الخميس. ديسمبر 26th, 2024

اعداد صفاء الغضاب : باحثة بقسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية  

مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية 

المرتزقة ليس موضوعا جديدا بالنسبة للقانون الدولي، حيث أن المسألة طرحت بإلحاح خلال فترة الستّينات من القرن الماضي، وبالتحديد خلال مرحلة كفاح حركات التحرر في افريقيا ضدّ السيطرة الاستعمارية، حيث استعانت هذه الدولة بمرتزقة لقمع هذه الحركات.  

وعرفت هذه الظاهرة تزايدا ملحوظا في فترة السبعينات. حيث شهدت افريقيا الوسطى نشاطا للمرتزقة. ويحفظ التاريخ بعض الأسماء في هذا الشأن، على سبيل المثال made Mike Hore  وBad Benard، حيث مارسا نشاط الارتزاق في جمهورية الكونغو. 

وقد شهدت نيجيريا خلال الفترة الممتدة من 1967 الى 1970 حربا أهلية كان للمرتزقة دور كبير فيها، كما شهدت أنغولا هي الأخرى مثل هذه الظاهرة. وخلال عام 1976 نجح المرتزقة في الإطاحة بنظام الحكم في جزر القمر. 

وأمام تفاقم هذه الظاهرة وتزايد الاهتمام الدولي بها تعالت الأصوات في مختلف المحافل الدولية لإدانة عالمية لأعمال المرتزقة أين اعتبرت أعمالهم منافية للقانون والأخلاق وكذلك مخالفة للعديد من المبادئ في القانون الدولي أبرزها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. 

وللمرتزقة دور كبير ومؤثر في النزاعات الدولية حيث لا يقتصر دورها على ترجيح موازين القوى بين الأطراف المتحاربة، بل يمتد الى طبيعة النشاط أو الممارسة الانسانية التي يقوم بها أثناء النزاع أو بعد نهايته. ومؤخرا أثار دور الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في النزاعات الحديثة اهتماما دوليا خاصة على ضوء تزايد استخدام هؤلاء المتعاقدين امّا بطريقة مباشرة في العمليات القتالية أو بصورة غير مباشرة من خلال تقديمها لاستشارات عسكرية للدول المتعاقدة معها مقابل كسب مادي كبير. 

وعلى هذا الأساس وجب معالجة ظاهرة الارتزاق بالتعرض لمفهوم المرتزقة.  

من هم المرتزقة وما هي مواصفاتهم بالنسبة للقانوني في النزاع المسلّح؟  

وما هو  موقف القانون الدولي من أنشطتهم؟  

ما هو الوضع القانوني للشركات العسكرية والأمنية الخاصة؟

مفهوم المرتزقة: 

لقد مرّ تعريف بعدة محاولات قبل تعريفه في البروتوكول الاضافي لعام 1977 الملحق باتفاقية جنيف الأربعة لعام 1949، فقد كانت هناك محاولات اقليمية وأخرى دولية أسفرت على مجموعة من التعاريف سيتم ادراجها فيما يلي: 

تعريف منظمة الوحدة الافريقية: 

كانت ظاهرة المرتزقة مفعمة بالأحداث التاريخية في افريقيا حيث ظهرت لأوّل مرة في الحرب الاهلية في الكونغو، ووجهت منظمة الوحدة الافريقية خلال ذلك نداء الى جمهورية الكونغو وطالبتها بالإحجام عن تجنيد المرتزقة الأجانب وإبعادهم عن حدودها. 

محاولات تعريف المرتزقة جاءت في المادة الاولى من مشروع مكافحة المرتزقة الذي قدمته لقمة الرباط سنة 1972 م لجنة الخبراء الافارقة، والتي نصت المادة 18 منه على أنّ المرتزقة هم “ذلك الشخص الذي لا يتمتع بجنسية الدولة التي يعمل ضدها والّذي تم تجنيده او استخدامه او تواجده طوعا في مجموعة او منظمة من اهدافها استخدام القوة وغيرها لقلب نظم في احدى اعضاء منظمة الوحدة الافريقية او الاضرار او الاستقلال او السلامة الاقليمية او سير اعمال المؤسسات الوطنية او مناواة انشطة حركات التحرر الوطني التي تعرف بها المنظمة الافريقية.” 

ولقد أثر هذا الاتجاه فيما بعد في اتفاقية مكافحة المرتزقة التي مرت هي الاخرى بمراحل الى أن أقرت في 03 جويلية 1977 بمدينة “ليبرفل” بجمهورية الغابون ودخلت حيز التنفيذ عام 1985، وذلك في اطار منظمة الوحدة الافريقية حيث جاء تعريفها شبيها تماما في صياغته للتعريف الوارد في البرتوكول الاضافي لعا 1977. 

 مساهمة الامم المتحدة في تعريف المرتزقة: 

تزامن اهتمام الأمم المتحدة بظاهرة المرتزقة بعد الأحداث المريبة التي وقعت في الكونغو، حيث أصدرت قرارها رقم 161 في 21 فيفري 1961 دعت فيه للإنسحاب الفوري لجميع الجنود البلجيكيين وغيرهم من المرتزقة من الكونغو هذا من جهته ومن جهة أخرى توالت أعمال الجمعية العامة في اصدار مختلف القرارات والتي من خلالها جرمت عمل المرتزقة كما كلفت الجمعية العامة لجنة خاصة عام 1980 لصياغة اتفاقية دولية ضدّ تجنيد المرتزقة واستخدامها وتحويلهم وتدريبهم. وقدمت مسودة بذلك عام 1989 ولم تختلف هذه الاتفاقية عن السياق الذي جاءت به كل من اتفاقية الوحدة الافريقية والبروتوكول الاضافي الاول، حيث ضمّ القسم الأوّل مضمون المادة 47 من البرتوكول وضع القسم الثاني نفس مضمون الاتفاقية الافريقية.  

 تعريف محكمة لوندا: 

تضمن الحكم الصادر في 28 جوان 1976 بخصوص محاكمة 13 مرتزقا في أنغولا تعريفا للمرتزقة جاء كما يلي: هو الفرد الأجنبي الذي يستهدف النفع الشخصي في سعيه لاستخدام القوة لعرقلة حركة الشعب الهادف الى تقرير مصيره والذي يعمل بذلك لفرض مخططات الاستعمار الجديد.” 

تعريف جنيف: 

أثير موضوع المرتزقة في المؤتمر الديبلوماسي لإعادة تأكيد وتطوير القانون الدولي الانساني المطبق في النزاعات المسلحة المنعقد في جنيف بين عامي 1974 و1977 أين قام مندوب نيجيريا بتقديم اقتراح على ادخال مادة جديدة البروتكول الأول لتعريف المرتزق وتحديد وضعه القانوني. 

تتمثل في المادة 47 من البروتوكول الاضافي الأوّل. 

يستخلص ممّا سبق قوله أن التعريف الوارد في اتفاقيتي الوحدة الافريقية والأمم المتحدة كان ملما بجميع جوانب المرتزقة إلّا أنّه للأسف لم يتم تطبيق هاتين الاتفاقيتين رغم مرور سنين عديدة، لكن في العموم تقوم كل التعاريف المذكورة على أساس واحد وهو أنّ المرتزق شخص يجند بهدف ارتكاب أفعال منافية للقانون مقابل أجور عالية هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم تجرم كل من الاتفاقيتين اعمال المرتزقة بجعله لا يستحق صفة مقاتل او اسير حرب دون اي تجريم لأفعاله. 

2. شروط المرتزقة في ظل البروتوكول الاضافي الأوّل: 

تضمنت المادة 74 من البروتوكول الاضافي الاول الملحق لاتفاقية جنيف لعام 1949، جملة من الشروط يجب توفرها في شخص المرتزق تتمثل في: 

العنصر الأجنبي:  

هذا ما أكدته الفقرة “د” من المادة 47 من البروتوكول الاضافي الأوّل على أنّ: ” المرتزق ليس من رعايا طرف في النزاع ولا مستوطنا بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع.” ومنه فالأجنبي هو الّذي جاء خصيصا للقتال في  نزاع مسلح وجنّد إمّا في بلده أو في الخارج لخذا الغرض، ولم يكن مقيما في البلد الذي يعمل لحسابه أو ضدّه أو مقيما تحت سيطرته. 

الرغبة

إنّ رغبة المرتزق في القتال هدفها كسب مادي بحت لأنّه يقاتل بأجر لذا يعد شرط الرغبة ضروري لتحديد شخص المرتزق التي تختلف الرغبة عنده عن رغبة المتطوع حيث أنّ هذا الأخير يقاتل في سبيل ولائه الإيديولوجي أو الوطني أو مبادئه كالتطوع ضدّ الاحتلال الأجنبي مثاله المتطوعين الصينيين الذين شاركوا في الحرب الكورية، وكذلك المتطوعين المسلمين في أفغانستان والبوسنة والهرسك، أما المرتزق كما سبق ذكره فيعمل لحسابه الخاص. 

الحافز

يبدو جلّيا أن غرض المرتزقة الوحيد هو كسب المال الوفير الذي يفوق حسب الفقرة ج 2 من المادة 47 من البروتوكول الاضافي الأول ما يدفع شهريا للمقاتلين ذوي الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف. 

ومن جهة أخرى يصعب اثبات المبلغ المالي المدفوع للمرتزقة كدليل ضده لقيام الجريمة، لكن في الواقع قد انتقد عنصر المال كحافز وحيد لدى المرتزقة وهذا ما كشفت عنه لجنة التحقيق الدولية في أنغولا أثناء قيامها بتحقيقات مع المرتزقة، فالدوافع في الأصل كثيرة من بينها روح المغامرة، حب التخريب، البطالة، الهروب النفسي والفشل الاجتماعي. 

الطابع الشخصي

يظهر جليا أن المرتزق يعمل لحسابه الشخصي أو لحساب جماعة وليس لحساب دولة ثالثة ومنه تستعبد فئات أخرى من هذا الوصف كالمستشارين العسكريين وأفراد القوات المسلحة العاملة والمتطوعين الذين تشجعهم دولتهم لخدمة دولة أخرى. 

 المشاركة الفعلية والمباشرة في العمليات العدائية: 

أكدت المادة 47 في فقرتها (2 / ب) من البروتوكول الاضافي الأول لعام 1977 على ضرورة مشاركة المرتزقة مشاركة فعلية ومباشرة في العمليات العدائية. ويتكون مفهوم المشاركة المباشرة في العمليات العدائية من عنصرين أساسيين هما “الأعمال العدائية” و”المشاركة المباشرة” ومنه يشير مفهوم المشاركة الى أعمال محددة يقوم بها الفرد كجزء من سير العمليات العدائية في النزاع المسلح الدولي. 

3. مفهوم النزاعات الدولية: 

يحدث النزاع نتيجة تقارب أو تصادم بين اتجاهات مختلفة أو عدم التوافق في المصالح بين طرفين أو أكثر ممّا يدفع بالأطراف المعنية مباشرة الى عدم القبول بالوضع القائم ومحاولة تغييره. 

فالنزاع يكمن في عملية التفاعل بين طرفين على الأقل ويشكل هذا التفاعل معيارا أساسيا لتصنيف النزاعات. 

ويمكن تعريفه بأنّه تنازع الادارة القومية للدول بسبب اختلاف الدوافع والأهداف المتنازعة بسبب تضارب مصالحها وأهدافها وتطلعاتها وفي مواردها وامكاناتها كما تم تعريف النزاع الدولي في قاموس العلوم السياسية على أنّه عدم الاتفاق بين دولتين أو أكثر، قد يصل الى مرحلة المواجهة المسلحة، وقد تكون ناتجة عن تنافق دبلوماسي أو الاعتداء على حدود دولة، أو التحرك بدافع اتفاق التعاون المتبادل بين دولتين، أو قمع أقلية. ويعد النزاع دوليا في ثلاث حالات وهي: 

-1- النزاع الذي ينشأ بين دولة واخرى. 

-2- النزاع الذي ينشأ بين دولة ومنظمة دولية. 

-3- النزاع الذي ينشأ بين منظمتين دوليتين. 

ولا تدخل الحالات التالية في المنازعات الدولية: 

-1- المنازعة التي تنشأ بين أفراد تابعين لدول مختلفة، لأنّها تعتبر من قبيل منازعات الأفراد التي تخضع للقانون الدولي الخاص. 

-2- المنازعات التي تنشأ بين دولة ومواطني دولة أخرى، لأنّها تعتبر من قبيل المنازعات الداخلية التي تخضع للقانون الداخلي للدولة. 

أسباب النزاعات الدولية: 

النزاع يحدث بين الدول بسبب تعارض مصادرها المختلفة، ولهذا يرى العديد من فقهاء القانون الدولي والعلاقات الدولية أن أسباب النزاع ترجع الى: 

* أسباب سياسية: 

إنّ الاختلاف في السياسات الخارجية للدول قد يدفعها أحيانا للدخول في نزاعات  

اقليمية ودولية مرتبطة بالمصالح الاستراتيجية لهذه الدول، كما أن الاختلاف بين أنظمة الحكم السياسية دور في حدوث النزاع، فأنظمة الحكم الدكتاتورية الشمولية التي تقوم على حكم الفرد وتوريث الحكم قد يحدث لنزاع بينها وبين دولة أخرى اعتمدت النظام الديمقراطي كأسلوب حكم فيها. 

* أسباب اقتصادية: 

تعتبر الأسباب الاقتصادية من الأسباب الرئيسة للنزاع قديما وحتى الآن، بسبب  

التنازع على المياه ومصادرها والمعادن والثروات الطبيعية، ويتضح ذلك جليا من خلال وجود قوات من الجيش الفرنسي في بعض الدول الافريقية الغنية بالثروات الطبيعية والذي تستولي عليه أو تقوم بشرائه بأسعار بخسة وتقوم ببيعه فيما بعد بأسعار مرتفعة في الأسواق العالمية بعد تصنيعه، وقد أدى ذلك الى ظهور حركات تحرر في بعض تلك الدول للحفاظ على خيراتها التي تنهب ومن أمثلة ذلك النزاع – العراقي – الكويتي والذي كان من أهم أسبابه هو انتاج النفط، كذلك النزاع السوداني – المصري في مواجهة أثيوبيا التي تقوم ببناء سد النهضة على حوض النيل والذي سبب نقص في كمية المياه لدول المجرى التي منها السودان ومصر مما دفع بالأخيرة الى استنكار هذا الإجراء لأنّ ذلك سيترتب عليه الضرر بالثروة الزراعية والحيوانية لكلتا الدولتين. 

* أسباب دينية:

 كان ولازال العامل الديني سببا في النزاعات الدولية قديما وحديثا، ففي العصور الوسطى  

قامت الكنيسة بإرسال حملات صليبية الى المناطق العربية والإسلامية من أجل تغيير هويتها والتبشير بالمسيحية، وما يشاهد اليوم من عدوان على العديد من الدول العربية والاسلامية والتدخل في شؤونها الداخلية. 

* اسباب اجتماعية:

 إنّ الاضطرابات داخل الدول وعدم  الاستقرار بسبب الهوة بين القيادة السياسية  

والشعب وغياب الوحدة الوطنية وعدم الاصطفاء خلف الحكومة ومؤسساتها، قد يدفع القيادة لإفتعال نزاع دولي مع دولة أخرى لتحقيق الوحدة الداخلية، ويتضح هذا من خلال ما فعله “موسليني” باحتلال أثيوبيا للخروج من الأزمات الداخلية والمعارضة الشعبية له. كما إنّ وجود الأقليات العرقية أو الدينية في دولة ما يعتبر من أهم المسببات للنزاعات الدولية. 

* أسباب جغرافية أو سكانية:

 تأتي هذه الأسباب نتيجة لأطماع التوسع الجغرافي لدولة ما على حساب  

دولة أخرى، وذلك لأجل السيطرة على ثرواتها أو موقعها الجغرافي الاستراتيجي، ومن أمثلة ذلك النزاع الحدودي الحاصل بين أثيوبيا وأرتريا، والنزاع المصري – السوداني حول منطقة حلابب وشلاتين الحدوديتين، والنزاع الجزائري – المغربي على منطقة الصحراء الغربية، والنزاع بين قطر والبحرين حول الجزر المتنازع عليها بين البلدين. 

أسباب عسكرية:  

إنّ النزاع قد يحدث بين دولتين عندما تسعى أحدهما الى تطوير قوتها العسكرية فتحاول دولة أخرى منعها من امتلاك هذه القوة التي يمكن لها أن تحدث تغيير في توازن القوى الدولية، وكان هذا السبب من أهم أسباب النزاع في العصور القديمة، فالصراع على من يكون هو الأقوى كان سببا في تصادم بين عدة امبراطوريات عبر التاريخ، وقد ظهر هذا أيضا في العصور الحديثة من خلال سباق التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا والذي أطلق عليه أنذاك اسم الحرب الباردة، وما تقوم به كوريا الشمالية في السنوات الأخيرة من تجارب صاروخية تقليدية ونووية لأجل تعزيز ترسانتها العسكرية خير شاهد على هذا النوع من أسباب الصراع، خاصة وأنّ الولايات المتحدة الأمريكية تقف بكل قوتها ضد هذا المشروع الكوري الشمالي والذي يمكن له ان يخلق توازن جديد للقوة في العالم. 

موقف القانون الدولي الانساني من نشاطات المرتزقة: 

انطلاقا من كون المرتزقة شخص ليس له قضية يقاتل من أجلها أو قيم يدافع عنها كما لا يوجد أية روابط تحكم ممارسته في ميادين القتال أو خارجه والمهم لديه هو الكسب، وحتى لا تهمه على الاطلاق الدولة التي أجرته فطالما استمرت الحرب استمر راتبه، تأكد للجماعة الدولية ضرورة تجريم نشاطاته وتحديد مسؤوليته الجنائية وتحديد مركزه القانوني. 

تجريم أنشطة المرتزقة: 

كلّ مرتزق يشترك اشتراكا مباشرا في أعمال عدائية أو في أي عمل مدبر من أعمال العنف، مرتكب للجريمة بموجب المادة 3 من اتفاقية مناهضة تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لعام 1989، أي عدته مجرما ولم تقصر النشاط الذي يقوم به على الاشتراك المباشر بل شملت بتجريمها حالة الشروع، أي شروع المرتزق في ارتكاب الفعل الذي استأجر لأجله. 

والجدير بالذكر: لم تتوقف الجهود الدولية الصادرة عن الامم المتحدة تحث فيها الدول الى اتخاذ الخطوات اللازمة إزاء الخطر الذي تشكله أنشطة المرتزقة، واتخاذ التدابير التشريعية اللازمة لكفالة عدم استخدام أراضيها أو الأراضي الخاضعة لسيطرتها، فضلا عن رعاياها في تجنيد المرتزقة وحشدهم أو تمويلهم وتدريبهم ونقلهم من أجل التخطيط لأنشطة تستهدف زعزعة الاستقرار او الاطاحة بحكومة أية دولة أو تهديد سلامتها الاقليمية، أو حدتها السياسية أو تشجيع الانفصال أو محاربة حركات التحرير الوطني التي تناضل ضدّ السيطرة الاستعمارية، أو ضد الأنظمة. 

 حظر كافة صور المرتزقة في الاتفاقيات الدولية: 

تتعدد الأساليب والطرق التي تعمل بها القوات المرتزقة وأغلب هذه الأعمال والأساليب المتّبعة لا تحكمها قواعد قانونية أو إجرائية محددة. 

ففي العراق مثلا يقومون بعمليات قتل وتدمير تفجيرات وبالتالي فإنّ كافة صور المرتزقة سواء الاستخدام أو التدريب أو الجلب تعد عملا غير مشروع طبقا للقانون الدولي مهما كان الهدف منها.  

فالمرتزقة يشتركون في نزاعات مسلحة ذات طابع دولي رغبة في الحصول على مزايا شخصية، ويتم الاستعانة بهم في وقت السلم لغزو بلد معين من أجل قلب نظام الحكم فيه أو لشل الحياة الاقتصادية، أو لإرهاب السكان المدنيين أو لمنع ممارسة شعب لحقه في تقرير المصير، ويزداد الطلب على المرتزقة في كل النقاط الساخنة في العالم، لأنّ اللجوء اليها بمثابة ( حرب غير علنية)، أو أداة للتدخل المقنع تلجأ اليه بعض الدول كقوة ردع أو إرهاب ضدّ دول لا تتفق معها لا تشاطرها ميولها السياسية. 

التحقيقات القضائية للمرتزقة: 

 مدى شرعية المرتزقة في الاتّفاقيات الدولية: 

لم يتوقف القانون الدولي عند حظر المرتزقة استخداما وتجنيدا وتدريبا بل وصل الأمر الى اعتبارها جريمة من الجرائم ذات الاختصاص الدولي، وهي من الجرائم التي تستوجب تسليم المجرمين حتى في حالة عدم وجود معاهدة تسليم بين الدول واعتبرت الجريمة وقعت على أراضي الدولة الذي قبض على المتهم فيها. وذلك في المادة 15 من اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة عام  1989. 

ونظرا لخطورة جريمة المرتزقة على السلم والأمن الدوليين، طالبت الدول بالتعاون القضائي لأقصى درجة من درجات التعاون، ذلك من خلال قيام الدول الأطراف بتبادل المساعدة القضائية، ذلك فيما يتعلق بالاجراءات الجنائية التي يجب أن يتخذ بشأن الجرائم المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة والموقعة في عام 1989، بما في ذلك تقديم جميع ما بحوزتها من أدلة لازمة لتلك الاجراءات ويسري  في جميع الحالات قانون الدولة المطلوب بمساعدتها. 

كما فرضت اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة تجنيد المرتزقة عام 1989، على الدول اتخاذ عدة اجراءات لمحاكمة المتهم سواء كان عن مواطنيها أم لا، إذ تقوم أي دولة طرف يوجد في إقليمها الشخص المنسوب اليه ارتكاب الجريمة، لدى اقتناعها بأنّ الظروف تبرر ذلك بحبسه وفقا لقوانينها، أو اتخاذ تدابير أخرى لضمان وجوده الفترة اللازمة لإتاحة اتّخاذ أية اجراءات جنائية أو إجراءات تسليم، وتجري هذه الدولة الطوف فورا تحقيقا أوليا في الوقائع التي حدثت في إقليمها، وعليها أن تخطر بذلك دون تأخير، سواء مباشرة أم بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة. 

والجدير بالذكر أنّه يحق لكلّ شخص تتخذ بشأنه التدابير المشار اليها أعلاه. أن يقوم بالاتّصال بأقرب ممثل مناسب من ممثلي الدولة التي يكون من مواطنيها بدون تأخير، ويتضح من نصوص هذه الإتّفاقية واتفاقية منظمة الاتحاد الافريقي لمناهضة المرتزقة، أن احتراف مهنة المرتزقة غير شرعي وتقع خارج دائرة الشرعية في القانون الدولي، كما أنّها تعد جريمة دولية خطيرة ذات اختصاص عالمي، فضلا عن استخدام المرتزقة بعد غير مشروع. كما أنّ التجنيد الذي تقوم به الشركات العسكرية والامنية الخاصة غير مشروع بل يعدّ جريمة خطيرة من الجرائم الدولية ذات الاختصاص العالمي، كما يمثل تدريب المرتزقة أيضا جريمة من الجرائم الدولية الخطيرة ذات الاختصاص العالمي، وكلّ ما سبق تفعله الشركات العسكرية والأمنية الخاصة. 

محاكمة المرتزق في القانون الدولي الانساني:  

يقع مسرح جرائم المرتزقة غالبا خارج أراضي الدول التي تم تجنيد المرتزق فيها، لذلك يكون من الصعب محاكمتهم لكون أغلب محاكم هذه الدول التي تنتمي اليها المرتزق لا تملك اختصاصات خارج حدودها الاقليمية، بموجب القانون الدولي الانساني، فإنّ عناصر المرتزقة يفقدون حمايتهم قانونيا في حال قيامهم بأعمال تعد بمثابة اشتراك مباشر في العمليات العدائية، أمّا إذا وقعوا في الأسر فلا يحق لهم التمتع بوضع أسرى الحرب، وتجوز محاكمتهم لمجرد مشاركتهم في العمليات العدائية حتى لو لم يكونوا قد ارتكبوا أي انتهاكات للقانون الدولي الانساني. 

الشركات الدولية الخاصة، العسكرية والأمنية الشكل الجديد للمرتزقة: 

نشأة الشركات الدولية الخاصة العسكرية والأمنية: 

يرى جانب من الفقه الدولي أن فكرة خصخصة الأمن بدأت مع الجيوش الخاصة التي أنشأتها الشركات التجارية الأوروبية في القرن السابع عشر حينما برزت كأداة للاستعمار ومهدت له، ومن الأمثلة على ذلك ما قامت به شركة الهند الشرقية الانجليزية التي تأسست عام 1600 واستخدمت قواتها العسكرية مقابل نظير مالي في عام 1789 لمساعدة أمير محلي في تامجور لاستعادة عرشه. 

ولطالما كان دور الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مثارا لجدل قانوني واسع سواء لطبيعة نشاط هذه الشركات التي تقدم خدمات تختلط بالوظائف التقليدية للدولة، وهي الأمن والدفاع، وذلك على المستوى المحلي في اقليم الدولة أو حتى لجهة، وتكتسب مشروعية نشاطها عندما تتعاقد الدول معها لتستفيد من خدماتها خارج اقليمها، فضلا عن أن سمة الأفراد العاملين في هذه الشركات تعتبر شكلا معاصرا ومنظما للارتزاق أو تجنيد المرتزقة. أمّا بالنسبة لأهمية الموضوع فإنّ تطور أساليب ووسائل النزاعات المسلحة نتج عنه أنّ الدول لم تعد الوحيدة في ميدان القتال،  إذ أصبحت تستعين هذه الأخيرة بالقوات التابعة للشركات العسكرية والامنية الخاصة بناء على عقود يبرمها الدول مع تلك الشركات للقيام بمهام قتالية كانت حكرا على القوات النظامية لتلك الدول وكان الجانب الأكبر من هذه العقود يتعلق في البداية بمهام الدعم اللوجيستي أو الإداري أو التقني. لكن ابتداء من الحرب على أفغانستان عام 2001، تمّ احتلال العراق عام 2003، فإنّه تطور انخراط الأفراد التابعين لتلك الشركات في النزاعات المسلحة. 

وفي ظل تنامي اللجوء الى خدمات الشركات العسكرية خلال النزاعات المسلحة، كان يجب تكريس إطار قانوني ينظم نشاطها ويكيّف أعمالها سواء على مستوى القانون الدولي الانساني أو حتى القانون الدولي لحقوق الانسان، وأكيد على مستوى القانون الدولي الجنائي. 

الإطار القانوني للشركات العسكرية والأمنية الخاصة على ضوء أحكام القانون الدولي الانساني: 

أدّى النشاط الموسع للشركات العسكرية والأمنية الخاصة الى وضع أفراد هذه الشركات على احتكاك مباشر مع أشخاص يحميهم القانون الدولي الانساني مثل المدنيين، وبالتالي يطرح هذا التطور إشكالا بشأن مدى تأهيل موظفي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة للإلتزام بقواعد القانون الدولي الانساني، وعن نظم التكوين التي يتلقاها هؤلاء الأفراد في مجال قوانين وأعراف الحرب وخاصة بعد أن أثبتت بعض النزاعات المسلحة لإحتلال العراق وأفغانستان جدية التهديد الذي يشكله استخدام مثل هذا الأسلوب على المدنيين. 

* وضع الشركات العسكرية الدولية الخاصة ومدى التزامها بقواعد القانون الدولي الانساني: 

عند الرجوع الى المادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949. نجدها تأكّد على التزام الأطراف المتعاقدة على احترام قواعد الحماية، ممّا يدفعنا مباشرة للتفكير في كونها تلزم الدول فقط، ولكن واقع النزاعات المسلحة يشهد اتجاه الدول لتكليف شركات عسكرية وأمنية خاصّة للقيام بوظائف كانت تنجزها في السابق أجهزتها الأمنية والعسكرية. 

وفي الغالب ما يحدث احتكاك بين المقاتلين في تلك الشركات وبين بعض العناصر داخل تلك الدول سواء من المدنيين أو القوات المسلحة، وهنا يطرح إشكال حول دورها في تنفيذ الحماية المقررة للمدنيين؟ كما أنّه يمكن أن تنتهك تلك الحماية في اطار انجاز المهام المكلفة بها؟ وهو ما سنعرض له تفصيلا فيما يلي: 

* تكييف الوضعية القانونية للمتعاقدين في الشركات العسكرية والأمنية والخاصة: 

إنّ النقطة التي يثيرها انتهاج أسلوب اللجوء الى التعاقد مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في الحرب هو غموض الوضع القانوني لمتعهدي هذه الشركات في قواعد القانون الدولي الانساني. فالنشاطات التي تقوم بها هذه الشركات زمن النزاعات المسلحة متعددة ومتنوعة وواسعة الى حد يصهب معه تصنيف الشخص العامل بهذه الشركات. فالبعض يرى أنّهم مقاتلون يصنفون ضمن أفراد الميليشيات والوحدات المتطوعة النظامية وغير النظامية. والاتجاه الأوسع يرى أنّهم مرتزقة أو كما يسمونهم “المرتزقة الجدد” بالإعتماد على معيار العقود المالية الضخمة المبرمة مقابل عملهم. كما يثور هنا التساؤل عن حجم المسؤولية التي يتحملها موظفي هذه الشركات والمسؤولية التي تتحملها هذه الشركات ككيانات مستقلة؟ 

كحدّ أدنى نرى، أن هناك ضرورة أن يكون موظفي هذه الشركات ملّمين بالاطار القانوني الذي يعلمون داخله بما في ذلك القانون الدولي  الانساني. 

ووجوب أن تمتثل عملياتهم لذلك القانون الدولي، وضرورة توافر آليات فعّالة لمساءلة الشركات العسكرية والامنية الخاصة وموظفيها في حالة وقوع انتهاكات من قبلهم، ويجب أن يتم اتخاذ التدابير ترمي كفالة هذه الالتزامات من قبل الشركات ذاتها، والدول التي تستأجر خدماتها والدول التي تكون الشركات مسجلة فيها، والدول التي تعمل الشركات على أراضيها، ومن الممكن التعامل مع الحالتين بواسطة اعتماد اطار ضابط. وحتى الآن، لم يقدم على اعتماد تشريع يحدد اجراءات يتعين على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة المنشأة على أراضيها الامتثال لها سوى عدد قليل من الدول لكي يتم السماح لها بالعمل في الخارج، ولم تضبط سوى قلة من الدول كذلك نشاط الشركات العسكرية والأمنية الخاصة العاملة على أراضيها، لهذا بدأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2004 حوارا حول “قضية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مع بعض الدول التي تتعاقد معها والدول التي تعمل هذه الشركات على أراضيها “، الى جانب محاولات الحوار هذه قامت وزارة الخارجية السويسرية مؤخرا بمبادرة ترمي الى تعزيز احترام القانون الدولي الانساني واقترحت بعض السبل التعامل مع هذه القضية. 

والأصل العام أنّ جيوش الدول تتكون من مواطنيها الذين يدينون لها بالولاء وبالمقابل يشكل الدفاع عن أمن الدولة وسلامتها الاقليمية بالنسبة لمواطني الدولة شرفا وواجبا عليهم، وقد تشترك مجموعة من الأفراد في القتال الى جانب دولة غير دولتهم بناء على اعتقادهم بعدالة قضيتها أو بناء على نداء للتطوع في صفوف جيوشها، لكن هناك من اتّخذ من تجنيد نفسه للقتال الى جانب دولة طرف في نزاع مسلح مهنة يرتزق منها ويحصل على عائدات مالية أو خدمات مرموقة مقابل عمليات نوعية يقوم بها أثناء نزاع مسلح لا مصلحة له فيه إلّا الجانب المادي، وهم ما يسمون بالمرتزقة. 

* الجهود الوطنية لتنظيم عمل الشركات العسكرية والأمنية الخاصّة: 

تعددت وتنوعت الجهود من أجل وضع قواعد ومبادئ لتحريم ظاهرة اللجوء الى خدمات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، فذهب بعض الدول الى وضع نصوص تشريعية خاصة بها تنظم عمل هذه الشركات وتحدد مجال عملها وحدودها، في حين ذهبت دول أخرى الى أكثر من ذلك حين حظرت هذه الظاهرة بنصوصها الداخليّة، هذه الدول في تشريعاتها على آليات حماية الأشخاص العاملين لدى هذه الشركات ولكنّها اختلفت في اتجاهاتها وكيفية معالجتها، فقد أصدرت جنوب افريقيا والولايات المتحدة الأمريكية تشريعا ينظم انشاء هذه الشركات وأعمالها وقد أصدرت وزارة الداخلية العراقية جملة من التعليمات ومجموعة من الاجراءات وذلك للحدّ من حالات القتل والأعمال العشوائية التي أخذت ترتكبها هذه الشركات في العراق وبموجب هذه الاجراءات ألتزمت الشركات الأمنية بضرورة تقديم  معلومات تفصيلية عن الشركة وبوجوب وضع علامة خاصة ومميزة لهذه الشركة توضع على آليات الشركة وأفرادها على أنّها هوية تعريف وتمييز، فضلا عن وجوب مراجعة دائرة الضريبة العراقية وجلب براءة ذمته، اضافة الى ضمان حقوق العاملين لديها من موظفين ومستخدميه عن طريق وزارة العمل والضمان الاجتماعي ومن بين الحكومات التي كانت لها اسهامات مهمة في هذا الاطار الحكومة السويسرية اذ تقدمت بمبادرة من أجل تعزيز احترام هذه الشركات الأمنية للقانون الدولي الانساني. 

أمّا دول جنوب افريقيا، فقد أصدرت قانونا يعنى بتقديم المساعدات العسكرية للجهات الأمنية. وكان من أهم سمات هذا القانون هو اعتبار الأنشطة التي تنفذها جماعات المرتزقة والتي تعرف على أنّها الاشتراك في النزاعات المسلحة لتحقيق مكاسب خاصة محظورا داخل جنوب افريقيا وخارجها مع الأخذ بالحسبان أنّ هذا القانون لا يتعرض للمواطنين الأجانب الّذين يرتكبون جرائم خارج اقليم هذه الدولة. كذلك فقد أجاز هذا القانون تقديم المساعدة العسكرية والتي تعرف على أنّها الخدمات العسكرية من قبل أفراد مرخصين وحاصلين على موافقة صريحة من الحكومة عن كل عقد من العقود التي يبرمونها فقط، وجعل اللجنة القومية لتنظيم الأسلحة التقليدية هي الجهة الرقابية المسؤولة عن الترخيص وأنيطت رئاستها لوزير من وزارة حكومية لا يرتبط بصورة مباشرة بمؤسسة الدفاع. 

وقد أثبت الواقع فعالية تطبيق هذا القانون، فقد تمّ اغلاق عدد من الشركات الأمنية العسكرية الخاصة، كما تمّ نقل عدد آخر منها خارج جنوب افريقيا. إلّا أنّ العقوبات على هذه الشركات اقتصرت على غرامات مالية قليلة بالقياس الى الخرق والتجاوز الذي تمارسه هذه الشركات.. 

ومن بعد هذا القانون أصدرت الحكومة لائحة عام 2005 بشأن حظر وتنظيم الأنشطة التي تنفذها قوات المرزقة وحظر وتنظيم نشاطات محدودة في منطقة تشهد نزاعات مسلحة وتناولت هذه اللائحة النشاطات التي يضطلع بها الأفراد والشركات في النزاعات المسلحة. وسعت هذه اللائحة لحظر أية مشاركات في النشاطات العسكرية الخاصة التي لا يصدر التفويض الصريح بشأنها من اللجنة القومية لتنظيم الأسلحة التقليدية وتمنح المحاكم اختصاصات قضائية تتعدى الحدود القومية لدولتها على أي شركة خاصة وموظفيها. 

* المسؤولية الجنائية للشركات العسكرية والامنية الخاصة عن انتهاك قواعد القانون الدولي الانساني: 

لا توجد أية هيئة دولية يمكن من خلالها مقاضاة الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة عن انتهاكاتها للقانون الدولي الانساني، إلّا أنّه يمكن ملاحظة أن هناك تطور ملموس في مجال المساءلة الجنائية لهذه الكيانات ويظهر ذلك جليّا في تقرير الفريق العامل المعني بمسألة استخدام المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الانسان لعام 2020 الذي حمل في طياته مسودة اتفاقية ممكنة بشأن الشركات الأمنية والعسكرية الخاصّة. والّذي رحب به مجلس حقوق الانسان ودعا الدول الى اعتماده كصك دولي بشأن هذه الشركات، وألافت في هذا المشروع التعبير الصريح عن ضرورة اقرار مسؤولية الكيانات المعنوية بما فيها المسؤولية الجنائية. مماّ يوحي باقتناع دولي بضرورة معاقبة الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة  عن انتهاك قواعد القانون الدولي الانساني ولذلك، فإنّه يمكن مساءلة موظفي الشركات الأمنية الخاصة العاملة في العراق ومنها شركة “بلاك ووتر” (Black Water) التي استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية عن الأفعال التي ارتكبها العاملين بها والتي تعد مخالفة للقانون بموجب القوانين التي يمكن اللجوء اليها من المسؤولين لحماية المتعاقدين الذي يرتكبون أفعالا اجرامية. 

كما تترتب لدى موظفي الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة مسؤولية جنائية فردية عند قيامهم باي عمل يعد خرقا لقواعد القانون الوطني والدولي بصفتهم الفردية او نتيجة لتلقيهم الامر بالقيام بذلك، إذ تتّم مساءلة ومراقبة هؤلاء الذين يرتكبون أفعالا غير قانونية من قبل جهات قضائية عدة، فيتم محاكمتهم أمام محاكم الدولة التي وقع الفعل على أراضيها وذلك تطبيقا لمبدا اقليمية القانون الجنائي، وهذا ما كان يجي أن يتم في العراق بالنسبة لأفراد شركة بلاك ووتر أو غيرهم الذين ارتكبوا أفعالا جنائية ضد أفراد عراقيين دون أي مسوغ قانوني، لكن هذا الطريق ممكنا لو لا الأمر (17) الذي أصدره بولبريمر عام 2004 الذي منح هؤلاء الحصانة من القوانين العراقية، إذ أنّ الامر رقم (17) الذي أصدره الحاكم المدني عام 2004 منح هذه الشركات الامنية المتعاقدة مع الحكومة الحصانة من المثول امام القضاء العراقي عند القيام بالأعمال الموكولة اليهم في تقديم الدعم الأمني أو الحماية للبعثات والشخصيات في العراق الذي نص على: 

” أنّ القوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات ورعايا هذه الدول المقيمين في العراق والشركات الأمنية الخاصة معفون من أية مساءلة قانونية أمام المحاكم العراقية ولا يشملهم القانون العراقي.” 

* المسؤولية الجنائية للدولة التي تستأجر خدمات الشركات العسكرية والأمنية الخاصّة: 

إنّ القانون الدولي الانساني لا يعفي الدول التي تقوم باستئجار  خدمات هذه الشركات للقيام ببعض المهام خلال النزاعات المسلحة من المسؤولية الجنائية والمدنية عن مدى التزام أفراد هذه الشركات بقواعد القانون الدولي الانساني. ولقد أوجبت المادة الأولى من اتفاقية جنيف لعام 1949 على الدول احترام القانون الدولي الانساني وأن تتخذ الخطوات الضرورية لكفالة امتثال قواتها المسلحة بأحكام هذا القانون، ووضع آليات مراقبة لضمان احترام تلك القواعد، وأن هذه الاجراءات لا تقتصر على القوات النظامية بل تتعداه الى الهيئات كلّها التي تمارس أو تشترك في العمليات العسكرية بما في ذلك الشركات الأمنية الخاصة، وعليه فإنّ القاعدة العرفية تنص على أنّ الدولة تكون مسؤولة عن جميع الاعمال التي يقترفها موظفي الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة، كما أكدّت عليه المادة الثالثة من اتفاقية لاهاي لعام 1987 الخاصة بقوانين الحرب البرية. وأعيد التأكيد عليها في نص المادة 91 من البروتوكول الإضافي الأوّل لعام 1977. فالدول تتحمل المسؤولية عن انتهاك الشركات العسكرية والأمنية الخاصة أو موظفيها للقانون الدولي الانساني أو لقانون حقوق الانسان أو لأي قواعد أخرى للقانون الدولي وخصوصا إذا كانت الشركات قد سجلتها الدولة المعنية في قواتها المسلحة. 

وفي العراق، فإنّ الشركات وعلى الرغم من الظروف التي جاءت بها ومارست أعمالها، فإنّها في بعض جوانبها قد تكون غير مشروعة لأنّها خرجت عن نطاق أعمالها وارتكبت مجازر بحق العراقيين، لذلك نجد أن الحكومة العراقية قد تحملت الاعباء والأخطاء التي نشأت عن أعمال هذه الشركات في مختلف أرجاء العراق، فقامت بدفع التعويضات الى كثير من العراقيين الذين قتلوا أو أصيبوا لا بوصفها مسؤولة عن هذه الشركات من الناحية القانونية البحتة، وإنّما بوصفها مسؤولة عن أفراد الشعب العراقي جميعا لأنّها تمثل الدولة الراعية لمصالح هذا الشعب والحامية لحقوقه وحرياته الخاصة من الإعتداء أو المساس. 

* المسؤولية الجنائية للدولة التي تحمل الشركة جنسيتها أو أنشأت بها أو تعمل بأراضيها: 

قد لا تكون الدول التي تعمل على أراضيها الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة قد استأجرت هي ذاتها كل هذه الشركات، ذلك أنّها قد تستضيف أيضا شركات كمتعاقدة مع أخرين، فمثلا في العراق وجدت العديد من الشركات المتعاقدة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع دول اخرى لا تشارك في القتال ومع شركات خاصّة. 

تختلف الاطر التنظيمية من دولة الى أخرى في مسالة تنظيم عمل الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة العاملة فوق إقليمها، إذ اتبعت بعض الدول قوانين محددة للأمن الخاص مثل فرنسا والمملكة المتحدة، أمّا البعض الآخر مثل سويسرا فلديها قوانين تختلف من جزء لآخر في نظامها الاتحادي، وهناك مساعي لوضع قواعد مشتركة وتوحيدها، أما في بعض الدول التي تثور نزاعات مسلحة على أراضيها تفتقر الى مثل هذه القواعد التنظيمية. وتمثل استثناءات في هذا الشأن. 

التوصيــــــــــــــــــــــات والحلـــــــــــــــول: 

في الختام وبناءا على ما سبق عرضه، وقبل أن نختم البحث سنعرض ما توصلنا اليه من نتائج: حاولنا من خلالها الوقوف على عمق الاشكالية ومختلف الأسباب التي أدّت الى قيامها، وذلك سعيا للتأكيد على أهمية الموضوع وذلك ما يبرز من خلال نتائج الدراسة على النحو التالي: 

1. إنّ تطبيق قواعد القانون الدولي الانساني، ومن خلال الممارسات الدولية أو تحمل تبعة خرق هذه  

القواعد لا تزال بعيدة عن التطبيق الفعلي لها بسبب افتقار هذه القواعد للوسيلة الفعالة التي تلزم الدول التي تستعين بخدمات الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة باحترام التزاماتها وتعهداتها الدولية ولضمان اخترام حقوق الانسان وحرّياته الأساسية كافة وحمايتها وجب على الدول جميعا التصديق على المواثيق المتعلقة بمناهضة ظاهرة المرتزقة. 

2. ضرورة قيام المجتمع الدولي بمواكبة التطورات في عمل المرتزقة وأن يبذل جهودا أكبر من أجل التوصل  

الى اتفاقية دولية شاملة للقضاء على هذه الظاهرة، مع العمل على اعتبار هذا النشاط، سواء الأفراد الذين يجندون أنفسهم لمهنة الارتزاق، أم الشركات التي تتولى هذه المهمة، أو الدول التي تسهم به، من الجرائم الدولية الخطيرة. 

3. العمل على تكوين رأي عام دولي عالمي لعقد اتفاقيات تستهدف منع إفلات المرتزقة من العقاب أو  

المثول أمام المحاكم مع توفير محاكمة عادلة لهؤلاء. 

4. إعادة النظر في بعض جوانب الاتفاقيات التي عرفت المرتزق مع تضمينها أكبر عدد ممكن من اتفاقيات  

القانون الدولي الانساني فأفراد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ما هم إلّا مجموعة من المرتزقة الّذين يعيشون على بؤر التوتر والحروب من أجل الحصول على الربح المادي، ويستهينون بأرواح الناس الأبرياء دون أي ضابط مهني أو أخلاقي، ولذلك فإنّ مشاركتهم في الاعمال القتالية تفقدهم القانونية المقررة لهم بموجب القوانين الدولية والوطنية. 

5. مراجعة التشريعات الخاصة بالشركات العسكرية والأمنية الخاصة للوصول الى ضبط عمل هذه  

الشركات وتواجد عناصرها والتأكد من أنّ أفراد هذه الشركات قد تلقوا دورات معرفية بالقانون الدولي الانساني وحقوق الانسان وأن يشكل ذلك شرطا جوهريا للحصول على شهادة التسجيل. 

المراجــــــــــــــــع  

  • اتفاقية لاهاي 1907 
  • اتفاقيات جنيف الاربعة لسنة 1949 والبروتوكول الاضافي الاوّل والثاني لسنة 1977 Henckaerts (J.M) et Dosswald Beck (Louise) « Le droit international humanitaire coutumier volume I, 2006, règle 102 p 495.  
  • فيصل اياد فرج الله: مسؤولية الدولة عن انتهاكات الشركات الدولية الخاصة: العسكرية والأمنية في ضوء القانون الدولي الانساني، منشورات الحلبي الحقوقية: الطبعة الأولى، بيروت 2013. 
  • عادل عبد الله المسدي، الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في ضوء قواعد القانون الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى 2009، ص 62. 
  • Picket (Jean) « commentaires des conventions Genève 1949  convention p 396. 
  • اتفاقية منظمة الوحدة الافريقية (سابقا) للقضاء على أعمال المرتزقة في افريقيا اعتمدت في 03 جويلية 1977. 
  • الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم اعتمدت في نيويورك بتاريخ 4 ديسمبر 1989، دخلت حيز التنفيذ في 20 أكتوبر 2001. 
  • Banègas Richard, De la guerre au maintien de la paix, le nouveau business mercenaire, In critique international,  N°1 automne 1998 p 79-194 
  • David Eric, Les mercenaires en droit international, In Revue Belge de Droit international, 1977. 
  • امنة امحمدي بوزينة: الحماية القانونية للمدنيين في الأقاليم المحتلة ( دراسة حالة تطبيقية (حالة العراق) الاسكندرية: دار الجامعة الجديدة (2014). 

مصطفى أبو الخير: الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة، دراسة قانونية سياسية، القاهرة، دار أنيراك للطباعة والنشر والتوزيع. 

By amine