الأحد. نوفمبر 24th, 2024

تونس-صفاء غابي: متربصة بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس

شكّلت مسألة الإنتقال الديمقراطي مبحثا رئيسيا في علم السياسة خاصّة في السنوات الأخيرة بعد ثورات ما يعرف بالربيع العربي، ما يفسر تزايد عدد البحوث نتيجة لصعوبة تصنيف الأنظمة  الانتقالية  نظرا  لكونها’ أنظمة عرضية’ .

وتهدف المرحلة الانتقالية إلى القطع مع  نظام استبدادي تسلّطي وتسعى إلى صياغة نظام حكم ديمقراطي ‘مبدئيا’ يقوده جناح إصلاحي.

 في هذه الورقة سنحاول تشخيص دور الأحزاب السياسية خلال الفترة الانتقالية  في تونس  منذ احداث2011.

إنتظارات الشعب التونسي من الأحزاب السياسية  في فترة الانتقال الديمقراطي :

يعتبر’ الحزب السياسي’ تنظيم قانوني يسعى للوصول إلى رأس السلطة الحاكمة ويمارس الحكم وفق برنامج حزبي سياسي اجتماعي و اقتصادي .

 كان المبدأ في تونس تفكيك المؤسسات القديمة و الإتّجاه إلي بناء أنظمة مستقرة ديمقراطية تُساهم فيها الأحزاب السياسية  والمنظمات الوطنية و مكونات المجتمع المدني، ممّا يترجم تزايد الأحزاب السياسية التي بلغ عددها 228 حزبا، وفق مصالح العلاقة مع الهيئات الدستورية و المجتمع المدني لدى الحكومة .

يقول مختصون إنّ 14 يناير 2011  كان بمثابة الحدث الانتقالي في تاريخ تونس لإحداث مراجعات تشريعية و مؤسساتية تتم في إطار ورشات لعلّ أبرزها  الورشة الدستورية والتي تعتبر مقدمة ضرورية و تأطيرية للورشة المؤسساتية.

مع هذا الكم الهائل من الأحزاب إزداد سقف  إنتظارات التونسيين  وإرتفعت تحديات الوضع السياسي في اتجاه ‘دمقرطة مؤسساتية’ بإرسال إطار تشريعي يضمن توسيع المشاركة السياسية و تحقق التداول السلمي على السلطة وفق أسس و إجراءات قانونية وتضمن مجال سياسي تتوفر فيه حماية السلطة من التمكين و فرض الخضوع لها و حماية المعارضة من التمرد.

ويرى خبراء إنه من المنتظر مع تزايد الأحزاب السياسية، وجود صراع بين السلطة وأحزاب المعارضة ممّا يفرض فرص التغيير وطرح عديد المشاريع السياسية المغايرة وهو ما يعبر عنه في وجود نخبة سياسية بين المضادة و السلطة.

 ويعتقد الشعب التونسي منذ أحداث 14 يناير2011 و بعد مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي عاشتها البلاد بأن إرساء الديمقراطية ستكون عاملا جاذبا للاستثمار وستساهم في هيكلة مناخ للنشاط الاستثماري  والتشجيع على روح الإبتكار و المبادرة لتوفير مواطن شغل و سيتحقق الاستقرار السياسي كحافز مؤسساتي وسيتحقق الاستقرار الاجتماعي والقيمي بتفعيل قيم الديمقراطية.

 ● 228 حزب في تونس : أي إضافة ؟

 لقد كان عدد الأحزاب قبل 14 يناير 2011، لا يتجاوز 8 أحزاب و بلغ عددها إلى حد الآن 228 حزبا و هو ما يبرر إرتفاع الإنتظارات، إلا أن تونس قد عاشت عشرية سوداء وكانت الأحزاب فاعلا في تعميق الأزمة،  ففي بلد صغير كتونس ، أصبحت الدكاكين الحزبية مظهرا لافتا تسبب معظمها في تسميم الوضع السياسي في البلاد و لم تقدم أي حلّ للمشاكل السياسية، وبعد نتيجة الانتخابات في كل استحقاق، إختفت بعض الأحزاب من الساحة السياسية خاصة تلك التي لم تتحصّل على أصوات و اختفت البرامج الانتخابية و هنا يمكن الاشارة عن السياسة و الأخلاق .

وتفاقمت الأزمة السياسية ، وعاشت الأحزاب ارتباكا و إنقسامات و انشقاقات وإستفحلت القرابة في ‘الحقل’ السياسي التونسي، وبات التحول في المشهد السياسي من تحوّل  على أساس شرعية إنتخابية إلي تحوّل على أساس شرعية توافقية تخدم مصالح حزبية ضيّقة بعيدا عن المطالب الشعبية .

وكان نتيجة لذلك الصراع  وجود هيئات دستورية غير مفعّلة، إضافة إلى  عدم تركيز المحكمة الدستورية وسنّ قوانين وضعت البلاد في موقع خطير مع ‘عصبية حزبية’ و تفشي لظاهرة العنف السياسي حيث بات البرلمان مسرحا للعنف بمختلف أشكاله و هو ما يُعتبر ظاهرة خطيرة لا تقدم أي إفادة للمجتمع التونسي ، بل بالعكس ساهم في ضرب الهوية التونسية و سعى إلى طمسها و زرع ثقافة وهوية دخيلة عن تونس يغمرها التعصب و الكره.

كما حاولت الأحزاب السياسية السيطرة على الإعلام  عبر نشر خطاب إعلامي تحريضي لصنع الرأي العام ‘ و التحكم فيه من ناحية في سعي منها لإقصاء البرامج الوثائقية التاريخية و التحكم في بناء جيل ذو معايير معيّنة وفرض ثقافة و سلوك معين ( مدرسة الرقاب ) من ناحية أخرى يتماشى ومتطلبات رأس المال المتحكم في تلك الوسيلة .

تدهور الوضع العام في تونس :

– ميزانية مثقلة : تمثل الأجور 42 % كما تبلغ خدمة الدين 30 % , عجز تجاري ضخم

– أزمة البطالة : نسبة البطالة 13 % في 2010 إلى 16,2% في 2020 كما تضاعف عدد العاطلين عن العمل في صفوف خريجي الجامعات 130.000 في 2010 إلى 300.000 عاطل في 2020 ( 30.1% حاملي الشهادات العليا في الثلث الثالث 2020

– إرتفاع أسعار الخدمات الأساسية ، النقل ، البنوك ، و المحروقات

 – إرتفاع نسبة الأمية في الوسط البلدي 12،5 % و الوسط غير البلدي 29,5 % حسب المعهد الوطني للإحصاء سنة 2020

– تضخم مالي : حسب البنك المركزي التونسي * 2000-2010 حافظ الاقتصاد التونسي على معدل تضخم بحوالي 3% * 2018 : 7,3% * 2019: 6.6% * 2020 : 5,7 %

– تدهور صرف العملة المحلية، أسعار عملة دينار في سوق الصرف في البنوك 1Dollar= 2.830 dinars 1 euro = 3, 28 dinars

– التهرب الجبائي ، السوق الموازي

 – جرائم تمس الأمن القومي : الغذائي ( القمح المسرطن ) الصحي (الكوفيد و عدم تبني إستراتيجية واضحة ) البيئي ( النفايات الإيطالية )

– وضع أمني غير مستقر ، عمليات إرهابية

– فساد في مفاصل مؤسسات الدولة

– سياسة ممنهجة لضرب الهوية الوطنية التونسية 228 حزبا فشلت جميعها في معالجة الأزمات و كانت عنصرا فاعلا في تعميق الأزمة ، حضرت الأحزاب و غابت الرؤى الاستراتيجية و الإصلاحات الوطنية الحقيقية

 ● هل من تتبع … !

بعد تعدد الأزمات و المخاطر و بعد رفض الشعب التونسي للوضع الراهن جاءت الاستجابة من الرئيس قيس سعيد بتجميد البرلمان و اعفاء  الحكومة ، من هنا جاء الجزاء السياسي عندما رفض الشعب التونسي الأحزاب .

 كما كشفت القاضية فضيلة القرقوري رئيسة دائرة بمحكمة المحاسبات بأنه تم إقصاء 80 قائمة إنتخابية لم تحترم مبدأ الشفافية الإنتخابية كما أشارت إلى أن هناك قائمات معينة لم تودع حسابات الحملة الإنتخابية في الانتخابات البلدية لدى المحكمة في الآجال المحددة، كما اعتبرتها مخالفات مالية وتتعهد محكمة المحاسبات بإثارة دعوى.

 كما أكدت القرقوري أن المحكمة أصدرت أكثر من 350 حكما إبتدائيا تعلقت بمخالفات إرتكبتها قوائم شاركت بالإنتخابات التشريعية لسنة 2019 على غرار عدم إيداع الحساب المالي و تحديد المنحة لمستحقيها، كما تم إحالة 30 ملف على أنظار النيابة العمومية لدى القضاء العدلي المختص سنة 2021 و تعلقت هذه الملفات بشبهات جرائم إنتخابية: إستثمار سياسي ، تمويلات غير مشروعة، و هو ما أكده رئيس الجمهورية قيس سعيد حين دعا القضاء إلى التحقيق في مصادر هذه الأموال .

وكانت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي قد نشرت  تقريرالتفقدية العامة بوزارة العدل يضم معطيات خطيرة جدا و هو ما دفع العديد من الدوائر السياسية  والقضائية من بينها رئيس الحكومة ووزيرة العدل بالنيابة بسحبه ، و تم رفض تسليمه لأعضاء المجلس العدلي و الاكتفاء بقراءته شفاهيا لمجرد الإعلام .

 جرائم إرهابية في تعتيم حكومي واضح ، فهل يمكن الحديث عن محاسبة و مسؤولية جزائية للمجرمين و المشاركين في الجرائم ؟ كيف سيكون دور الأحزاب مستقبلا؟ و ماهي مشروعيتهم و شرعيتهم بعد ما أصبحت ثقة الشعب فيهم شبه منعدمة؟ من 25 يوليو تونس دون أحزاب سياسية ، فما مدى أهمية الأحزاب في الإصلاح ؟ ما هو مصير الطبقة السياسية الآن في تونس ؟ هل تحتاج تونس لنخبة سياسية لها دورا فعالا في الإصلاح الحقيقي ؟

By Zouhour Mechergui

Journaliste