إعداد: منى بوسيف، باحثة بالمركز الدّولي للدراسات الإستراتيجيّة الأمنيّة والعسكريّة
تــمهــــيـــــد:
كأسطورة العنقاء في الميتافيزيقا اليونانية، وكطائرالفينيق الذي ينبعثحيّا من تحت الرّماد، لا تزال الأقليّات تنازع في سبيل افتكاك حريّتها من براثن العقول الجامدة للأغلبيّةالمهيمنة التي ترفض الاعتراف بهذه الأقلية وبكينونتها ووجودها، والتي تسعى إلى طمس هويّتها وتاريخها وحضارتها.
ولعلّ البحث في مسألة الأقليّات أصبح أمرا لا بدّ منهفي ظل ما تشهده هذه الفئات في مجتمعاتنا العربيّة اليوم من إقصاء وتهميش،إذ أصبح هذا الموضوع يطرح نفسه وبقوةعلى إثر ما شهدته البلدان العربيةمن سلسلة ثورات متتالية. وتشير المراجع التاريخية إلى أن معظم الصراعات الأهليّة العربيّة المسلحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت حول هذه المسألة، وهي تُعدّ من الموضوعات المسكوت عنها والتي قليلا ما يتمّ البحث عنها والسّعي إلى سبر أغوارها نظرا لحساسيّتها البالغة.
- ما هي الأقليّات وما علاقتها بالصراعات القائمة في العالم العربي عموما وفي شمال إفريقيا على وجه الخصوص؟
- هل أصبحنا اليوم نتحدّث عن ظاهرة الأقليات ك “كبش فداء” أو كورقة رابحة في أيدي الدول التي تحاول فرض سيطرتها ونفوذها؟
ӝتعريف الأقليات:
قد لا نجد تعريفا دقيقا للأقليات في القانون الدولي[1]إذ تعرّفها الموسوعة الدولية للعلوم الاجتماعيةبأنها “جماعة من الأفراد الذين يتميزون عن بقية أفراد المجتمع عرقيا أو قوميا أو دينيا أو لغويا، وهم يعانون من نقص نسبي في القوة، ومن ثم يخضعون لبعض أنواع الاستعباد والاضطهاد والمعاملة التمييزية”.بينما تعرفها الموسوعة الأمريكية بأنها “جماعات لها وضع اجتماعي داخل المجتمع أقل من وضع الجماعات المسيطرة في المجتمع نفسه، وتمتلك قدرا أقل من القوة والنفوذ وتمارس عددا أقل من الحقوق مقارنة بالجماعات المسيطرة في المجتمع، وغالبا ما يحرم أفراد الأقليات من الاستمتاع الكافي بامتيازات مواطني الدرجة الأولى”.أمّا اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فتعرف الأقليات بأنها “جماعات متوطنة في المجتمع تتمتع بتقاليد خاصة وخصائص إثنية أو دينية أو لغوية معينة تختلف بشكل واضح عن تلك الموجودة لدى بقية السكان في مجتمع ما وترغب في دوام المحافظة عليها”لكن على الرغم مناختلافهذه التعريفات وتنوعهاإلا أننا نستطيع أن نستخلصمنها أن الأقليّات هي باختصار: “مجموعة من الأفراديتميّزون عن بقية أفراد المجتمع عرقياً أو دينياً أو لغوياً”
ӝ أنواع الأقليات:
تختلف الأقليات فيما بينها نوعاً وهوية وانتماء، كما تنضوي تحت مفهوم الأقليات أنماط وأنواع مختلفة منها: الأقلية العرقية، والأقلية الدينية، والأقلية اللغوية والأقلية المذهبية والأقلية القبليةالعشائرية، والأقلية الإقليمية، والأقلية الثقافية، والأقلية السياسية، والأقلية الاقتصادية الاجتماعية والأقلية القومية المتعددة الجذور والأقليات الجنسية. ومع ذلك فإن الأقليات العرقية و”الإثنية”، والأقليات الدينية المذهبية، أكثر أنماط الأقليات ظهوراً في العالم، وهي تكمن وراء أغلب الصراعات التي تنشب من حين إلى حين بين الأقلية والأغلبية في بلد ما.سنتناول في بحثنا هذا الأقليات العرقيّة الإثنية نظرا لأنها النوع الأكثر شيوعا في منطقة شمال إفريقيا وتحديدا المغرب العربي.
أسباب الصّراع بين الأقليّة والأغلبيّة في الوطن العربي:
يشهد العالم العربي عدة أزمات في مقدمتها أزمة الصراع الإثنيالعرقي والديني،ممّا خلق قوى داخلية وخارجية متربصة بهذه الدول لاستغلال ذلك الصراع في خدمة مصالحها السياسية والاقتصادية.
إن تناولنا الموضوع من منظور تاريخيسنجد هذا الاختلاف طبيعياً، ويجب أن يُوظف ويتم التعامل معه كواقع وكعامل إثراء وتفاعل للتجربة الإنسانية، بل كأرضية خصبة للتعايش بين أفراد المجتمع، لا كخلاف وصراع.هذا الاختلاف أو بالأحرىهذه الثورة التي تشنّها الأقليّات، تضع أنظمة الحكم في صراع يُستغل من قوى عديدة على الصّعيد الداخلي والخارجي. لكننا لن نستطيع إنكارحقيقة أن لهذا التكوين الإثني المختلفهويّة تاريخيّة وحضاريّة من الصعب طمسها، تجعل تلك الأقليات تمضي في رحلة شاقة سعيا لإثبات وجودها وللدّفاع عن هويتها وتراثها الثقافي الخاص.وفي المقابل تسعى الأغلبية ومن يمثلها في السلطة للهيمنة واستغلال نفوذها في محاولة الاستحواذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومصادرة حقالإثنيات وقمعها وتهميشها؛ مما يُؤدي إلى سعي تلك الأقليات لإثبات تجذّرها وتفرّعها، وتحولت المسألة من مجموعة أقليات اجتماعية إلى المطالبةبحقوق سياسية واقتصادية، بل وإلى المناداة بالحكم الذاتي والإستقلال.
يمكن إجمال أسباب الصراع بين الأنظمة السياسية والأقليّات على هذا النحو:
تعد الأنظمة العربية المعاصرة الأقليات العرقية والدينية الموجودة داخل إقليمها، خطرا على نظامها السياسي القائم. إذ إن مطالبة الأقليات بالحكم الذاتي، وتقرير المصير قد يؤدي في نظرها إلى انفراط الوحدة الوطنية والمسبسيادة الدّولة، كما من شأنه أن يعزّز التدخل الخارجي.وترى هذه الأنظمة أن مجرد طرح قضايا الأقليّات للنقاش قد يضعف حتما الشعور بالمواطنة، وهذا يجعلها تطالب بالاستقلال مما يغذي الشكوك الطائفيةوالعرقيّة الموجودة بين الأقليّة والأغلبية في المنطقة.وفي ظلّ هذا الرفض والصدّ الذي تواجهه الأقلية من طرف الأغلبية، نجد أن أغلب الأقليّات تلجأ إلى التحالف مع القوى الخارجية بهدف تحقيق الاستقلال.تعدّ الأقليّات ذات النزعة الانفصالية خطرًا يهدد أمن الدولة خاصة إذا كانت هذه الأقليّات بأعداد كبيرة وتمتلك موارد اقتصادية ضخمة، ما يدعم نزعتها الانفصالية، وينمّي رغبتها في المطالبة بالحكم الذّاتي بل والاستقلال التّام. وهذا ما يعرّض الدولة لفقدان جزء لا يُستهان به من أرضها.
الأبعاد الجيوسياسية للأقليات وعلاقتها بالأمن القومي فيمنطقة شمال إفريقيا
يتجلى خطر الأقليات على الأمن القومي العربي في استضعافها لكِيان الدولة سياسيًّا وجعلها نقطة طمع لكثير من الدول الخارجية، وخاصّة إذا لجأت الدولة إلى استخدام الوسائل الأمنيّةوالعسكرية لقمع الأقليّة، وهو ما يحمّلها مسؤوليةدولية أمام لجان حقوق الإنسان وأمام المحكمة الدّولية. ولعل التوزع الجغرافي الإستراتيجي إن صح القول، للأقليّات يضطلع بدور هام في علاقتها بالأمن القومي للدولة إذ إن تمركزهم في منطقة معيّنة من البلاد يسهل عليهم المطالبة بالانفصال عن الدولة مما يهدد بشكل أو بآخر الأمن القومي للدولة واستقرارها.
وكلما كان انتشار الأقلية في منطقة واحدة أدى ذلك إلى تفاقم قوة الأقلية مما يهدد مصالح الدولةوكلما كان العدد والقوة الاقتصادية للأقلية كبيرين، أدى هذا بدوره الى تعاظم قوة الاقلية لأنها تستطيع التأثير على قوة الدولة واقتصادها وبالتالي تستطيع الدولة تلبية متطلبات الاقلية خوفا من قوتها.
- الأقليّات القبليّة: جماعة البوليساريو في المغرب وجماعة الماك في الجزائر نموذجا:
- تعريف مفهومي لجماعة البوليساريو أوالصحراء الغربية في المغرب باعتبارهم أقلية:
الصحراء الغربية هي منطقة مُتنازع عليها تقعُ في المغرب العربي وتحديدًا في منطقة شمال أفريقيا حيث يُسيطر المغرب على جزء كبير منها؛ يحد الصحراء الغربية من جهة الشمال دولة المغرب بينما تحدها الجزائر من الجهة الشرقية ثم موريتانيا من الجهة الجنوبية فالمحيط الأطلسي من الغرب، وتبلغ مساحتها حوالي 266,000 كيلومتر مربع. وهي واحدة من “الدول” الأقل كثافة سكانية في العالم حيث تتكون أساسا من صحراء مستوية إلا أن عدد سكانها يتجاوز الـ 500.000، 40% منهم يعيشون في مدينة العيون كبرى مدن الصحراء الغربية.
وقد نشب نزاع بين سكان الصحراء الغربية ودولة المغرب سببه ان الصحراويين يؤمنون ان بلدهم ليس جزءا من المغرب وانهم قاتلوا وحرروا لوحدهم اراضي الصحراء الغربية من الاستعمار الاسباني، إذ قاتل الصحراويون القوات الإسبانية أكثر من 90 سنه لإجلاء القوات الاستعمارية (1884–1976) كانت البلاد تعرف باسم الصحراء الإسبانية، وهم يعتقدون أن دخول القوات المغربية الي الصحراء كان بتدبير ومؤامرة من الإسبان.
تم احتلال الصحراء الغربية من قبل إسبانيا حتى أواخر القرن العشرين، وهي اليوم ضمن قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المحكومة ذاتيا وذلك منذ عام 1963 بعدما قدم المغرب طلبا بهذا الخصوص. في عام 1965، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الأول بشأن الصحراء الغربية، حيث سألت فيه إسبانيا حول ملكية الإقليم. وبعد عام واحد، تم إصدار قرار جديد من الجمعية العامة تطلب فيه إجراء استفتاء عُقد في إسبانيا من أجل تقرير مصير المنطقة. وفي عام 1975، تخلت إسبانيا عن الرقابة الإدارية للإقليم ثم منحت هذه الرقابة لإدارة مشتركة من قبل المغرب (الذي ادعى أن الإقليم تابع رسميا له منذ عام 1957) وموريتانيا.
اندلعت حرب بين البلدان حول ملكية المنطقة، فتأسست حركة قومية صحراوية عُرفت بجبهة البوليساريو والتي أعلنت في وقت لاحق عن تأسيسها الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية و شكلت حكومتها في المنفى في تندوف بالجزائر.انسحبت موريتانيا من الصحراء الغربية عام 1979، ليُسيطر المغرب فعليا على معظم مساحة الصحراء الغربية، إلا أن الأمم المتحدة تعتبر جبهة البوليساريو الممثل الشرعي للشعب الصحراوي، وتطالب المنظمة من السلطات في المغرب بضرورة ترك حق تقرير المصير للصحراويين أنفسهم.
- تعريف جماعة القبايلأوحركة الماك في الجزائر باعتبارهم أقلية:
تُعد حركة “ماك” من بين أشهر التنظيمات السياسية المعارضة للنظام الجزائري منذ بداية الألفية الثالثة، وهي حركة أمازيغية تُطالب بتقرير المصير في منطقة القبائل، واستقلال المنطقة عن الجمهورية الجزائرية، الأمر الذي جعل النظام والإعلام الجزائري يصفها بالحركة الانفصالية.خرجت حركة “ماك” للوجود سنة 2001، في الفترة التي اندلعت فيها داخل منطقة القبائل مشادات عنيفة بين قوات الأمن الجزائرية والمتظاهرين، واستمرت لمدة سنة، وكانت حصيلتها 126 وفاة، و5000 جريح، و200 معاق مدى الحياة. وتأسست هذه الحركة على يد فرحات مهني الملقب بفرحات إيمازيغن إيمولا، وهو مغنٍّ وشاعر وسياسي ومعارض أمازيغي جزائري، ولد في منطقة القبائل. أعلنت حركة “ماك” على يد فرحات مهني، سنة 2010 عن تشكيل حكومة قبائلية مؤقتة في فرنسا، وذلك لإنهاء ما سمته بـ “ظلم واحتقار وهيمنة الحكومة الجزائرية لمنطقة القبائل وأبنائها”.نصب فرحات نفسه رئيساً لـ “دولة القبائل” وتبرأ من الجزائر فجُرد من جنسيتها، فعيّن 9 وزراء، كما أنه أنشأ عملةً دولة القبائل وجواز سفر خاصاً بالمنطقة، رغم عدم الاعتراف الرسمي بها.بدأت حركة “ماك” تجد لنفسها موطئ قدمٍ داخل منطقة القبائل، فبدأت تتوسع شيئاً فشيئاً وتحصد في صفها مؤيدين لسياستها ومطالبها.
- الأقليّات ونظريّة كبش الفداء:
على مرِّ التاريخ، تعرضت كافة الجماعاتللتضحية بها ككبش فداء، وشمل ذلك الجماعات المقسمة حسب: النوع الجنسي، والديانة، والأفراد الذين ينتمون إلى أعراق أو جنسيات مختلفة، والأفراد ذوي المعتقدات السياسية المختلفة، والأفراد الذين يختلفون في سلوكهم عن الأغلبية.تقدم نظرية كبش الفداء، التي تتناول الصراع بين الجماعات، تفسيرًا لارتباط الفتراتالتي شهدت إحباطًا اقتصاديًا نسبيًا، بارتفاع معدلات التحيز والعنف تجاه الجماعات الخارجية التي لا ينتمي إليها الفرد.لكنتتطلب التضحية بإحدى الجماعات ككبش فداء أن يتفق أفراد الجماعة الداخلية على هدف معين لإلقاء اللوم عليه فيما يتعلق بمشكلاتهم.فعندما تسفر الظروف السلبية عن إحباط محاولات الجماعة للحصول على معظم احتياجاتها الأساسية (مثل، الطعام والمأوى)، يمكن أن تؤسس هذه الجماعة أيدولوجية مشتركة مُقنِعة. وعندما تجتمع هذه الأيدولوجية مع الضغوط السياسية والاجتماعية، يمكن أن تؤدي إلى أكثر صور التضحية بكبش فداء تطرفًا، وهي: الإبادة الجماعية.يمكن أن يؤدي سلوك التضحية بكبش فداء، أيضًا، إلى مهاجمة الجماعات المقهورة لجماعات مقهورة أخرى. فعندما تمارس جماعة الأغلبية الظلم ضد الأقليات، يمكن أن تهاجم إحدى هذه الأقليات جماعة أقلية أخرى بدلاً من مواجهتها جماعة الأغلبية الأكثر قوة.
- بناءً على هذه النّظرية، هل يمكن أن نعتبر جماعة الماك في الجزائر والبوليساريو في المغرب كبشا فداء للحكومتين الجزائرية والمغربية بل وللدول الخارجية المتربّصة بهما على حدّ السواء؟
نشب في الآونة الأخيرة صراع بين الشقيقتين، إذ أصبحنا نتحدث مؤخرا عن إشعال فتيل حرب صامتة بين البلدين،فتنة دفعت كليهما إلى صدّ أبواب المعاملات على كافة الأصعدة وإغلاق سبل التواصل كليا بينهما.تلك المساعي لزرع الأحقاد بين النّسيج المجتمعيللبلدين، يُقالإن للأقليّاتدور هام في تأجيجها. فعندما صدر قرار قطع العلاقات الدّيبلوماسيّة بين البلدين تم تعليله من طرف الجزائر باتهامات لجارتها المغربية بـ “أعمال عدائية”، بدءا “بدعم” جماعة “الماك” الانفصالية في منطقة القبائل ووصولا إلى حد اتهام الرباط بالضلوع في حرائق الغابات شرق الجزائر في الصيف الماضي. وهو ما نفاه المغرب بشكل قاطع. إذتوعد مسؤولون جزائريون باتخاذ إجراءات تصاعدية ضد المغرب، ومن ضمنها قرار إغلاق المجال الجوي في وجه الطيران المدني أو العسكري المغربي، وبعد ذلك صدر قرار بوقف العمل بأنبوب الغاز الأوروبي-المغاربي عبر المغرب.
ويعدّ السعي في هذا المنحى نزوعا إلى غرس فتيل التفكك في المنطقة برمتها، والأخطر منه زرع الأحقاد بين شعبي البلدين، إذ أن حالة التأهب هذه في الواقع قديمة وتعود جذورها إلى حرب الرّمال سنة 1963. وبالأساس هي قديمة قدم المشكلة المصطنعة أي قضيّة”الصحراء الغربية” والمُفتعلة لتجزيء المغرب وتفتيته إلى كيانات صغرى، من أجل إنهاكه بقضية وحدته الترابية وإبقائه منشغلا بقضية الصحراء. ومنذ ذلك الحين ما زال النظام السياسي الجزائري يقدّم مختلف أشكال الدعم لجبهة البوليساريو تحت مسمى تقرير المصير وتصفية الاستعمار.وأتى رد الفعل المضاد من جهة المغرب بخصوص منطقة القبايل، كردة فعل حجاجية، ذلك أن إثارة المغرب لمشكلة القبايل كانت بغاية التبنّي السياسي للقضية، في محاولة لثني صانع القرار الجزائري إلى تجنب دعم جبهة البوليساريو. في حين يُجلي لنا التّاريخ حقائق ودوافع أخرى تجرّ كلا البلدين للسّعي في هذا المنحى، دوافع سياسيّة بالأساس.أضحت التعدّدية القبائليّة والتّنوع الذي تزخر به مجتمعات شمال أفريقيا عنصر إضعاف وتفكيك ليس في المغرب وحده، وإنما في الجزائر كذلك، مما يجعل خطاب الوحدة عنصر قوة لدول المنطقة، وخطاب الحكم الذاتي والاستقلال عامل تجزيء وتفرقة.
ختاما، تحمل التوترات الحالية بين الجزائر والمغرب في طياتها تأثيرات سلبية متعددة ينبغي تجاوزها أو عقلنتها في حدود معينة، منها ما يزرع أحقادا في النسيج المجتمعي للبلدين الذي توحده القسمات والخصائص نفسها، بالإضافة إلى تأثيرها في اقتصاد الدولتين، إذ أن كل محاولات تغذية التجزئة تخدم بشكل ضمني إستراتيجيات الاستعمار، وتعد سقطة أخلاقية لساسة ودول تجمع شعوبها الثقافة نفسها والتاريخ المشترك والمصير.وعموماً، يعتبر حق تقرير المصير حقا جماعيا وليس فرديا. بمعنى أن هذا الحق لا يمكن أن يمارس فقط من خلال فرد واحد أو مجموعة أفراد. بل هو خاص بعدد كبير من الناس توجد بينهم روابط مشتركة، مثل لغة، تاريخ، ثقافة. وقد قيّد القانون الدولي هذا الحق بعدة قيود، حتى لا يؤدي إلى تفتيت الدول وزعزعة سيادتها، فلو أن كل الأقليات في الدول ستقول بأن لها لغة وتاريخ مشتركاً كأقلية، وبالتالي تطالب بالانفصال عن الدولة الأم، فإن هذا يعني تفتيت الدول. وعليه، يمكن القول إن الحق في تقرير المصير محصور في حالتين، الأولى: هي حالة الشعوب الخاضعة للاستعمار أو الاحتلال، حيث بموجب هذا الحق يكون لها الحق بالتخلص من الاحتلال الأجنبي أو التمييز العنصري وأن تحكم نفسها بنفسها. والثانية: هي حالة الأقليات التي تتعرض إلى الاضطهاد أو التمييز العنصري الممنهج من قبل الدولة.
[1]لا يوجد تعريف دقيق ” للأقلية” في القانون الدولي، ولكن تعترف منظومة الأمم المتحدة بالأقليات القومية أو الإثنية أو الدينية أو اللغوية، وحق الأشخاص المنتمين إلى هذه الجماعات في التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بديانتهم وممارستها، واستخدام لغتهم الخاصة (المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 2 من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قوميةأو إثنية والى أقليات دينية ولغوية.