جزيرة تايوان بأهمية كبرى بناءَ على عديد العوامل لذلك اصبحت هذه الجزيرة نقطة مركزية في الصّراع بين القوى الكبرى لإعادة رسم النظام العالمي المقبل، إذ تسعى الولايات المتحدة الامريكية للحفاظ على القطبية الاحادية بمنع الصين عن اعادة تايوان تحت نفوذها، ورغم القيود والتهديدات العسكرية من طرف بكين الا ان واشنطن تجاوزتها تخوفا من أي تهديد قد يمسّ من نفوذها ويقدّم مزايا للصين أهمّها الصعود الاقتصادي والتكنولوجي وثانيها تهديدات عسكرية اخرى يمكن ان تشمل واشنطن وحلفائها في القارة الآسيوية نتيجة الموقع الاستراتيجي الهام لتايوان.

فيما تتمثّل قصّة هذه الجزيرة وما سرّ أهميتها بالنسبة للقوى العالمية الكبرى؟

الصراع من أجل حكم “الصين الواحدة”

تقع جزيرة تايوان في المحيط الهادي في شرق القارة الآسيوية، تفصلها عن الصين”مضيق تايوان” (Taiwan Strait)البالغ 180 كيلومترا، انظمت الجزيرة في القرن السابع عشر الى الصين واصبحت تحت حكمها، وفيما بعد تعرّضت للغزو الياباني في فترة استمرت خمسة اشهر ممتدة من 29 مايو الى 18 نوفمبر من عام 1895 بعد حرب مع الصين انطلقت  1 اغسطس عام 1894 الى 30 ابريل 1895 انتهت بتنازل الصين عن الجزيرة عن اليابان.

وفي 2 سبتمبر من عام 1945 اعلنت اليابان استسلامها بعد حرب دامية مع الاتحاد السوفياتي.

 هُزمت طوكيو لتعود تايوان تحت حكم الصين وذلك بدوره كان خلال فترة مؤقته، إذ أنّ الصين في تلك الفترة كانت تخوض حربا أهلية ايديولوجية بين حزبين من تيارين مختلفين، تمثّلا في “الحزب الشيوعي الصيني” التابع للاتحاد السوفياتي و”حزب الكومينتانغ الوطني” أو “الحزب القومي الصيني” المدعوم من الولايات المتحدة الامريكية، وقد أحدثت هذه الحرب تغيّرات عميقة في تاريخ الصين ليقوم لينتصرالحزب الشيوعي الصيني ويتم الاعلان عن جمهورية الصين الشعبية أو الشيوعية، وبذلك انقسمت الصين الى شقين أيديولوجيين عدوين الاول (الحزب الشيوعي) يسيطر على بر الصين الرئيسي، فيما سيطر حزب الكومينتانغ على جزيرة تايوان، وقد اتجه الصّراع فيما بعد نحو مضيق تايوان بين الطرفين لنيل الاعتراف الشرعي بحكم كل الصين، حيث يتبنان مبدأ الصين الواحدة.

ويُذكرُ أنّ الحرب قد قامت بين الحزبين على مرحلتين، المرحلة الاولى بين عامي 1927- 1937 حين تحالفا من أجل مواجهة المستعمر الياباني، والمرحلة الثانية استمرت بين عامي 1946 و1950 بعد هزيمة طوكيو مباشرة في عام 1945، وكانت نتيجة الحرب نقطة مفصلية في تاريخ الصين حيث انتهتبهزيمة الحزب القومي الصيني وهجرة حوالي مليون شخص في عام 1949 من شرائح مختلفة من الكومينتانع الي جزيرة تايوان تمثّلوا في موظّفين حكوميين وتجّار ورجال أعمال، لم يقتصر ذلك على مجرّد هجرة، بل سارعت هذه الشرائح فيما بعد الى السيطرة على الجزيرة تحت القياد الامريكية  لتطلق عليها “الصين الوطنية” المعادية لـ”الصين الشعبية” المحكومة من الحزب الشيوعي.

وقد أسّس الحزب القومي الصيني مدينة تايبيه (Taipei) كعاصمة لتايوان لتكون مقرا للحكومة المركزيةبدعم من الغرب الذي لا يعترفبالصين الشيوعية مؤيدا وجهة نظره بتسليم جزيرة تايوان مقعد الصين الدائم في مجلس الامن، ولم تتصدّ الولايات المتحدة الامريكية لمحاولات الصين الشعبية في إعادة ضم تايوان لأهمية هذه الجزيرة بالنسبة لها، بل خلال فترة الخمسينات لم تكن لتايوان أهمية استراتيجية إلا في كونها وسيلة لتحجيم قدرات الصين الشعبية  في القارة الاسيوية ومنعها من تمثيل الصين في حكمها وبلورة تايوان كجزيرة مناهضة للتمدد الشيوعي في القارة، وقد تمكّنت الجزيرة من تحقيق استقلالهافي جميع الاصعدة  بتلقيها الدعم من الرأسمالية الغربية.

على خلفية نزاع نشب بين الاتحاد السوفياتي وبكين، قامت الولايات المتحدة الامريكية بتحويل موقفها ضد تايوان بطردها من مقعد مجلس الأمن وتسليمه للصين الشعبيةلتمثيل الصين، ثمّ قامتفي عام 1979 بسحب اعترافها بالجزيرة في مقابل الاعتراف بالصين الشعبية في عام 1979.

ويعني سحب الاعتراف من تايوان كدولة مستقلة ممثلة لدولة الصين الرسمية عودة الجزيرة في تبعية لبكين وسحب البساط من الحزب القومي الصيني، وذلك استنادا الى سياسة الصين الواحدة، الرافضة الى الاعتراف بكتلتين تمثّلان الصين الواحدة.

أثّر قرار الولايات المتحدة الامريكية على تايوان ضمن نطاق واسع إذ تراجع الاعتراف الدولي بها ولم تحافظ على علاقاتها الديبلوماسية إلا مع 15 دولة من دول الامم المتحدة من بين 193 دولة، ودولة واحدة فقط في القارة الافريقية .

سعي تايوان للاستقلال بذاتها بعيدا عن الصين

أثارت مسألة تراجع الولايات المتحدة الامريكية عن الاعتراف بتايوان وجعلها في تبعية لبكين قضية اخرى، حيث لم تعد تايوان ترغب في استرجاع تمثيل الصين، لكنّ ظهر جيل جديد من السّاسة الذين ينتمون الى فئة “بشنغرين”(Benshengren)المتعرّضة للتهميش خلال فترة حكم الحزب الوطني الصيني، هذه الفئة التّي تمثّل اغلب سكان تايوان بنسبة 70% طالبت بالانفصال عن الصين لبناء هويتها كبلد مستقل وقائم بذاته بعيدا عن الصين الرسمية، في نفس الوقت لم يؤثر سحب الاعتراف الامريكي بالجزيرة كدولة ممثّلة للصين عائقا اما مواصلة أمريكا في دعمها، وهو عامل اساسي تستمد منه تايوان صلابتها للمطالبة بالاستقلال، في نفس الوقت تعتمد الولايات المتحدة الامريكية على هذه السياسية لأنّها من أبرز الداعمين لفكرة انفصال تايوان عن الصين، بينما كانت بكين حريصة على ضمّ تايوان بطريقة سلمية، حيث تضمن لها حكمها الذاتي وفي نفس الوقت تحافظ على مبدأ الصين الواحدة.

في الحقيقة تقف عدّة أسباب وراء سعي الولايات  المتحدة الامريكية لفصل تايوان عن بكين، فإلى جانب منافستها مع الصين وسعيها لتحجيم وزنها في النظام العالمي، الاّ أنّ تايوان تحظى بامتيازات كبرى على مختلف الاصعدة، فيما تتمثّل؟

  • الموقع الاستراتيجي

تحتل الصين موقعا استراتيجيا بالغ الاهمية مقارنة بحلفاء الولايات المتحدة الامريكية  في القارة الآسيوية، إذ تهيمن على الجزء الشرقي من القارة، ممتدة لوسط وشمال وجنوب القارة، ويمثّل هذا الجزء الهام ما يقارب ثلث سكان العالم، بينما لا تشكّل الدول الحليفة لواشنطن والغير خاضعة لنفوذ بكين أهمية جغرافية او ديمغرافية هامّة مقارنة بها، وتتركّز هذه الاقطار في أجزاء صغيرة من الضفف الشرقية والجنوبية الشرقية للقارة في شكل جزر أو ما يشابهها مثل كوريا أو اليابان، اندونيسيا، دول شبه جزيرة الهند الصينية …

أمّا تايوان فيميّزها مضيق فورموسي او مضيق تايوان بالغ الاهمية في حركات التجارة العالمية والذي يمتد طوله الى 180 كم  ويمثّلجزءً من بحر الصين الجنوبي ويتصل مع بحر الصين الشرقي، لذلك تسعى الولايات المتحدة الامريكية لمنع الصين من ضمّ تايوان اليها، ذلك لأنّ نجاح بكين في استعادة تايوان يعني مباشرة استغلال موقع الجزيرة ومدّ نفوذها نحو الدول الحليفة لواشنطن على رأسها اليابان وكوريا الجنوبية، ولذلك تصر أمريكا على توطيد كافّة الجهود العسكرية مع هذه الجزر لمجابهة المحاولات الصينية لضم تايوان، وبالتالي نجاح بكين في تحقيق هدفها لا يعني فقط مواجهة الولايات المتحدة الامريكية، وإنّما خوض حرب مع اليابان.

إذ بهيمنة بكين على جزيرة تايوانيمكنها مزيد الامتداد 150 ميلا على البحر في الجهة الشرقية، ممّا سيمكنها من احباط أي محاولات جوية او بحرية أمريكية، كما سيسهّل عليها عملية الهجوم على يابان دون التعرض لعراقيل من طرف كوريا الجنوبية ذلك الى جانب زيادة قدرتها على الهجوم على جزيرة غوام الامريكية، كما ستكون قواعد الولايات المتحدة الامريكية الموجودة في المحيط عرضة للخطر من أي هجوم جوي صيني، هذا لان جزيرة تايوان تمثّل بالنسبة لواشنطن حائط حماية من أي خطر صيني متوقع.

  • العلاقة مع الحلفاء

تخلي واشنطن عن تايوان قد يساهم في اضعاف موقفها بالنسبة لحلفائها في القارة الاسيوية ويُثبت لهم أنها حليف ضعيف، وذلك بدوره سيلقي بطموح الولايات المتحدة الامريكية  المتمثّلة في الحفاظ على سيطرتها على النظام العالمي، في المقابل سيعزّز طموح الصين المتحالفة مع روسيا بحيث يصبح من السهل بناء نظام العالمي جديد لا تحمل فيه واشنطن وزنا مهما.

  • الجانب الاقتصادي

تمثّل صناعة أشباه الموصلات من أهمّ الصناعات التي تميّز تايوان عالميا،  وقد أشارت بيانات TrendForce في شهر مارس من عام 2021 الي أنّ إنتاج الجزيرة  في هذه الصناعة ناهز 60% من إجمالي السوق، حيث تقوم بتزويد أكبر الشركات بهذه الشرائح الالكترونية،لذلك فإنّ أي مشكلة قد تسفربهذه الصناعة من شأنها أن تلحق أضرارا واسعة النطاق، فمثلا خلال جائحة كورونا شهد انتاج المنتجات الالكترونية تراجعا كبيرا في العالم نتيجة العوائق في الامداد بأشباه الموصلات في تايوان.

لذلك تعتبر واشنطن أنّ ضمّ بكين لتايوان يمثّل تهديدا بالغ الاهمية من شأنه أن يقلب موازين النظام الدولي الحالي الذي تهيمن عليه امريكا لصالح الصين ويزيد من تفوّقها الصناعي والعسكري من خلال احتكارها لصناعة الالكترونيات في تايوان، فالصين تعتمد على تايوانتقريبا لتغطية كامل احتياجاتها  من أشباه موصلات في صناعاتها التكنولوجية المتطوّرة.

من جانبها، كانت تايوان شديدة الحرص على تقييد حركة المهندسين المتخصّصين في هذا المجال ومنعهم من السفر الى الصين.

وتسعى الولايات المتحدة الامريكية لوضع جزء هام من هذه الصناعة لديها  تخوّفا من نجاح الصين في ضم الجزيرة، وبهذا الاجراء ستمنع أوّلا حدوث تعطّل في سلاسل الامداد نتيجة احتكار تايوان في صنع اشباه الموصلات، وثانيا والاهم  بالنسبة لها هو منع الصين من اضافة ارباح هذه الصناعة والسيطرة على الصناعات التكنولوجية في العالم.

وبناءً على ما تمّ ذكره اين يتجه الصّراع حول هذه الجزيرة وهل ستنجح الولايات المتحدة الامريكية في منع الصين من استرجاع تايوان تحت نفوذها؟

By Zouhour Mechergui

Journaliste