اعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية
في جويلية 2006 نشرت المجلة العسكرية الأمريكية “آرمدفورسز جورنال” خارطة جديدة للشرق الأوسط وضعها الجنرال الأمريكي المتقاعد “رالف بيترز”يضع فيها الكاتب مقترحاته “العظيمة” للشرق الأوسط الأفضل حسب تعبيره في مقالة عنونها بـ”حدود الدم”.
الجديد والغريب في هذه المقالة والخارطة المرفقة معها قسّم فيها “بيترز” الشرق الأوسط على أسس عرقية ودينية وطائفية، وقد برر لهذا التقسيم أن هناك أقليات مضطهدة ومظلومة وأن منطقة الشرق الأوسط تستحق وضعاً أفضل مما هي عليه، وأن تقسيم سايكس بيكو قد ظلمت شعوب هذه المنطقة والحدود الحالية للمنطقة قد “وضعها الحدود الأوربيون الانتهازيون” حسب تعبيره.
وبالتالي وضع مشروع مقترح حول التقسيم الأفضلللمنطقة، يجب أن يكون على أسس عرقية وإثنية وطائفية وأن الصراعات الطائفية والتصفيات العرقية الحاصلة في بعض البلدان لن تنتهي إلا إذا تم إعادة تقسيم المنطقة على هذه الأسس، طبعا هذا حسب رأيه.
والغريب في هذا المقال والمزعج في نفس الوقت أن “بيترز”يقول “إن هذا التقسيم لن يحدث إلا بعد أن تسفك دماء مئات الآلاف من أبناء المنطقة، وأن لا محالة من إراقة هذه الدماء.”
طرح الجنرال الامريكي بيترز
ما طرحه الجنرال الأمريكي في سنة 2006 بات اليوم حقيقياً وواقعياً ومشاهداً على أرض الواقع بل ونحن نساهم في تطبيقه وننظر الى اراقة الدماء والحروب الأهلية في كل مكان من خريطة الشرق الأوسط الأعلى أو الأدنى، وكذلك ومنذ 2011 أصبحنا نتحدث في كل الدول العربية على احقية الأقليات من أجل الاستقلال الذاتي، والحكم الذاتي، مما يزيد من العنف والدم والتقسيم فلن تعود هناك دول بل ستصبح هناك دويلات مما سيسبب الويلات لدولنا العربية والشرق أوسطية.
والغريب كذلك في الموضوع أن صنّاع القرار و”النخب السياسية” لا تدرك حجم المخطط، وحتى وان ادركوا فلا يتداركون إذا فهموا،فهم لا يلقون الانتباه لما يخطط له الغرب، ولا لما يتحدثون عنه بشكل رسمي أو غير رسمي وبشكل علني وبشكل غير علني، والنتيجة هي أن كل الدول العربية تنقاد لهذا المخطط المرعب والمخيف من دون أن يشعروا.
فهم يلقنوننا ونحن نستجيب، وشعوب غافلة وشعوب تنقاد مثل القطيع، بكلمات سحرية وشعارات ترفع لا مكان لها على الواقع ولا في تاريخ الانسانية وهي “حقوق الانسان” و”الديمقراطية” “والشعوب هي من لها الارادة التامة”… كلها شعارات، لأننا لم نعمل على خصوصيات شعوبنا وعلى العقل العربي، الذي تمّ تغيبه بإرادة ومن غير ارادة، الشعوب تكون قد ساهمت في دمار أوطانها وتقسيمها وتشتيتها ودمار عقولها، والحاكم بين مطرقة السلطة وسندان الاملاءات القوى الكبرى الخارجية.
وما نشاهده اليوم من مؤتمرات واجتماعات ولقاءات للقوى الكبرى التي تلهث وراء المتغيرات الدولية والعالمية ومصالحها الاقتصادية والسياسية، فلا نستبعد أن يأتي يوم وقد أصبحت خريطة الشرق الأوسط الجديد “لبيترز” واقعا لا مفر منه وواقعا نعيشه كما خطط له الجنرال المتقاعد بقناعة من أصحاب القرار العربي والشرق أوسطي كما اقتنعوا بتقسيمات الاستعمار وبتقسيمات سيسبيكو وغيرها.
وقد أقنعوا بعض “النخب السياسية” بأنه لا توجد نظرية “المؤامرة” ولكن الواقع غير ذلك، فلننظر الى خارطة الصراعات والحروب في الشرق الأوسط، والعالم العربي، تجد داعش في العراق والحرب في اليمن والتنظيمات الارهابية وداعش في سوريا وحرب أهلية ودمار في ليبيا والمؤامرة التي تطبخ على نار هادئة ضد مصر،والتصعيد الكبير بين المغرب والجزائر، والحملات ضد دول الخليج وضد المملكة العربية السعودية، واستخدام قطر كعصى ضد دول الخليج والعالم العربي، تحريك تركيا لاستفزاز هذا العالم المترهل المتفكك الضعيف… كل هذه قد تكون أدواتاً يستخدمها الغرب وتستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ هذا المخطط حالياً.
مشروع اعادة رسم الحدود: التقسيم، التجزأة، الاقتطاع والالحاق حسب بيترز
بحسب خطة الجنرال الأمريكي المتقاعد بيترز فإن هناك دولاً سيعاد تقسيمها وأخرى سيضاف إليها مناطق جديدة والمشروع سكون كالتالي :
اليمن:
- سيضاف إلى اليمن أجزاء من عسير ونجران وجيزان جنوب المملكة العربية السعودية: وحسب قرأتنا للواقع الحال وما يحدث على واقع الرقعة الجغرافية هناك، فانّ ما يحدث الآن في الحدود بين اليمن والسعودية فكأنّ المخطط في طور الانجاز، فلا نستبعد ولو بعد حين أن تنتهي هذه الحرب بانضمام هذه المناطق إلى اليمن طبعا بقرار أممي وباتفاق ومؤتمرات تحتضنها بعض الدول الغربية المؤثرة، وقد يحدث أيضاً انقسام اليمن إلى يمنين بالنظر إلى وضع الانقسام بين الأطراف اليمنية في النفوذ العسكري والسياسي.
العراق:
- وحسب مخطط “بيترز” فسيكون التقسيم في العراق كالتالي : دولة شيعية في الجنوب العراق وستكون نواة للدولة الشيعية العربية والتي وحسب تقديره ستمتد على طول الخليج الفارسي. والدولة الثانية في العراق ستكون دولة سنية في الوسط مكوّنة من ثلاثة محافظات والتي ستختار الوحدة مع سوريا. أماّ الدولة الثالثة فهي دولة كردية وتسمى كردستان الحرة في الشمال. وهذا ما يفسر الحرب القائمة بين الجيش العراقي والحشد الشعبي من جهة وداعش من جهة ثانية في العراق والتي تسببت في تهجير مئات الآلاف من العراقيين وما نتج عن ذلك من استهداف ممنهج واضطهاد للأقليات كـ”الأزيديين” مثلاً، وهذا ما يؤسس لتقسيم عرقي كالذي وضعه “رالف بيترز” الصراع بين السنة والشيعة في العراق سيكون تنفيذا لمخططه وهي تقسيم العراق الى ثلاثة دويلات سنية، شيعية، وكردية.
سوريا:
- ستخسر سوريا المنطقة الساحلية لصالح “لبنان الكبير المتوسطي” لصالح ما يمهد لعودة الدولة الفينيقية.
الأردن:
- سيحافظ على أراضيه الحالية مضاف اليه مناطق جديدة من السعودية
المملكة العربية السعودية:
- يقترح بيترز وضع مكّة والمدينة المنورة تحت سلطة دينية خاصة، اسوة بالفاتيكان، وحسب التقسمات الاخرى لليمن والاردن فالمملكة ستخسر الكثير من أراضيها وهذا عمل من أجل تقزيمها وتحجيمها.
ايران:
- ستخسر اجزاء كبيرة من اراضيها لكل من اذريبجان وكردستان والدولة الشيعية وبلشستان الحرة، ولكنها ستحصل على منطقة “هيرات” من أفغانستان لأنها ترتبط لغويا وتاريخيا مع ايران فتصير ايران دولة اثنية من جديد.
افغانستان:
- سوف تعوّض ما تخسره من الباكستان، اذ يتم عودة مناطق القبائل اليها، في شمال غرب الباكستان وسيلتحق سكّانها بأخوتهم الافغان حسب تعبيره. ومن أجل عودة الباكستان من دولة غير طبيعية الى دولة طبيعية يجب أن تتخلى على منطقة البلوش لنشؤ دولة “بلوشستان الحرّة”.
الكويت:
- ستبقى في الشرق الأوسط الجديد على حالها يعني لا يشملها تقسيم بيترز
الامارات:
- سينظمّ بعضها الى الدولة الشيعية الجديدة التي ستكون عدوّة لايران وليست حليفة اليها.
أما في ما يخص منطقة شمال افريقيا أو منطقة المغرب العربي فلم يتطرق اليها “بيترز”في مقاله، ولكن ربما اضيفت هذه المنطقة الى مقالات اخرى لباحثين واستراتيجيين غربيين وامريكيين، فما يحدث في المنطقة ليس بمنأى عن ما يخطط ويدار في كواليس صناع القرار العالم،كما أنه ما يحدث في تونس ومصر وليبيا وبين الجزائر والمغرب والسودان هو ضمن مخطط الشرق الأوسط الجديد، و الحقيقة هي أن العرب ينفذون بإرادتهم ومن دون ارادتهم مخططاً غربياً لرسم خارطة جديدة قائمة على تقاسم المصالح بين الدول العظمى وليصبح هذا العالم أكثر تشتيتا وتقسيما تحت شعار البقاء للأقوى وكأن التاريخ يجب أن يعود الى ألاف السينين.