اعداد: سارة الزنطور – باحثة متربّصة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس
وسط التصاعد الكبير للتهديدات الإرهابية وارتباك المشهد الأمني بمنطقة الساحل والصحراء، أعلنت الحكومة المالية في قرار مفاجئ في 16 من مايو الجاري انسحابها من جميع هيئات مجموعة دول الساحل الخمس ومنها هيئة القوة المشتركة لمكافحة الإرهاب، رفع هذا القرار من المخاوف المرتبطة بمستقبل الأمن والاستقرار على المستوى الوطني والإقليمي، خاصة لما تعيشه مالي وكذلك باقي دول منطقة الساحل الإفريقي من اضطرابات على المستوى السياسي والأمني، حيث اعتبر الرئيس الدوري لمجموعة الدول الخمس الجنرال محمد إدريس ديبي في بيان صدرعنها ” أمام توسع انتشار الإرهاب في الساحل، نحو الدول الساحلية في غرب أفريقيا، و فضلا عن الآفات الأخرى الأساسية كالحركة غير المشروعة للأسلحة والمخدرات، إضافة إلى تطور الجريمة العابرة للحدود، و التي لا يمكن لأي دولة مواجهتها لوحدها، فإن الرئيس الدوري لمجموعة دول الخمس بالساحل يحث جمهورية مالي إلى إعادة النظر في موقفها” ، داعيا لها إلى العودة للمنظمة الإقليميةخوفا من التداعيات الثقيلة على مختلف دول المجموعة مضيفا أنه “يأسف لاتخاذ هذا القرار دون تشاور مسبق”.
فيما تتمثل مجموعة دول الساحل الخمس ؟
تأسّست هذه المجموعة في 16 من شهر فبراير 2014 في العاصمة الموريتانية نواكشوط ، مقرها موريتانيا، وهي القوّة المعنية بمحاربة الإرهاب وتنسيق التعاون الإقليمي في الشؤون الأمنية في منطقة الساحل الغربي لإفريقيا وتضمّ قبل انسحاب مالي كل من موريتانيا، تشاد، بوركينا فاسو والنيجر.
جاء تشكيل المجموعة تعزيزا لروابط التنمية الاقتصادية والتعاون الأمني ومحاربة الجماعات الإرهابية المنتشرة في منطقة الساحل الإفريقي مثل “تنظيم القاعدة” و”تنظيم داعش” و”بوكو حرام” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، إذ تصدرت المراكز الأولى في مؤشر الإرهاب الدولي لعام 2022.
وبالرغم من محاولات تعزيز الحوار بين الدول الخمس والتّدخل الفرنسي، لم تنجح المجموعة في وضع حد للتوترات والأزمات السياسية والأمنية في منطقة الساحل الأفريقي بل تفاقمت التحديات والمشاكل التي تشكو منها المنطقة بسبب ضعف التمويل والتنسيق العسكري والفراغ الأمني الذي وضع دول المجموعة أمام تحديات داخلية وخارجية فرضتها مصالح العديد من القوى الدولية الكبرى.
ماهي أسباب قرار انسحاب مالي من مجموعة الدول الخمس و تداعياته على مستقبل التكتل؟
الأسباب التي دفعت مالي للانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس
بررت الحكومة في بيان صادر عنها قرار الانسحاب بأن بعض دول المجموعة ترفض توليها رئاسة هذه المنظمة الإقليمية، و التي كان يفترض أن تتم منذ فبراير الماضي، ولكن يظل هذا التبرير أقل وجاهة وتبقى الأسباب الأعمق من هذا كله هو فرنسا التّي عمّقت أزمة مالي ودفعها نحو الانسحاب من خلال سياساتها الهادفة إلي تقويض سلطة المجلس العسكري الذي لا تعترف به فرنسا لا سيّما بعد سحبه لبساط السلطة من تحت أقدام الرئيس السابق “إبراهيم بوبكر كيتا” المدعوم مباشرة من باريس، ودعوة المجلس العسكري إلى إنهاء أي أنشطة لفرنسا على الأراضي المالية بحكم نصّا الاتفاق المبرمان في 2013 و2014 اللذان حددا الإطار القانوني لحضور قوة “برخان” و “تاكوبا” السّاعيان إلى تركيز قواتها في المناطق الحيوية وخاصة المناطق التي تحتوي مادة اليورانيوم على حساب الخطّة المعلنة المتمثلة في تحجيم دور الجماعات الارهابية، بما ساهم في مزيد تغلغهاوتنامي نشاطهاالارهابي ممّا أسفر عن آلاف الضحايا، ويبدو أن السبب الأكثر عمقا هو الخلاف المالي الفرنسي بالأساس والذي مفاده رفض المجلس العسكري اعتماد فرنسا استراتيجية جديدة لإعادة تموضع قواتها العسكرية في منطقة الساحل والدّعوة الى سحب قواتها وعزلها عسكريا وغلق كل منافذ التعاون العسكري بينها وبين دول المجموعة، ناهيك عن جملة الإجراءات والتي في باطنها إملاءات فرنسية اتخذتها دول المجموعة بتكثيف الضغوط على المجلس العسكري من خلال غلق الحدود مع مالي وتعليق التجارة باستثناء المنتجات الأساسية وقطع المساعدات المالية وتجميد أصول مالي في البنك المركزي لدول غرب إفريقيا، علاوة على الموقف الذي اتخذه المجلس العسكري والرامي إلي نقد عمل تكتل مجموعة الساحل في مقاومة الإرهاب، من ضعف للموارد والتمويل وغياب الدعم اللوجستي والتنسيق بين دول المجموعة وتغليب الهواجس الداخلية الأمنية على الهواجس الإقليمية.
كل هذه الأسباب وغيرها جعلت من الانسحاب المالي أمرا لا يبدو مفاجئ كما يروج لذلك، فهذا القرار هو مخاض كامل وميلاد فعلي جديد لدولة مالي جاء نتيجة سيرورة من الأحداث والاضطرابات السياسية سوف تكون له تداعيات على المنطقة في المستقبل القريب والبعيد.
تداعيات انسحاب مالي من مجموعة الساحل الخمس
ولئن تبدو تداعياته في الوقت الراهن مرتبطة أساسا بأهمية مالي الاستراتيجية مقارنة بدول مجموعة الساحل الخمس وجغرافيتها المحورية المرتبطةبموريتانيا مع بقية دول الساحل (بخروج مالي لا تربط موريتانيا أي حدود مع بقية دول المجموعة)، ناهيك عن أنّ المهام العسكرية في مواجهة الإرهاب تتم برا عبر الحدود المشتركة مع مالي وانسحابها من المجموعة له تداعيات سلبية قادرة على تسهيل عمل الارهابيين في المنطقة وفي مالي على وجه الخصوص.
ويبدو أن خروج مالي سرعان ما أعاد دوامة العنف في الساحل الأفريقي، حيث ضرب الإرهاب المنطقة من جديد مباشرة عقب إعلان حكومة مالي عن الانسحاب، إذ شنت المجموعات الإرهابية هذا الأسبوع سلسلة من الهجمات الإرهابية في بوركينافاسو استهدفت خلالها متطوعين أمنيين ومدنيين وذلك في ثلاث مناطق متفرقة شمال شرق البلاد، مما أسفر عن سقوط أكثر من 40 قتيلا وتسجيل العديد من الإصابات في كل من منطقة “نامويوري” و “فارامانا” و “مركويي”.
و أخيرا، فإنه مهما كانت الدوافع لاتخاذ مالي قرار الانسحاب من التكتل الساحلي يمكن القول بأنهاتبدو بداية طريق جديد لمالي لفك الارتباط بالمستعمر الفرنسي والسياسات الغربية في المنطقة وفتح آفاق استراتيجية جديدة خاصّة في ظل الحضور الروسي الصيني في المنطقة والمتغيرات الجديدة في موازين القوى العالمية.