الأثنين. أكتوبر 7th, 2024

اعداد صبرين العجرودي: قسم البحوث والدراسات السياسية والعلاقات الدولية

لا يعد المسار المنتهج في البلاد التونسية بعد 25 جويلية متسلسلا دون عقباتاو أنّ المضي قدما لتحقيق التغييرات التي يتطلّع لها الشّعب التونسي أمرا بذلك القدر من السهولة، خاصّة في ظلّ العراقيل الكبرى الساعية لإيقاف أي خطوة نحو إرساء تغيير فعلي أو أي محاولة لإخراج تونس من وحل العشرية السوداء التّي أغرقتها فيه الاحزاب السياسية ذات المصالح الخاصة والمرتبطة ارتباطا وثيقا بالأطراف الخارجية التي تتعارض مصالحها مع تخلّص تونس من الديمقراطية المزعومة وإرساء نظام صلب ترتكز عليه مؤسسات الدّولة لتتجاوز كلّ الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الهشّة.

لجئت الكثير من الاحزاب السياسية في تصد منها لقرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد الى الالتفاف حول الاطراف الخارجية معتقدة أنّ البلاد التونسية ليس لها أي سيادة وأنّ مصيرها حتما بيد هذه الاطراف، وقد تبيّن ذلك مباشرة بعد 25 جويليةعندما ظهرت الاحزاب السياسية في الوسائل الاعلامية المنحازة تستنجد بالأطراف الخارجية الرافضة لتجميد البرلمان وتقدّم آرائها على أنّها مهمّة بالنسبة للبلاد التونسية، ويبدو أنّ ذلك ليس بجديد عن سياسات الاحزاب السياسية التّي طالما عُرفت بالتبعية وخدمة للمصالح الخاصّة والخارجية.

موجة ضدّ رئيس الجمهورية

بالتّمعن فيما تمر بيه البلاد التونسية في الوضع الرّاهن، لا ننكر صعوبة الاوضاع، وذلك واقع بديهي الحدوث خلال فترة التغيير، فلا يمكن الاصلاح والانتقال من وضع الى اخر دون المرور بصعوبات مكلّفة، خاصّة اذا لم تتكاتف كل جهود مكوّنات الدّولة ومؤسساتها الكبرى فيإحداث التّغيير المرجو، والمعروف أنّ بعض المؤسسات ليست مستقلّة بذلك القدر الكافي حتى تتضامن مع الارادة الشّعبية التّي تُمارس ضدّها الكثير من الضغوط ويقع تغييبها خصوصا في المنابر الاعلامية المنحازة والغير موضوعية.

ورغم المراسيم المختلفة التي أطلقها رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد 25 جويلية في سعيه لإصلاح المؤسسات من البقايا الحزبية المخرّبة، إلاّ أنّها لم تُواجَه إلاّ بالتّضليل والتعتيم من طرف الاعلام، ذلك الى جانب حملات التّشويه، ممّا ساهم فعليّا في تحجيم كل محاولات التغيير التّي من شأنها تحقيق أهداف 25 جويلية، في مقابل عملها على الدعاية  لمعارضي قرارات الرئيس والسّعي لعرقلة المسار الذي انطلقت البلاد نحوه،  وقد تجلّى ذلك في العديد من المناسبات من خلال الترويج لرفض مراسيم الرئيس وإدانتها.

لذك فإنه يُنتظر على إثر ما قام به الرّئيس من تجميد للبرلمان ومن ثمّ حله وإقالة حكومة المشيشي واستبدالها بحكومة بودن وحل المجلس الاعلى للقضاء واضفاء تغييرات عميقة على ملامح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إنقاذ الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري لما لها من تأثير عميق في انحراف المسار وتقزيم كل الجهود الساعية لتجاوز الازمة التي خلّفتها الاحزاب السياسية ضمن الديمقراطية المزيّفة التي ولاّ عهدها والمضي قُدما نحو تكريس نظام ديمقراطي واقعي.

جبهة الخلاص معارضة هشّة

تتجه الانظار المعادية لمسار 25 جويلية الان الى المعارضة  التي تشمل الاحزاب المنتهية  صلاحيتها، يترأسها كل من نجيب الشابي القيادي بالحزب الديمقراطي وسمير ديلو التابع لحزب النهضة في إطار ما يُطلق عليه “جبهة الخلاص” لعرقلة المشروع الذي يسعى إليه رئيس الجمهورية، في محاولة لإعادة فرض الاحزاب السياسية وإعادة نظام هيمنة ما قبل 25 جويلية، ومن طموح هذه الجبهة هو سعيها لتكريس “حكومة انتقالية للإنقاذ” على حد تعبيرهم الهدف منها توحيد الجهود بين الحركات السياسية المجمّدة لإعادة فرض النّظام القديم.

تتكوّن الجبهة من 5 احزاب على رأسها حركة النهضة، قلب تونس، ائتلاف الكرامة، حراك تونس، الارادة وحزب الامل الى جانب عدد من المكونات السياسية الاخرى، وحاليا يقع التعمد في تسليط الاضواء على هذه الجبهة متناقضة المكوّنات غير منطقية الاهداف لإظهارها بشكل المنقذ للبلاد التونسية، في مقابل التعتيم على أساسيات التغيير وبوادرها والادعاء المكشوف بضعف عدد مؤيدي مسار 25 جويلية  والتّرويج لحزام وهمي معادٍ للرئيس.

الموقف الفرنسي غموض تحكمه المصلحة

لم يرحب الاتحاد الاوروبي بقرار حل البرلمان داعيا الى ضرورة العودة الي عمل المؤسسات الى حالها المعهود  قبل 25 جويلية، بالتّزامن مع ذلك انطلقت حملة موسّعة في الصحف الفرنسية لتشويه قيس سعيد وضرب أي قرار قد يتخذه لصالح البلاد التونسية، على غرار صحيفة jeune Afrique

 و Le Figarouالذان ما انفكا عن التشويه وانتقاد قرارات 25 جويلية بكونه انقلاب.

شهدت المواقف ايزاء الوضع في تونس تباينا واضحا شكّلته الاحزاب والحركات السياسية التي هيمنت على مؤسسات الدولة بعد عام 2011 تحت مسمى ترسيخ نظام ديمقراطي مخالف لنظام بن علي وبين الشّعب الذي أنهكته الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتردية، من جهة اخرى لم يكن المجتمع الدولي بمنأى عن ما يحدث في الداخل التونسي، فقد انقسمت الآراء الخارجية بين أطراف مؤيدة لقرارات الرئيس النابعة أساسا من الارادة الشعبية  وأطراف اخرى موالية للأحزاب السياسية ولها مصالح مباشرة من سيطرة الاخوان على الحكم في تونس واخرى مصالحها غير مباشرة وخيّرت عدم الافصاح عن مواقفها.

في هذا الاطار، لطالما عرفت فرنسا بأطماعها اتجاه مستعمراتها القديمة، ورغم ما حققّته البلدان المستعمرة من استقلال إلاّ أنّها لم تتوصل الى ذلك بمعناه الواقعي والملموس فعليّا وظلّت هذه الدّول تحت المظلّة الفرنسية مستفيدة  من الاطراف الداخلية الوفية لها والعاملة على تأمين المصالح المشتركة  في مقابل انتهاك السيادة الوطنية والارادة الشعبية، وهو ما يبرّر موجة الغضب الكبيرة من الاطراف الدولية اتجاه قرارات 25 جويلية.

 منذ تولي قيس سعيد منصب الرئاسة في تونس لم تكن العلاقات مع فرنسا تشوبها شائبة، بل على عكس ذلك تميّزت بعديد الزيارات والمحادثات المتبادلة، ذلك الى جانب أنّ فرنسا تعد شريكا تجاريا بارزا بالنسبة الى تونس.

في هذا الاطار صرّح المحلل السياسي بولبابة “في عهد سعيد العلاقات بين تونس وباريس جيدة عموما ويظهر ذلك من خلال الزيارات وعبارات الإطراء بين الطرفين. فرنسا تسعى أن تكون علاقاتها مميزة مع الرئاسة التونسية، إذ انحازت للرئيس سعيد في صراعه مع رئيس البرلمان راشد الغنوشي، لأنها ضد الإسلام السياسي الذي لا يخدم مصالحها”.

وتابع: “الرئيس التونسي يتمتع بحظوة كبيرة خلال زياراته إلى فرنسا، لأن قصر الإليزيه لا يرى في قيس سعيد ما يهدد مصالحها”.

بدوره، قال أيمن البوغانمي، الباحث في الشؤون السياسية للأناضول، إنّ “العلاقة الفرنسية التونسية مستمرة ولم يحصل عليها تطور كبير وليس فيها تطور نوعي ولا تراجع نوعي، هناك استقرار بين البلدين”.

مباشرةبعد 25 جويليةأخذت العلاقات مع الكثير من الاطراف الخارجية منحى اخر، حيث لم ترحب فرنسا بقرارات الرئيسوعبّرت بذلك في بيان لها قامت بإصداره في 27 يوليو دعت خلاله الى تراجع سعيد عن قراره بتجميد البرلمان تحت مسمى الحفاظ على الديمقراطية المزعومة خلال العشرية السوداء وقد ساندت القرار الفرنسي كل من المانيا وايطاليا بطرق مختلفة.

وفي 7 اغسطس أصدرت فرنسا بيانا اخر عبّرت خلاله على انها على استعداد تام لتقديم المساعدة الى البلاد التونسية حتى تتجاوز ازماتها الاقتصادية والاجتماعية داعية الى ضرورة عودة مؤسسات الدولة الى عملها ، وذلك ما يبيّن أنّ فرنسا تسعى الى الحفاظ على تدخلها في الشّأن التونسي حيث قالت المتحدثة باسم وزارة اوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية “آن كلير لوجندر” (AnneClaire Legendre)،“إنّ فرنسا تعرب عن قلقها إزاء التطورات الأخيرة في تونس، وعن أملها أن تعود مؤسسات الدولة إلى سالف نشاطها في أقرب الآجال حتى تكون قادرة على إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تمر به البلاد”.

وتعتبر فرنسا من أعداء الاسلام السياسي بما في ذلك حركة النهضة، وقد اندرج ذلك من خلال قانون الانعزالية الذي أقرته فرنسا لفرض الحصار على الاسلام السياسي وتبيّن ذلك ايضا في خطاب ماكرون في 2 اكتوبر عام 2020 عندما عبّر على ضرورة ضرب الاسلام السياسي في العالمباعتماد هذا القانون.

في بداية الانقلاب لم تعبّر فرنسا عن موقفها من احداث 25 جويلية مباشرة، بل تعاملت  مع الوضع بحذر تام  حتى لا تدفع ثمن تسرّعها خاصّة وأنّ المشهد في تونس ضبابي للغاية، لكن مع إصرار قيس سعيد على قراراته واصدار جملة من الاحكام تؤكد عن عدم تراجعه ومواصلته المسار ، انطلقت الصحف الفرنسية  في مهاجمة الرئيس وتسليط الاضواء سلبا على رأي الشعب التونسي زاعمه وجود احتجاجات ضخمة مناهضة للرئيسو غير متعلّقة بالأحزاب حتى تبرهن أنّ الشعب لا يدعم لا الاحزاب ولا قرارات التي اتخذها الرّئيس، حيث أشارت صحيفة “لوموند”(Le monde) الى أنّ سعيد اتخذ قرارات احادية الجانب، مغلقا افواه كل من خالفه واصفة اياه بـ ” حافر قبر الديمقراطية التونسة”.

بالرّغم من الاستقلال الذي نالته تونس في 20 مارس 1956 إلاّ أنّها لم تسلم من التدخلات الخارجية في مختلف مجالاتها، ويعود ذلك بصفة رئيسية للفرص المقدّمة من الدّاخل، ويعد ما يحدث حاليا خير دليل على فقدان تونس للكثير من سيادتها الوطنية جرّاء أصحاب السّلطة الذين بمجرّد تعالي الصّوت الشّعبي ضدّهم بادروا إلى الأطراف الخارجية حتى تعلن رفضها للإرادة الشّعبية، لذلك بمزيد تمسّك سعيد بمواقفه فإنّ الكثير من العراقيل سيختلقها هؤلاء وبمختلف الطّرق لإفشال المسار.

By Zouhour Mechergui

Journaliste