الأحد. نوفمبر 24th, 2024

اعداد الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية

أصبحنا اليوم نتحدث عن مستقبل افريقيا في علاقاتها مع محيطها الدولي وذلك من خلال تعزيز العلاقات الثنائية، إضافة إلى تلبية حاجاتها للهيمنة والنفوذ وتوسيع إمكانات وصولها للأسواق العالمية.

والملاحظ الدخول الكبير للدور الهندي والصيني في القارة، فيما صعّدت الهند في نسقها الديبلوماسي وإعادة الانخراط في الشؤون الإفريقية عبر كينيا، فإن ذلك التصعيد يظل بحاجة إلى مضاعفة جهود الهند الاقتصادية والعسكرية داخل القارة الإفريقية حتى تتمكّن من منافسة التأثير الصيني الذي فاق كافة أدوار شركاء القارة في السنوات الأخيرة وتليه روسيا التي أصبحت تنافس كل القوى الاوربية في افريقيا.

الهند تدخل افريقيا بقوة وسرعة

تعوّل الهند في مقاربتها على علاقات وطيدة للغاية مع دولتين إفريقيتين في المرحلة الحالية، وهما كينيا وجنوب إفريقيا، بينما تُحقّق اختراقًا تكنولوجيًّا ناجحًا في كبرى دول القارة عددًا في السكان: نيجيريا.

وتعزّز الهند ميزانها التجاري مع القارة ككل، حيث بلغت صادرات الهند لإفريقيا في سنة 2019-2020 نحو 14 ضعف إجمالي وارداتها من دول القارة، في مؤشّر واضح على طبيعة العلاقات الهندية- الإفريقية التي يقع في قلبها هيمنة اقتصادية وعدم تكافؤ في التجارة وعدم تطور العلاقات التاريخية الممتدة بين الطرفين إلى علاقات شراكة حقيقية تعود بالفائدة “المتوقعة” على الدول الإفريقية.

كما شهدت الشهور القليلة الماضية تصاعد الاهتمام الهندي بالعديد من دول القارة الإفريقية، وقام عدد كبير من المسؤولين الهنود رفيعي المستوى بزيارات رسمية في محاولة لتمهيد الطرق أمام الحضور الهندي في القارة، مع انخراط ثنائي دائم واتفاقات شراكة قائمة بالفعل، أو شراكات آخذة في التطور.

والدليل على السعي الهندي لتطوير علاقاتها هو الزيارة الأخيرة لوزير الشؤون الخارجية  سوبرامنيام جاي شانكار  S. Jaishankar للترأس المشترك لاجتماع “المفوضية الهندية الكينية المشتركة” India- Kenya Joint Commission في يونيو من العام الجاري.

باعتبار كينيا موطنًا لنحو 80 ألف شخص يُصنّفون على أنهم “أشخاص من أصل هندي” و20 ألف مواطن هندي، فإنها تُعَدّ بالنسبة للهند على نطاق كبير البوابة إلى القارة الإفريقية.

 وفي أعقاب الزيارة ناقش ممثلو كينيا والهند مجموعة من القضايا محل الاهتمام الثنائي والإقليمي والعالمي. وتضمَّنت هذه المناقشات الشراكات التنموية في نموذج نجحت الهند من خلاله –حسب كاتب المقال- في تعزيز صورتها كأحد أبرز شركاء إفريقيا في مجال التنمية.

وبمقتضى مبادرة الهند المعروفة باسم Vaccine Maitri فإنها منحت نحو 150 طنًّا متريًّا من الإمدادات الطبية لخمسة وعشرين دولة إفريقية.

 إضافة إلى ذلك قدّمت الهند 25 مليون جرعة من التطعيمات، تم إنتاجها محليًّا في الهند إلى 42 دولة في إفريقيا. بأيّ حال فإن الموجة الثانية من كوفيد-19 التي كانت قد ضربت الهند بقوة في شهري أفريل وماي قد مثَّلت ضربة قاصمة لبرامج التطعيمات في الدول الإفريقية التي اعتمدت في الغالب على إمدادات من مبادرة “كوفاكس” COVAX للمشاركة في التطعيمات.

ورغم هذه التراجعات والتحديات الأخرى على جبهات عدة، فإنَّ الهند أقدمت بالشراكة مع جنوب إفريقيا على تقديم دعم هائل لتوفير براءة اختراع إنتاج المصل محليًّا من منظمة التجارة العالمية.

ويمكن أن يوفّر هذا الجهد على الدول الإفريقية بلايين الدولارات، ويعمّق قدرة الدول النامية على تصنيع الأمصال والمنتجات الطبية المهمة الأخرى.

كما فتحت مبادرة الهند- جنوب إفريقيا المشتركة إمكانات متنوِّعة أمام دول نامية أخرى للاستكشاف، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالإمدادات الطبية المهمة.

وإضافة إلى الاعتبارات التاريخية والجغرافية الحاكمة للعلاقات الهندية الإفريقية فإن هناك نموًّا كبير وسريع غير مسبوق في العلاقات التجارية والاستثمارية للهند مع إفريقيا.

ونمت تجارة الهند مع إفريقيا من 52 بليون دولار قبل نحو عقد بمسار سريع للغاية بنسبة 29.5% لتصل إلى 68 بليون دولار.

 وفي نفس الفترة ما بين أعوام 2010-2011، و2019-2020، ارتفعت الصادرات الإفريقية للهند بنحو 5 بلايين دولار، ممَّا مثَّل تكوين سوق جديدة أمام السلع الإفريقية في الهند.

 وفي فترة زمنية وجيزة كان هناك 1 من كل 10 سلع تصل إفريقيا من الخارج تأتي من الهند. كما نجحت الهند، رغم الصعوبات، في أن تصبح ثامن أكبر مستثمر في إفريقيا عبر مشروعاتها المشتركة في القطاعين العام والخاص.

وتركز الهند بشكل واضح على الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا، حيث تمكنت من تثبيت حضورها القويّ في هذا القطاع. وعلى سبيل المثال: عندما حجبت الحكومة النيجيرية مؤخرًا “تويتر” عملت شركة هندية صغيرة بادئة في مجال شبكات المدونات blogging network start-up، وهي شركة كوو Koo، على نيل متابعة كبيرة وقاعدة مستخدمين نشطة في أكبر دول القارة الإفريقية سكانًا، بل وانضمت الحكومة النيجيرية رسميًّا للشبكة مع استخدام اللغات الإفريقية المحلية التي أُضيفت للمنصة، وقاد هذا التوسع إلى ارتفاع قيمة “كوو” خمسة أضعاف لتبلغ مائة مليون دولار أمريكي في غضون شهور قليلة من تكوينها.

غير أن المقاربة الهندية لإفريقيا تظل رهنًا بمقاربة الصين وتحركاتها في ضوء طبيعة التنافس بين البلدين الآسيويتين.

العملاق الصيني يسيطر على افريقيا بسرعة وقوة

أما الصين فإن نفوذها في القارة يشهد تحولات مهمة منها فرض مشروطيات سياسية للاستثمارات، إلى جانب المخاطر المتزايدة للقروض الصينية وبدء تعثّر العديد من الدول الإفريقية أبرزها حاليًا زامبيا بعد أنغولا وزيمبابوي في الفترة السابقة.

في المناطق الأكثر فقرًا في إفريقيا وأماكن أخرى تكون الإجابة في الأغلب السعي للحصول على دعم الحكومات الأجنبية ومن بينها الصين.

وتعني مبادرة الحزام والطريق Belt and Road Initiative، المصحوبة بالقروض من بنوك التنمية الصينية، أن الصين تفوقت على الدول الغربية باعتبارها أكبر مقرض حكومي للقارة الإفريقية.

كما تظهر التقارير أن الصين مسؤولة عن 13% من إجمالي حجم الإقراض الثنائي منذ العام 2015، ويليها الولايات المتحدة التي تستحوذ على 4% فقط من حجم هذه الديون.  

وهناك مكاسب للإقراض الصيني، “إذ تضع مزيدًا من الضغط على الولايات المتحدة والأوروبيين لتقديم مزيد من الائتمانات”، كما أن مدة القروض التي تقدمها ليست قصيرة المدى في العادة بل طويلة المدى ومن فترة الى أخرى تعفي بعض الدول من استرجاعها أو استرجاعها من دون فوائض.

ففيما لا تشارك الصين في “نادي باريس”، الذي تستخدمه الحكومات الغربية للتفاوض على إعفاءات الديون السيادية، فإن المقرضين الصينيين أعادوا هيكلة القروض في الماضي، ويبدو أنهم مستعدون حاليًّا للتفاوض حول ترتيبات السماح للمقترضين بتأخير المدفوعات المستحقة واعادة الجدولة.

ومع تراجع الحكومات الغربية فإنه لا يوجد لدى بعض الدول سوى خيارات قليلة للغاية حال استبعاد الصين.

وقد ارتفعت مخصَّصات الديون متعددة الأطراف التي يقدمها البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي لكن بمستويات غير كافية. والآن فإن الدول الإفريقية ربما تكون أكثر قلقًا إزاء رغبة بكين في تحجيم الاستثمار الخارجي من شروط تقديمها للدعم.

ومن اللافت أنه عندما أصبحت زامبيا أول دول إفريقية تتعثر في الوفاء بالتزاماتها إزاء ديونها السيادية خلال فترة جائحة كوفيد-19 بعد تفويت مدفوعات مستحقة على سندات باليورو في نوفمبر 2020، فإن المقرضين طلبوا مزيدًا من المعلومات حول التزامات زامبيا للمقرضين الصينيين.

 وأبرز صندوق النقد الدولي الخطر المرتفع للتعثر في السداد في العديد من الدول الفقيرة، مع دعوة المدير التنفيذي للصندوق كريستالينا جورجييفا Kristalina Georgieva جميع المقرضين –بمن فيهم من الصين- بالعمل على الإعفاء من الديون.

By Zouhour Mechergui

Journaliste