رباب-حدادة- باحثة بالمركز الدولي للدراسات الأمنيةوالعسكرية بتونس-1-9-2021
كشف إبراهيم قالين المتحدث باسم الرئاسة التركية، عن تطورات إيجابية ستحدث قريبا في علاقات أنقرة مع المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ضمن مساعي تركيا لتخفيف حدّة التوتر مع قوى إقليمية لها تأثير على الاقتصاد التركي.
1/اسباب التوتر بين الدول الثلاث
وانطلق التوتّر في العلاقات بين مصر و تركيا منذ3 يوليو 2013 بعد الإطاحة بنظام الرئيس المصري الراحل الإخواني محمد مرسي بعد هبّة شعبية مصرية ساندها الجيش المصري بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، ليطفو التوتّر على السطح وتحتدّ الأزمة التي أدّت إلى إصدار القاهرة بيانا في نوفمبر 2013 وقالت فيه إن “السفير التركي في مصر شخص غير مرغوب فيه.”
وتبع انقطاع للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بروز التوتر في مايخص الملف الليبي حيث يقف كل منهما في صفين متعاديين في الحرب الليبية، فطيلة عشر سنوات وقفت مصر إلى جانب الشرق الليبي ودعمته في حين كان التدخل التركي مع الغرب منذ إمضاء اتفاقيات التعاون العسكري بين حكومة الوفاق و تركيا.
أما في ما يخصّ العلاقات التركية -السعودية فقد إحتدّت مع مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في تركيا عام 2018، علما وأنّها لم تكن جيدة إذا ترتبط أيضا بأسباب إيديولوجية ترفض عبرها الرياض سيطرة أنقرة على رئاسة الدول الإسلامية السنّية.
وإثر توتّر علاقاتها مع دول الجوار وعلاقاتها الإقليمية وجدت تركيا نفسها مجبرة على تطبيع العلاقات مع القوى الفاعلة في الملفات الكبرى والتي لها تأثير دولي في شتّى التحالفات، حيث عملت أنقرة على إعادة تطبيع العلاقات مع كل من مصر و السعودية وملامح هذا التغير كُشف مع اتفاق العلا والمصالحة الخليجية.
وبسبب ذلك سعت أنقرة إلى تغيير إصلاح خطّها الديبلوماسي ومهدت الطريق نحو محادثات دبلوماسية لتخفيف حدة التوتر ضمن مبادرة قابلتها مصر بالمثل و فتحت قنوات للتواصل.
ويشار إلى أن مصر طرف رابع في الصلح الخليجي الذي تم فيه الضغط على قطر لتجفيف منابع تمويل الاخوان وتغيير الخط التحريري للقنوات الداعمة لهم و بالرغم من ان الاتفاق تم إمضاؤه الا ان قطر لم تغير في سياستها ما جعل الاتفاق شكليا وهو ما جعل أيضا المصالحة الخليجية ملفا عالقا .
أحداث أخرى سرعت من رغبة تركيا في استئناف المفاوضات و كان أهمها إطلاق مصر لمبادرة “بيان القاهرة” الذي أرادت به الأطراف الفاعلة في الملف الليبي إرساء خارطة طريق متكاملة لإيجاد حلّ سياسي للازمة الليبية.
2/استئناف المفاوضات
وكانت أّول زيارة لوفد تركي رسمي إلى مصر بعد قطيعة بدأت في 2013، في مايو 2021 وتم التمهيد لهذا اللقاء باتصال هاتفي بين وزيري الخارجية قبل شهرين من ذلك كما أكد الجانب التركي تواصل التعاون بين أجهزة الاستخبارات للطرفين رغم القطيعة الدبلوماسية.
و أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش اوغلو في 12 مارس 2021 استئناف الاتصالات الهاتفية مع الجانب المصري من أجل تطبيع العلاقات،لافتا إلى إن الدولتين لم تضعا أي شروط مسبقة، قائلا” لا يوجد اي شرط مسبق سواء من قبل المصريين او من قبلنا حاليا ،لكن ليس من السهل التحرك كان شيئا لم يكن بين ليلة و ضحاها ،في ظل انقطاع العلاقات”.
وركّزت مشاورات الوفدين حسب التصريحات الرسمية على التعاون في مجال الطاقة والتجارة وكذلك الاختصاص القضائي في المسائل البحرية في الشرق الأوسط ولكن من الأمور القطعية ان الملفات الحساسة و التي هي لب الازمة كانت تتصدر جدول المفاوضات ومن أبرزها”الخطوات الضرورية التي قد تقود إلى تطبيع العلاقات بين البلدين” حسب البيان المشترك الذي صدر في نهاية اللقاء.
ولم يؤدي لقاء القاهرة إلى إعادة العلاقات وتطبيعها إذ شهدت الأشهر الموالية له تعثر واضح في مسار التفاوض و على الأرجح لم ينجح الوفدين في إيجاد أرضية تفاهم و توازن بين المطالب .
وكانت أبرز المطالب المصرية تسليم القيادات الإخوانية بدون شروط والانسحاب الفوري من ليبيا وتعويض حرس الموانئ الذي تشرف عليه شركات أمنية أجنبية بحرس متكوّن من قوى أمنية ليبية في مقابل تسليم تركيا جزءا من الحصص في الشركات النفطية.
ووافقت انقرة على تسليم بعض القيادات الاخوانية و لم تعارض فكرة الخروج من ليبيا ولكن رفضت في المقابل سحب تأمين الموانئ من الشركات الاجنبية.
3/ فرص نجاح تطبيع العلاقات
بالرغم من ليونة التعامل التركي مع المطالب المصرية إلا إن مصر ترفض أي تنازل عن مطالبها ما يجعل نجاح تطبيع العلاقات أمرا مستبعدا إلا بقبول كامل لشروط القاهرة التي تقف في موقع قوة يمكنها من الضغط على تركيا.
بدورها تعيش تركيا إهتزاز إقتصادي يجعل توطيد العلاقات مع دول الجوار والإقليمية أمرا ملحّا وعلى أساسه كان لابد من خفض التوتر مع كل من مصر و المملكة العربية السعودية والإمارات العربية من أجل زيادة فرص التعامل الاقتصادي، هذا التعاون الاقتصادي بدت بوادره في الفترة الأخيرة بين أبو ظبي وأنقرة أهمها لقاء اردوغان بوفد الإماراتي رفيع المستوى برئاسة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الإماراتي، في المجمع الرئاسي بأنقرة و انتهى بردود ايجابية من الطرفين .
واعتبر المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش أن “التعاون والشراكات الاقتصادية كان المحوّر الرئيسي للاجتماع..الإمارات مستمرة في بناء الجسور وتوطيد العلاقات، وكما أن أولويات الازدهار والتنمية محرّك توجهنا الداخلي فهي أيضًا قاطرة سياستنا الخارجية”
و إن نجحت تركيا في نسج علاقاتها من جديد مع الامارات إلا أنها تلقى صعوبات جدية في التفاوض مع مصر و السعودية بسبب الملفات السياسية الكبرى العالقة بين الدول الثلاث.
في ظل الضغط الدولي لإخراج المرتزقة من ليبيا و تداعي التنظيمات الاخوانية وحكمهما في المنطقة خاصة بعد سقوط حركة النهضة في تونس لإعتبارها أخر معقل لهم فلم يبق لاردوغان الكثير ليراهن عليه غير الدعم الأمريكي .
يعتبر تدخّل واشنطن في الفترة القادمة مستبعدا نظرا لتعقد الداخل الأمريكي و تأزم ملف أفغانستان والعراق في الوقت الحالي ما يجعل الأوضاع في شمال إفريقيا تتراجع ضمن سلم أولويات واشنطن.
بالرغم من الجهود المبذولة من الجانب التركي لتوطيد علاقاتها مع القوى الإقليمية خاصة مصر و السعودية لتخرج من حالة العزلة التي أَضرّت اقتصادها ،إلا إن نجاحها في الفترة القادمة على الأقل مستبعد بسبب تأزم الخلاف في الملف الليبي على وجه الخصوص.