تونس:أميرة زغدود 08-09-2021
ينصّ الفصل 18 من دستور الدولة التونسية على أنّ: “الجيش الوطني جيش جمهوري وهو قوّة عسكريّة مسلّحة قائمة على الانضباط، مؤلّفة ومنظّمة هيكليّا طبق القانون، ويضطلع بواجب الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، وهو ملزم بالحياد التام، ويدعم الجيش الوطني السلطات المدنيّة وفق ما يضبطه القانون“.
منذ استقلال البلاد التونسية عن المستعمر الفرنسي في الـ 20 من مارس 1956، سعت حكومة الاستقلال آنذاك الى بناء دولة مكتملة أركان السيادة داخليّا وخارجيّا، ليكون الجيش الوطني التونسي من بين المؤسسات الأولى التي تمّ بعثها لاستكمال السيادة في 24 يونيو 1956، وحسب الأرقام المتوفّرة لسنة 2019، فقد بلغ قوام الجيش التونسي حوالي 5000 فردا.
التسمية هي الجيش الوطني التونسي ورسميًا، القوات المسلّحة التونسية هي القوات المسلحة الرسمية للجمهورية التونسية، وتتبع وزارة الدفاع الوطني، وتنقسم إلى ثلاث أفرع رئيسية، جيش البر وجيش البحر وجيش الطيران، ويعتبر رئيس الجمهورية التونسية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وتوجد بالبلاد التونسية ستّ قواعد عسكرية موزّعة بين شمال ووسط وجنوب البلاد، بنزرت، تونس العاصمة “القاعدة العسكرية بالعوينة”، صفاقس، قابس، قفصة ورمادة.
عقيدة عمل لا حياد عنها
يقولون: “أقسم بالله العظيم أن أتفانى في خدمة الوطن والدفاع عن حوزته وحماية مؤسساته الشرعية ومكاسبه من كل خطر أو عدوان داخلي أو خارجي وأن أحترم قوانين الدولة وأن أقوم بعملي بكل شرف وأمانة في كنف الطاعة والانضباط كي تبقى تونس حرّة منيعة أبد الدهر …أبد الدهر …أبد الدهر“، هذا قسم الجنديّ الحارس لأمان البلاد والعباد.
قَسَمٌ يؤكّد أنّ عقيدة عمل كافّة أركان الجيش الوطني هي عقيدة واحدة وراسخة ولا حياد عنها، فهو الساهر منذ انشائه على حفظ مبادئ الدولة المدنية والنظام الجمهوري، مدافعا عن حرمة وطننا وسلامة ترابه… وإلى اليوم لا يزال عاملا على ذات المبادئ.
ليضطلع بمهمّة التصدّي لكلّ محاولات المسّ بسلامة التراب التونسي والأمن القومي عبر التصدّي للأعمال الغير مشروعة كالتهريب والجريمة المنظّمة ويسهر على تعزيز تأمين الحدود البريّة والبحريّة والجويّة للبلاد ومكافحة انتشار الفلول الإرهابية، التي مثّلت أكبر التحديات الحالية لكل دول العالم.
ليثبت عناصر الجيش الوطني مرارا على قدرتهم على مجابهة الاخطار التي من شأنها ان تزعزع أمن البلاد واستقرارها.
ما بعد ثورة 2011، تركّز عمل القوات المسلّحة التونسية بشكل أساسي على مكافحة الإرهاب، فالفراغ السياسي في تونس وفي الجارة ليبيا أعقاب ثورة فبراير 2011، والتي كانت عاملا أساسيا في تموضع الجهاديين السلفيين والجماعات المسلّحة على الحدود التونسية، خصوصا، بعد سقوط نظام معمر القذافي، وهذا ما خلق سلسلة جديدة من التهديدات الخارجية وفرض جملة من التحديات لقوات الجيش الوطني.
ضف الى ذلك، حالة عدم الاستقرار الداخلي بالبلاد التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي من منصبه، زد على ذلك خيبة الأمل في القادة السياسيين الذين خلفوه وقرارات العفو العام للسجناء السياسيين بمن فيهم القادة الجهاديين السلفيين البارزين، والقضايا الاقتصادية والاجتماعية التي أسهمت في تهيئة البيئة الحاضنة للتطرّف ولتنامي الجماعات السلفيّة في تونس، كلّ هذه العوامل فرضت تحديات جمّة أثبت بعدها الجيش الوطني التونسي دوره الريادي على الحفاظ على استقرار البلاد وأمنها والتي راح ضحيّتها جنود أشاوس ضحّوا بحياتهم فداءً للوطن.
وفي ذات السياق، وفي مجال مكافحة الإرهاب، كان قد أعلن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تقرير أصدره في شهر جانفي 2020، أنّ تونس اعتمدت خلال السنوات الأخيرة مقاربة جديدة لمكافحة الإرهاب، جعلت من البلاد نموذجا إقليميا وعالميا في مجال مكافحة الإرهاب.
حيث أبرز التقرير أن تونس لم تعتمد على موقف الدفاع في مجابهتها للإرهاب في تصدّيها لخطر تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”، بل اعتمدت على مقاربة في محاربة الجهاديين تتجاوز المقاربة العسكرية والقانونية، لتضع برنامجا متكاملا للتوعية بمخاطر الارهاب لتشجيع المواطنين أيضا على الانخراط في جهود مقاومة الإرهاب.
وفي هذا المجال، كان عناصر الجيش الوطني حاضرين على الدوام مؤكدين في كلّ مرّة على أنّ عقيدة عمل الجهاز العسكري بالبلاد التونسية راسخة لا تتغيّر “أرواحنا فداء للوطن”، ليكون التاريخ شاهدا على أبطال ضحوا بحياتهم فداءً للوطن وحفاظا على استقراره، فلا ننسى “حادثة سليمان” في 3 يناير 2007، حيث وقعت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن وعناصر الجيش التونسي مع مسلحين تابعين لتنظيم “جيش أسد بن الفرات” التابع للجماعة السلفية للدعوة والقتال في مدينة سليمان، وراح ضحيّتها 2 من الجيش والأمن.
وأيضا، حادثة الروحية حيث وقعت اشتباكات بين قوات الأمن والجيش التونسي مع مسلّحين بمدينة الروحية في 18 مايو 2011، وكانت العملية الأولى من نوعها في تونس بعد الثورة، وقتل في هذا الحادث مقدّم ورقيب من الجيش، فيما جرح جندي آخر.
والحادثة الأبرز كانت أحداث جبل الشعانبي حيث وقعت معارك متقطعة وتفجيرات بالألغام وكمائن بين مجموعات مسلّحة وعناصر الجيش التونسي في جبل الشعانبي في مدينة القصرين بالوسط الغربي التونسي، في 10 ديسمبر 2012، وأسفرت عن مقتل 38 عنصرا من الجيش التونسي وسقوط حوالي 60 جريحا.
بينما خسر الجيش التونسي جنديين اثنين في حادثة قبلاط في العام 2013، حيث وقعت مواجهة بين قوات الأمن والجيش التونسي ومسلحين تابعين لأنصار الشريعة في جبل طويل قرب مدينة قبلاط.
وفي نفس السنة، وقعت حادثة سيدي علي بن عون من مدينة سيدي بوزيد حيث شهدت المدينة اشتباكات بين الجيش الوطني وأفراد من أنصار الشريعة قرب مدينة سيدي علي بن عون، وأسفرت عن مقتل 6 جنود تونسيين وسقوط 4 جرحى من الجيش.
كما خسر الجيش التونسي في هجوم بن قردان جنوبي البلاد التونسية 2016، جنديان فيما جرح 18 شخصا من القوات الأمنية والعسكرية والمدنيين.
دور فاعل في قوات حفظ السلام
ولا يقتصر عمل الجيش الوطني التونسي على العمل بالمستوى الوطني، على غرار حفظ سيادة الدولة والقيام بعمليات عسكرية في مجابهة الارهاب، بل يشارك كذلك في عدّة عمليّات مدنيّة وعسكريّة دوليّة، حيث تشارك تونس منذ العام 1960 في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وتعود أوّل مشاركة لتونس في عمليات حفظ السلام إلى شهر جويلية 1960 إذ بادرت تونس على الرغم من حداثة الجيش الوطني، بإرسال فيلق قوامه 2261 عسكريا إلى الكونغو الديمقراطية التي اندلع فيها نزاع مسلّح، وكانت مهمّة الفيلق الذي كان يمثّل تقريبا ثلث قوات الجيش الناشئ، حماية المطار ومقرّ البرلمان ومؤسّسات حكومية أخرى ونشر الأمن في منطقة كاساي، واستمّرت مهمّة الفيلق إلى جويلية 1961، ثمّ شاركت تونس من جانفي 1962 إلى مارس 1963 بفيلق ثان قوامه 1100 عسكري لتأمين عودة اللاجئين وحماية المخيمات بإيليزابيت فيل.
وشاركت تونس أيضا في مهامّ أممية عديدة في كلّ من كمبوديا من العام 1992 الى موفّى سنة 1994، بفيلق مشاة قوامه 850 عسكريّا مهمّتها نزع أسلحة القبائل، كذلك بكوسوفو سنة 1999 ببعثة طبية وشبه طبية، وبالكونغو الديمقراطية؛ منذ ماي 2000 إلى جويلية 2010، شاركت تونس ببعثة متكوّنة من 27 مراقبا و220 عسكريا ثمّ 430 عسكريًّا في سنة 2003، وتعهّدت البعثة بحماية مقرّ القيادة العامة للأمم المتحدة وقاعدتها اللوجستية والمؤسّسات السياسية بالبلاد.
وكذلك، تشارك تونس بوحدة عسكرية في النقل الجوّي في مالي منذ 15 فيفري 2019 وإلى حين كتابة هذا المقال، وتستخدم الوحدة طائرة من نوع C-130 وتضمّ 75 فردا من طواقم وعسكريين من مختلف الاختصاصات.
كما تساهم تونس حاليا بـ 23 ضابطا بصفة ملاحظين ومستشارين ومراقبين عسكريين ضمن أربع بعثات لحفظ السلام في كلّ من جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى ومالي.
“الجيش سور للوطن… يحميه أيام المحن
أرواحنا أموالنا تفدى له بلا ثمن… الجيش سور للوطن“
هذه الأبيات، تثبت أنّ الجيش التونسي والمؤسّسة العسكرية ولائها الأول للوطن، والتي على الرغم من التحديات الامنية والسياسية في تونس، فقد حافظت على حيادها وأثبتت كفاءتها في الاضطلاع بالمهام الموكلة إليها.. لتلبيّ النداء وقتما احتاجتها البلاد.