الأحد. نوفمبر 24th, 2024

اعداد : رباب حدادة قسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية

مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

منذ الستينات وتركيا تعمل على تطوير استقلاليتها في مجال الصناعات العسكرية،تبلور هذا التوجه في الثمانينيات وبلغ ذروته منذ تسلم اردوغان للسلطة.

اسباب عديدة دفعت الى تطوير هذه الاستقلالية اهمّها التبعية الدائمة للقوى الكبرى، كما ان تدخلها في الحروب الجارية في منطقتها كحرب ناغورنوكاراباخ جعلها تبحث على تطوير اسلحتها ورصيدها العسكري الخاص فمنطق الأتراك التحكم الذاتي في نوعية معينة من الاسلحة.

 انضمام تركيا ايضا الى حلف الناتو لم يخفف من حدة هذه التبعية خاصة مع امتناع حلفائها في اكثر من مناسبة من تزويدها بمنظومات الاسلحة المتطورة ما جعل انقرة تعمل على تطوير قدراتها الذاتية في مجال الصناعات العسكرية وتسعى لإنشاء قاعدة صناعية وتكنولوجية للدفاع تركية مائة بالمائة.

قطعت انقرة اشواط هامة في بلورة صناعة حربية ذاتية، غير ان ذلك لم يمنع عجزها عن الاستقلال التام عن التعاون التكنولوجي في بعض القطاعات، تعد الطائرات المسيرة هي افضل نظام اسلحة نجحت تركيا في تطويره.

طورت انقرة عدة نماذج من المسيرات الجوية الحربية منها التي اطلق بمبادرة من الجيش التركي في 2004 بالاتفاق مع الشركة التركية “Turkish Aerospace Industries” وبقي المشروع قائما طيلة عشر سنوات الى ان تم بدأ ادماج النماذج الاولى من المسيرة في الجيش التركي ابتداء من سنة 2014.

من النماذج الهامة التي صنعتها تركيا ايضا هي المسيرات الانتحارية من نوع” Kargu-2″ وتعد من الاسلحة التي اثارت الجدل، اذ يعرف النظام بذاتيته التشغيلية العالية وفي تقرير اعدته منظمة الامم المتحدة لمجلس الامن، فان مسيرات الكارغو قد نفذت هجوما كامل الذاتية ضد مقاتلي الجيش العربي الليبي في عملية هي الاولى من نوعها في مارس 2021.[1]

ويوضح التقرير ان “النظام كامل الذاتية تم برمجته لمهاجمة الأهداف دون الحاجة إلى ربط البيانات بين المشغل والذخيرة – في الواقع، لديها قدرة حقيقية على الاستهدافواطلاق النار باستخدام خوارزميات التعلم الالي “.

تعد هذه المسيرات انظمة حربية ناجحة ولكن تظل مسيرات البيراكتار(Bayraktar TB2)الاكثر رواجا حسب عقود البيع التي ابرمتها تركيا،اذ حققت نجاحا تسويقيا مدفوعا بالسياسة الخارجية التي تتبعها تركيا بتوظيف هذه الانظمة كأداة سياسية.

فماهي خصائص هذه المقاتلات المسيرة؟

وماهي اسباب رواجها العالمي؟

وكيف اعتمدت تركيا على ما يعرف بدبلوماسية الدرونز؟

1/الخصائص الحربية لمسيراتالبيراكتار

بدأ مشروع هذه الطائرة المسيرة في 2007 عندما اقدمت الحكومة التركية على تقديم طلب  للشركات الخاصة من اجل تصميم طائرة مسيرة تركية، وكان افضل عرض تم تقديمه من قبل الشركتين” Kale”و ” Baykar Technologies”[2]. وبالتالي دخل النموذج الاول للبيراكتار مرحلة التطوير حتى سنة 2010، حيث تم اختيار النموذج لتسليح الجيش التركي ودخل مرحلة التصنيع سنة 2012 لتكون النماذج الاولى  جاهزة في سنة 2014.

نجاح البيراكتاراثار نقدا ورفضا خاصة من قبل القيادات العسكرية التي صنفت هذه المسيرة “كطائرة استراتيجية” كي لا تنافس”TAI Anka” التي هي نتاج لمشروع المؤسسة العسكرية التركية.المعايير الدولية تصنف  TB2كطائرة مسيرة من صنف  MALE UAV””.[3]

يبلغ طول هذه المسيرة الحربية 6.5 م ونطاقها 12م ويبلغ وزنها الكامل عند الاقلاع 650 كغ وحمولة قصوى بـ150 كغ.

منصة البيراكتار لديها تصميم جسم الجناح المختلط مع هيكل V المقلوب، ويدعم تصميم جسم الجناح المختلط الأداء العام لرفع المنصة، كما يتم توليد قوة الدفع من محرك الاحتراق الداخلي بين مستشعرات الذيل.

منصة المونوهولمندمجة مع عناصر رئيسية قابلة للتفريق مثل الجناح، وطفرة الذيل وV الذيل، وتتألف جميع عناصر الصمامات أساسا من أجزاء مركبة من ألياف الكربون، في حين تستخدم أجزاء الألومنيوم الدقيقة الماكنة في أقسام تقاطع المنصة، تسمح المروحة ذات الشفرتين القابلة للتحكم بها بالتحليق الفعال على ارتفاع متوسط.[4]

الخصائص الحربية للبيراكتارجعلتها تحتل مكانة مميزة في تصنيفات متقدمة للخبراء ونجاح تسويقي هام، اذ تبلغ سرعتها القصوى 220 كم/س(120 عقدة ) وسرعة استكشاف تبلغ 130 كم/س 70 عقدة ويبلغ ارتفاعها العملياتي الاقصى 18 الف قدم 5500م ومعدل ادائها 27 ساعة.[5]

تم توظيف الطائرات بدون طيار التركية كعنصر مناورة رئيسي في الغارات الجوية وليس فقط للمراقبة والاستهداف الموجه واثبتت فعاليتها في العمليات البديلة كتدخلها لدعم القوات المسلحة للغرب الليبي ضد قوات الشرق وهي حسب الخبراء سلاح جو مثالي لضمان مراقبة دائمة وثابتة في الميادين العملياتية المفتوحة والمستقرة.

هذه المميزات تخفي نقائص عدة في البيراكتار فهي لم تثبت فعاليتها في الحروب عالية المستوى وتظل هدفا سهلا للطائرات والاسلحة الالكترونية، كما انها تظل من الانظمة الخفيفة وخفيفة الحمولة،مع قدرة تحمل دون المتوسط. لذلك ضمان نجاحها العملياتي يتوقف على ادماجها ضمن القوات البديلة “لتلعب دور مضخم للقوى المحلية او الداعمة ويولد ضربات هجومية استراتيجية منخفضة التكلفة وآثار مفاجئة حقيقية”[6]حسب خبيرة الدفاع اليزابيث مالو.

فأثناء الحرب الليبية تمكنت مسيرات TB2 من انشاء غطاء جوي فعال في دعم القوات البرية لحكومة الوفاق في طرابلس ما حال دون سقوطها،اذ تمكنت هذه المسيرات استهداف المركبات المدرعة والمدفعية والنظم الروسية الصنع المضادة للطائرات.

الامر ذاته في القتال بين اذربيجان وارمينيا حيث دعمت تركيا اذربيجان بهجمات جوية ناجحة، هذه السياسة الخارجية “الحربية” التي تعتمدها تركيا ساهمت في زيادة استعدادها للتدخل المسلح في مناطق عديدة اما لغايات توسعية او تعزيزا لحماية مصالحها الاقليمية.

 الحروب التي خاضتها انقرة قد رفعت من القيمة الترويجية لمقاتلاتها وجعلها تنتشر في السوق الدولية بالرغم من خسارتها عددا هاما من هذه المسيرات التي سبق واشرنا انها سهلة الاستهداف من قبل الطائرات والاسلحة الالكترونية.

2/اكتساح المسيرات الحربية التركية للاسواق العالمية

في السنتين الاخيرتين ابرمت تركيا عقود بيع عديدة للبيركدار في مختلف الدول وهم اوكرانيا واذربجان والمغرب وبولندا وتركمانستان واثيوبياوقيرغيزستانوتونس[7].وهي منذ شهر اوت المنقضي بصدد التفاوض مع 10 دول اخرى لإتمام صفقات بيع جديدة حسب رئيس المكتب التكنولوجي لشركة بيكار المصنعة.

نجاح تركيا في التسويق الى سلاحها الجوي الى جانب الخصائص الحربية كان وليد تكلفته المتوسطة مقارنة بباقي انظمة القوى الكبرى فهو من ناحية يتجاوز اسعار الانظمة الصينية التي من نفس الصنف واقل انخفاضا من الاسلحة الروسية والامريكية والاسرائيلية الاكثر تطورا في الصناعات الحربية.

حسب الصفقات الاخيرة التي ابرمتها تركيا مع بولندا والمغرب فان تكلفة البيراكتار كاملة التسليح بلغت 10 مليون دولار وسعرها يعادل النصف بدون اسلحة، سعر البيراكتار كاملة التسليح يعادل 10 اضعاف المسيرة الصينية “وينغ لوونغ”، في حين  تبقى منخفضة التكلفة امام “إم كيو 9 ريبير” الامريكية 100 مليون دولارو”هيرون تي بي إس” الاسرائيلية200 مليون دولار.[8]

مثلت الصناعات الدفاعية مصدرا هامالمداخيل تركيا التي تعاني ازمة اقتصادية حادة واصبحت تركز اكثر فاكثر على هذا المصدر اذ حسب خططها الوطنية فهي تهدف الى تحقق مبيعاتها السنوية من الاسلحة 25 مليار دولار في 2023 لتبلغ 50 مليار دولار بحلول سنة 2035 وذلك بالتوازي مع اهداف صناعية وهي تحقيق استقلالا تكنولوجي كامل بحلول سنة 2035.

الى جانب القيمة الاقتصادية التي تضيفها مبيعات الصناعات الدفاعية لتركيا فهي اداة لبسط النفوذ السياسي لأنقرة وجعلها تنافس القوى الكبرى فيما عرف بدبلوماسية الدرونز”وهي في جوهرها تكامل بين السياسة الخارجية وسياسة الطائرات بدون طيار. ويقوم الدفاع بإبلاغ سياسة البلد وقراراته في الخارج بما يتيح له تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع البلدان الأخرى من خلال العقود الأمنية.”[9]

هذه الدبلوماسية تتجلى بشكل خاص في مستوى الدول العربية والافريقية اذ ابرمت تركيا عقود بيع اسلحة ومسيرات لعدد كبير من الدول على غرار اثيوبيا على خلفية عقد بيع هام للمسيرات البيركدار في اوت 2021.

وفي جولة اردوغان في افريقيا في اكتوبر 2021 اقام علاقات تعاون عسكري مع عدد من البلدان خاصة في مجال بيع الاسلحة ومكافحة الارهاب.وحسب المصادر الاعلامية والدبلوماسية فان الزيارة ولدت اهتماما كبيرا بشراء المسيرات التركية خاصة من قبل نيجيريا وبوركينافاسو التي يزداد اقبالها على شراء الاسلحة التركية حيث قدرت تكلفة التجهيزات الدفاعية التركية التي تجهزت بها اوغادوغو في 2021 بما يفوق 6 مليون دولار.

عبرت النيجر كذلك عن توجهها نحو شراء اسلحة جو تركي تتمثل في مسرات البيراكتار وطائرات من نوع حوركس وذلك في شهر نوفمبر 2021.

في أعقاب رحلة الرئيس البولونيأندزيج دودا إلى أنقرة، أعلن البلدان أنه إلى جانب صفقة شراء 24 طائرة بدون طيار من طرازTB2، تم التوقيع على أربعة اتفاقات إضافية، وكانت هذه الاتفاقيات تهدف إلى خلق علاقات ثنائية جديدة وتعميق الشراكة الاستراتيجية بين الدول  حسب وزير الخارجية التركي.[10]

تعد بولونيا اول دولة من حلف الناتو تقبل على شراء الاسلحة التركية وهو ما خلق توترا جديدا بين الدول الحلفاء.التوتر ذاته تصاعد بين بين روسيا واكرانيا على خلفية ابرام الاخيرة لعقد من اجل انشاء قاعدة لتدريب والصيانة للمسيرات الحربية التركية والذي ابرم في اواخر اكتوبر 2021.

اذ حذرت روسيا من انشاء هذه القاعدة واعتبرت ان هذه الخطوة من شأنها ان تأجج الصراع في “كيف” وذلك بعد ان نشرت اكرانيا صور في مواجهاتها للحركة الانفصالية الموالية لروسيا باستعمال مسيرات البيراكتار.[11]

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين في تصريح صحفي “لدينا حقا علاقات خاصة وجيدة مع تركيا، ولكن هذه الحالة تؤكد للأسف قلقنا من أن توريد هذه الأسلحة إلى الجيش الأوكراني قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الحالة عند خط الاشتباك”.

وكرر وزير الخارجية موقف المتحدث باسم الكريملين مصعدا من مخاوف اكرانيا معتبرا ان شراء المسيرات الحربية التركية  من شأنه ان يعرقل مطالب اكرانيا العنيدة للانضمام الى حلف شمال الاطلسي.

الولايات المتحدة الأميركة اظهرت ردود فعل سلبية اتجاه انتشار المسيرات التركية خاصة في الصفقة التي ابرمت بين اثيوبيا وتركيا. وحسب ما نقلته وكالة رويترز فان عدة مسؤولين اقروا انزعاج واشنطن من الصفقةبسبب الخوف من التبعات الانسانية للنزاع في تيغراي التي قد تتزايد بتوظيف المسيرات التركية [12]، وحسب نفس المصدر فان القوات الاثيوبية توظف ما يقارب 20 من المسيرات الجوية ولكن ليس من الواضح ان كانت من صناعة تركية او لا.

الخلاصة:

في اطار تدخلها العسكري المتزايد طورت تركيا استقلاليتها في الصناعات العسكرية وان كانت استقلالية تشوبها نقائص في عدة مجالات، كما تجدر الاشارة في هذا السياق ان انقرة قد حققت نجاحا تسويقيا لعدة انواع من اسلحتها على غرار الدرونز التي تبقى  TB2افضل نموذج نجحت تركيا في صناعته والاهم التسويق له.

انتشار الاسلحة التركية في دول اسيا واوروبا وافريقيا وان اكد التحاق تركيا بالدول المصنعة للأسلحة لا ينفي حداثة التحاقها بهذا السباق التنافسي اذ تحتل تركيا المرتبة الثالثة عشر عالميا.

حققت دبلوماسية الدرونز التي تتبعها تركيا نجاحا في تعزيز علاقاتها مع شركاء جدد خاصة الدول الافريقية مدعومة بالتوجه التي تتبعه هاته الدول في الانفتاح على امير عدد ممكن من الشركاء والقوى الاقليمية والدولية.


[1]https://programadoresbrasil.com.br/fr/2021/06/un-drone-attaque-les-soldats-kargu-2/

[2]https://aviationsmilitaires.net/v3/kb/aircraft/show/1653/baykar-bayraktar-ii

[3]https://stringfixer.com/fr/Medium-altitude_long-endurance_unmanned_aerial_vehicle

[4]https://aviationsmilitaires.net/v3/kb/aircraft/show/1653/baykar-bayraktar-ii

[5]https://stringfixer.com/fr/Bayraktar_TB2

[6]https://www.revueconflits.com/lepopee-du-bayraktar-tb2-arme-secrete-ankara/

[7]https://aspeniaonline.it/turkeys-modern-way-of-doing-foreign-policy-drone-diplomacy/

[8]https://www.trtarabi.com/explainers/%D8%AA%D9%81%D9%88%D9%82-%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%86%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%82%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-6432068

[9]https://aspeniaonline.it/turkeys-modern-way-of-doing-foreign-policy-drone-diplomacy/

[10]https://aspeniaonline.it/turkeys-modern-way-of-doing-foreign-policy-drone-diplomacy/

[11]https://www.thedefensepost.com/2021/10/28/russia-ukraine-turkish-drones/

[12]https://www.reuters.com/world/africa/exclusive-us-concerned-over-turkeys-drone-sales-conflict-hit-ethiopia-2021-12-22/

By Zouhour Mechergui

Journaliste