الخميس. ديسمبر 26th, 2024

اعداد صبرين عجرودي  باحثة بقسم الدراسات السياسية والبحوث الاستراتجية والعلاقات الدولية

اشراف بدرة قعلول : رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

ما من نموذج ديمقراطي لم يكن عرضة للنقد من الباحثين والعلماء في الشّأن السياسي، لكنّ الديمقراطية التّمثيلية أثبتت بجدارة عجزها عن تحقيق الغاية التّي وجدت من أجلها العدالة.

 اتفق كثيرون على أنّه تمّ صياغتها كتعبير عن عجز الشّعوب في قدرتها على تقرير مصيرها بنفسها وانطلاقا من ذلك تمّ توظيفها لهيمنة الرأسمالية، فهيمن البرجوازيون واصحاب المصالح على الاحزاب السياسية تحت غطاء بأنّ “لا ديمقراطية دون أحزاب سياسية”، وسارت الكثير من الشّعوب ضمن هذه “الديمقراطية الوهمية” ظنّا منها أنّ التّعددية الحزبية هي لسان الديمقراطية وليس هناك من نظام حكم ديمقراطي قائما دون وساطة.

إشكاليّة البحث: كيف يمكن أن يكون النّظام السياسي نظاما ديمقراطيا دون أحزاب سياسية ؟

من خلال هذا السؤال العام سنتطرّق الى العديد من النّقاط التّي ستمثل إجابة ضمنية لهذه الاشكالية.

  • مفاهيم البحث:الدّيمقراطية (Democracy): كلمة يونانية الاصل، يشير المقطع الاوّل منها الى “Demos” ومعناه الشّعب، أما المقطع الثّاني وهو “kratein” ومعناه الحكم، وبالتّالي نستنفذ بالقول أن مفهوم الديمقراطية لغة يعني تحديدا “حكم الشّعب” .

أمّا اصطلاحا يعني مفهوم الدّيمقراطية، اضطلاع الشّعب بالسّلطة، أي أنّ النّظام لا يكون ديمقراطيا ما لم يحكم الشّعب نفسه بنفسه، وتختلف الآليات التي يمارس فيها السّلطة حيث تكون مباشرة أو باعتماد وسطاء يضطلعون بهذه المهمة عن طريق الانتخابات.

في هذا الاطار عرَّفها الرئيس 16 عشر للولايات المتحدة الامريكية “أبراهام لينكون”( Abraham Lincoln) بأنّها “حكم الشعب، من قبل الشعب، ومن أجل الشعب”.

النّقطة الفاصلة في النّظام الديمقراطي هي مساهمة الشّعب في صنع القرار السّياسي إمّا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتكون الانتخابات هي الوسيلة المعتمدة في الطرق الغير مباشرة، بحيث يختار الشّعب الاشخاص الذين يمثّلونه في صنع القرار وهم غير ثابتين أو مستقرّين ّفي السّلطة إلا إذا ما اختار الشعب ذلك.

أشكال الدّيمقراطية

تختلف طريقة ممارسة الدّيمقراطية باختلاف المعايير التي تُمارس ضمنها وهي كالتالي:

  •  وفقا للمعيار الجغرافي توجد ديمقراطية محليّة واخرى وطنيّة.
  • وفقا للمعيار الاقتصادي والاجتماعي توجد ديمقراطية ليبيرالية وديمقراطية اجتماعية، في نظام الحكم نميّز بين الدّيمقراطية البرلمانية والدّيمقراطية الرّئاسية،
  • وفي المعيار الدّيني هناك ديمقراطية يهودية واخرى اسلامية.
  • والمعيار الاكثر توظيفا في وصف الدّيمقراطية، هو معيار طريقة ممارستها الذّي يميّز بين:
  • الديمقراطية المباشرة: التّي تجعل الشّعب في محل حكم ذاته بنفسه باتخاذ القرارات السّياسية مباشرة دون أي حد من الوسطاء.
  • الدّيمقراطية التّمثيلية: يرتكز هذا النّموذج الديمقراطي على الآلية الانتخابية، حيث يقوم الشّعب بانتخاب ممثّليه ليقوم بإدارة الشّأن العام عوضا عنهم.
  • الديمقراطية التّشاركية: يعرّف عالم الاجتماع الامريكي “كرايغ كالهون” (Craig Calahoun) الديمقراطية التّشاركية بأنّها “المشاركة الفردية من جانب المواطنين في القرارات السياسية والسياسات التّي لها تأثير مباشر على حياتهم بدل من الاعتماد الكلي في هذه القضايا على النواب المنتخبين، وبالتالي فإنّ هذه المشاركة من جانب المواطنين تتسم بالتفاعل المباشر والنشط، وتتم في إطار مجتمعات صغيرة بحيث تكون فرص التواصل المباشر بين الجماهير أكبر”.

تكرّس الديمقراطية التّشاركية مبدأ التّفاعل المباشر بين الشّعوب والسلطات الحاكمة، ويكون ذلك عن طريق آليات ووسائل معيّنة يتمكّن من خلالها المجتمع المدني والمواطن من صنع القرارات السياسية واقتراح مشاريع تنموية وبرامج خاصّة بالشأن العام بطريقة أكثر عمليّة وملموسة،  ويتمّ التركيز في القيام بذلك على المجال المحلّي.

ويجدر القول، أنّ الديمقراطية التّشاركية لا تتجاوز الدّيمقراطية التّمثيلية (الغير مباشرة)، لكنّها تسعى الى تشريك المواطنين في عمليّة تقرير مصيرهم بطريقة أكثر نجاعة عن تلك التّي تقوم بتكريسها الديمقراطية التّمثيلية، والصّفة المميّزة لهذه الدّيمقراطية عن النّموذج التّمثيلي، أنّها أكثر عمليّة بحيث تتوغّل في عمق المجتمع وتكون عناصرها هجينة، بمعنى أنّها تجمع بين مختلف مكوّنات المجتمع المدني والمواطنين والمنظّمات الغير حكومية، التّي تجد غالبا صعوبة في المشاركة في صنع القرارات والتّعبير عن مختلف آرائها في نموذج الدّيمقراطية التّمثيلية.

  1. تونس بعد 25 جويلية من الديمقراطية التّمثيلية سعيا نحو ديمقراطية تشاركيّة

  يرتكز مفهوم الدّيمقراطية بعد قرارات 25 جويلية على فهم مغاير للديمقراطية التّي عهدناها والتي تمّ تطبيقها في تونس خلال السنوات الفارطة، بحيث  تكون ممارسة العملية الديمقراطية ضمن التّأسيس الجديد مباشرة ويطلق عليها بناء ديمقراطي قاعدي أو اللامركزية الديمقراطية وقد تمّ الاشارة اليه كذلك بالهرم المقلوب، ويعني الانطلاق من نقاط فرعيّة تمسّ الشّعب مباشرة وصولا الى نقطة مركزية، عكس الديمقراطية التّمثيلية أو الغير مباشرة والتي تنطلق فيها القرارات السياسية من نقطة مركزية وحيدة وصولا الى نقاط مختلفة.

فتكون عمليّا كالآتي:

تتصدّر المجالس المحليّة أعلى الهرم، بحيث يكون لكل معتمدية مجلس محلي وبذلك تصبح الحصيلة 264 مجلسا محليا يقع اختيار اعضائه عن طريق الانتخابات المباشرة، وتتيح هذه المجالس، مجالس جهوية وفقا لعدد الولايات حيث يكون عددها 24 مجلسا جهويا، ويكون المجلس الوطني الشّعبي في اسفل الهرم وتكون أعضاءه من المجالس المحليّة.

  • المجالس المحليّة تتكوّن من:

ممثّل منتخب عن كل عمادة (264 ممثّل)، مشرف على الامن، ممثلين عن الادارات المحليّة ان كانت موجودة بالمعتمدية، ممثّل جهوي عن ذوي الاحتياجات الخاصّة.

ويقع وضع الممثلين عن المجالس المحلية عن طريق القيام بانتخابات مباشرة في دورتين. لا يستطيع الترّشح للانتخابات إلا بتزكية من النّاخبين والنّاخبات.

وتشمل شروط التّزكية مبدا المساواة بين النساء والرّجال في قائمة الناخبين، كذلك التناصف في الاعمار حيث يكون نصفهم أقل من 30 عاما، 25% منهم من أصحاب الشّهائد العليا.

– المشرف على الامن: يحكم في المجلس بمساعدة الادارة المركزية، ويحظى بتزكية أغلبية الاعضاء الذين تمّ انتخابهم كلّ مجلس محلي.

مديرو الادارات المحليّة في كلّ معتمدية: ليس لهم الحق في التّصويت ضمانا لعدم تضارب المصالح.

ويمكن اختصار صلاحيات المجالس المحليّة عموما في تكريس مشاريع وبرامج تنموية في كلّ عمادة تترأسها.

وللناخبين القدرة المطلقة على سحب وكالتهم من الاعضاء المنتخبين ما لم يحقّقوا الانجازات التي اُنتخبوا لأجلها أو لم يكونوا على قدر المسؤولية المأمولة.

  • المجالس الجهوية:

– ممثّل عن المجالس المحلية الموجودة في كل ولاية (24 ممثّل).

– مدير يمثّل الادارات الجهوية الموجود في كل ولاية.

–  ممثّل عن ذوي الاحتياجات الخاصّة.

بالنسبة لدور المجالس الجهوية، فهي تجمع بين الكل مشاريع المستوى المحلي لدراسة النّجاعة وقابليّة التّنفيذ والمشاريع ذات الاولوية والحاجة القصوى.

  •   المجلس الوطني الشّعبي يتكوّن من:

– 264 ممثّلا عن المجالس المحلية: يقع وضعهم عن طريق انتخابات مباشرة

– ممثّلين عن التونسيين المقيمين بالخارج ويصبحون اعضاء في المجلس الوطني الشّعبي عن طريق الاقتراع على قائمات مفتوحة.

وللمجلس الوطني الشّعبي صلاحية التّشريع والمصادقة على كافّة المقترحات من المجالس المحليّة والجهوية، أمّا الجانب الرّقابي فيكون عن طريق النّاخبين الذين لهم القدرة على سحب الوكالة طيلة فترة تولي أعضاء المجلس الوطني التّشريعي المهام الموكّلة إليهم.

ونستخلص إذا بأنّ هذه الديمقراطية التشاركية  مبنية أساسا على حكم الشّعب بطريقة مباشرة عبر المجالس المحلية ثمّ الجهوية، بحيث تنبع القرارات من الاسفل دون الاعتماد على وساطة الاحزاب، وللشعب القدرة في أي وقت بسحب الوكالة ما لم يتمّ التّوصل الى النتائج المأمولة، وتعتبر ديمقراطية الهرم المقلوب أكثر ليونة في التّعامل مع الارادة الشعبية وهو ما يبرز فعليّا عدم الحاجة الى ديمقراطية مبنية على الاحزاب السياسية، أي ديمقراطية تشتغل ضمن منطق الوساطة.

تحقّق الديمقراطية القاعدية فعليّا المفهوم الحقيقي للديمقراطية، كونها حكم الشّعب وليس حكم الاحزاب السياسية وانفرادهم بالسلطة وتحقيق مصالحهم، خاصّة اذا ما كانت الرأسمالية هي المسيطرة على هذه الاحزاب، فهي لن تنجح فعلا في تحقيق المطالب الشّعبية، لكن النموذج التشاركي قد يكون المشروع الاكثر واقعية ونجاعة في التعامل مع الارث الذي خلفّه حكم الاحزاب السياسية من أوضاع اقتصادية واجتماعية متردّية، يبدو أنّ مشاركة المواطن في تجاوزها أضحى أمر  في غاية الضّرورة.

لكن ما مدى واقعيّة تطبيق نموذج الدّيمقراطية التّشاركية في تونس ؟

يرى محلّلون أنّ عمليّة تطبيق نموذج الدّيمقراطية التّشاركية في العالم العربي قد تبدو صعبة في الكثير من الاحيان، ويعود ذلك في اغلب الاحيان الى خصائص هذه المجتمعات وبناها، لذلك يشير العديد من الباحثين إلى أنّ الدّيمقراطية القاعدية على قدر ما تحمله من امتيازات في جعل الشعوب تقرّر مصيرها وترسّخ الديمقراطية بمعناها الواقعي، إلاّ أنّها قد تتعرّض لعديد العراقيل والصّعوبات في العالم العربي، بل إنها نتيجة عدم توافق الديمقراطية التشاركية مع خصائص هذه المجتمعات قد تثير بعض النتائج السلبية، مثلا خلق الكثير من الانقسامات بحيث تُصبح الدّولة بمثابة جزئيات غير متجانسة، لذلك يشير البعض على أنّه لضمان قيام الديمقراطية بطريقة فعّالة يجدر الحفاظ شكليّا على الدّيمقراطية التّمثيلية، مع ضرورة دمج آليات ووسائل الدّيمقراطية التّشاركية، ضمانا مشاركة المواطنين عن قرب في عمليّة صنع القرار مثلا عن طريق الاستطلاعات والاستفتاءات الشّعبية، المبادرات الشعبية .

ومن شروط تكريس نظام ديمقراطي تشاركي بمعناه الصّحيح يجدر ان تكون العناصر المشاركة فيه لها وعي بطرق المشاركة في صنع القرار ومعرفة احتياجاتها، وخصوصا يجب أن يكون هناك مجتمع مدني صلب له القدرة على ان يعمل بفعالية كبيرة داخل النّظام الديمقراطي التّشاركي.

عوائق الديمقراطية التّشاركية داخل العالم العربي

تتعارض الطبيعة التاريخية والبنيوية للسلطة بمفهومها الرائج في الوطن العربي مع خصائص الدّيمقراطية التّشاركية القائمة على اللاّمركزية والقاعدية، إذ يقول الباحث السّياسي “أنس القصّاص ” أنّ “الطّبيعة التّاريخية والبنيوية للسلطة في الاقليم والتّي لا تقبل بوجود كيان مرجعي لها من خارج مركزها، إضافة الى التراث السياسي الحضاري الاسلامي، الذي يفضّل النّظام الشّوري التّمثيلي على التّشاركي المباشر، حيث يلتقي مع الديمقراطية العلمانية في هذه النقطة تحديدا”. وانطلاقا من هذه النّقطة ظهرت في الواجهة نظريات تسعى الى تقييم هذه الدّيمقراطية التّشاركية حتى تنسجم مع خصائص المجتمعات العربية، وتتمثّل في تطويع آلياتها التّي تسمح بتشريك الشّعوب في صنع القرارات السياسية مباشرة ضمن إطار نموذج الديمقراطية التّمثيلية لكسر حائط أي محاولة أو وجه من أوجه احتكار السلطة والانفراد بعمليّة تقرير المصير ، ذلك لأنّ المفهوم التقليدي للحكم والسّلطة في المجتمعات العربية  يمثّل عائقا حقيقيا أمام تحقيق هذا النّوع من الديمقراطية، ولا يكمن العيب في هذا النموذج القاعدي، بل في التّنشئة السياسية التي تمّ تلقينها طيلة الفترات القديمة للشّعوب العربية، وقد نتج عن ذلك ضعف في الوعي بطرق ممارسة الديمقراطية عن قرب خاصّة مع التّفكك الكبير التي تشهده المجتمعات العربية المتشرذمة التّي ليس لها وعي بأي نموذج ديمقراطي سوى بذلك التّسلطي القائم على احتكار السلطة والمركزية والوساطة.

وهو المخاض الذّي تمرّ به تونس منذ أكثر من سته اشهر سعيا نحو تكريس نظام ديمقراطي بعيد كلّ البعد عن مبدأ وصاية الاحزاب على الشّعب التونسي، خاصّة بعد إثبات فشلها منذ 2011، والحقيقة أنّ إرساء نموذج الدّيمقراطية القاعدية لا يزال مُبهما الى غاية اليوم، خاصّة مع تعدّد العراقيل واختلافها، سواءً من الاحزاب السّياسية أو  من نسبة من الشّعب نفسه المناهض لفكرة إلغاء الاحزاب السياسية بتبرير نظريّة “لا وجود لديمقراطية دون أحزاب سياسية”، وذلك يبرهن النّقطة السّابقة بأنّ مدى وعي الشّعوب وتنشئتها السياسية هي التّي تُحدّد إمكانية تغيير النظام الديمقراطي التقليدي القائم على الوساطة  والمتجذّر تاريخيا باخر قريب من المواطن،  وبالتّالي فإنّ الانقسام الذي يشهده الشّعب التونسي يمكن أن يعرقل سير تونس نحو الخوض في تجربة ديمقراطية هي الاولى من نوعها داخل العالم العربي، حتى أنّ محاولة تطبيق آلية من آليات الديمقراطية التّشاركية (الاستشارة الوطنية) لم تلاقي التّرحيب المأمول بالرّغم من أنّها تضع المواطن في قلب تحديد مصيره وإبداء رأيه.

وإذا ما تمّ تقديم جميع الاحداث التّي مرت بها البلاد التونسية، على الاقل في الفترة بين 25 جويلية الى اليوم، يمكن الاستنتاج بأنّ المجتمع التونسي يمرّ بما يمكن أن نطلق عليه حالة “عدم اليقين السياسي”، وذلك ما يبرّر حالة التّداخل والتّناقض الذي يعيشه المجتمع التونسي الذي يعتبر عيّنة صغيرة لكل المجتمعات العربية، والمقصود بذلك أنّه حتى الدّيمقراطية التّمثيلية لم ترقى لفضّ الصراع القائم بين المجتمع والسّلطة، ذلك لأنّها حسب تقدير القصّاص هي نيابية لكنّها لا تُعد “تفويضا مفتوحا” إلاّ إذا ما انعدم الصراع بينهما.

يضيف الباحث: ” لا شكّ أنّ حالة عدم اليقين السياسي والتّخبط الاستراتيجي، والتي يعيشها المجال العربي قاطبة اليوم، ستؤجل وبلا أدنى شك أي محاولات لدمقرطة البيئة العربية، وسيحتاج العرب وقتا ليس بالقليل ودماءً ليست بالضّئيلة، حتى يتعلّم كيفيات التّعايش مع الآخر وآليات الوصول إلى أرضيات مشتركة لإدارة الخلافات والتّوافقات”.

 كيف يمكن ان ترتبط الديمقراطية التشاركية بالديمقراطية التمثيلية؟.

 ظهرت الديمقراطية التّشاركية كنتيجة للفشل الذي أثبتته الديمقراطية التّمثيلية في النّهوض بالمجتمعات وتحقيق الارادة الشّعبية بكلّ تجلياتها، فجاءت الحاجة الى تقويم هذه الديمقراطية الغير مباشرة عبر إدماج آليات الديمقراطية المباشرة، فأصبحنا نتحدّث عن مفهوم الديمقراطية التشاركية، فقد أثبتت الكثير من التجارب بأنّه لا يمكن تكريس ديمقراطية واقعية إلاّ من خلال ضمان انسجام كل من الديمقراطيتين ضمن إطار موحّد داخل مجتمع واحد، ذلك لما تمّ إثباته من سلبيات ومساوئ لكلّ من النموذجين إذا تمّ تطبيق كل منهما على حدى  بمعزل عن الاخر.

أي أنّ هناك تكامل وظيفي موضوعي بين الدّيمقراطية المباشرة والتّمثيلية، بحيث يكون هناك حضور فعّال لكل من التّمثيل المدني والتّمثيل السياسي وليس تأسيسا لنزاع بين الطرفين، وإنما لترسيخ نموذج ديمقراطي فعّال يُطلق عليه الديمقراطية التّشاركية، لذلك فإنّ العلاقة بين هاتين النموذجين الديمقراطيتين لا تخرج عن سياق التّكامل والتكاتف على المستوى المحلي والوطني من أجل تعزيز المسار الدّيمقراطي، لكن قد تمرّ هذه العلاقة ببعض الاهتزازات نتيجة للنقد اللاّذع الذي تتعرّض له الدّيمقراطية التّمثيلية فتعلن مقاطعتها للديمقراطية التّشاركية التي ترى أنّها البديل الامثل لها في تكريس الدّيمقراطية، ومن هنا تدخل هذه الدّيمقراطية (التّشاركية)  في سلسلة من التّصادمات تُفقدها معناها وتشوّشها عن غايتها التّي تتمحور اساسا حول مبدأ ضمان مشاركة المواطن والمجتمع المدني في السّلطة من خلال عدد من الآليات الجديدة التّي لا تعتمدها الدّيمقراطية التّمثيلية.

تكمن الحاجة الى ديمقراطية تشاركية من الصّعوبة الكامنة في تطبيق الدّيمقراطية المباشرة، إذ يرى الباحث في علم الاجتماع “جون جاك روسو” بأنّ  جميع الافراد داخل مجتمع ما لا يمكن لهم أن يكون حكّاما ومحكومين في نفس الوقت، ومن هنا لا يمكن بأي طريقة من الطّرق تطبيق الدّيمقراطية المباشرة (وقع تطبيقها في اليونان) .

– لذلك برزت الحاجة الى ديمقراطية تمثيلية، بحيث يمارس الشّعب السلطة عن طريق عدد من الوسطاء الذين يتمّ اختيارهم من ضمن الشّعب ليمارسوا السّلطة بدلا منه في فترة محدّدة وذلك عن طريق العمليّة الانتخابية، ” بدلا أن تكون السلطة حكم الشعب بالشعب تصبح حكم الشعب بواسطة قلة منبثقة منه”.

وبذلك تعتبر الانتخابات آلية هامّة في تكريس الديمقراطية التّمثيلية، من خلالها يتمّ اختيار ممثّلي الشّعب.

الارادة الشعبية تتجسّد في التّصويت على برنامج حزب معيّن، بالتالي تنبني الديمقراطية التّمثيلية على الثّقة التّي يمكن أن يمنحها الشّعب للمواطنين وبرامجهم التّي سيطبّقونها خلال فترة حكمهم.

وتُستمد فكرة الديمقراطية التمثيلية أيضا من منطق أنّ ليس جميع الشّعوب لهم القدرة على المشاركة في عمليّة الحكم، جرّاء جملة من العوامل كمستوى الوعي والثقافة… لذلك فهم يقومون بتوكيل من هم أقدر منهم على القيام بذلك وأكثر إدراكّا للمصلحة العامّة من وجهة نظرهم، وذلك ما يثير حقيقة جملة من التساؤلات التّي من أبرزها، هل فعلا الانتخابات تعبّر على كلّ الارادات؟ هل فعلا تعكس كل الآراء؟ وهل من المنطقي توكيل فئة دون اخرى في عمليّة التّمثيل الدّيمقراطي؟

أشار الكثير من النّاقدين لنموذج الدّيمقراطية التّمثيلية أنّ العملية الانتخابية التّي تعد من أهمّ آلياتها الرّائجة والمستخدمة حول العالم أنّها لا تعزّز فعليا الدّيمقراطية ولا تقوم ببنائها، بل على العكس فهي لا تحقّق مبدأي التّناصف والعدل في اختيار الشّعوب لممثّليها، فالانتخابات تعني عمليّا حكم المترشّحين الحائزين على أغلبيّة الاصوات، في حين أنّ بقيّة المترشّحين الحائزين على عدد قليل من الاصوات لا يتمكّنون من تمثيل الاقلية التّي قامت بانتخابهم، ونستخلص من ذلك، أنّ الديمقراطية التّمثيلية تقمع أصوات الاقلية ولا تمكّنهم من توكيل ممثّليهم في عملية صنع القرار.

الى جانب ذلك يشير الفكر الماركسي، الى أنّ الديمقراطية التّمثيلية هي من قلب اعتبار أنّ الشعوب من الطبقات الفقيرة والمتوسّطة ليست لها الاهلية الكافية حتى تدير شؤونها السياسية بنفسها، لذلك فقد تمّ بلورة الرؤيا المنادية بضرورة سيطرة الطّبقة الرّأسمالية والمثقّفين التّقليديين على الحكم  لإدارة شؤون وتمثيل الطبقات المهمّشة الوضيعة الفاقدة للوعي السياسي والديمقراطي عن طريق الانتخابات. وبالتالي فإنّ هذا المسار ليس إلاّ سعيا لإعادة إنتاج سيطرة الرأسماليين على السلطة بعد إقناع الشعوب بفشلها وعجزها عن إدارة شؤونها ومعرفة متطلّباتها.

جاءت فكرة التّأسيس للديمقراطية التّشاركية من قلب الانتقادات التي تمّ توجيهها للديمقراطية التّمثيلية، كونها لا تُعطي أيّة دور للشّعوب في المساهمة في إدارة شؤونها العامّة في البلاد إلاّ عن طريق الآلية الانتخابية التّي تقف وسيطا بين الفرد (الّي لا يُساهم مباشرة في صنع القرار السياسي) والمواطن أو الحاكم(الذي يصنع السياسات العامة مباشرة)

وبالتّالي نميّز بين ثلاثة أشكال رئيسية للدّيمقراطية، انطلقت في بدايتها من الدّيمقراطية المباشرة التّي تُمكّن الشّعوب من صناعة القرارات والسياسيات مباشرة، وقد اندرج ذلك قديما في اليونان، ثمّ ظهرت بعد ذلك الديمقراطية التّمثيلية يقوم خلالها الشّعب بانتخاب ممثّليه كبدائل عنه لسنّ القرارت السياسية، والنّموذج الاخير هو الدّيمقراطية الاشتراكية الذي ظهر في النّصف الثاني من القرن العشرين، إذ تداخلت الآراء حولها فيما إذا كانت تتكامل مع النموذج التّمثيلي، أو أنّها تقاطعه تماما باعتبار أنّ عيوبه الكامنة لا تحقّق الدّيمقراطية بمفهومها الواقعي والملموس، وإلاّ لماذا جاءت الحاجة إليها؟

اعداد صبرين عجرودي  باحثة بقسم الدراسات السياسية والبحوث الاستراتجية والعلاقات الدولية

اشراف بدرة قعلول : رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

ما من نموذج ديمقراطي لم يكن عرضة للنقد من الباحثين والعلماء في الشّأن السياسي، لكنّ الديمقراطية التّمثيلية أثبتت بجدارة عجزها عن تحقيق الغاية التّي وجدت من أجلها العدالة.

 اتفق كثيرون على أنّه تمّ صياغتها كتعبير عن عجز الشّعوب في قدرتها على تقرير مصيرها بنفسها وانطلاقا من ذلك تمّ توظيفها لهيمنة الرأسمالية، فهيمن البرجوازيون واصحاب المصالح على الاحزاب السياسية تحت غطاء بأنّ “لا ديمقراطية دون أحزاب سياسية”، وسارت الكثير من الشّعوب ضمن هذه “الديمقراطية الوهمية” ظنّا منها أنّ التّعددية الحزبية هي لسان الديمقراطية وليس هناك من نظام حكم ديمقراطي قائما دون وساطة.

إشكاليّة البحث: كيف يمكن أن يكون النّظام السياسي نظاما ديمقراطيا دون أحزاب سياسية ؟

من خلال هذا السؤال العام سنتطرّق الى العديد من النّقاط التّي ستمثل إجابة ضمنية لهذه الاشكالية.

مفاهيم البحث:

  • الدّيمقراطية (Democracy): كلمة يونانية الاصل، يشير المقطع الاوّل منها الى “Demos” ومعناه الشّعب، أما المقطع الثّاني وهو “kratein” ومعناه الحكم، وبالتّالي نستنفذ بالقول أن مفهوم الديمقراطية لغة يعني تحديدا “حكم الشّعب” .

أمّا اصطلاحا يعني مفهوم الدّيمقراطية، اضطلاع الشّعب بالسّلطة، أي أنّ النّظام لا يكون ديمقراطيا ما لم يحكم الشّعب نفسه بنفسه، وتختلف الآليات التي يمارس فيها السّلطة حيث تكون مباشرة أو باعتماد وسطاء يضطلعون بهذه المهمة عن طريق الانتخابات.

في هذا الاطار عرَّفها الرئيس 16 عشر للولايات المتحدة الامريكية “أبراهام لينكون”( Abraham Lincoln) بأنّها “حكم الشعب، من قبل الشعب، ومن أجل الشعب”.

النّقطة الفاصلة في النّظام الديمقراطي هي مساهمة الشّعب في صنع القرار السّياسي إمّا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتكون الانتخابات هي الوسيلة المعتمدة في الطرق الغير مباشرة، بحيث يختار الشّعب الاشخاص الذين يمثّلونه في صنع القرار وهم غير ثابتين أو مستقرّين ّفي السّلطة إلا إذا ما اختار الشعب ذلك.

أشكال الدّيمقراطية

تختلف طريقة ممارسة الدّيمقراطية باختلاف المعايير التي تُمارس ضمنها وهي كالتالي:

  •  وفقا للمعيار الجغرافي توجد ديمقراطية محليّة واخرى وطنيّة.
  • وفقا للمعيار الاقتصادي والاجتماعي توجد ديمقراطية ليبيرالية وديمقراطية اجتماعية، في نظام الحكم نميّز بين الدّيمقراطية البرلمانية والدّيمقراطية الرّئاسية،
  • وفي المعيار الدّيني هناك ديمقراطية يهودية واخرى اسلامية.
  • والمعيار الاكثر توظيفا في وصف الدّيمقراطية، هو معيار طريقة ممارستها الذّي يميّز بين:
  • الديمقراطية المباشرة: التّي تجعل الشّعب في محل حكم ذاته بنفسه باتخاذ القرارات السّياسية مباشرة دون أي حد من الوسطاء.
  • الدّيمقراطية التّمثيلية: يرتكز هذا النّموذج الديمقراطي على الآلية الانتخابية، حيث يقوم الشّعب بانتخاب ممثّليه ليقوم بإدارة الشّأن العام عوضا عنهم.
  • الديمقراطية التّشاركية: يعرّف عالم الاجتماع الامريكي “كرايغ كالهون” (Craig Calahoun) الديمقراطية التّشاركية بأنّها “المشاركة الفردية من جانب المواطنين في القرارات السياسية والسياسات التّي لها تأثير مباشر على حياتهم بدل من الاعتماد الكلي في هذه القضايا على النواب المنتخبين، وبالتالي فإنّ هذه المشاركة من جانب المواطنين تتسم بالتفاعل المباشر والنشط، وتتم في إطار مجتمعات صغيرة بحيث تكون فرص التواصل المباشر بين الجماهير أكبر”.

تكرّس الديمقراطية التّشاركية مبدأ التّفاعل المباشر بين الشّعوب والسلطات الحاكمة، ويكون ذلك عن طريق آليات ووسائل معيّنة يتمكّن من خلالها المجتمع المدني والمواطن من صنع القرارات السياسية واقتراح مشاريع تنموية وبرامج خاصّة بالشأن العام بطريقة أكثر عمليّة وملموسة،  ويتمّ التركيز في القيام بذلك على المجال المحلّي.

ويجدر القول، أنّ الديمقراطية التّشاركية لا تتجاوز الدّيمقراطية التّمثيلية (الغير مباشرة)، لكنّها تسعى الى تشريك المواطنين في عمليّة تقرير مصيرهم بطريقة أكثر نجاعة عن تلك التّي تقوم بتكريسها الديمقراطية التّمثيلية، والصّفة المميّزة لهذه الدّيمقراطية عن النّموذج التّمثيلي، أنّها أكثر عمليّة بحيث تتوغّل في عمق المجتمع وتكون عناصرها هجينة، بمعنى أنّها تجمع بين مختلف مكوّنات المجتمع المدني والمواطنين والمنظّمات الغير حكومية، التّي تجد غالبا صعوبة في المشاركة في صنع القرارات والتّعبير عن مختلف آرائها في نموذج الدّيمقراطية التّمثيلية.

  1. تونس بعد 25 جويلية من الديمقراطية التّمثيلية سعيا نحو ديمقراطية تشاركيّة

  يرتكز مفهوم الدّيمقراطية بعد قرارات 25 جويلية على فهم مغاير للديمقراطية التّي عهدناها والتي تمّ تطبيقها في تونس خلال السنوات الفارطة، بحيث  تكون ممارسة العملية الديمقراطية ضمن التّأسيس الجديد مباشرة ويطلق عليها بناء ديمقراطي قاعدي أو اللامركزية الديمقراطية وقد تمّ الاشارة اليه كذلك بالهرم المقلوب، ويعني الانطلاق من نقاط فرعيّة تمسّ الشّعب مباشرة وصولا الى نقطة مركزية، عكس الديمقراطية التّمثيلية أو الغير مباشرة والتي تنطلق فيها القرارات السياسية من نقطة مركزية وحيدة وصولا الى نقاط مختلفة.

فتكون عمليّا كالآتي:

تتصدّر المجالس المحليّة أعلى الهرم، بحيث يكون لكل معتمدية مجلس محلي وبذلك تصبح الحصيلة 264 مجلسا محليا يقع اختيار اعضائه عن طريق الانتخابات المباشرة، وتتيح هذه المجالس، مجالس جهوية وفقا لعدد الولايات حيث يكون عددها 24 مجلسا جهويا، ويكون المجلس الوطني الشّعبي في اسفل الهرم وتكون أعضاءه من المجالس المحليّة.

  • المجالس المحليّة تتكوّن من:

ممثّل منتخب عن كل عمادة (264 ممثّل)، مشرف على الامن، ممثلين عن الادارات المحليّة ان كانت موجودة بالمعتمدية، ممثّل جهوي عن ذوي الاحتياجات الخاصّة.

ويقع وضع الممثلين عن المجالس المحلية عن طريق القيام بانتخابات مباشرة في دورتين. لا يستطيع الترّشح للانتخابات إلا بتزكية من النّاخبين والنّاخبات.

وتشمل شروط التّزكية مبدا المساواة بين النساء والرّجال في قائمة الناخبين، كذلك التناصف في الاعمار حيث يكون نصفهم أقل من 30 عاما، 25% منهم من أصحاب الشّهائد العليا.

– المشرف على الامن: يحكم في المجلس بمساعدة الادارة المركزية، ويحظى بتزكية أغلبية الاعضاء الذين تمّ انتخابهم كلّ مجلس محلي.

مديرو الادارات المحليّة في كلّ معتمدية: ليس لهم الحق في التّصويت ضمانا لعدم تضارب المصالح.

ويمكن اختصار صلاحيات المجالس المحليّة عموما في تكريس مشاريع وبرامج تنموية في كلّ عمادة تترأسها.

وللناخبين القدرة المطلقة على سحب وكالتهم من الاعضاء المنتخبين ما لم يحقّقوا الانجازات التي اُنتخبوا لأجلها أو لم يكونوا على قدر المسؤولية المأمولة.

  • المجالس الجهوية:

– ممثّل عن المجالس المحلية الموجودة في كل ولاية (24 ممثّل).

– مدير يمثّل الادارات الجهوية الموجود في كل ولاية.

–  ممثّل عن ذوي الاحتياجات الخاصّة.

بالنسبة لدور المجالس الجهوية، فهي تجمع بين الكل مشاريع المستوى المحلي لدراسة النّجاعة وقابليّة التّنفيذ والمشاريع ذات الاولوية والحاجة القصوى.

  •   المجلس الوطني الشّعبي يتكوّن من:

– 264 ممثّلا عن المجالس المحلية: يقع وضعهم عن طريق انتخابات مباشرة

– ممثّلين عن التونسيين المقيمين بالخارج ويصبحون اعضاء في المجلس الوطني الشّعبي عن طريق الاقتراع على قائمات مفتوحة.

وللمجلس الوطني الشّعبي صلاحية التّشريع والمصادقة على كافّة المقترحات من المجالس المحليّة والجهوية، أمّا الجانب الرّقابي فيكون عن طريق النّاخبين الذين لهم القدرة على سحب الوكالة طيلة فترة تولي أعضاء المجلس الوطني التّشريعي المهام الموكّلة إليهم.

ونستخلص إذا بأنّ هذه الديمقراطية التشاركية  مبنية أساسا على حكم الشّعب بطريقة مباشرة عبر المجالس المحلية ثمّ الجهوية، بحيث تنبع القرارات من الاسفل دون الاعتماد على وساطة الاحزاب، وللشعب القدرة في أي وقت بسحب الوكالة ما لم يتمّ التّوصل الى النتائج المأمولة، وتعتبر ديمقراطية الهرم المقلوب أكثر ليونة في التّعامل مع الارادة الشعبية وهو ما يبرز فعليّا عدم الحاجة الى ديمقراطية مبنية على الاحزاب السياسية، أي ديمقراطية تشتغل ضمن منطق الوساطة.

تحقّق الديمقراطية القاعدية فعليّا المفهوم الحقيقي للديمقراطية، كونها حكم الشّعب وليس حكم الاحزاب السياسية وانفرادهم بالسلطة وتحقيق مصالحهم، خاصّة اذا ما كانت الرأسمالية هي المسيطرة على هذه الاحزاب، فهي لن تنجح فعلا في تحقيق المطالب الشّعبية، لكن النموذج التشاركي قد يكون المشروع الاكثر واقعية ونجاعة في التعامل مع الارث الذي خلفّه حكم الاحزاب السياسية من أوضاع اقتصادية واجتماعية متردّية، يبدو أنّ مشاركة المواطن في تجاوزها أضحى أمر  في غاية الضّرورة.

لكن ما مدى واقعيّة تطبيق نموذج الدّيمقراطية التّشاركية في تونس ؟

يرى محلّلون أنّ عمليّة تطبيق نموذج الدّيمقراطية التّشاركية في العالم العربي قد تبدو صعبة في الكثير من الاحيان، ويعود ذلك في اغلب الاحيان الى خصائص هذه المجتمعات وبناها، لذلك يشير العديد من الباحثين إلى أنّ الدّيمقراطية القاعدية على قدر ما تحمله من امتيازات في جعل الشعوب تقرّر مصيرها وترسّخ الديمقراطية بمعناها الواقعي، إلاّ أنّها قد تتعرّض لعديد العراقيل والصّعوبات في العالم العربي، بل إنها نتيجة عدم توافق الديمقراطية التشاركية مع خصائص هذه المجتمعات قد تثير بعض النتائج السلبية، مثلا خلق الكثير من الانقسامات بحيث تُصبح الدّولة بمثابة جزئيات غير متجانسة، لذلك يشير البعض على أنّه لضمان قيام الديمقراطية بطريقة فعّالة يجدر الحفاظ شكليّا على الدّيمقراطية التّمثيلية، مع ضرورة دمج آليات ووسائل الدّيمقراطية التّشاركية، ضمانا مشاركة المواطنين عن قرب في عمليّة صنع القرار مثلا عن طريق الاستطلاعات والاستفتاءات الشّعبية، المبادرات الشعبية .

ومن شروط تكريس نظام ديمقراطي تشاركي بمعناه الصّحيح يجدر ان تكون العناصر المشاركة فيه لها وعي بطرق المشاركة في صنع القرار ومعرفة احتياجاتها، وخصوصا يجب أن يكون هناك مجتمع مدني صلب له القدرة على ان يعمل بفعالية كبيرة داخل النّظام الديمقراطي التّشاركي.

عوائق الديمقراطية التّشاركية داخل العالم العربي

تتعارض الطبيعة التاريخية والبنيوية للسلطة بمفهومها الرائج في الوطن العربي مع خصائص الدّيمقراطية التّشاركية القائمة على اللاّمركزية والقاعدية، إذ يقول الباحث السّياسي “أنس القصّاص ” أنّ “الطّبيعة التّاريخية والبنيوية للسلطة في الاقليم والتّي لا تقبل بوجود كيان مرجعي لها من خارج مركزها، إضافة الى التراث السياسي الحضاري الاسلامي، الذي يفضّل النّظام الشّوري التّمثيلي على التّشاركي المباشر، حيث يلتقي مع الديمقراطية العلمانية في هذه النقطة تحديدا”. وانطلاقا من هذه النّقطة ظهرت في الواجهة نظريات تسعى الى تقييم هذه الدّيمقراطية التّشاركية حتى تنسجم مع خصائص المجتمعات العربية، وتتمثّل في تطويع آلياتها التّي تسمح بتشريك الشّعوب في صنع القرارات السياسية مباشرة ضمن إطار نموذج الديمقراطية التّمثيلية لكسر حائط أي محاولة أو وجه من أوجه احتكار السلطة والانفراد بعمليّة تقرير المصير ، ذلك لأنّ المفهوم التقليدي للحكم والسّلطة في المجتمعات العربية  يمثّل عائقا حقيقيا أمام تحقيق هذا النّوع من الديمقراطية، ولا يكمن العيب في هذا النموذج القاعدي، بل في التّنشئة السياسية التي تمّ تلقينها طيلة الفترات القديمة للشّعوب العربية، وقد نتج عن ذلك ضعف في الوعي بطرق ممارسة الديمقراطية عن قرب خاصّة مع التّفكك الكبير التي تشهده المجتمعات العربية المتشرذمة التّي ليس لها وعي بأي نموذج ديمقراطي سوى بذلك التّسلطي القائم على احتكار السلطة والمركزية والوساطة.

وهو المخاض الذّي تمرّ به تونس منذ أكثر من سته اشهر سعيا نحو تكريس نظام ديمقراطي بعيد كلّ البعد عن مبدأ وصاية الاحزاب على الشّعب التونسي، خاصّة بعد إثبات فشلها منذ 2011، والحقيقة أنّ إرساء نموذج الدّيمقراطية القاعدية لا يزال مُبهما الى غاية اليوم، خاصّة مع تعدّد العراقيل واختلافها، سواءً من الاحزاب السّياسية أو  من نسبة من الشّعب نفسه المناهض لفكرة إلغاء الاحزاب السياسية بتبرير نظريّة “لا وجود لديمقراطية دون أحزاب سياسية”، وذلك يبرهن النّقطة السّابقة بأنّ مدى وعي الشّعوب وتنشئتها السياسية هي التّي تُحدّد إمكانية تغيير النظام الديمقراطي التقليدي القائم على الوساطة  والمتجذّر تاريخيا باخر قريب من المواطن،  وبالتّالي فإنّ الانقسام الذي يشهده الشّعب التونسي يمكن أن يعرقل سير تونس نحو الخوض في تجربة ديمقراطية هي الاولى من نوعها داخل العالم العربي، حتى أنّ محاولة تطبيق آلية من آليات الديمقراطية التّشاركية (الاستشارة الوطنية) لم تلاقي التّرحيب المأمول بالرّغم من أنّها تضع المواطن في قلب تحديد مصيره وإبداء رأيه.

وإذا ما تمّ تقديم جميع الاحداث التّي مرت بها البلاد التونسية، على الاقل في الفترة بين 25 جويلية الى اليوم، يمكن الاستنتاج بأنّ المجتمع التونسي يمرّ بما يمكن أن نطلق عليه حالة “عدم اليقين السياسي”، وذلك ما يبرّر حالة التّداخل والتّناقض الذي يعيشه المجتمع التونسي الذي يعتبر عيّنة صغيرة لكل المجتمعات العربية، والمقصود بذلك أنّه حتى الدّيمقراطية التّمثيلية لم ترقى لفضّ الصراع القائم بين المجتمع والسّلطة، ذلك لأنّها حسب تقدير القصّاص هي نيابية لكنّها لا تُعد “تفويضا مفتوحا” إلاّ إذا ما انعدم الصراع بينهما.

يضيف الباحث: ” لا شكّ أنّ حالة عدم اليقين السياسي والتّخبط الاستراتيجي، والتي يعيشها المجال العربي قاطبة اليوم، ستؤجل وبلا أدنى شك أي محاولات لدمقرطة البيئة العربية، وسيحتاج العرب وقتا ليس بالقليل ودماءً ليست بالضّئيلة، حتى يتعلّم كيفيات التّعايش مع الآخر وآليات الوصول إلى أرضيات مشتركة لإدارة الخلافات والتّوافقات”.

 كيف يمكن ان ترتبط الديمقراطية التشاركية بالديمقراطية التمثيلية؟.

 ظهرت الديمقراطية التّشاركية كنتيجة للفشل الذي أثبتته الديمقراطية التّمثيلية في النّهوض بالمجتمعات وتحقيق الارادة الشّعبية بكلّ تجلياتها، فجاءت الحاجة الى تقويم هذه الديمقراطية الغير مباشرة عبر إدماج آليات الديمقراطية المباشرة، فأصبحنا نتحدّث عن مفهوم الديمقراطية التشاركية، فقد أثبتت الكثير من التجارب بأنّه لا يمكن تكريس ديمقراطية واقعية إلاّ من خلال ضمان انسجام كل من الديمقراطيتين ضمن إطار موحّد داخل مجتمع واحد، ذلك لما تمّ إثباته من سلبيات ومساوئ لكلّ من النموذجين إذا تمّ تطبيق كل منهما على حدى  بمعزل عن الاخر.

أي أنّ هناك تكامل وظيفي موضوعي بين الدّيمقراطية المباشرة والتّمثيلية، بحيث يكون هناك حضور فعّال لكل من التّمثيل المدني والتّمثيل السياسي وليس تأسيسا لنزاع بين الطرفين، وإنما لترسيخ نموذج ديمقراطي فعّال يُطلق عليه الديمقراطية التّشاركية، لذلك فإنّ العلاقة بين هاتين النموذجين الديمقراطيتين لا تخرج عن سياق التّكامل والتكاتف على المستوى المحلي والوطني من أجل تعزيز المسار الدّيمقراطي، لكن قد تمرّ هذه العلاقة ببعض الاهتزازات نتيجة للنقد اللاّذع الذي تتعرّض له الدّيمقراطية التّمثيلية فتعلن مقاطعتها للديمقراطية التّشاركية التي ترى أنّها البديل الامثل لها في تكريس الدّيمقراطية، ومن هنا تدخل هذه الدّيمقراطية (التّشاركية)  في سلسلة من التّصادمات تُفقدها معناها وتشوّشها عن غايتها التّي تتمحور اساسا حول مبدأ ضمان مشاركة المواطن والمجتمع المدني في السّلطة من خلال عدد من الآليات الجديدة التّي لا تعتمدها الدّيمقراطية التّمثيلية.

تكمن الحاجة الى ديمقراطية تشاركية من الصّعوبة الكامنة في تطبيق الدّيمقراطية المباشرة، إذ يرى الباحث في علم الاجتماع “جون جاك روسو” بأنّ  جميع الافراد داخل مجتمع ما لا يمكن لهم أن يكون حكّاما ومحكومين في نفس الوقت، ومن هنا لا يمكن بأي طريقة من الطّرق تطبيق الدّيمقراطية المباشرة (وقع تطبيقها في اليونان) .

– لذلك برزت الحاجة الى ديمقراطية تمثيلية، بحيث يمارس الشّعب السلطة عن طريق عدد من الوسطاء الذين يتمّ اختيارهم من ضمن الشّعب ليمارسوا السّلطة بدلا منه في فترة محدّدة وذلك عن طريق العمليّة الانتخابية، ” بدلا أن تكون السلطة حكم الشعب بالشعب تصبح حكم الشعب بواسطة قلة منبثقة منه”.

وبذلك تعتبر الانتخابات آلية هامّة في تكريس الديمقراطية التّمثيلية، من خلالها يتمّ اختيار ممثّلي الشّعب.

الارادة الشعبية تتجسّد في التّصويت على برنامج حزب معيّن، بالتالي تنبني الديمقراطية التّمثيلية على الثّقة التّي يمكن أن يمنحها الشّعب للمواطنين وبرامجهم التّي سيطبّقونها خلال فترة حكمهم.

وتُستمد فكرة الديمقراطية التمثيلية أيضا من منطق أنّ ليس جميع الشّعوب لهم القدرة على المشاركة في عمليّة الحكم، جرّاء جملة من العوامل كمستوى الوعي والثقافة… لذلك فهم يقومون بتوكيل من هم أقدر منهم على القيام بذلك وأكثر إدراكّا للمصلحة العامّة من وجهة نظرهم، وذلك ما يثير حقيقة جملة من التساؤلات التّي من أبرزها، هل فعلا الانتخابات تعبّر على كلّ الارادات؟ هل فعلا تعكس كل الآراء؟ وهل من المنطقي توكيل فئة دون اخرى في عمليّة التّمثيل الدّيمقراطي؟

أشار الكثير من النّاقدين لنموذج الدّيمقراطية التّمثيلية أنّ العملية الانتخابية التّي تعد من أهمّ آلياتها الرّائجة والمستخدمة حول العالم أنّها لا تعزّز فعليا الدّيمقراطية ولا تقوم ببنائها، بل على العكس فهي لا تحقّق مبدأي التّناصف والعدل في اختيار الشّعوب لممثّليها، فالانتخابات تعني عمليّا حكم المترشّحين الحائزين على أغلبيّة الاصوات، في حين أنّ بقيّة المترشّحين الحائزين على عدد قليل من الاصوات لا يتمكّنون من تمثيل الاقلية التّي قامت بانتخابهم، ونستخلص من ذلك، أنّ الديمقراطية التّمثيلية تقمع أصوات الاقلية ولا تمكّنهم من توكيل ممثّليهم في عملية صنع القرار.

الى جانب ذلك يشير الفكر الماركسي، الى أنّ الديمقراطية التّمثيلية هي من قلب اعتبار أنّ الشعوب من الطبقات الفقيرة والمتوسّطة ليست لها الاهلية الكافية حتى تدير شؤونها السياسية بنفسها، لذلك فقد تمّ بلورة الرؤيا المنادية بضرورة سيطرة الطّبقة الرّأسمالية والمثقّفين التّقليديين على الحكم  لإدارة شؤون وتمثيل الطبقات المهمّشة الوضيعة الفاقدة للوعي السياسي والديمقراطي عن طريق الانتخابات. وبالتالي فإنّ هذا المسار ليس إلاّ سعيا لإعادة إنتاج سيطرة الرأسماليين على السلطة بعد إقناع الشعوب بفشلها وعجزها عن إدارة شؤونها ومعرفة متطلّباتها.

جاءت فكرة التّأسيس للديمقراطية التّشاركية من قلب الانتقادات التي تمّ توجيهها للديمقراطية التّمثيلية، كونها لا تُعطي أيّة دور للشّعوب في المساهمة في إدارة شؤونها العامّة في البلاد إلاّ عن طريق الآلية الانتخابية التّي تقف وسيطا بين الفرد (الّي لا يُساهم مباشرة في صنع القرار السياسي) والمواطن أو الحاكم(الذي يصنع السياسات العامة مباشرة)

وبالتّالي نميّز بين ثلاثة أشكال رئيسية للدّيمقراطية، انطلقت في بدايتها من الدّيمقراطية المباشرة التّي تُمكّن الشّعوب من صناعة القرارات والسياسيات مباشرة، وقد اندرج ذلك قديما في اليونان، ثمّ ظهرت بعد ذلك الديمقراطية التّمثيلية يقوم خلالها الشّعب بانتخاب ممثّليه كبدائل عنه لسنّ القرارت السياسية، والنّموذج الاخير هو الدّيمقراطية الاشتراكية الذي ظهر في النّصف الثاني من القرن العشرين، إذ تداخلت الآراء حولها فيما إذا كانت تتكامل مع النموذج التّمثيلي، أو أنّها تقاطعه تماما باعتبار أنّ عيوبه الكامنة لا تحقّق الدّيمقراطية بمفهومها الواقعي والملموس، وإلاّ لماذا جاءت الحاجة إليها؟

– في الحقيقة تتضارب النّظريات والآراء بين علماء السياسية والباحثين في الشّأن السياسي بخصوص التكامل بين هاتين النموذجين الديمقراطيتين أو تقاطعهما، حيث يرى الشّق الاول بأنّ الديمقراطية التّشاركية ما كانت لتأتي لولا أنّها لتكمّل النّقص الذي يسود الديمقراطية التّمثيلية بآلياتها التّي تتميّز بها عن الاخيرة، وإلاّ لماذا ظهرت ديمقراطية تمثيلية منذ البداية ولم يتمّ الذّهاب منذ البداية الى النموذج الاشتراكي؟

يركّز أصحاب هذه الفكرة على أنّ الديمقراطية التّشاركية انبنت اساسا على أرضيّة الديمقراطية التّمثيلية، فقامت بتطويرها وتطويعها حتى تتوصّل الشّعوب الى وضعيّة صنع قرارها بنفسها، وقد انطلقت من فشل التجارب الدّيمقراطية في الغرب وخاصّة في اوروبا، حيث تهاتفت الاصوات المنادية آنذاك بضرورة استبدال النّموذج الديمقراطي التّمثيلي بآخر يسمح للشعب بالمشاركة بطريقة اكثر فاعلية في صنع القرارات، ففي ألمانيا مثلا طالب القضاء في عام 1973 بالبحث عن آليات جديدة ضمن الدّيمقراطية التّمثيلية تجعل المواطنين اكثر اندماجا في العملية الديمقراطية عوضا عن الاقتصار فقط على الانتخاب كل فترة طويلة ليقوم غيره بالتقرير عنه.

 وبالتّالي فإنّ فكرة مقاطعة الديمقراطية التّمثيلية ليست منطقية تماما، ذلك لأنّ فكرة الوساطة ليست ملغاة  في النموذج الاشتراكي ولكنّها ثانوية ومستمدّة أساسا من العجز عن تطبيق الدّيمقراطية المباشرة لعدّة أسباب تفرضها بنية المجتمعات الحديثة، وتعرّفها “Marie Hélène Bacqué” بأنّها العملية التّي من خلالها يتمّ استشارة المواطنين وهيئات المجتمع المدني في اتخاذ القرارت وتنزيل السياسات العمومية ومراقبتها وتتبعها وكذا تقييمها”، أي أنّ المواطن يقرّر عن طريق المجتمع المدني وعن طريق ممثّلين في إطار شبكات ضيّقة، وبالتالي يتم تجاوز منطق حكم الاقلية لتصبح هناك فئات متعدّدة تحكم بآليات مباشرة. مثلا الكوتا النسائية في المغرب تعتبر وجها من أوجه الديمقراطية التشاركية، بحيث يُسمح لفئة من النساء بالحصول على مقاعد نيابية (تمّ القيام بها في عام 2002).

ويعتبر الكثير من المحلّلين، أنّ الدّيمقراطية الاشتراكية تُعدُّ عمليّة “دمقرطة الدّيمقراطية التّمثيلية” ، فعلى مستوى الشّكل والتّطبيق  يبدو النّموذج التّمثيلي ضيّقا للغاية لا يتميّز بالتّعددية والليونة التي تتميّز بها نظيرتها الاشتراكية، ذلك لأنّ الاولى تتركّز على عدد قليل من الممثّلين الذّين يستفردون بالحكم  ولا يمكن محاسبتهم  من قبل الشّعب في الفترة المخصّصة للتمثيل، فالنّقطة الفاصلة فقط هي الانتخابات التّي يتم إجراءها كلّ خمس سنوات، دون ذلك لا يمتلك بنفسه حق سحب الثّقة أو المحاسبة، وبذلك تساوي الديمقراطية التمثيلية حكم الاقلية للأغلبية وعادة ما تتجلّى هذه الاقلية في مجموعة الاحزاب السياسية التّي تحصل على اغلبية الاصوات وهو ما ذكره عالم الاجتماع الالماني “روبرت ميشلز” (Robert Michels) في كتابه “الاحزاب” خلال نقده للديمقراطية التمثيلية، مشيرا الى أنّ هاته الاحزاب هي نموذج واضج عن انفراد الاقلية بالحكم، وتجد كلّ التّسهيلات الضّرورية من خلال خاصيّة التّمثيل التّي لا تجعل من المنتخَبين يشعرون بأدنى مسؤولية اتجاه من انتخبوهم، بالتالي لا يمكن محاسبتهم أو عزلهم.

 في المقابل تغطّي الديمقراطية الاشتراكية النّقص الكامن في السّابقة، إذ للمواطن والمجتمع المدني والمنظّمات الغير حكومية والكثير من الفاعلين الاخرين القدرة على الاستشارة والاشراك والتتبع والتّقييم ومحاسبة ممثّليه دون إلغاء السّلطة المركزية التي بيدها التّنفيذ وهو بالضبط ما يسعى الرئيس قيس سعيد لتطبيقه (الهرم المقلوب).

في هذا الاطار، يقول الباحث في علم الاجتماع “عبد المالك ورد” : إنّ ولادة الديمقراطية التشاركية لم تكن منعزلة عن الفلسفة الجديدة التي رامت تدبير الفعل العمومي والجنوح الى الاهتمام بالبعد المحلي وإعطائه مكانة أساسية في العملية التدبيرية، وذلك كرد منطقي على تركيز إعداد وتنفيذ السياسات العمومية في يد الدولة المركزية،  وبالمقابل المناداة بالتعدد على مستوى الفاعلين واعتبار البعد المحلي الانطلاقة الاساسية للسياسات العمومية والتدخلات العمومية كذلك”.

المراجع:

  • أحمد الجريبع، النّظرية الديمقراطية، وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، 2020 :

https://nimd.org/wp-content/uploads/2020/09/Democratic-theory.pdf

  • شيرين أحمد، مفهوم الديمقراطية ومعناها، موضوع، 5 يناير 2022:

https://mawdoo3.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9_%D9%88%D9%85%D8%B9%D9%86%D8%A7%D9%87%D8%A7

  • آمنة المرناقي، البناء الديمقراطي القاعدي: ما هو مشروع قيس سعيد للدولة؟ ، انكفاضة، 6 اكتوبر 2021:
  • حاتم دمق، في مفهوم وآليات الديمقراطية المحلية، مؤسسة الياسمين، 10 جوان 2015:

http://www.jasminefoundation.org/ar/?p=1474

  • همام سرحان، شروط تطبيق الديمقراطية المباشرة “غير متوفرة” عربيا، Swissinfo، 08 ماي 2015:

https://www.swissinfo.ch/ara/%D8%B9%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89-%D8%B3%D9%84%D8%B7%D9%88%D9%8A%D8%A9_%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B7-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D8%A9–%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%AA%D9%88%D9%81%D8%B1%D8%A9–%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A7/41415068

  • د. دينا شحاته، أزمة الديمقراطيات الغربية..مقاربات نظرية للفهم، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2 جانفي 2019:
  • v       https://acpss.ahram.org.eg/News/16832.aspx
  • رياض درار، اللامركزية الديمقراطية “مزيد من التوضيح” ، Xeber 24، 2 مارس 2019: https://xeber24.org/archives/163953
  • محمد العجاتي وكلوفيس هنريك دي سوزا ونوران أحمد، من الديمقراطية التمثيلية الى الديمقراطية التشاركية، منتدى البدائل العربي للدراسات:

 file:///C:/Users/Sabrine/Downloads/27_03_2012_1.pdf

  • هل فشلت الديمقراطية التونسية في إقناع الشباب التونسي؟ تباطؤ مسيرة التنشئة الاجتماعية الديمقراطية، مبادرة الاصلاح العربي، 24 اوت 2021:
  • د. مصعب التجاني، التطور الديمقراطي المغربي، الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية من خلال النص الدستوري، مجلة العلوم السياسية والقانون، العدد 18، المجلد 3 المركز الديمقراطي العربي، نوفمبر 2019:

https://hazbane.asso-web.com/uploaded/4def-1-pdf.pdf?fbclid=IwAR1VObi3WhSdm0fDDvZanDkwxYt0cV4Fv3EsiPkAIQNEe6SjdP6Zzd162vw

By amine