إعداد: صبرين العجرودي” باحثة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس
مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول- رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية بتونس
تقع أفغانستان في قلب القارة الآسيوية وهي دولة غير ساحلية، كابول هي عاصمتها ومن أكبر المدن فيها وقد مثلت قديما النقطة المحورية لطريق الحرير.
تحدها من الشمال طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان ، إيران من الغرب ، و باكستان من الشرق والجنوب، والصين من الشمال .
وبالنظر لموقعها الاستراتيجي الهام ، تتخوف الدول المجاورة من تداعيات حكم طالبان على أمنها الداخلي وبرامجها الاقتصادية والسياسية بما في ذلك مستقبل علاقاتها مع الدول الاخرى ، نظرا في أن أفغانستان تربط بين شرق وغرب وجنوب ووسط آسيا .
كيف يمكن أن تؤثّر الاوضاع في أفغانستان على كلّ من الصين و ايران ؟
المخاوف الايرانية من التّدخل التركي في افغانستان
صرحت تركيا على أنها عازمة في ظل الوضع المتأزم في أفغانستان على التدخل لضمان الاستقرار وإدارة الاوضاع ، كما أشارت الى أنها بصدد مراقبة كل التطورات في المنطقة سعيا منها تحديدا لتامين مطار كابولمن خلال نشر قواتها وإدارة الطيران الدولي وتامين البعثات الديبلوماسية والمسؤولين في زيارة المنطقة ، وذلك على خلفية انسحاب قوات حلف الشمال الاطلسي ، وقد بادرت تركيا الى اتخاذ هذه الخطوة على حد تعبيرها لحماية مصالحها المتعلقة بطريق الحرير .
من جهتها ، أكدت باكستان على دعمها للخطوة التي تنويها تركيا ، حيث عبر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان على أن افضل الحلول في الوضع الراهن هو التاثير على طالبان للتحاور مع تركيا .
أمّا بالنسبة لإيران، فهي تركّز وبشدّة عن الاهداف الغير المعلنة لتركيا وراء تركيز قواتها على حدودها الشرقية مع أفغانستانوالتي تصل الى 945 كيلومترا، خاصّة وأنّ هذه المبادرة كانت وليدة اتفاق مشترك بين رئيس الولايات المتحدة جوبايدن ونظيره التركي طيب أردوغان، وهو يجعل الأسباب نوعا ما ضبابية وفي نفس الوقت تخفي ملامح خطّة متكاملة بين الطرفين لتغيير المشهد السياسي في افغانستان لصالح بعض الاطراف ضدّ بعض الاطراف الاخرى، وقد انطلقت بدايتها مع اعلان امريكا الانسحاب الكلي من أفغانستان .
بالنسبة لموقف طالبان من قرار التدخل التركي في افغانستان، فقد عبّرت عن استنكارها لهذه الخطوة معتبرة أنها لا تتوافق مع اتفاقها مع الطرف الامريكي بالانسحاب الكلي لحلف الشمال الاطلسي، لأن تركيا تعتبر عنصرا داخله ووجودها في أفغانستان ليس إلا نقضا للاتفاق .
قد تقف وراء المساعي التركية طموحات لبسط النفوذ والتحول لقوة اقليمية ، نظرا في ان موقع أفغانستان ذو أهمية بالغة، والنجاح في إثبات تركيا لدورها ووزنها في المنطقة سيوفّر لها بالضرورة العديد من الامتيازات والعلاقات والمشاريع، ولا يبدو هذا النوع من سياسات التدخل جديداعليها، لذلك ترا السلطات الايرانية أنّ التدخل في أفغانستان ليس الا خطة واضحة لاستكمال الجهود التي بدأتها في الشرق الاوسط، وستكون تداعياته خطيرة أمنيا على دول الجوار وعلى المنطقة في حدّ ذاتها ، خاصّة إذا تزامن الوضع مع الانسحاب العسكري للولايات المتحدة من العراق ، ما سيؤدي حتما الى عودة داعش والتنظيمات الارهابية الى المشهد في كامل المنطقة بدعم تركيا التي طالما قامت بتعزيز قوة الارهابيين ونفوذهم في ليبيا وسوريا والعراق في السنوات السابقة.
وبالتالي تقترب النوايا التركية في افغانستان من السعي الى المكاسب التالية :
بسط النفوذ والتمكن من البروز كقوة إقليمية، تطبيق ايديولوجيتها المتطرّفة في المنطقة وتوتير الاوضاع وخلق الصراعات مع الدول المجاورة .
تتخوّف ايران بدرجة اولى من دور تركيا في أفغانستان الذي قد يتمثّل في تسهيل عبور الارهابيين تحت مسمى السيطرة على مطار كابول، ودون ذلك فإنّ الوضع الراهن في أفغانستان حساس للغاية وستكون المنطقة أرضا خصبة لتغوّل الانشطة الارهابية، حيثلن تواجه أنقرة صعوبة في تصدير الارهابيين الى الدول المجاورة أو في تهريب الاسلحة .. وهو ما سيؤثر بدوره على الطموح الاقتصاديةلايران المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق الذي كان سيمر عبرهامتجها الى بقية البلدان المشاركة في هذا المشروع .
بالنسبة لايران والعديد من الدول الاخرى على غرار الصين وروسيا والهند ، لا يثير التواجد التركي في أفغانستان ضمن حلف الناتو سابقا القلق بقدر ما يثيره في الوضع الراهن ، ويكمن الخوفتحديدا من إعادة تفريغ أردوغانللجماعات والعناصر الارهابية الذي عمل بها في سوريا والعراق سابقا في منطقة أسيا الوسطىوتوظيفها لصالح تركيا .
مبادرة الحزام و الطريق رهينة الاوضاع في افغانستان
تُعدُّ الصين قوة اقتصادية بارزة في العالم ، وهي المنافس الاقوى للولايات المتحدّة الامريكية ، لذلك ستكون لاعبا مهمّا ضمن الخطط والسياسات التي ترسمها واشنطن لمجابهتها .
ونتيجة لذلك لن تقرأ الصين أيّة نوايا حسنة فيما يخص الانسحاب الامريكي من أفغانستان الذي سينجرّ عنه حتما سيناريوهات قد تحطّم طموحها الاقتصادية.
بالنسبة للصين ، تعتبر أفغانستان نقطة محورية في مبادرة الحزام والطريق و يُنتظر مستقبلا أن يشكل هذا البلد المجاور بوابة هامّة في تشكيل و بناء علاقاتها الاقتصادية مع الكثير من البلدان ، إلاّ أن الوضع الراهن في المنطقة قد يهدّد مصالحها ، خاصّة بعد ما سيطرت حركة طالبان في 8 اغسطس على ثلاثة مدن كبيرة في افغانستان ، منها مدينة قندوز الاستراتيجية التي تقع في الشمال، ويُجمِع الخبراء والمراقبين لتحركات طالبان في المنطقة أنّ ذلك قد يؤدي الى ثلاثة سيناريوهات محتملة :
- السيناريو الاول: الاتجاه شرقا نحو ممر وخان المجاور للصين .
- السيناريو الثاني: محاولة السيطرة على مدينة ” مدينة مزار شريف.
- السيناريو الثالث: الاتجاه جنوبا نحو العاصمة كابل .
ويعتبر الاتجاه الي أي منطقة من هذه المناطق الثلاث خطير، نظرا في أنّ ذلك سيساهم في تمدّد حركة طالبان الى العديد من المناطق الاخرى في افغانستان وسيغيّر الامور لصالحها وسيؤثر بدوره على الدول المجاورة.
فبالنسبة لمخاوف الصين ، فهي مستمدّة تحديدا من ممر وخان الممتد من شمال شرق افغانستان والمتواجد بين ثلاثة دول هم باكستان وطاجكستان والصين ، إذ يمثّل هذا الممر تهديدا مباشرا لها نظرا في أانه يقع على الجهة المقابلة لإقليم شينجيانغ الذي يقع في شمال غرب الصين وهو أكبر إقليم بها ، و يعتبر ذو أهمية بارزة باعتبار أنه يقع في منطقة حساسة وله حدود مع عدة دول مختلفة ، يحده من الغرب طاجكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وأفغانستان وباكستان ، ومن الشمال روسيا والشمال الشرقي منطقة منغوليا الصينية ، ومن الجنوب منطقة التبت الصينية ، ومن الجنوب الغربي الهند ويمر من الاقليم طريق الحرير القديم .
يتضمّن إقليم شينجيانغ الايغوريين وهم شعوب ذو أصول تركية يعتنقون الدين الاسلامي، وتحتل هذه القومية المرتبة الثانية من قائمة العشر قوميات المسلمة في الصين من حيث عدد السكان الذي يبلغ عددهم 11 مليون مسلم، ويشكلون 45 % من سكان هذا الاقليم.
كما يشكل هذا الاقليم أهمية اقتصادية كبرى بالنسبة للصين ، بحيث يمثل مورد طاقة لها، و يتميز بأنشطة اقتصادية بارزة مثل تكرير النفط وصناعة السكر والكيمياويات والاسمنت و المنسوجات، أما استراتيجيا فقد أنشئت الصين أول خط سكة حديد تربط بين العاصمة بكين و بين أورومتشي عاصمة شينجيانغ عام 1968 .
لطالما كانت الاوضاع متشنّجة في إقليم شيجيانغالايغوريوشهدت المنطقة الكثير من التوترات والانشطةالارهابية ، لذلك تتخوّف الصين من زيادة تازم الاوضاع في المنطقة وتطور العلاقات بين حركة طالبان وحركة تركستان الشرقية ( الايغور ) الىالتعاون في القيامباعمال إرهابية أكثر وحشية .
في هذه الحالة سيزيد التدخل التركي الاوضاع سوءً ، خاصّة وقد عُرف سابقا بدعمه للحركة التركستانية ومساهمته في اعمال العنف والتخريب في المنطقة ، ومن المرجّح أن يحصل اتحاد بين الارهابيين ، ممّا سيؤدي الى خراب واضح في كامل المنطقة .
لذلك تسعى الصين الى الوصول الى تفاهم مع حركة طالبان لتجنّب حدوث هذه السيناريوهات . من جهتها رحّبت حركة طالبان بالحوار مع الصين وتعهّدت بأنها ستعمل على السيطرة قدر الامكان على الاوضاع ومنع حدوث أي خطوة من شأنها أن تعكّر أمن الصين وتعطّل مشاريعها الاقتصادية ، لكنّ بكين لازالت قلقة بشأن النوايا الامريكية التركية خاصّة فيما يتعلّق بمبادرة الحزام و الطريق ، فأفغانستان هي نقطة العبور ، ولا يكفي فقط ضمان الامن الداخلي في الصين حتى يتمّ تأمين مبادرتها ، فالاستقرار في أفغانستان وكلّ الدول الاخرى المجاورة ضرورة قصوى حتى تجري الامور كما هو مخطّط لها ، لكنّ المنافس الامريكي لن يسمح بذلك .