الخميس. نوفمبر 21st, 2024

اعداد صبرين عجرودي بقسم البحوث والدراسات والعلاقات الدولية بالمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية

مراجعة: الدكتورة بدرة قعلول : رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الامنية والعسكرية

بعد اتخاذ الولايات المتحدة الامريكية خطوة حاسمة في افغانستان بإعلانها الانسحاب الكلي من أراضيها، تلوح في الافق إجراءات اخرى متعلقة بالعراق. حيث صدر اتفاق على إثر محادثة دارت بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس جو بايدن في 24 من يوليو الفارط، على أنه في نهاية  العام الجاري ستقوم الولايات المتحدة الامريكية  بالسحب العسكري لقواتها  من العراق.

يثير ذلك العديد من التساؤلات، من أبرزها تأثير هذا الانسحاب على الوضع الامني في العراق خاصّة في ظلّ الانقسامات العرقية والطائفية والازمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى تأثير هذا القرار على ايران، البلد التي لطالما سعت الولايات المتحدة الامريكية للتضييق عليه اقتصاديا، وتكبيل جهوده في سعيه نحو التمدد والهيمنة في منطقة الشرق الاوسط.


ما وراء سعي الولايات المتحدة الامريكية لسحب قواتها من العراق ؟

وهل له علاقة بالانسحاب الكلي من أفغانستان ونقل قواعدها العسكرية من قطر الى الاردن ؟

الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الامريكية و العراق

يجدر الاشارة، إلى أنّ الاتفاق الذي صدر بين الولايات المتحدة الامريكية والعراق، في إطار الحوار الاستراتيجي، يقضي بإنهاء المهام العسكرية للقوات الامريكية في العراق في نهاية عام 2021، بالتالي ليس هناك قرار متعلّق بالانسحاب الكامل للقوات الامريكية من المنطقة.

جاء في البيان المشترك للجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطنالى أن العلاقة الامنية بينهما ستكون فقط في نطاق قيام الولايات المتحدة الأمريكيةبتدريب القوات العراقية، وتقديم المساعدة  والاستشارات وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وبالتالي سيكون هناك انسحاب عن القتال الميداني فقط.

اضافةً الى المصالح الخاصة التي تقف حتمًا وراء قرارات الولايات المتحدة الامريكية، جاء إعلان الانسحاب العسكريمن الاراضي العراقية، كنتيجةللعديد من المواقف الرافضة للوجود العسكري في المنطقة، على غرار الكثير من السياسيين والميليشيات التابعة لإيران.

ويأتي ذلك على وجه الخصوص بعد اغتيال الولايات المتحدة الامريكية لقائد فيلق القدسبالحرس الثوري الايراني قاسم سليماني والقائد في المليشيا الشيعية العراقية أبو مهدي المهندس في شهر يناير 2020  وشخصيات اخرى تتبع ايران في عملية تصفيات جسدية قد كسرت ظهر ايران.

ممّا أدّى الى تنامي الغضب الشعبي في العراق، والتّخوف من تمادي الدور الامريكي على أراضيها وصولا الى المرحلة التي تهدّد سيادتها، لذلكأفضت نتائج التصويت على قرار الانسحاب في البرلمان العراقي الى ضرورة إنهاء الولايات المتحدة الامريكية لدورها العسكريفي العراق، لكنّ هذه النتيجة لم ترتقي الى البروز كوسيلة ضغط على واشنطن حتى تعلن قرارها بقدر سعيهالتنظيم وجودها ضمن خطة استراتيجية محكمة.

من جانبه العراق، يجدر الاشارة الى أنها تشهد نوعا من الانقسام السياسي فيما يتعلّق بقرار انسحاب أمريكا، وأنّ تصويت البرلمان على قرار الرحيل لا يعكس جميع المواقف، خاصّة وأنّه بعيد تماما عن متطلّبات الواقع الذي تعيشه العراق حاليا، فقد جاء الحوار الاستراتيجي بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية نتيجة الحاجة الشديدة للعراق للوجود العسكري الامريكي في ظلّ الخطر الذي يتهدّدهامن التنظيمات الارهابية والصعوبات الاقتصادية وغيرها من الازمات التي تعصف بها.

لذلك فهي تسعى الى اتفاق يضمن استقرار أوضاعها الأمنية ويكفل سيادتها مع ضمان المصالح الامريكية التي قطع راسها كلّ العلاقات العراقية مع ايران بأي شكل من الاشكال.

وعلى المستوى الاقتصادي فإن الطرف العراقي يسعى الى تفهم الجانب الامريكي ومواقفه من ايران  حتى لا يقع ضحية عقوبات اقتصادية نتيجة اتخاذه خطوات اعتباطية غير مدروسة وبعيدة عن المصالح الامريكية، كما يسعى الى كسب الدعم الاقتصادي واستغلال الامور لصالحه لأنه عاجز عن مواجهة أي صعوبات بإمكانياته المتاحة حاليا.

بالنسبة للجانب الامني، فإنّ العراق تتخوّف من عودة داعش وهي عاجزة عن القتال بإمكانياتها الضئيلة، لذلك فإنّ التواجد العسكري للولايات المتّحدة الامريكية له أهمية كبيرة بالنسبة لها.

ما وراء قرار الانسحاب الامريكي من العراق

  • إعادة ترتيب الدور الامريكي في العراق

لا يمكن للولايات المتحدة الامريكية الانسحاب الكامل من العراق لأنّ في ذلك مكاسب عديدة لايران، حيث سيتيح لها فرصة الاضطلاع بمهام تدريب قوات الامن العراقية، كما أنّ هذا الانسحاب سيدفع العراق الى  سدّ فجوة الدور الامريكي بتشكيل علاقات دعم اقتصادي وامني … يمكن أن تشمل ايران .

 بالتالي فإن هذا الانسحاب سيكون مدروسا ودقيقا على النحو الذي لا يؤثر سلبا على المصالح الامريكية، ويخمد نيران الغضب الشعبي اتجاها،أي التركز في العراق بشكل اخر وبصورة اخرى تحيل على عدم المساس بالسيادة العراقية.

ويعني ذلك أن الولايات المتحدة الامريكية ستبحث عن التواجد المرتبط بالمتغيرات الاقتصادية والأمنية والذي له صلة مباشرة بمصالحها مقابل التخلص من التواجد الذي يثير الغضب المصحوب بردات فعل تهدّدها وتمثل عائقا لها، ومثال على ذلك الهجمات التي تستهدفها من الحشد الشعبي المقرب من ايران،لذلك ستسعى الى إثبات لا فاعليّة التواجد الايراني في العراق من خلال الفتح الجزئي للمجال أمامها، لأن الانسحاب الكامل سيكون حتما لصالح ايران، في حين أن الحفاظ على نفس الدور العسكري للقوات الامريكية لن يقوم فقط إلا بتأجيج الاوضاع ضدهاوتأكيد المواقف الايرانية والبعض من شيعة العراق.

إنّسياسة الضغط على طهران لم تكن بذلك القدر من الفاعلية في الحد من نفوذها، لذلك تعتمد الولايات المتحدة الامريكية سياسة معاكسة  لتلك التي كانت تعتمدها سابقا وذلك كرهان للعراق على عدم فائدة الوجود الايراني،  وإثباتالولايات المتحدة الامريكيةلأهمية دورها في ضمان استقرار الوضع الامني، وفتح المجال لإيران ليس الا خطة لاستبعادها، وهو ما سيؤدي بدوره إلى إضعاف التأييد الشعبي لها من العراقيين الشيعة .

أي أنّ الانسحاب العسكري لواشنطن سيساهم في توتير الاوضاع في كامل المنطقة بما ذلك الحدود مع ايران،  التّي ستجد نفسها وجها لوجه في مواجهة داعش بالثوب وبالقيادة الجديدة، ومن شأن ذلك أن يزعزع نفوذها ويرفع من وزن مسؤولياتها اتجاه العراق والضغوطات عليها.

  • تداعيات الانسحاب الكلي من أفغانستان بالتوازي مع الانسحاب العسكري من العراق

يرى مروان قبلان مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية أن انتصار حركة طالبان قد يبعث للجماعات والتنظيمات الجهادية وتيارات الاسلام الحركي أملا جديدا بعد الخيبة التي سببتها هزيمة داعش في كل من العراق وسوريا، وهو ما ينذر بمستقبل غامض قد تعيشه منطقة الشرق الأوسط بأكملها أو احتمال حدوث حرب ايديولوجية متعدّدة الأطراف والتحالفات ومن جبهات مختلفة، خاصّة بالتوازي مع الفترة التي ستقوم خلالها الولايات المتحدة الامريكية بالانسحاب العسكري من العراق ويضع احتمال عودة داعش في المنطقة. وهذا ما يبرز تحديدا العلاقة بين الانسحاب الامريكي من أفغانستان والسعي للتراجع عن القتال داخل العراق .

سيؤثر ذلك بدوره على ايران باعتبار موقعها، ممّا سيضعف قوتهاوسيدفعها للسعي لضمان استقرارها والمحافظة على أيديولوجيتها الشيعية من زحف الوحش السني من طالبان وداعش. و يمكن القول انّ الولايات المتحدة الامريكية تسعى من خلال هذه الحرب الى تشتيت تركيز الطرف الايراني ووضعه في وضعية الدّفاع وليس الهجوم والسعي لتطوير النّفوذ.

ويجدر القول في هذا الاطار أنّ التعاون بين طالبان وايران خلال السنوات الموالية لاخراج طالبان من الحكم  لم يكن إلاّ لغاية مقاومة العدو المشترك وهي الولايات المتحدة الامريكية، وبمجرّد ابتعاد واشنطن جزئيا من المشهد في كل من أفغانستان والعراق سيحتدّ الصّراع المذهبي بين الطرفين، خاصّة مع إمكانية عودة داعش الى الواجهة في العراق.

  • الانسحاب العسكري من العراق و نقل القواعد الى الاردن

صرّح جون كيربي المتحدّث باسم وزارة الدّفاع الامريكية في 4 يوليو الفارط عن غلق ثلاثة قواعد عسكرية بقطر ونقلها الى الاردن ويأتي ذلك تجنّبا للهجومات الايرانية التي قد تستهدفها مستقبلا داخل العراق، مثلما حدث في السّابق مع قاعدة الاسد على خلفيّة عمليّة الاغتيال التي قامت بها الولايات المتحدة الامريكية لفيلق القدس بالحرس قاسم سليماني، وقد نجم عن هذا الهجوم الايراني  100 جريح .

لذلك فإنّ الابتعاد عن قطر كفيل بحماية قواعد واشنطن من التهديدات التي تترصّدها من ايران وحرمان الاخيرة من وسيلة ضغط هامّة.

ويأتي الانسحاب العسكري من العراق بالتوازي مع نقل القواعد من قطر لنفس الهدف وهو إضعاف قدرة ايران على الضغط عليها وتجنّب أي استهداف من ميليشياتها.

كما اتخذت الولايات المتحدة الامريكية هذه الخطوة بعد الاتفاق على تكوين حلف مصري عراقي أردني، لذلك وجدت واشنطن الفرصة حتى تكون قريبة من هذا الحلف وتقوم بدعمه، وهي خطوة هامّة ايضا لتشتيت ايران وجعلها في مواجهة طالبان .

بالتّالي فإنّ الولايات المتحدة الامريكية قد درست الاوضاع جيّدا في محاربة ايران، مُستخدمة في ذلك كل من الانسحاب الكلي من أفغانستان والانسحاب العسكري من العراق، و نقل القواعد من الاردن لدعم الحلف الجديد . 

فكيف يمكن لايران أنتواجه هذا المخطط الامريكي ضدّها وأن تتعامل مع التّهديدات التي تترصّدها  ؟

By Zouhour Mechergui

Journaliste